أبرز 3 مؤسسات خيرية بقيادات نسائية في المنطقة العربية

القيادات النسائية
shutterstock.com/Cienpies Design
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا يمكن الاستفادة من فعل الخير إلا إذا ارتبط برؤية واضحة وتنفيذ صحيح، إذ تُمثل الإدارة الفعّالة مفتاح النجاح للمؤسسات غير الربحية، وانضمام السيدات إلى صفوف قيادة هذه المؤسسات يُعد مسألة جوهرية لتطوير القطاع الخيري.

وعلى الرغم من تزايد تمثيل المرأة في القوى العاملة للمؤسسات غير الربحية، إلا أن الوضع مختلف بالنسبة لعمل السيدات في المناصب القيادية والمساواة في الأجور، وبحسب مؤسسة فوربس (Forbes) الإعلامية الأميركية شَغل الرجال عام 2018 الوظائف الأعلى أجراً في تسعة من أفضل 10 مؤسسات غير ربحية في الولايات المتحدة، وكانت الرئيسة التنفيذية لمؤسسة إطعام أميركا (Feeding America)، كلير بابينو فونتينوت (Claire Babineaux-Fontenot)، المرأة الوحيدة ضمن القائمة، وهذا يحثنا على التساؤل عن الفارق الذي يمكن أن تحدثه المرأة في المناصب القيادية في القطاع الخيري.

أهمية قيادة المرأة للمؤسسات غير الربحية

تتفوق النساء على الرجال في المهارات القيادية مثل اتخاذ المبادرة، والتصرف بمرونة أكبر، وممارسة التطوير الذاتي، وإظهار النزاهة والصدق، وتوصلت دراسة أميركية بعنوان: “القيادات النسائية وأداء مجلس الإدارة في المؤسسات غير الربحية التي تخدم الأعضاء (Female leaders and board performance in member-serving nonprofit organizations)، إلى أن شغل المرأة رئاسة مجلس إدارة المؤسسة غير الربحية مرتبط بتحسين النتائج، واتباع نهج التخطيط الاستراتيجي، والتقييم الذاتي للأداء، كما يعزز وجود النساء في مجالس الإدارة أيضاً من قدرة المؤسسات غير الربحية على الوصول إلى الموارد من خلال التواصل مع المانحين المحتملين أو الشركاء المتعاونين وصانعي السياسات، وتحسين استجابتها للتأثيرات الخارجية، والقدرة على اتخاذ قرارات أفضل من خلال تحديد النطاق الكامل للفرص والمخاطر.

لم يكن نجاح الرئيسات التنفيذيات مقتصراً على تفوقهن على  نظرائهن الرجال، ولكن مجالس الإدارة التي تتمتع بتنوع أكبر بين الجنسين كانت أكثر ربحية أيضاً، وبحسب دراسة أجرتها ستاندرد آند بورز (Standard & Poor’s) عام 2019 بعنوان: عندما تقود المرأة، تفوز الشركات (When Women Lead, Firms Win)، فإن الشركات التي تضم مديرات للشؤون المالية أكثر ربحية وتنتج فائض أرباح إجمالي بقيمة 1.8 تريليون دولار، وبالتالي يمكن للمؤسسات غير الربحية الاستفادة من هذه الميزة وإعطاء القيادات النسائية فرصة لزيادة التبرعات وتوسيع نطاق الأثر الاجتماعي.

ومن جهة أخرى، يؤثر تكوين مجلس الإدارة في تقدم النساء إلى منصب الرؤساء التنفيذيات وأداء الشركات، وأثبت بحث أميركي بعنوان: التنوع يوّلد التنوع؟ آثار تكوين مجلس الإدارة على تعيين الرئيسات التنفيذيات ونجاحهن (Diversity begets diversity? The effects of board composition on the appointment and success of women CEOs)، وجود علاقة إيجابية بين تنوع مجلس الإدارة واحتمال تعيين امرأة في منصب الرئيس التنفيذي، إذ يميل أعضاء مجلس الإدارة إلى توظيف أشخاص يشبهونهم، وبالتالي من المرجح أن تعيّن مجالس الإدارة رئيسات تنفيذيات عندما تشغل النساء بعض مقاعدها.

