العلاقات العامة في المؤسسات غير الربحية

3 دقائق
العلاقات العامة في المؤسسات غير الربحية
Shutterstock.com/Microgen

يحلم خبراء العلاقات العامة بالكثير؛ فبعضنا يريد إنقاذ العالم، وآخرون يرغبون بمشاهدة حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تنتشر بسرعة هائلة، أو إنشاء موقع يحصد عدة جوائز، و تصوير مقطع فيديو يجلب الكثير من المشاهدات. ولكن في مرحلة ما، حلم معظمنا بتنحية مستشارينا وأداء كل المهمّات بأنفسنا.

ليس لأننا لا نُقدِّر موردينا، فمعظم مستشاري التواصل يؤدي عمله على أكمل وجه؛ لكن بأخذ احتمالات حصول سوء تفاهم وعدم التزام المواعيد النهائية بالاعتبار، يبدو أداء كلّ المهام ضمن المؤسسة أسهل غالباً، وأنا شخصياً أعيش هذا الحلم.

كانت مؤسسة بيو تشاريتابل ترستس (Pew Charitable Trusts) في عام 2011، في المرحلة الأخيرة من عملية الانتقال من مؤسسة خاصة إلى مؤسسة خيرية عامة؛ حيث أعادت المستفيدين السابقين للعمل فيها وافتتحت مكتباً في العاصمة واشنطن، وعينت طاقماً لإدارة الحملة، ونفّذت نظام ميزانية جديداً. كانت المشاريع الناجِحة تعمل على تنفيذ مهمة المؤسسة المتمثِّلة في توعية الرأي العام وتحسين السياسة العامة وإنعاش الحياة المدنية، لكن عملية التواصل كانت تعتمد نهجاً عفا عليه الزمن.

مع تخصيص الجزء الأكبر من التمويل لبرامج المؤسسة المتنوعة وليس لنفقات التشغيل، كان لكل مشروع من مشاريعها التي يزيد عددها عن 40 مشروعاً مسؤول تواصل داخليّ خاص به، وشبكة من المستشارين الداعمين تضمّ شركات العلاقات العامة ومصمِّمي الغرافيك والكُتّاب والمحررين والمصورين ومصوري الفيديو. أدخل كلّ ذلك خلق حالة فوضى حتمية في التواصل أغرقت المؤسسة بما فيها من مؤسسات فرعية وعشرات المواقع الالكترونية.

لمواجهة هذا التحدي، استعانت الرئيسة التنفيذية للمؤسسة، ريبيكا ريميل، بشركة استشارية لتقييم البنية التحتية، فكانت توصياتها واضحة لا لَبس فيها: التخلص من الموردين ببناء فريق داخلي وجمع الجهات المسؤولة عن التواصل في قسم مركزيّ واحد.

هكذا بدأت مغامرتنا العظيمة في مشروع أدر علاقاتك العامة بنفسك (DIY PR): انضممت إلى مؤسسة بيو في عام 2012، وكانت لديّ توجيهات بتنفيذ توصية الشركة الاستشارية، فقابلت أكثر من 10 متعاقدين مستقلين كانوا يعملون معنا، ووظفت العديد منهم لتأسيس فرقنا المتخصصة بالوسائط المتعددة وتصميم الغرافيك. ثم بدأت المؤسسة بالتوظيف، وعينّا أفضل القادة ممن لديهم أهم الصلات والعلاقات لإدارة الأقسام التحريرية والرقمية والإبداعية والتخطيط الاستراتيجي الجديدة، وجمعنا خبراء التواصل المبعثرين في المؤسسة في قسم واحد، وعينتُ طاقماً جديداً لتعويض النقص.

قبل وقت طويل، كنت أدير وكالة علاقات عامة متوسطة الحجم تكرّس كل جهودها لعميل واحد، وتضمّ الموظفين الداخليين المسؤولين عن التواصل إلى جانب فرق الخدمة التي تعمل بكامل طاقتها. كانت جودة نتائج عملنا واتساقها أفضل بكثير، إذ كان الموظفون يقيمون شراكات استراتيجية مع فرق السياسات، ويساعدون في صياغة استراتيجيات الحملة منذ البداية، كما أظهر التقييم الداخلي أننا وفرنا على المؤسسة أكثر من مليون دولار في عام واحد. لكن ذلك ليس بالأمر السهل، إذ تعلمنا بعض الدروس القاسية في تلك العملية:

