لماذا لا تستغل المؤسسات غير الربحية البيانات على نحو واسع؟

استخدام البيانات
shutterstock.com/ArtHead
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

حققت الشركات الأميركية في عام 2021 أرباحاً بقيمة 2.77 تريليون دولار، وهي أعلى أرباح سُجلت في التاريخ، وبزيادة كبيرة عن عام 2000 حيث سجل إجمالي أرباح الشركات 786 مليار دولار. في المقابل، يختلف تقدم القطاع الاجتماعي بدرجة كبيرة. إذ كان التقدم في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ضعيفاً من عام 2000 إلى عام 2021، حيث سجل نمواً أقل من 10% على مدار 20 عاماً.

ما الذي يفسر هذا الفرق الهائل بين شركات القطاع التجاري ومؤسسات القطاع الاجتماعي؟ أحد التفسيرات هو دور البيانات. بعبارة أخرى، تستفيد الشركات من ثقافة استخدام البيانات في صناعة القرارات. ويُشار إلى ذلك باسم “فجوة البيانات“، الفجوة المتزايدة بين استخدام البيانات لمضاعفة الأرباح واستخدام البيانات لحل المشكلات الاجتماعية.

وفقاً لاستقصاء أجرته شركة آي بي إم (IBM) في عام 2022، أفادت نسبة 77% من الشركات أنها تستخدم بالفعل الذكاء الاصطناعي أو تستكشف كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في أعمالها. في المقابل، كشف تقرير صدر عام 2017 أن نسبة 5% فقط من المؤسسات غير الربحية تستخدم الذكاء الاصطناعي، وأن نسبة 28% فقط من المؤسسات غير الربحية تستخدم البيانات لأغراض تنبؤية أو وصفية. ولا يختلف القطاع العام كثيراً، ففي حين تواجه الهيئات الحكومية في جميع أنحاء العالم تحديات هائلة في الاستفادة من بياناتها لتقديم الخدمات بفعالية وكفاءة، أفاد 89% من المشاركين من القطاع العام في عام 2020 أنهم غير مستعدين بعد لنمو سريع للبيانات.

في الحقيقة، نعيش في عصر تحولي حيث أدت سرعة التقدم التكنولوجي ونمو البيانات المهول إلى تغيير حياتنا وطرق عملنا. وبالتالي، من المرجح لدرجة كبيرة أن تكون فجوة البيانات بين القطاع التجاري والقطاع الاجتماعي عاملاً رئيسياً في بطء التقدم. إذ كشف الاستقصاء نفسه الذي صدر عام 2017 بشأن المؤسسات غير الربحية الذي أجرته شركة آي بي إم أن 78% من المؤسسات غير الربحية ذات القدرات التحليلية المتقدمة أفادت بفاعلية أعلى في أداء مهامها.

فإذا كان هناك ارتباط واضح بين البيانات والتقدم، فلماذا لا تستغل المؤسسات غير الربحية ومؤسسات القطاع الاجتماعي البيانات على نحو واسع؟

ركزت الأبحاث الأولية لفهم ضعف اعتماد البيانات في البداية على المستويات التنظيمية. وكشفت هذه الأبحاث المهمة عن عقبات حقيقية مثل نقص رأس المال الاستثماري، ونقص القدرة الداخلية، والحواجز الثقافية، ونقص الابتكار التكنولوجي، ومحدودية الوصول إلى علماء البيانات، والمزيد. ووفقاً لبحث شركة آي بي إم: “في حين أن هذه العقبات [الميزانية والتكنولوجيا والمواهب] شائعة في مختلف القطاعات، فإن الفروق الدقيقة الخاصة بالقطاع غير الربحي تزيد من حدة تأثير تلك العقبات. تدفع قوى السوق في القطاع الخاص للاستثمار في البيانات لتظل قادرة على المنافسة. في المقابل تواجه المؤسسات غير الربحية صعوبة في جمع الأموال للاستثمار في النفقات العامة الداخلية، حيث يقتصر التمويل غالباً على الأنشطة المتعلقة بالبرامج”.

