الكفاءة، والحوكمة، والشفافية، معايير أساسية لنجاح إدارة أي مؤسسة، وخاصة المؤسسات غير الربحية، لأنها تستهدف مساعدة المحتاجين وتنمية المجتمعات في ظل تفاقم التحديات التي يشهدها العالم اليوم، وبات الاعتماد على استراتيجية قائمة على التكنولوجيا، لا سيما في مجالات الاستدامة المالية، من ضرورات إدارة المؤسسات الخيرية بفعالية والتغيير التنظيمي الذي يحفّز على الابتكار ويزيد من فعّالية الأداء.
تستخدم المؤسسات الربحية التكنولوجيا للحفاظ على هوامش الربح، وزيادة حصتها في السوق، وتعزيز قيمة المساهمين، ولكن المؤسسات غير الربحية تستهدف خلق قيمة عامة ومجتمعية، لذا يتطلب الأمر نظرية مختلفة لكيفية تعزيز التكنولوجيا لأداء المؤسسة.
الأمر لا يتعلق بالتكنولوجيا في حد ذاتها، وإنما يتمثل باستخدامها الاستراتيجي، ويمكن أن تقع المؤسسات غير الربحية التي لا تتبنى التكنولوجيا في حلقة مفرغة من تجاهل التغيير، وعدم الاستفادة من القيمة التي ترافق الثقافة التنظيمية المرنة والقابلة للتكيف، وبحسب دراسة أجرتها "نت تشينج" (NetChange) بعنوان "الفِرق الرقمية في 2018: المشهد الجديد للمشاركة الرقمية"، كشف استطلاع حول استخدام المؤسسات غير الربحية للتكنولوجيا، أن 11% من المشاركين فقط يرون أن أساليب مؤسساتهم في التعامل الرقمي لها تأثير إيجابي على الأداء، وأن المؤسسات غير الربحية تكون أكثر فعّالية عندما يؤدي فريقها الرقمي دوراً قيادياً بارزاً في الإدارة التنظيمية والحملات، وبيّن الاستطلاع أيضاً أن وجود قادة رقميين في الإدارة العليا، وتشكيل حملات ومبادرات جديدة، وتوزيع المهارات الرقمية في جميع أقسام المؤسسة، هي بالفعل سمة من سمات الفِرق الرقمية الأكثر نجاحاً اليوم.
للاستفادة من التكنولوجيا، تحتاج المؤسسات غير الربحية إلى خبرة رقمية على مستوى الإدارة العليا، ومشاركة القادة الرقميين في صنع القرار حول المهام الجديدة، وتوزيع الخبرة الرقمية على كل أقسام المؤسسة دون قصرها على فريق تكنولوجيا المعلومات، واعتماد أدوات رقمية تتوافق مع استراتيجية المؤسسة لتمكين الموظفين وأصحاب المصلحة من تنفيذ المهام، وتبنّي ثقافة الابتكار التي ترحب بالحلول الرقمية أو غير الرقمية أو الهجينة.
تعزيز الكفاءة التشغيلية، وزيادة تأثير البرامج المجتمعية من أبرز فوائد تبني استراتيجية قائمة على التكنولوجيا، ولعل "معهد الطفل المحتاج" (Child In Need Institute) في الهند هو مثال على استخدام التكنولوجيا لتحسين تأثير المهمة الإنسانية، إذ طوّر المعهد بالاشتراك مع شركة "اكسنتشر لاب" (Accenture Labs) للخدمات الرقمية، حلاً رقمياً مبتكراً يسمى "قوة الفتاة" (Girl Power) وهو تطبيق يعتمد على توظيف البيانات، والحوسبة السحابية للوصول إلى المراهقات المعوزات والنساء المحتاجات إلى الحماية والدعم الصحي والتعليم، وخلال عام واحد أنقذ التطبيق أكثر من 200 فتاة من الاتجار بهنّ والزواج المبكر.
من الشائع أن يختلف حجم التبرعات من عام إلى آخر، ما يسبب صعوبة في استدامة عمل المؤسسات غير الربحية، لكن اعتماد التكنولوجيا يمكن أن يؤثر في مقدار العمل الذي تستطيع هذه المؤسسات تحقيقه حسب الموارد المحدودة التي تمتلكها عادةً، واستخدام التكنولوجيا للعمل بذكاء أكثر وليس بجهد أكبر، يُمكّن قيادات المؤسسات غير الربحية من التخطيط بحكمة للاحتياجات الحالية والمستقبلية، ما يساعدهم على تحديد أولويات وقتها، وميزانيتها، والقوى العاملة فيها، وبرامجها الاجتماعية.
في المنطقة العربية، هناك نماذج لنظُم تكنولوجية تستخدمها المؤسسات غير الربحية والجمعيات الخيرية لتوفير الجهد والوقت والمال في عملياتها، ولمواجهة تحديات مثل ضعف الرقابة على الأعمال وتقييمها باستمرار، وعدم توفر قاعدة بيانات، ومحدودية الأرشفة والتوثيق والإحصاء، وتأخُر البحث في معاملات المستفيدين وتنفيذها، وما إلى ذلك.