إدارة المشروع مهمة: بعد مرور عدة أشهر أدركتُ أن موظفي قسم التواصل الداخليين أذكياء ومثابرين وخبراء في مجال الإعلام؛ لكن من الطبيعي أن يواجه بعضهم مشكلة في الموازنة بين الترويج الإعلامي وإدارة الجداول الزمنية والمراجعات لجميع منتجات التواصل التي كانت قيد التطوير المتزامن. لذلك أنشأنا 4 مناصب متفرّعة من مناصب أخرى لضمان سير العمل وفق الجدول الزمني المحدد وتوضيح العمليات وتنسيق الموارد الداخلية.

لا بدّ من حمل المسؤولية: إذا كنت تواجه صعوبة في إرضاء عملائك الداخليين حالياً، فتخيل الحوارات الصعبة التي ستضطر للخوض فيها من دون وجود موردين خارجيين تلقي اللوم عليهم. نتميز في عملنا بالحضور في وقت مبكر وتقبّل النقد وتصحيح الأخطاء والتفاوض بشأن مواعيد التسليم النهائية وإعادة التفاوض في حال التأخّر فيها، وإدارة التوقعات؛ ولكننا أيضاً قادرين تماماً على إنتاج مقطع فيديو لشرح هدف سياسي معقد، أو إنشاء مواد جانبية تساعد في إقناع مصرف بتحسين ممارسات الإقرار التي يتبعها، أو تحقيق معدلات انتشار كبيرة ومشاركة وتأثيراً كبيرين على الإنترنت لمنشور جديد. ارتباطنا الواضح بعمل برامجنا هو ما يجعل شراكاتنا الداخلية أثرى ونجاحاتنا مجزية أكثر.

ستحتاج دوماً إلى بعض المساعدة: سواءً بالتزامنا بخبرات التواصل الداخلية في مؤسسة بيو، أو بعملنا في مركز التقدُّم الأميركي (Center for American Progress) الذي يخصص نصف ميزانيته للتواصل، نمر جميعنا بأيام يكون فيها الطلب كبيراً لدرجة ألا نتمكن من تلبيته من دون مساعدة خارجية؛ ما يعني بالنسبة لنا أن يكون لدينا عدد قليل من الموردين المتاحين لتلبية الطلبات الإضافية المفاجئة لا سيما في المواقع النائية أو المشاريع العاجلة. وبالتالي تمكّننا معرفة مكامن قوة فريقنا الاحتياطي الداخلي من التفاوض مع المستشارين بناء على معلومات أكيدة، وتجنّب الرسوم الباهظة التي ندفعها مسبقاً لمزودي الخدمة الخارجيين، وزيادة قيمة كل دولار إلى الحد الأقصى.

إدارة التغيير لا تنتهي: تعلمت من عملي في الكونغرس والسلطة التنفيذية ومؤسسة بروكينغز (Brookings) أن طبيعة عملنا تعني أن التواصل يتفوق عموماً في إدارة التغيير. ولكن من أجل تنفيذ عملية إعادة تنظيم داخلية واسعة النطاق، على غرار التي نفذتها مؤسسة بيو، نحتاج إلى الذهاب في جولات استماع في مؤسستنا لفهم طرائق التحسُّن الممكنة. وثّقنا عملياتنا وإجراءاتنا وعقدنا اجتماعات داخلية غير رسمية لمشاركة النتائج والدروس المستخلصة، وبالطبع أوضحنا التغييرات ذاتها عدّة مرات وبطرائق متعددة. إدارة التواصل الداخلية هي مهارة لا تحظى بالتقدير الكافي، ويجب أن تكون مستمرة، فكلما ظننت أنك فهمتها بما يكفي حدث تغيير جديد يعيدك إلى خط البداية.

بالنظر إلى ما أنشأناه لمؤسسة بيو، أقرّ بأن إدراج القدرة على إدارة التواصل ضمن استراتيجية المؤسسة من البداية هو عمل ممتع ومرهق في آن معاً، ولكن قوة التواصل في المؤسسات غير الربحية تكمن في قدرتنا الجماعية على العمل معاً تحت راية واحدة تتمثل في إيقاع أثر ملموس؛ وهذا حلم تحقق بالفعل.

 

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.