لكن ثمة جهود للتغلب على بعض هذه العقبات. وقد حددنا 115 مبادرة مختلفة تحت شعارات مثل “البيانات من أجل الخير” أو “الذكاء الاصطناعي من أجل الخير”، وربما يكون هناك العديد من المبادرات قيد التنفيذ بعد ظهور برمجية شات جي بي تي (ChatGPT). يمكن لمؤسسات غير ربحية عدة الآن الوصول إلى إصدارات مجانية من الأدوات البرمجية من عدد لا يحصى من الشركات الصغيرة والكبيرة التي تقدم المبادرات الخيرية. كما يوفر الوسطاء مثل مؤسسة تيكسوب (TechSoup) وصولاً مجانياً أو بكلفة مخفّضة إلى مئات المنتجات، وتهدف مؤسسات مثل مؤسسة داتا كايند (DataKind) وداتا دوت أورغ (Data.org) إلى تسهيل وصول المؤسسات غير الربحية إلى المواهب في علوم البيانات. لكن هذه المبادرات ليست كافية ولا تحل سوى جزء من المشكلة الكاملة.

نعتقد أن ثمة خللاً على مستوى القطاع برمته، حتى لو توفرت الميزانية والقدرة والرغبة الثقافية لاستخدام البيانات عند المؤسسات وواضعي السياسات؛ فهل البيانات التي يحتاجون إليها موجودة بالشكل الذي يحتاجون إليه؟ نعلم بأن الإجابة عن هذا السؤال هي “لا” واضحة، فلا توجد بيانات ممكنة الاستخدام حتى الآن للقطاع لأن القطاع يفتقر إلى بيئة عمل تعمل بكامل طاقتها لإنشاء البيانات وتحليلها واستخدامها على نفس مستوى فعالية القطاع التجاري.

تحليل بيئة عمل البيانات

توجد بيئة عمل البيانات في قطاعات عدة مثل التمويل والرعاية الصحية وتجارة التجزئة والترفيه والانتخابات وحتى الرياضة. وفي كل من هذه القطاعات، يتم جمع بيانات النتائج ووضع معايير لها وتركيبها وقياسها واستخدامها لإرشاد النماذج التنبؤية. على سبيل المثال، تتعقب شركة باندورا لخدمات البث المباشر عبر الإنترنت (Pandora) بيانات النتائج حول الأغاني التي يختارها الناس. وتتعقب شركة تارغت (Target) بيانات النتائج حول المنتجات التي يشتريها الناس. كما تستخدم شركة 23 آند مي (23andme) الحمض النووي وإسهامات المستخدمين لمساعدة الباحثين على ربط الصفات الجينية بالأمراض. وتتعقب شركة بلومبرغ (Bloomberg) بيانات النتائج المالية لأداء الشركات، وهلمّ جرّاً.

وقبل الذهاب إلى أبعد من ذلك، نريد أن نحذر من أن بيئة نظام البيانات التجارية التي تُركت دون تنظيم، أدت إلى عواقب سلبية وبخاصة على الفئات المهمشة. إذ يتطلب الوصول إلى كميات هائلة من المعلومات الخاصة والشخصية تنظيماً وتحكماً دقيقين. وتتميز الآداب المهنية لاستخدام البيانات بحساسية أكبر في القطاعين العام وغير الربحي، حيث الثقة ضرورية لترخيص المؤسسة للعمل. وعلى الرغم من المزالق الأخلاقية للقطاع التجاري، ما تزال هناك آليات مهمة لبيئة عمل البيانات يمكن الاستفادة منها لتحقيق نتائج اجتماعية وبيئية إيجابية.

لنلق نظرة على الآليات الرئيسية لبيئات عمل البيانات التجارية. فعلى الرغم من تطور بيئات عمل البيانات بمرور الوقت، توجد أربعة مستويات رئيسية لمعالجة البيانات:

بيانات مستوى الإنتاج. المستوى الأول من بيئة العمل هو إنتاج البيانات الأولية، أي البيانات الأولية الناتجة عن استخدام أي منتج أو خدمة أو تجربة أو تدخل. وهي بيانات المعاملات على المستوى الفردي، مثل معدلات زيارة الموقع الإلكتروني، والمبيعات، وبيانات الماسح الضوئي لمتاجر البقالة، ومستويات المخزون، ومعدلات المشاركة، ومعدلات الاشتراك، ومعدلات القبول، ومعدلات العوائد، وما إلى ذلك. قد تتضمن هذه البيانات أيضاً بيانات سلوك المستخدم مثل سلوك الشراء السابق، والولاء، وتكرار الاستخدام، والصيغ الأخرى. ويتوفر معظم هذه البيانات لدى الشركات الصغيرة أو التجار أو التطبيقات البرمجية.