في هذا المقال نستعرض أبرز النظم الإلكترونية من أجل إدارة المؤسسات الخيرية بفعالية في المنطقة العربية:
نظام خير
نظام خير، هو نظام إلكتروني يعتمد تكنولوجيا "الجافا" (JAVA) لإدارة الجمعيات الخيرية بالسعودية وتحويل الجمعية من ورقية إلى إلكترونية بشتى المجالات، صُمم النظام وتطوّر ليطابق معايير حوكمة الجمعيات "مكين"، بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030.
يُعد "نظام خير" أحد منتجات "مؤسسة نظام خير لتقنية نظم المعلومات"، ويضم مجموعة أنظمة متخصصة لإدارة المشاريع الخيرية، والتعامل مع المستفيدين إلكترونياً، وتوفير الوقت والجهد اللازمين لاستخراج البيانات المطلوبة بدقة وسهولة.
يوفر "نظام خير" إدارة متكاملة لقسم المستفيدين، تتيح لهم التسجيل على الموقع إلكترونياً، وحفظ بياناتهم وتعديلها بطريقة آمنة لضمان حقوق المستفيد وعدم التلاعب ببياناته، ويقوم النظام أيضاً بتقييم مدى استحقاق المستفيد من الجمعية وفق معايير محددة مسبقاً.
من الميزات التي يقدمها "نظام خير" أيضاً:
- إدارة المستودعات: يعمل النظام على إدارة كاملة للمستودعات، وإضافة الأصناف وصرفها للمستفيدين.
- إدارة المجالس العمومية: يوفر النظام إمكانية إدارة اشتراكات الأعضاء ومتابعة عمليات السداد والاستلام.
- أمن المعلومات: يضمن "نظام خير" السرية التامة للبيانات ويتيح إمكانية الحصول على النسخ الاحتياطية الدورية.
- النظام المحاسبي: يعمل على تنظيم الحسابات بطريقة احترافية تسهل إجراء الحسابات الختامية، والتقارير المحاسبية، وميزان المراجعة.
- التنبيهات: يسهّل "نظام خير" على الجمعيات التواصل مع المستفيدين من خلال جدولة رسائل إشعارات دورية تُطلعهم على التغيرات التي يمكن أن تطرأ على حالاتهم أو نقص المستندات الخاصة بهم، وتُزوّد الجمعية بعدد 1,000 رسالة نصية مجاناً عند الاشتراك لأول مرة، فضلاً عن العروض الأخرى الخاصة بشحن الرسائل.
يتسم "نظام خير" بالتكامل والشمول لكافة الجوانب التنظيمية في الجمعيات الخيرية، إذ يساعد على إدارة كافة أقسام الجمعية عبر منصة إلكترونية موحدة، إضافة إلى سرعة استجابة ممثلي الدعم الفني لحل الأعطال وتطوير البرنامج للأفضل، ويرى عبدالله محمد الربيعة، المحاسب في "جمعية البر في حوطة بني تميم"، أن الاعتماد على "نظام خير" ساعد الجمعية على الاستغناء عن عدة برامج مُكلفة كانت تستخدمها في السابق، لأنه يحتوي على نُظم لإدارة كافة أقسام في الجمعية، وبعد مرور عام من التجربة لم تواجه الجمعية أي مشاكل.
استطاع "نظام خير" بهذه الميزات جذب العديد من العملاء، منهم: "جمعية سفانة الأهلية للخدمات الصحية بحائل"، و"جمعية البر الخيرية"، و"جمعية النخيل الخيرية"، و"جمعية فخر للأعمال التطوعية"، و"جمعية الحليفة السفلى الخيرية"، و"جمعية الحلوة الخيرية".
برنامج جمعيتي
برنامج جمعيتي هو نظام إلكتروني محاسبي يسهل عمل الجمعيات الخيرية في البحرين، ويرتبط بأنظمة إدارية تشغيلية تشمل البحث الاجتماعي، والمتبرعين، والمساعدات التعليمية، وما إلى ذلك، وصممته شركة "جولدن هات" لتقنية المعلومات ليعمل ضمن مفهوم النظم السحابية.
يساعد البرنامج على معالجة مشكلة الربط بين قرارات المساعدات الاجتماعية والنظام المحاسبي، كما يوفر إمكانية استخدامه من أي مكان يتوفر فيه إنترنت، ويمكن للمستخدم الحصول على التقارير المحاسبية القابلة للتدقيق القانوني، وإعداد أي تقارير أخرى مطلوبة بسهولة.
