كيف تدعم الأعمال الخيرية التوزيع العادل للقاح؟

التوزيع العادل للقاح
shutterstock.com/Jens Rother
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بعد مضي عام تقريباً من مواجهة أكبر أزمة صحية عامة منذ أجيال – أصيب فيها 100 مليون شخص، وتوفي مليوني شخص، وتزعزع استقرار حياة الجميع تقريباً – فإن العالم بأشد الحاجة إلى حملة تلقيح واسع النطاق ضد فيروس كوفيد-19. لكن الإثارة التي شعر الناس بها عند نيل لقاحي “فايزر” و “موديرنا” الموافقات في ديسمبر/كانون الأول من عام 2020 تضاءلت منذ ذلك الحين بعد التمهيد الصعب لوضع تلك اللقاحات بمتناول الناس. لا يكفي أن تملك لقاحاً، يجب أن توزعه بطريقة فعالة ومنصفة.

إن النبأ السار هو أن توزيع اللقاح يزداد سرعةً في العديد من الأماكن. ففي الولايات المتحدة، وعد الرئيس “بايدن” باستثمار مبالغ فيدرالية ضخمة لتزويد الولايات بالموارد التي تحتاجها لتلقيح المقيمين فيها. لكن تأمين هذا الدعم وتوزيعه سيستغرق وقتاً، وهذه الحاجة لا تزال ملحة. إن إحدى العقبات هي النسب المرتفعة لمعدلات التردد في قبول اللقاحات، الناتجة جزئياً عن تاريخ من الاستغلال الطبي وسوء المعاملة تجاه أصحاب البشرة الملونة في الولايات المتحدة. أظهرت دراسة حديثة أن نسبة 14% فقط من الأميركيين من أصحاب البشرة الداكنة و 34% من الأميركيين اللاتينيين يثقون في أن لقاح كوفيد-19 سيكون آمناً.

تستدعي مثل هذه المواقف إلى إقامة شراكة بين القطاعين العام والخاص. لقد شهدت أثناء تأدية دوري في إدارة الشراكات بين القطاعين العام والخاص لصالح مكتب الحاكم في كاليفورنيا طوال فترة جائحة كوفيد-19 أن التعاون بين القطاعين والاستفادة من نقاط قوة كل منهما حقق أثراً أكبر بكثير من العمل المنفرد.

فبينما ننتقل إلى مرحلة جديدة تتمحور حول محاولة إطلاق حملة تلقيح جماعية تاريخية في الولايات المتحدة، يتوق العديد من العاملين في القطاع الخيري إلى دعم هذه العملية بطرائق ضخمة أو بسيطة. لكن نظراً للطبيعة غير المتوقعة للتمهيد للتلقيح، لا تكون المؤسَّسات والجهات المانحة دائماً متأكدة من كيفية الاستفادة من استثماراتها بأكثر طريقة فعالة ممكنة.

لا يزال أمامنا الكثير لنتعلمه طوال عملية التلقيح، لكن سنقدم إليكم أربع طرائق تستطيع من خلالها الأعمال الخيرية أن تتشارك مع الحكومات مشاركةً فعالةً لدعم التوزيع العادل للقاح وضمان تلقيح عدد أكبر من الأفراد من فيروس كوفيد-19.

1. استثمر في رسل موثوقين

يقول الخبراء أنه للقضاء على كوفيد-19 يجب أن يكتسب حوالي 90% من السكان مناعةً ضد هذا الفيروس، لكن ثقة العامة في اللقاح – خاصةً بين مجتمعات البشرة الملونة – أقل من ذلك بكثير. إذ يتردد حوالي ربع العامة حول أخذ لقاح كوفيد-19، أي يقولون إنهم إما على الأرجح أو حتماً لن يأخذوه. وترتفع هذه النسبة بين البالغين داكني البشرة، حيث قال 35% منهم أنهم لن يتلقحوا قطعاً.