البيانات على مستوى المنصات. المستوى التالي من بيئة عمل البيانات هو الأماكن التي تُجمع فيها البيانات على نطاق واسع. وتهيمن المنصات الكبرى على هذا المستوى. قديماً كانت البنوك الكبرى وشركات بطاقات الائتمان تتعقب بيانات المعاملات لأعداد كبيرة من المستهلكين. أما الآن، ومع ظهور الإنترنت والحوسبة السحابية، فإن شركات مثل نتفليكس ونيلسن (Nielsen) وجوجل وآبل وأمازون وميتا ولينكد إن وزيلو (Zillow) وسبوتيفاي (Spotify) وتيك توك تتربع على أكوام من البيانات الطولية العالية التنظيم حول سلوك المستخدم.

التصفية والتجميع. غالبية مصافي البيانات أو المُجمِعات أو الوسطاء التي تعمل على هذا المستوى شركات رقمية حصرية ومصممة لبيع البيانات إلى شركات أخرى. تجمع هذه الشركات بيانات المستخدم العالية التنظيم من المنصات، وتنظف البيانات لدمجها بطرق تجعلها مفيدة للباحثين والمسوقين والحملات السياسية ومكاتب الائتمان وغيرها. تعمل مكاتب الائتمان الرئيسية الثلاثة إكسبيريان (Experian) وإكويفاكس (Equifax) وترانس يونيون (TransUnion)، على هذا المستوى، حيث تستوعب البيانات من مُصدري بطاقات الائتمان، وشركات الرهن العقاري، ومقدمي خدمات قروض الطلاب، ومصادر أخرى لتطوير البيانات الوصفية مثل درجات الائتمان. هذا هو المجال الذي يمكن أن يسيء فيه القطاع التجاري الاستخدام الأخلاقي لبيانات المستخدم الشخصية للغاية، وحيث ينبغي للقطاعين الاجتماعي والبيئي أن يستخدماها بشكل أفضل.

دعم القرارات. المستوى الأعلى لبيئة عمل البيانات هو مجال وكالات التصنيف ومحركات التوصية والمؤشرات وخوارزميات المطابقة والذكاء الاصطناعي. تقدم الشركات في هذا المستوى أدوات تطبق البيانات على السيناريوهات الواقعية لتعطي إجابات عن الأسئلة المطروحة. وهناك العشرات من الأمثلة، لكن المثال الأكثر جرأة لحالات استخدام البيانات في دعم صناعة القرار ربما يكون شات جي بي تي المشهور في هذه الأيام الذي صممته شركة أوبن أيه آي (OpenAI). تعد أنظمة دعم صناعة القرار ضرورية لبيئة عمل البيانات لأن هذه الأدوات تجمع كميات هائلة من البيانات غير المنظمة وتجعلها قابلة للتنفيذ من قبل صانعي القرار.

تعمل بيئات عمل البيانات الناضجة بنجاح لأن كل طبقة من البيانات هي جزء من “سلسلة توريد” تعتمد على الطبقة التي تسبقها. ولكل مستوى غرض اقتصادي مميز وقيمة مضافة واضحة. والأهم من ذلك أن بيئة عمل البيانات تعمل بنجاح لأن البيانات منظمة للغاية وقابلة للاستبدال، ما يسهل التجميع والتركيب.

تحليل فجوة البيانات: ما هو العنصر المفقود؟

تؤدي البيانات دوراً مختلفاً جوهرياً في القطاع الاجتماعي. ولفهم جوانب فجوة البيانات بشكل أفضل، أجرينا مقابلات مع علماء بيانات واقتصاديين وأصحاب أعمال غير الربحية وأصحاب أعمال خيرية وخبراء وواضعي السياسات. أسفر البحث عن صورة لبيئة عمل البيانات الذي تطور بدرجة كبيرة بناء على متطلبات الامتثال بدلاً من الابتكار وفرص التأثير. وحددنا عوامل رئيسية عدة شكلت الوضع الحالي لمشهد بيانات التأثير الاجتماعي.