يتيح برنامج جمعيتي عدة ميزات، منها:
- محرك بحث مفيد: يُمكّن محرك البحث الذي يوفره البرنامج المستخدمين من تحديد معايير البحث عن عائلة معينة، أو طلب مساعدة معين، أو فرد في عائلة محددة، وتقديم مساعدات مباشرة لهم.
- إدارة المستندات: مع كل نوع مساعدة أو معاملة مالية جديدة يُدخلها المستخدم إلى النظام، يمكنه إرفاق المستندات الخاصة والرجوع إليها في أي وقت، وذلك حسب صلاحيات دخول محددة.
- إشعارات الرسائل النصية: عند إجراء أي عملية، يكن لأرباب العوائل المستفيدة والمتبرعين استلام إشعارات مباشرة، وكذلك إرسال رسائل تذكيرية للمتبرعين.
تعتمد جمعيات خيرية عديدة في إدارة أعمالها على النظام المتكامل الذي يوفره برنامج جمعيتي، ومنها،"جمعية رأس الرمان الخيرية"، و"جمعية عالي الخيرية"، و"جمعية المنامة الخيرية"، و"جمعية إسكان عالي الخيرية"، و"جمعية مدينة عيسى الخيرية".
نظام رافد
نظام رافد هو نظام إلكتروني متكامل، يتكون من عدة أنظمة عالمية لإدارة المؤسسات غير الربحية في السعودية تعمل سويةً لأتمتة العمليات الخاصة بالجمعية وربطها بطريقة موحدة ومتكاملة، ويحتاج تطبيقه إلى إعادة "هندسة العمليات الخاصة بالمؤسسة" (Business Processing Engineering. BPE)، لتغيير آلية العمل بما يوافق النظام الجديد.
صمّمت شركة "آفاق العالمية" لنظم المعلومات، نظام "رافد" ليكون النظام الأول الذي يدمج بين 10 أنظمة عالمية مختلفة، بالإضافة لموقع ومتجر إلكتروني للتبرع عبر الإنترنت، ويتكون "رافد" من 15 إدارة رئيسية تحتوي على 57 إدارة فرعية، ويضم ثلاثة أنواع من "واجهة برمجة التطبيقات" (Application Program Interface. API) للرسائل النصية، والدفع الإلكتروني، والتنبيهات اللحظية، مع لوحة تحكم واحدة لكل الأنظمة و المتجر الإلكتروني.
توافقاً مع رؤية 2030 ومبادرات التحول الوطني 2020 في تطبيق التحول الرقمي، استهدف "نظام رافد" تطبيق الحوكمة الكاملة والشفافية في جميع الأعمال الخيرية وتنظيمها بدقة، وتسهيل إجراءات طلبات الإعانة، وعملية التبرع الإلكتروني.
يُعد الأمان العامل الأهم في مجال التكنولوجيا، لذا يسعى "نظام رافد" إلى تطبيق هذا المعيار من خلال تحديد صلاحيات محددة لكل موظف داخل النظام، وتشفير البيانات الداخلية لكل الملفات إلا لمن يملك الصلاحية، وشهادة حماية (Secure Sockets Layer. SSL)، وإعداد تقرير أسبوعي عن الأمان ومحاولات الاختراق وسد الثغرات، فضلاً عن سرعة استعادة البيانات في حال فقدانها.
من الأنظمة التي يعتمدها "رافد":
- نظام إدارة الإمداد والتموين (Supply Chain Management. SCM): المتخصص بإدارة المخازن والمستودعات، وإدارة المخزون والتبرعات العينية.
- نظام إدارة الوثائق (Document Management System. DMS): المتخصص بتأسيس قواعد البيانات وأرشفتها.
- نظام إدارة الخطة الاستراتيجية (Strategic Plan Management System. SPMS): يتعلق بتحويل الأهداف التكتيكية والتشغيلية للمؤسسة إلى مهام محددة بالاعتماد على "مخطط جانت" في أغلب الأحيان.
تشمل قاعدة عملاء "رافد" العديد من الجمعيات الخيرية، منها، "جمعية عفف الخيرية"، و"جمعية الصفا الخيرية"، و"جمعية التنمية الأسرية بمنطقة جازان"، و"جمعية الرميلة الخيرية للخدمات الاجتماعية والتنموية"، والجمعية الخيرية لمكافحة السمنة "كيل"، و"مؤسسة عسيب للأعمال الإنسانية".
الخلاصة، مع التقدم التكنولوجي السريع، يمكن أن نرى شخصاً يتبرع من خلال إخبار هاتفه أو المساعد الشخصي الذكي "أليكسا" بعبارة: "تبرع بـ 10 دولارات"، وذلك بفضل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وتطبيق المراسلة الآمن المتصل بالمشروع الخيري الذي يرغب بالتبرع له، إذ تبقى الخيارات التكنولوجية المتعددة مفتوحة أمام إدارة المؤسسات الخيرية بفعالية، فمن خلال توظيف الخيارات التكنولوجية يمكن زيادة كفاءة العمل الخيري.