نعلم أن الرسل الموثوقين – وهم قادة المجتمع المحترمون الذين يعيشون ويعملون في مجتمعات الأقليات العرقية والإثنية التي يتفاوت تضررها من الفيروس – مهمون للتواصل مع المجتمعات المترددة في تلقي اللقاحات. لكن المؤسَّسات المجتمعية مثل العيادات الصحية المحلية أو ما يطلق عليهم “بروموتوراس” (promotoras) أي المروجون باللغة الإسبانية، التي تؤدي غالباً هذا الدور ليست دائماً ضخمةً بما يكفي لتقديم طلب للحصول على تمويل حكومي أو محلي. يمكن أن تساعد الأعمال الخيرية في سد هذه الفجوة.

من الأمثلة المستبعدة التي توفر دليلاً إرشادياً رائعاً لما ينجح فعلاً ولا علاقة لها بالصحة العامة: الإحصاء السكاني في الولايات المتحدة. استثمرت الدولة مؤخراً مئات الملايين من الدولارات في بناء إمكانيات شبكة من الرسل الموثوقين، لإقناع الفئة السكانية التي يصعب الوصول إليها بملء فراغ التعداد السكاني في عام 2020. في ولاية كاليفورنيا وحدها، تعاونت حكومة الولاية والشركاء الخيريون لتمويل مئات المؤسَّسات التي لها صلات وثيقة بمجموعات مثل المزارعين وأصحاب الهمم (ذوي الاحتياجات الخاصة) والمجتمعات القبلية، أي مجموعات من المجتمعات غير الممثلة تمثيلاً كافياً التي تحتاج إلى المعلومات والدعم حول التلقيح.

إحدى الشراكات بين القطاعين العام والخاص المبنية على هذا النموذج هي “توغاذر تووردس هيلث” (Together Toward Health) – وهو تعاون بين ولاية كاليفورنيا ومؤسسة الصحة العامة ومجموعة من الممولين الخيريين بقيادة مؤسَّسة “ذا كاليفورنيا إندومينت” (The California Endowment). خُصِّص هذا الصندوق التي تبلغ قيمته 28 مليون دولار لتمويل المؤسَّسات على أرض الواقع لتنشر التثقيف المجتمعي والتوعية حول كوفيد-19، وهذا يشمل معلومات حول سبب التلقيح وكيفية الحصول عليه. ينسَّق التمويل الخيري مع استثمار 30 مليون دولار مقدَّم من الدولة لتمويل التوعية والتعليم، وهذا من خلال معظم المؤسَّسات ذاتها التي دعمت مساعي الدولة في مسألة التعداد السكاني.

إن الاستثمار في المنظمات الأهلية المحلية لدعم التوعية باللقاحات ليس عاملاً مهماً لنجاح مساعي التلقيح فحسب. فمن خلال التركيز على المؤسَّسات التي يقودها أصحاب البشرة الملونة وغيرهم من القادة غير الممثلين تمثيلاً كافياً، الذين يحظون بمكانة جيدة تتيح لهم الوصول إلى المجتمعات المستضعفة، نستطيع أيضاً تحقيق قدر أكبر من العدالة. سيساعد الاستثمار في هذه المجموعات على بناء جيل جديد من قادة القطاع غير الربحي وإنشاء بنية تحتية لإشراك المجتمع ستستمر لفترة طويلة بعد مرور أزمة جائحة كوفيد.

2. دعم التوصيل المبتكر للقاحات

ستؤدي الولاية والحكومة الفيدرالية الدور الأساسي في مسألة توزيع اللقاحات. أعلنت إدارة بايدن أن الحكومة الفيدرالية ستنشئ 100 موقع ضخم للتلقيح في جميع أنحاء البلاد، وبدأت الولايات في إطلاق برامجها للتلقيح الجماعي في الميادين الرياضية وغيرها من الأماكن الواسعة. تؤدي المستشفيات والعيادات الصحية المحلية ومقدمو الرعاية الصحية دور المسؤولين عن اللقاحات، وتبدل مواقع الاختبار المجتمعية بعض مواعيدها إلى مواعيد تلقيح.