نماذج لقيادات نسائية ناجحة في المؤسسات الخيرية العربية 

ولا يختلف هذا الواقع العالمي للقيادات النسائية في القطاع غير الربحي عمّا تواجهه السيدات في المنطقة العربية، لكن على الرغم من التحديات هناك نماذج استطاعت قيادة مؤسسات تُعنى بمكافحة الفقر وتوفير التعليم والتمويل الخيري بفاعلية، وأخذ زمام المبادرة لإحداث التغيير الشامل، نتعرف عليها فيما يلي:

1- سونيا بن جعفر

الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبد الله الغرير للتعليم

 “أنا أم، وأحاول جعل العالم مكاناً أفضل”، هذه هي رؤية سونيا بن جعفر التي ترتكز خبرتها الممتدة لأكثر من 20 عاماً في تطوير التعليم بكندا وإفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، على تعزيز استخدام الأدلة الصارمة لاكتساب نظرة ثاقبة والتعاون من أجل الحلول المستدامة في تحديات التعليم المُلحة، واستطاعت عبر مسيرتها بناء شراكات عدة في المنطقة مع الحكومات والوكالات الدولية والمؤسسات غير الربحية والشركات متعددة الجنسيات من أجل اتخاذ القرارات المُسندة بالبراهين والأدلة حول البرامج  التي تستهدف القطاع التعليمي على المستويات المحلية والوطنية والدولية.

وتدير سونيا اليوم مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم، إحدى أكبر المبادرات التعليمية الخيرية في المنطقة العربية ، وانطلقت عام 2015 بهدف تمكين الشباب الإماراتي والعربي من خلال  التعليم، والتعاون مع أكثر من 45 شريكاً لإيجاد الحلول التعليمية المبتكرة باستخدام نموذج العطاء الاستراتيجي المرتكز على الأثر، وتعتمد على استكشاف الأفكار، وإحداث التغيير طويل المدى والقابل للقياس، لجعل التعليم مفتاح الوصول لأفضل فرص عمل ممكنة وتحقيق التنمية المستدامة.

تسارُع تطورات أسواق العمل الإقليمية والعالمية، يمكن أن يخلق فجوة بين احتياجات السوق ومخرجات التعليم في المنطقة، لذا تبنت مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم تكنولوجيا التعليم الحديث لمواكبة هذه التغيرات وسد الفجوة بين العرض والطلب، فأطلقت المؤسسة مركز الغرير للتعليم والتعلم الرقمي بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت بكلية مارون سمعان للهندسة والعمارة (MSFEA)، وهي المبادرة الأولى من نوعها في المنطقة التي تتيح لآلاف الشباب فرصة الوصول إلى التعليم عبر الإنترنت عالي الجودة.

وتدرك المؤسسة أن المكاسب الصغيرة لا يمكنها إحداث تأثير طويل المدى، وعليها أن تكون أكثر جرأة وطموح لتوفير فرص التعليم للفئات المهمشة من اللاجئين، وفي عام 2018، أطلق رئيس مجلس إدارة مؤسسة عبدالله الغرير للتعليم، عبد العزيز الغرير، صندوق عبد العزيز الغرير لتعليم اللاجئين بتمويل شخصي قيمته 120 مليون درهم إماراتي، ما يعادل 32.6 مليون دولار أميركي، وكان الهدف الأوّلي من هذه المبادرة الممتدة إلى ثلاث سنوات الوصول إلى 20 ألف من الشباب اللاجئين والنازحين في الأردن ولبنان والإمارات، لكنها نجحت في إفادة  ما يزيد عن 38,500 شاب وشابة.

وتعي سونيا بن جعفر أن جهود المؤسسة في دعم تعليم اللاجئين لن تثمر بدون بناء الشراكات وتوسيع دائرة العلاقات بهدف الوصول لأكبر عدد من المستفيدين، لذا عقدت المؤسسة شراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) لإلحاق الأشخاص المسجلين في المفوضية في برنامج الغرير للمفكرين اليافعين بالإمارات، وهو عبارة عن منصة إلكترونية باللغتين العربية والإنجليزية، تقدم دورات تدريبية عبر الإنترنت لتطوير مهارات الأفراد وتحسين فرص توظيفهم ومستوى معيشتهم.

