العدادات الذكية وأنظمة الري الحديثة: حلول واعدة لمشكلة نُدرة المياه

4 دقيقة
مشكلة ندرة المياه
shutterstock.com/19 STUDIO

ملخص: تعد ندرة المياه مصدر قلق عالمي متزايد، وتتوقع الأمم المتحدة أن تؤثر على معظم سكان العالم بحلول عام 2025. يسهم كل من التغير المناخي والنمو السكاني في تفاقم هذه المشكلة، بالإضافة إلى البنية التحتية المتقادمة وسوء إدارة الموارد المائية. يستعرض هذا المقال دور التكنولوجيات الناشئة مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي وأنظمة مراقبة المياه الذكية وإدارتها في تقديم حلولاً واعدة لمواجهة التحديات المتعلقة بالمياه، وذلك من خلال استخدام أجهزة الاستشعار وتحليلات البيانات الضخمة. وتُمكن هذه الأنظمة مشغلي المياه والمزارعين من مراقبة شبكات المياه والتحكم بها بكفاءة. تشهد منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا نمواً كبيراً في استخدام هذه التكنولوجيا، وخاصة في الإمارات التي تعتمد على أنظمة الري الذكية لتحسين استخدام المياه في الزراعة. وعلى الرغم من النمو المتوقع بنسبة 11% لقطاع إدارة المياه الذكية، ثمة تحديات قد تعرقل تقدمه، أهمها التكلفة العالية للبنية التحتية، ونقص في الخبرة الفنية المطلوبة للتركيب والصيانة، فضلاً عن خصوصية البيانات وأمنها ما يتطلب توحيد الجهود بين الأوساط الأكاديمية والجهات الفاعلة في القطاع لمواجهة هذه التحديات.

تتحول مشكلة ندرة المياه إلى مصدر قلق عالمي يوماً بعد يوم. فوفقاً للعديد من تقارير الأمم المتحدة، ستتأثر غالبية سكان العالم مباشرة بندرة المياه بحلول عام 2025. ويعد التغير المناخي والنمو السكاني من العوامل الرئيسية التي تسهم في هذه المشكلة. كما تسهم البنية التحتية المتقادمة، وضغط الاستهلاك الكبير الذي تعانيه الأنظمة المائية، وسوء إدارة الموارد المائية في تفاقم المشكلة. تقدم تكنولوجيات ناشئة مثل إنترنت الأشياء (IoT) والذكاء الاصطناعي حلولاً واعدة لمواجهة هذه التحديات.

تستخدم أنظمة مراقبة المياه الذكية وإدارتها أجهزة الاستشعار، وتحليلات البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي لتمكين مشغلي مرافق المياه والمزارعين والشركات من قياس كمية المياه في شبكات توزيع المياه ومراقبتها والتحكم بها بكفاءة، مع ضمان جودة المياه. وتتيح الإدارة الفعالة التي تسهلها هذه التكنولوجيات تقليل استهلاك المياه، والحد من الهدر، وتحسين جودة المياه؛ ما يعزز جهود الحفاظ على المياه عالمياً بدرجة كبيرة. تعمل الحكومات حول العالم على إدراج التكنولوجيات الذكية في جداول أعمالها على مستوى المدن والأقاليم والمستوى الوطني، ما أدى إلى زيادة تركيزها على الإدارة الذكية للمياه. تتضمن الإدارة الذكية للمياه تطبيقات واسعة لإدارة المياه، حيث تعالج العديد من القضايا مثل الفيضانات والجفاف وأوجه الخلل في ضغط المياه وتدفقها، وتسرب المياه، والري الفعّال، والمشكلات المتعلقة بجودة والمياه وكمياتها، وغيرها الكثير.

عدادات ذكية وأنظمة ري حديثة

من الممكن تأمين حلول فورية للتعامل بفعالية مع تحديات إدارة المياه الحالية من خلال دمج بنية تحتية لإدارة المياه الذكية مثل أجهزة استشعار، ونظم المعلومات الجغرافية والخرائط الفضائية، وأجهزة المراقبة، وعدادات المياه الذكية، وأدوات تبادل البيانات. على سبيل المثال، تمثل العدادات الذكية للمياه قفزة نوعية في إدارة المياه المنزلية، حيث تمزج بين الابتكار التكنولوجي والإدارة البيئية الرشيدة. تتيح هذه العدادات مراقبة وتحليلاً دقيقين لاستهلاك المياه، ما يغير طريقة إدارة الأسر والمجتمعات لمواردها المائية.

توفر عدادات المياه الذكية مزايا لا مثيل لها فيما يخص الكفاءة في استخدام المياه والحفاظ عليها. فمن الممكن أن تكتشف الأسر تسرب المياه بسرعة وتعالجه من خلال توافر بيانات استخدام المياه على نحو فوري، ما يقلل الهدر ويخفض فواتير المرافق. علاوة على ذلك، تسهم هذه العدادات بدرجة كبيرة في جهود الاستدامة، إذ يمكن لإدارة مرافق المياه تحديد مشكلات الكفاءة في شبكات التوزيع، وتقليل فقدان المياه بسبب التسربات، وتحسين جداول الصيانة بناءً على تحليلات البيانات. تسهم هذه الإدارة الاستباقية في الحفاظ على المياه وتعزيز مرونة أنظمة إمدادات المياه عموماً، وهو أمر ضروري للتخفيف من آثار التغير المناخي وتوسع العمران.