لكن حتى هذه الجهود ليست كافية، نحتاج إلى مجموعة واسعة من المقاربات المبتكرة. على سبيل المثال، لقح أحد مواقع التطعيم المتنقلة في وادي كوتشيلا في كاليفورنيا 250 عاملاً في القطاع الزراعي في يوم واحد. وتقود هذا الموقع المتنقل مؤسَّسة دعم المهاجرين “تودِك” (TODEC) وعدة وكالات محلية بالشراكة مع مقاطعة ريفرسايد ومؤسَّسة “توغذر توورد هيلث”. تلقى هؤلاء العمال لقاحاتهم خلال ورديات عملهم ليتجنبوا خسارة أجورهم، وسيعود الموقع في غضون ثلاث أسابيع لتقديم الجرعة الثانية. دعم التمويل الخيري التوظيف من ثماني مؤسَّسات مجتمعية محلية ساعدت في قيادة هذه المساعي. كما تتبع جهود مماثلة نهجاً شاملاً لتحقيق رفاه العامل من خلال توفير توزيع الطعام واختبار كوفيد والتوعية حوله، فضلاً عن حقوق العامل والتوعية بمسألة حماية المستأجر.

يمكننا أيضاً أن نستخلص دروساً مستفادةً من توزيع لقاح الإنفلونزا، إذ يسهّل أصحاب العمل في جميع أنحاء الولايات المتحدة حصول موظفيهم على التلقيح بانتظام. كما شهدنا برامج تجريبية مبتكرة في المدارس. على سبيل المثال، قدم برنامج تلقيح فعال ضد الإنفلونزا أقيم في مدرسة يسمى “شو ذا فلو” (Shoo the Flu) – الذي تموله شراكة بين مديرية الصحة في المقاطعة ومنطقة تعليمية والعمل الخيري – أكثر من 55 ألف لقاح للأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة وطلاب المرحلة الابتدائية والموظفين في 95 مدرسة شمال كاليفورنيا بين عامي 2014 و 2019. كان أثر هذا البرنامج الذي أطلق على مستوى المدينة عميقاً، ما أدى إلى زيادة معدلات التلقيح، وتخفيض حالات التغيب عن المدارس، وانخفاض حالات الدخول إلى المشفى على مستوى المجتمع.

نظراً لتوفر إمدادات اللقاح بشكل أكبر، تدعم الأعمال الخيرية البرامج التجريبية المبتكرة بالشراكة مع المدارس ومراكز الصحة المجتمعية والأعمال التعاونية وحتى الشركات (على سبيل المثال، قدّمت شركة “أوبر” (Uber) توصيلات مجانية ومخفضة لتوصيل الناس إلى مواقع اللقاحات). ستساهم هذه المساعي في الوصول إلى المجتمعات التي يصعب الوصول إليها حيثما كانت.

3. دعم برامج التدريب الوظيفي للأخصائيين الصحيين المحليين

يمكن أن تستثمر الأعمال الخيرية أيضاً في تدريب العاملين في مجال الصحة العامة على تأدية أدوار فورية في تقصي المخالطين والتوعية المجتمعية والتثقيف، بالإضافة إلى المسارات المهنية الأطول في مجال الصحة العامة والرعاية الصحية. تاريخياً، لم تستثمر الولايات المتحدة في بنيتها التحتية للصحة العامة بالقدر الكافي، لتترك عدداً غير كافياً من العاملين في مجال الرعاية الصحية في مواجهة الجائحة. إن قلة عدد العاملين إلى جانب حقيقة أن11 مليون أميركي تقريباً عاطلون عن العمل حالياً، يوفر فرصةً مثاليةً لمعالجة مسألة تتبع تطور فيروس كوفيد والتلقيح منه، وإعادة توظيف الناس.

