المدن الذكية: حل فعّال لمواكبة التطور الحضري والاستدامة البيئية

3 دقائق
المدن الذكية
shutterstock.com/jamesteohart

أصبحت الاستدامة أولوية قصوى للحكومات في ظل تفاقم التحديات البيئية والمجتمعية، وبرزت المدن الذكية بوصفها حلاً فعّالاً للاستفادة من الحلول التكنولوجية المتقدمة من أجل تعزيز كفاءة الطاقة والحد من انبعاثات الكربون، بالتوازي مع النمو والتطور الحضري. فما أهمية المدن الذكية؟ وكيف تنجح في الجمع بين الاستدامة البيئية والتخطيط العمراني الحضري؟

الاستدامة هدف استراتيجي للمدن الذكية

تعد المدن موطناً لأكثر من نصف سكان العالم، وبحلول 2050 سيقطنها نحو 66% من السكان، ما يُنذر بزيادة استهلاك الطاقة وانبعاثات الغازات التي تُسبب الاحتباس الحراري، إذ تُعد المدن مسؤولة عن أكثر من 70% من انبعاثات الكربون العالمية وبين 60% و80% من استهلاك الطاقة، ومن المتوقع أن يصل استهلاك المدن لبعض الموارد مثل الغذاء والمياه والوقود الأحفوري إلى 90 مليار طن بحلول عام 2050.

وبحسب ماكنزي آند كومباني، سيؤدي النمو الحاد في عدد سكان المدن وزيادة استهلاك الموارد إلى خلق العديد من التحديات المرتبطة بالنمو والأداء والقدرة التنافسية ومعيشة السكان، مثل عدم المساواة الاجتماعية، والازدحام المروري، وتلوث الهواء والمياه، فضلاً عن تهالُك البنية التحتية العامة.

نتيجة لهذه التحديات الناتجة عن التحضر السريع، ظهر مفهوم المدينة الذكية الذي يمثل أسلوب حياة يعتمد على توظيف التطور التكنولوجي الحاصل في العالم مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، لتوفير استهلاك الطاقة والحفاظ على البيئة وجعل المدن أكثر اماناً وإنصافاً وكفاءةً واستدامة وقابلية للعيش.

وفي ظل تسارع وتيرة التحرك نحو أهداف التنمية المستدامة 2030، التي ترمي إلى تأمين بيئات صحية آمنة ومزدهرة للأجيال الحالية والمستقبلية، وخصوصاً الهدف رقم 11 "مدن ومجتمعات محلية مستدامة"، برزت المدن الذكية كأحد سبل تحقيق التنمية الشاملة.

هل المدن الذكية مفيدة للبيئة حقاً؟

شهدت المدن حول العالم تغييرات كبيرة خلال العقود القليلة الماضية بسبب النمو السكاني والتحضر السريع، ووفقاً لدراسة بعنوان: "المدن الذكية المستدامة آفاق وتطلعات على خطى مدن القرن الحادي والعشرين"، اتخذت استراتيجيات التحكم بهذه التغييرات اتجاهين رئيسين؛ يتمثل الأول بنموذج المدينة المستدامة والحفاظ على البيئة والموارد المتاحة وتحقيق التكامل بينها، أما الثاني فيقوم على نموذج المدينة الذكية الذي يعزز جودة الخدمات الحضرية عبر الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والأدوات الرقمية المتقدمة.

وعليه، تساعد حلول المدن الذكية المتطورة في تحفيز النمو الاقتصادي ودعم الأعمال، وتحسين إمكانية الوصول إلى فئات المجتمع كافة ومشاركة المعلومات معهم، وتسهيل حصولهم على الخدمات الحكومية، بالإضافة إلى الحد من هدر الموارد، وتحفيز الاستدامة البيئية عبر توفير بنىً أساسية ذكية ذات كفاءة في استهلاك الطاقة.

ومن المتوقع أن تمكِّن شبكات الطاقة الذكية في المدن من خفض استهلاك الكهرباء بنسبة 15% على الأقل بحلول عام 2030، كما ستساعد تقنية إنترنت الأشياء في خفض الانبعاثات الناتجة عن الصناعة بنحو 10%، وتقليل استخدام الوقود للنقل وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الحافلات بنسبة 20%، وستحفّز أيضاً أجهزة الاستشعار الذكية معدلات إعادة التدوير لتصل إلى 60% بحلول 2030 من خلال أتمتة عمليات جمع النفايات.

نلاحظ أن معظم فوائد المدن الذكية مرتبط ارتباطاً مباشراً باستخدام التكنولوجيا الرقمية، إذ يمكن تشجيع السكان على استخدام السيارات الكهربائية، وفتح الأفق أمام مساحات العمل عن بُعد للحد من انبعاثات الكربون، لكن بحسب الدراسات، يؤدي الابتكار التكنولوجي إلى زيادة في استهلاك الطاقة، فهل المدن الذكية بالفعل أفضل للبيئة؟

يجب أن تعتمد المدن الذكية على المصادر المستدامة في الحصول على الطاقة، وأن تعمل على إعادة التدوير والتخلص من المخلفات الإلكترونية بطريقة صديقة للبيئة حتى تضمن الاستفادة الفعلية من التكنولوجيا في جعل المدن أكثر كفاءة وأماناً، والقدرة على تخطيط استراتيجيات نمو أفضل للمستقبل وتطويرها، فالتخطيط الذكي للمدن يأخذ البعد البيئي بعين الاعتبار، ويركز على تطوير المناطق التي تعاني مشكلات عمرانية وبيئية لإضفاء صبغة حضرية صديقة للبيئة، بالتالي فكرة المدن الذكية ترتبط بالتطوير والتحديث، والعمل على مشاريع مثل إعادة تأهيل نهر ملوث، أو حماية حيوانات معرضة للانقراض أو إعادة تدوير المخلفات، وتقييمها بهدف الحد من آثارها على البيئة إلى أقصى درجة ممكنة.

وأسهمت المدن الذكية إسهاماً بارزاً في الحفاظ على البيئة، منها مدينة مصدر الإماراتية، التي تعد أول مدينة خالية من الكربون، إذ بدأت إمارة أبوظبي التخطيط للمدينة عام 2006، وركزت في ذلك على الطاقة المتجددة وخصوصاً الطاقة الشمسية، وبناء منظومة بيئية ذكية تعزز جودة الحياة، كما عملت على تقليل الاعتماد على المواصلات ووسائل النقل من خلال توفير السكن والمرافق العامة في مواقع مناسبة وقريبة تسهل حركة السكان.

مثال آخر، المدنية الذكية في براغ، إذ دفعت المشكلات العديدة التي تعانيها العاصمة التشيكية، ومنها الازدحام، أساتذة العمارة في جامعة براغ التقنية للبحث عن حلول ذكية تواكب الحاضر ومتطلبات المستقبل، فكان التركيز على مراعاة المحيط العمراني والاهتمام بالبنية التحتية بكل مستوياتها، وتوفير الإضاءة والتهوية الجيدة في المباني، والحد من استهلاك الطاقة في وسائل النقل من خلال مراعاة قرب مقر العمل من السكن.

إذاً، يؤدي النمو الحضري وتغير المناخ إلى مشاكل مرتبطة بمحدودية الموارد وإدارة النفايات واستهلاك الطاقة، ما يحفزنا على توسيع نطاق المدن الذكية التي تخلق بيئة حضرية مناسبة للسكان مع رفع مستوى الحفاظ على البيئة، وتعزيز سبل التنمية المستدامة.

المحتوى محمي