علاوة على ذلك، تقدم أنظمة الري الذكية تحسينات ثورية في مجال الزراعة، وذلك من خلال إدارة الموارد المائية بكفاءة وزيادة إنتاجية المحاصيل. تستخدم هذه الأنظمة أجهزة استشعار وبيانات الطقس وخوارزميات متقدمة لتزويد النباتات بالمياه بدقة عندما تحتاج إليها، ويُحسّن هذا الأسلوب الموجَّه استخدام المياه ويعزز صحة المحاصيل والإنتاجية.  تشكل ندرة المياه عائقاً كبيراً في عدة دول مثل الإمارات العربية المتحدة، ما يزيد من تعقيد زراعة المحاصيل والحفاظ عليها. وغالباً ما تكون أساليب الري التقليدية غير فعّالة، ما يؤدي إلى إهدار كبير للمياه نتيجة التبخر والجريان السطحي، خصوصاً في المناطق شديدة الحرارة، مثل الصحاري. تقدم تكنولوجيا الري الذكي حلاً واعداً للحفاظ على الأنواع النباتية المحلية في البيئات التي تعاني نقص المياه، مثل بيئة الإمارات. تدمج هذه الأنظمة المتقدمة أجهزة استشعار ومؤقتات ووحدات تحكم آلية لتوزيع كميات الماء المثلى بدقة على مناطق محددة، ما يقلل من الهدر ويعزز نمو المحاصيل والنباتات.

تحديات نمو سوق إدارة المياه الذكية وكيفية مواجهتها

وفقاً لتقرير بحوث سوق إدارة المياه الذكية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، من المتوقع أن تحقق سوق إدارة المياه الذكية في هذه المنطقة معدل نمو سنوي مركب بنحو 11% بين عامي 2023 و2028. يعود هذا النمو إلى زيادة ندرة المياه في المنطقة التي تتأثر بعدة عوامل مثل الموقع الجغرافي، والتغير المناخي، والنمو السكاني، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. إن أنظمة الري الذكية في دول مثل الإمارات العربية المتحدة على وشك تحقيق قفزات كبيرة من خلال الأبحاث والابتكارات المستمرة لتحسين فعاليتها واستدامتها. تشمل التطورات الرئيسية دمج الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، ما يعزز التحليلات التنبؤية واستراتيجيات الري التكيفية. تعمل هذه التكنولوجيات على تحسين تخصيص الموارد وإدارة المحاصيل، ما يضمن استخداماً فعالاً للمياه.

على الرغم من النمو الكبير الذي شهده قطاع إدارة المياه الذكية، ثمة تحديات قد تعرقل تقدمه، إذ تعد التكلفة العالية للبنية التحتية اللازمة لتركيب أنظمة المياه الذكية أحد أكبر تلك التحديات، ما يحدّ من انتشارها على نطاق واسع. علاوة على ذلك، ثمة نقص في الخبرة الفنية المطلوبة للتركيب والصيانة، خصوصاً في المناطق التي تعاني ضعفاً في القدرات الفنية. كما يعوق نقص الطاقة في العديد من أجزاء العالم، وخاصة في دول الاقتصادات الناشئة، تطوير تكنولوجيات المياه الذكية. وتمثل مخاوف الخصوصية وأمان البيانات مخاطر كبيرة نظراً لأن هذه التكنولوجيات تتعامل مع معلومات حساسة للمستهلكين. يضاف إلى ذلك تنوع معايير قابلية التشغيل البيني بين الموردين المختلفين، ما يصعّب التكامل السلس والتشغيل الفعّال لأنظمة المياه الذكية.

يعد التعاون بين أصحاب المصلحة في القطاع أمراً ضرورياً لمعالجة هذه التحديات وتطوير حلول مياه ذكية قياسية وفعّالة من حيث التكلفة. يمكن للاستثمار في برامج التدريب تعزيز الخبرة الفنية على مستوى العالم. يجب أن تركز الحكومات والمؤسسات على تطوير البنية التحتية وحلول الطاقة لدعم تبني هذه الأنظمة على نطاق واسع. كما يجب تطبيق تدابير أمن سيبراني معززة لحماية البيانات الحساسة وضمان الثقة العامة في تكنولوجيات المياه الذكية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمؤسسات التعليمية أن تؤدي دوراً مهماً من خلال دمج أحدث التطورات في المناهج الدراسية، ما يجهز محترفي المستقبل بالمهارات اللازمة لابتكار هذه الأنظمة وصيانتها. يمكن أن يسهم العمل التعاوني البحثي بين الأوساط الأكاديمية والجهات الفاعلة في القطاع في تقدم تكنولوجيا المياه الذكية الفعّالة والمستدامة.

مع نمو المدن واشتداد التحديات المناخية، تبرز إدارة المياه الذكية ركيزةً أساسية للتنمية الحضرية المستدامة. إن تبني هذه التكنولوجيات يعزز الكفاءة التشغيلية ويحافظ على الموارد المائية للأجيال القادمة، ما يضمن مرونة المدن في مواجهة الضغوط المتزايدة التي يواجهها الكوكب.