  • عدد قليل من منصات البيانات البارزة أو المستخدمة على نطاق واسع في القطاع الاجتماعي. تستخدم المؤسسات غير الربحية مجموعة متنوعة من منصات البرمجيات المحلية والصغيرة، ما يحد من القيمة المضافة (وكذلك المخاطر) لمنصات البيانات التجارية الكبيرة. تستعين الهيئات الحكومية غالباً بموظفين بعقود لإنشاء برمجيات مخصصة وبالتالي تجمع البيانات على نحو فردي. والعديد من أنظمة إدارة المنح وبرامج إدارة الحالات “مغلق” دون واجهات بينية يسهل الوصول إليها، ما يحد من مشاركة البيانات الخارجية. والنتيجة درجة عالية من تفكك البيانات وضعف في إمكانية نقلها.
  • لا يوجد بنية تنظيمية لبيانات التأثير الاجتماعي. لم تضع القوانين أو وسطاء معلومات أو مجموعات تأثير معايير موحدة لبيانات النتائج، ونقصد ببيانات النتائج هنا المعلومات حول تأثير البرامج الاجتماعية على الأفراد. ينتج الكثير من بيانات التأثير عن متطلبات تقارير المنح المتمايزة للهيئات الحكومية أو المؤسسات أو المانحين. حتى على مستوى الولاية والمستوى الوطني في الولايات المتحدة، تحدد الهيئات الحكومية عادةً أهداف الأداء الداخلي الخاصة بها، أي مقاييس النتائج، وترسل هذه البيانات إلى مكاتبها التنفيذية للإدارة والميزانية.
  • حالات الاستخدام المتقدمة غير متطورة. بسبب عزلة البيانات ونقص البنية التنظيمية لبيانات التأثير، يوجد استثمار محدود في التكنولوجيا الجديدة وقدرات البيانات التحليلية التنبؤية. والنتيجة عدد قليل من أدوات دعم القرار مثل محركات التوصية والخوارزميات التنبؤية وما شابه. وفقاً للمؤسس الشريك ورئيس البحث والتطوير في مختبر الحوكمة (The Governance Laboratory) بجامعة نيويورك ستيفان فيرهولست: “يتمثل التحدي الحقيقي في جعل بيانات التأثير منهجية ومستدامة وموثوقة. ولا يوجد توسّع في العمل التعاوني والمشاريع التجريبية والمنفردة الخاصة بالبيانات. نحتاج إلى جيل جديد من جامعي البيانات، نحتاج إلى اتحاد ’لكبار مسؤولي البيانات’”.
  • برامج التمويل الناجحة لا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتأثير. على عكس القطاع الخاص، لا تولد بيانات التأثير (أي النتائج الإيجابية) فائدة مالية فورية تمكّن المؤسسة من النمو وتحقيق المزيد من التأثير. ونتيجة لذلك لم تحظَ البيانات بتقدير كبير في القطاع الاجتماعي. ووفقاً لأحد كبار المسؤولين التنفيذيين في مجال العمل الخيري الذي أجرينا مقابلة معه: “يجب أن تتوفر فائدة مالية في إثبات أن البيانات ستساعدك على توجيه تدخلك بطريقة أفضل، مثل توفير المزيد من المال، ومساعدة المزيد من الأشخاص، وما إلى ذلك. وفي حال أدت النسب العالية من التأثير إلى توليد إيرادات أكبر وكانت أداة فعالة لجمع الأموال، فستكون لبيانات التأثير قيمة”.
  • عدم وجود مصافٍ لمنصات البيانات واسعة النطاق. كشفت أبحاثنا أن سبب أكبر “صدع” في فجوة البيانات هو غياب مصافي بيانات واسعة النطاق في القطاع الاجتماعي. كانت هناك محاولات مبكرة لتصفية بيانات القطاع الاجتماعي، مثل تعاونيات البيانات ذات الأهداف المحددة، وقواعد الأدلة، ومراكز تبادل المعلومات “ما يصلح منها”، وقواعد البيانات المالية، ووكالات التصنيف. لكن هذه المحاولات كانت مجزأة، وتعاني نقص التمويل، ولم تكن فعالة بدرجة كافية لدعم هذا القطاع على نحو مستمر.

وتكمن فعالية مصافي البيانات في طريقة هيكلة البيانات وتصنيفها وتوحيد معاييرها. وتدعى هذه العمليات بالتصنيفات. ولماذا التصنيفات ضرورية؟ لأن البيانات دون تصنيفات تشبه نوعاً ما الحلوى الهلامية دون قالب، أي مجرد فوضى.