وترى الرئيسة التنفيذية للمؤسسة أن إتاحة فرص التعليم الجامعي للفتيات من العائلات محدودة الدخل، يساعدهنّ في كسر قيود الفقر والتمييز ضد المرأة وتأمين فرص حياة أفضل لهن، إذ تقدم مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم من خلال برامج المنح التعليمية الخاصة بها الدعم لما يزيد على ألف طالب من مختلف الدول العربية لتسهيل وصولهم إلى التعليم الجامعي عالي الجودة، وتشكل الشابات اليافعات نسبة 50% من الطلاب الحاصلين على منح، 11% منهن لاجئات، كما تمثل الشابات 55% من مستفيدي صندوق عبد العزيز الغرير لتعليم اللاجئين لمساعدتهن في الانضمام إلى سوق العمل وتأمين مستقبل أفضل لهن.

2- نورا سليم

الرئيسة التنفيذية لمؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية

قررت نورا سليم ترك العمل في القطاع الخاص لتجد في المجال الخيري فرصة لا تتكرر، وفي 2015 تولت منصب الرئيسة التنفيذية في مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية التي تأسست عام 2001 بهِبة من عائلة ساويرس، من أجل مكافحة الفقر ودعم التنمية الشاملة.

وتعمل نورا على إدارة المؤسسة من منطلق الجرأة في الاستثمار لتحقيق التغيير المستدام وحلول مبتكرة لمكافحة الفقر وتحسين جودة التعليم، والوصول إلى أكبر عدد ممكن من المصريين المهمشين ورفع مستوى معيشتهم، خصوصاً أن معدل الفقر في مصر بلغ 29.7% عام 2021، وأن خُمس الفقراء أميّون و70% منهم لم يحصلوا سوى على تعليم ابتدائي، وعليه، ركزت المؤسسة عملها على مشاريع الرعاية الصحية وتوفير الإسكان ودعم الفئات المهمشة لإطلاق مشاريع صغيرة تساعدهم على تحسين مستوى معيشته.

وتقدم المؤسسة التمويل اللازم للمؤسسات والمبادرات المجتمعية التي تُعنى بالقضايا الاجتماعية الملحّة، وتدرّب هذه الجهات على ممارسات التخطيط الاستراتيجي وتتبّع الأثر وقياسه لضمان فعّالية أكبر للعمل الخيري، وفي هذا الإطار وتطبيقاً لمعايير الحوكمة والشفافية، تعاونت المؤسسة في عام 2015 مع مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر، لقياس أثر عملها الرئيسي على المدى الطويل.

لأن تحقيق الأثر يأتي بعقد الشراكات مع الجهات التي تعمل على ذات الأهداف، والاستفادة من نقاط قوة كل منها للوصول إلى أكبر عدد من المستفيدين، تمكنت مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من دعم أكثر من 2800 أسرة من اللاجئين بإجمالي ميزانية قدرها 15 مليون جنيه مصري، وعقدت شراكات مع الحكومة أيضاً، على سبيل المثال، تعاونت المؤسسة مع وزارة التضامن الاجتماعي، ومؤسسة أهل مصر للتنمية، والمجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية، لإطلاق مبادرة أمان أهل مصر؛ بهدف توفير المستلزمات الطبية والوقائية لما يزيد عن 5500 من مقدمي خدمات الرعاية الصحية، وإنشاء 4 وحدات غسيل كلوي لعلاج المصابين بفيروس كوفيد-19 في المستشفيات الجامعية.

3-  ميرنا عطا الله

المديرة التنفيذية لمؤسسة الفنار للعمل الخيري الاستثماري

منذ عام 2010، أشرفت ميرنا عطا الله على نمو مؤسسة الفنار وتوسعها، وفي الفترة من عام 2004 حتى عام 2008 عملت ميرنا على تعزيز الشراكات مع المجتمع المدني، وشاركت في مبادرات إقليمية، بما في ذلك تدريب المرشحات وبعثات دولية لمراقبة الانتخابات في مصر والأردن والمغرب واليمن.