ينفذ مقدم الرعاية الصحية “كايزر برماننت” (Kaiser Permanente) ذلك من خلال شراكته مع ولاية كاليفورنيا. إذ يمول توظيف وتدريب 500 عامل بدوام كامل من خلال تقديم منحة إلى “مؤسَّسة الصحة العامة”، وهم أفراد يتحلون بالكفاءة اللغوية والثقافية، ويمكنهم تنفيذ أعمال تقصي المخالطين في المجتمعات التي يخدمونها. أحد الأمثلة عن هذا “جون فرانكو”. خسر “جون” وظيفته في عام 2020 ثم أصيب بكوفيد-19. نبهته مكالمة من أحد متقصي المخالطين إلى تعرضه للإصابة بالمرض، فأوقفه ذلك عن الذهاب لزيارة والدته في اليوم التالي ونقل الفيروس إليها. ألهمته هذه التجربة للتقدم بطلب لبرنامج “كايزر برماننت” ليصبح هو متقصي المخالطين. لم يخدم مجتمعه بصفته متقصي المخالطين الذي يتحدث لغتين فقط، لكنه الآن يحضر دروساً جانبيةً في مجال الصحة العامة ويخطط أن يؤسس لمهنة في هذا المجال.

تنتشر جهود مماثلة في أجزاء أخرى من البلاد أيضاً. فمثلاً في شيكاغو توظف مؤسَّسة “فاكسين كوربس بارتنرشيب” (Vaccine Corps Partnership) أخصائيين صحيين محليين لدعم التوزيع العادل للقاحات، وتدعم مؤسَّسة “فيوتشر هيلث” (Futuro Health) التدريب عبر الإنترنت للأشخاص المهتمين بتأسيس مهن في مجال الرعاية الصحية. يمكن للابتكار في تعزيز قدرات القوى العاملة للتصدي لفيروس كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية أن تنقل الناس من حالة البطالة واليأس إلى الأمل والمسارات المهنية الجديدة.

4. الاستثمار في التنسيق

أخيراً، نعلم أن التنسيق على المستوى القومي والمحلي ومستوى الولاية سيساهم في جذب المزيد من الأشخاص إلى المشاركة في الحوار، وسيضمن أننا نستفيد جميعاً من نقاط قوة بعضنا البعض في هذا المسعى التاريخي لتلقيح الشعب الأميركي.

أحد الأمثلة على ذلك هو مشروع “كوفيد كولابوراتيف” (COVID Collaborative) – الذي تموله مؤسسة “سكول فاونديشن” (Skoll Foundation) بالاشتراك مع مؤسَّسة “الجمعية الوطنية للنهوض بأصحاب البشرة الملونة” (NAACP) و”يونيدوس يو إس” (UnidosUS) و”لانغير ريسيرتش” (Langer Research) – التي أصدرت مؤخراً نتائج استقصاء حول التردد في قبول اللقاحات في مجتمعات أصحاب البشرة الملونة واللاتينيين. كما يوجد تحالف آخر هو “تحالف الولاية والإقليم للاختبار” (State and Territory Alliance for Testing) التابع لمؤسَّسة “روكفلر فاونديشن” (Rockefeller Foundation)، الذي يعزز التعاون بين الحكام في اختبار الإصابة ويساهم في تطوير الممارسات المثلى المتعلقة باللقاحات. على المستوى المحلي، تمول مؤسسة “كوميونيتي فاونديشن” (Community Foundation) في مقاطعة مونتيري حواراً أسبوعياً منسقاً لضمان أن القادة المحليين يطورون خطة عمل منسقة ومتعددة القطاعات لدعم الصحة العامة والعدالة.

في الواقع نحن لا نزال نتعلم كلما تقدمنا في مسيرتنا في توزيع اللقاح. لكن مع أننا ما زلنا لا نعرف تماماً كيف ستتبلور جهودنا في مجال التلقيح، وما هي التدخلات التي ستصل إلى معظم الناس، أو كيف يمكننا أن نحقق أقصى قدر من الكفاءة مع الحفاظ على تركيزنا على العدالة، يمكن للعمل الخيري الآن أن يعمل لمساعدة الحكومة على أن تكون خلاقةً أكثر في تلك العملية. آن أوان التعاون لتلقيح عدد أكبر من الناس والمساعدة في وضع حد لهذه الحقبة المظلمة من الأزمة الصحية العامة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.