تضييق فجوة البيانات

لن يحدث تطوير نظام بيانات التأثير الاجتماعي بين عشية وضحاها، ولكن ثمة خطوات يمكننا اتخاذها نحو الأمام. ويجب أن يكون جانب من التقدم من جهة “العرض”، أي إنشاء التصنيفات وتوحيد معايير البيانات وإحداث قواعد البيانات المشتركة على نحو أفضل. كما يتعين إحراز تقدم في جانب “الطلب”، أي إنشاء حوافز مالية وتمويل الابتكار وإثبات جدوى حالات الاستخدام الجديدة. إليك 3 جوانب يمكننا الاهتمام بها الآن لسد فجوة البيانات:

الابتكار

نحن في قطاع العمل الاجتماعي بحاجة ماسة إلى إنشاء المزيد من بيانات التأثير المنظمة. وعلى الرغم من وجود الكثير من “البيانات”، فغالبيتها ذات طبيعة إدارية. إذ نفتقر إلى البيانات المنظمة المتعلقة بتصميم البرامج الاجتماعية وتنفيذها ونتائجها. ولحل هذه المشكلة نحتاج إلى استقطاب رواد الأعمال والباحثين ومتخصصي التكنولوجيا الذين يمكنهم ابتكار طرق جديدة لجعل البيانات أدق وأسهل من حيث القدرة على الوصول إليها. وتتعلق بعض فرص الابتكار بتنظيم البيانات غير المنظمة الموجودة مثل الدراسات البحثية والتقييمات وتقارير المنح وطلبات المنح وأوصاف البرامج. وتتضمن الفرص الأخرى للابتكار طرقاً جديدة لإنشاء بيانات منظمة من المستفيدين وأصحاب الأعمال الاجتماعية والممولين.

أحد الأمثلة على ابتكار البيانات المنظمة هو مختبر بيانات العدالة (Justice Data Lab)، وهو منشأة تابعة لوزارة العدل في المملكة المتحدة. وهو يساعد المؤسسات التي تعمل على الحد من عودة السجناء إلى الجريمة على الوصول إلى بيانات الحكومة حول العودة إلى الجريمة حتى تتمكن من تقييم تأثير تدخلها. ويمكن للمؤسسات إرسال بيانات نتائجها إلى المختبر، فيقارن فريق من المقيّمين المدربين متغيرات النتائج المقدمة بمجموعة ضبط متطابقة من السجناء لم تتلق التدخل نفسه. يؤدي ذلك إلى إنشاء “تقييم عشوائي” فوري لأي تدخل اجتماعي ويعمل كمصفاة صغيرة للبيانات لمزود الخدمة الاجتماعية.

مثال آخر هو مبادرة سجل جينوم للتأثير (Impact Genome Registry)، وهي مبادرة أطلقها أحد مؤلفي هذه المقالة (جيسون). يتيح سجل التأثير لأي مؤسسة غير ربحية الفرصة للإبلاغ الذاتي عن بيانات التأثير الخاصة بها إلى مركز تبادل البيانات وتوحيد هذه البيانات والتحقق منها بشكل مستقل. ويستخدم الممولون سجل التأثير حالياً للتحقق من تأثير منحهم، كما يستخدمه واضعو السياسات لتصميم تدخلات اجتماعية أكثر فعالية، وكذلك المؤسسات غير الربحية لقياس نتائجها.

تشمل الأمثلة الأخرى لتطوير مجموعات البيانات المنظمة العالية القيمة مشاريع مثل يو
إس أيه فاكتس (USA Facts)
الذي يجمع وينظم البيانات المتعلقة بنفقات الحكومة الأميركية برمتها، ومشروع وات ووركس كليرنغهاوس (What Works Clearinghouse) التابع لمعهد العلوم التربوية في الولايات المتحدة (Institute for Educational Sciences)، والذي يرمّز دراسات التقييم حول فعالية التدخلات التعليمية.

الحوافز

تنمو البيانات عند زيادة الطلب. يحفز دافع الربح الشركات بشكل طبيعي إلى البحث عن بيانات تأثير مصفّاة وقابلة للتنفيذ في القطاع التجاري. لكن لا يوجد في القطاع الاجتماعي نظام عضوي للمكافآت المالية مقابل التأثير. لذا فإن توليد بيانات أفضل لا يعني زيادة في الإيرادات. لكن يمكن لواضعي السياسات والمبتكرين والممولين المؤثرين تغيير ذلك.