وتوافقت خبرة ميرنا مع هدف المؤسسة لتعزيز دور المجتمع المدني في المنطقة العربية، إذ أطلق المصرفي من أصول فلسطينية ليبية طارق بن حليم مؤسسة الفنار عام 2004، وأراد من خلالها الاستثمار في الأفكار الجيدة والقادة البارزين لتتمكن المجتمعات في أفقر المناطق من حل أكبر التحديات التي تواجهها بنفسها، وتمثلت استراتيجية الفنار في تقديم المنح المالية والخبرة الإدارية للمؤسسات الصغيرة لتحقق أثراً طويل المدى في تعزيز دور المجتمعات المدنية.

وعززت ميرنا من الحضور المؤثر للمؤسسة في القطاع الخيري، عبر اعتماد منهجية العمل الخيري الاستثماري لتركيز دعم المشاريع الاجتماعية على التوسع والاستثمار ذي الأثر الاجتماعي، والتغيير المستدام، من أجل فتح الأفق أمام المجتمعات متدنية الدخل، إذ بدأت أولى استثماراتها في مصر عام 2005، وفي عام 2013، توسعت إلى ليبيا ولبنان وقررت الاستثمار في المؤسسات التي تعمل على التمكين الاقتصادي للنساء والشباب واللاجئين وتحسين تعليم الأطفال، ومن خلال الاستثمار في 39 مشروعاً اجتماعياً، أثرت إيجاباً في حياة 179 ألف شخص في جميع أنحاء المنطقة العربية.

ويعود نجاح الفنار في تحقيق هذه النتائج، إلى اعتمادها نهجاً مختلفاً عن النهج التقليدي المُتبع في المؤسسات غير الربحية الأخرى، إذ أنها تدعم المؤسسات الاجتماعية الطموحة التي تفتقر إلى رأس المال والقدرات الضرورية لتحقيق نمو مستدام، وتساعدها في كسر حلقة الاعتماد على المانحين، إذ لا تُلزم الفنار المؤسسات التي تعمل معها على إعادة مبالغ التمويل وإنما تسديدها جزئياً، وفي عام 2020 دعمت 17 مؤسسة اجتماعية بمحفظة مالية تجاوزت قيمتها 1.3 مليون جنيه إسترليني، توزعت بين مِنح للأعمال الخيرية، والتدريب، والإرشاد، وتحليل البيانات.

وحرصت الفنار على تأكيد فكرة الأثر طويل الأجل، وأطلقت على المؤسسات التي تدعمها اسم متلقيّ الاستثمار، ولم تكتفِ بالدعم المادي فقط، وإنما تساعد هذه المؤسسات على وضع استراتيجيات العمل وآليات لقياس فعّالية البرامج والمبادرات المجتمعية.

ينعكس نجاح الفنار في تحسّن أداء المؤسسات التي استثمرت بها، بما يشمل الإيرادات المُحققة، والتأثير في المجتمع، ومدى الانتشار، على سبيل المثال، تمكنت جمعية أنا أقرأ لتدريب المعلمين في لبنان، من تحقيق أثر مستدام في المدارس، ومنذ عام 2009 ركزت الجمعية على تحسين مهارة القراءة للأطفال الأكثر عرضة لخطر التسرّب من المدارس الابتدائية الرسمية في لبنان، ووفرت الفنار للجمعية الدعم والتمويل اللازمين لمساعدتها على تطوير مناهج التعليم المتبعة لديها، وبفضل هذا الدعم استطاعت الجمعية الوصول إلى 7 آلاف متعلم مستفيد وتدريب 500 معلم ومعلمة سنوياً، وتطوير نهج التعليم في 377 مدرسة.

ختاماً، تقول رائدة الأعمال المؤثرة أوبرا وينفري (Oprah Winfrey): “لا شيء يضاهي شعورك بالرضا عندما تدرك أنك الشخص الذي أردت أن تكونه”، وأرادت كلٌ من سونيا ونورا وميرنا تغيير العالم نحو الأفضل، ونجحْن من خلال المؤسسات الاجتماعية التي يُدرنها في إحداث تأثير مستدام في حياة الكثير من الأشخاص.