والحافز المباشر هو المكافآت المالية مقابل التأثير. ظهر أول حافز “الدفع مقابل النتائج” في عام 2004 عندما منحت مؤسسة أنساري إكس برايز (Ansari XPRIZE) 10 ملايين دولار (وهي أكبر جائزة قُدمت في التاريخ حينها) لأي جهة يمكنها تصنيع مركبة فضاء مأهولة صالحة للاستخدام المتكرر وقادرة على السفر إلى الفضاء مرتين خلال أسبوعين. ومنذ ذلك الحين ربطت مسابقات الجوائز الأخرى المال بالنتائج على نحو مباشر. وتعتمد حركة “الدفع مقابل الأداء” برمتها مثل سندات التأثير الاجتماعي وطرائق التمويل المبتكر الأخرى على نظام الحوافز نفسه. وكلما زاد الارتباط المباشر بين المكافآت المالية والتأثير، زاد الطلب على البيانات ومصافي البيانات.

ينطبق المبدأ نفسه على البحث الأكاديمي. وتظل الأبحاث أكبر كنز دفين من “البيانات”، ومع ذلك تُنشر كل مقالة بتنسيق غير منظم دون استخدام أي من تصنيفات التأثير. ويحد ذلك من إمكانية ترميز الدراسات وتركيبها وتجميعها في مصفاة بيانات. وبالنتيجة يظل القطاع مكتفياً بأبحاث بولينية، أي لا تقدم سوى قيمة واحدة بالنفي والإثبات، تصلح لمراجعة الأدبيات وتجميع “قواعد الأدلة” التي تتكون من مقالات بتنسيق بي دي إف. ويمكن أن يؤثر تغيير الحوافز المهنية للمحتوى الأكاديمي في الطلب على مصافي البيانات.

الاستثمار

وأخيراً، يحتاج موزعو الموارد الكبيرة في هذا المجال مثل الهيئات الحكومية، والمؤسسات الخيرية الخاصة، والشركات الكبرى إلى تغيير الطريقة التي يستثمرون بها في التأثير. أولاً، نحن بحاجة إلى احترام أهمية الكفاءة التنظيمية والاستثمار في تمويل استغلال قدرات البيانات. ثانياً، يحتاج القطاع إلى دفعات كبيرة من رأس المال لتمويل البحث والتطوير والابتكارات والتكنولوجيا الحديثة. وهذه دعوة لاتخاذ إجراءات من أجل التمويل الخاص والعام. في عام 1958 أسست الحكومة الأميركية وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA) بوصفها ذراع الجيش للبحث والتطوير. فما يمنعنا من تأسيس وكالة مثلها للتعليم والصحة والبيئة؟ ثالثاً، نحتاج إلى تحويل عقليتنا من التركيز على تمويل المشاريع إلى التمويل الدائم للأنظمة التأسيسية التي تفيد القطاع بأكمله، مثل مصافي بيانات التأثير. والهدف من مصافي بيانات التأثير هو تحقيق تكافؤ الفرص بحيث تتمكن جميع المؤسسات من الوصول إلى البيانات التي يمكن أن تساعدها في تحقيق رسالتها. يجب ألا تكون البيانات وإمكانات البيانات وأفكار البيانات متاحة فقط للمؤسسات الكبيرة ذات الميزانيات الضخمة.

البيانات تعني القوة، وبمقدورنا تمكين المؤسسات المدفوعة بتحقيق رسالتها من الابتكار والوصول إلى رأس المال وتلبية احتياجات العملاء أو المستفيدين عبر سد فجوة البيانات. نقول غالباً إن قطاع التأثير الاجتماعي لا يعاني مشكلة في الموارد، لكن المشكلة في تخصيص الموارد (على سبيل المثال، يمثل الإنفاق الاجتماعي حالياً 20% من إجمالي الناتج المحلي وسطياً في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية). بعبارة أخرى، نظراً لعدم توفر مصفاة بيانات التأثير منظمة، يتعين على واضعي السياسات والممولين وأصحاب الأعمال الاجتماعية افتراض المهام الناجحة. تعمل الجهات التجارية على زيادة عوائد استثماراتها الرأسمالية إلى الحد الأقصى باستخدام البيانات لتقليل مخاطر الإخفاق؛ حان الوقت للقطاع الاجتماعي أن يفعل الشيء نفسه.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.