كيف يمكن للشركات الناشئة جعل اقتصاد الأعمال المستقلة أكثر عدالة؟

5 دقيقة
منصات الأعمال المستقلة
shutterstock.com/kentoh

ملخص: للشركات الناشئة دور في توسيع نشاط اقتصاد الأعمال المستقلة والتركيز على تحسينه ليصبح أكثر عدالة. وعلى الرغم من النمو السريع لهذا الاقتصاد بفضل المنصات الرقمية، فإنه يعتمد على أنماط عمل قديمة تفتقر إلى الأمان والاستقرار المهني. وهناك حلول يمكن للشركات الناشئة تقديمها لضمان رفاهة الموظفين وتحقيق النجاح المستدام للقطاع برمته؛ أبرزها 1) اعتماد المهارات، و2) توفير أنظمة المدفوعات الرقمية، و3) وتوفير التأمين، وإتاحة منتجات الائتمان، 4) وصقل المهارات وتحسينها.

قد نتصور أن اقتصاد الأعمال المستقلة جديد نسبياً، لكنه الحقيقة بدأ منذ قرون مضت، والعمل فيه في العديد من أنحاء العالم مرهق وشاق.

خذ مثلاً امرأة تقطن في مدينة مومباي الهندية، إذ يبدأ يومها قبيل الفجر، فتستيقظ قبل الخامسة صباحاً لتجهز أطفالها للمدرسة، وتكمل تحضير الوجبات وطهيها. فهي تعمل في تقديم وجبات الغداء من منزلها. وبحلول التاسعة والنصف صباحاً، تكون قد توجهت إلى منزل أول عائلة لتعد لها وجبتها، فتقضي ساعاتها متنقلة بين ثلاثة أو أربعة منازل مختلفة، تطهو وتُنظف، قبل أن تعود إلى منزلها في الموعد الذي يعود فيه أطفالها من المدرسة. كان هذا هو روتين العمل اليومي المعتاد للكثير من العاملين، قبل أن تظهر منصات العمل المستقل الحديثة مثل أوبر (Uber).

يمنح أسلوب العمل غير الرسمي هذا العاملين مرونة لكنه لا يوفر لهم الحماية، وقد شهد تنامياً متسارعاً نتيجة لانتشار التكنولوجيا الرقمية وظاهرة العمل عن بُعد والعولمة التجارية، والاتجاهات السائدة الأخرى.

تفضل الشركات الاعتماد على العاملين المستقلين بدلاً من الموظفين بدوام كامل من أجل تحقيق كفاءة أعلى في تنفيذ عملياتها وتقليل تكاليف قوة العمل، وليس مستغرباً أن يسارع مؤسسو شركات التكنولوجيا ومستثمروها إلى اغتنام فرص النمو الهائلة التي يوفرها هذا القطاع. ففي العامين الماضيين فقط، جمعت 35 شركة مدعومة برأس المال المغامر تمويلاً يقرب من 800  مليون دولار لتكنولوجيا اقتصاد الأعمال المستقلة. ومع تنامي المشاركة وارتفاع الطلب في الأنظمة الاقتصادية النامية، يزداد حماس الشركات والمستثمرين للاستفادة من قطاع الأعمال المستقلة.

ولكن ينبغي ألا يقتصر تخطيط الشركات على توسيع اقتصاد العمل المستقل فحسب، بل عليها أن تغتنم الفرصة لتحسين أوضاع هذا القطاع غير الرسمي وجعل العمل فيه أقل إرهاقاً لمن يعتمدون عليه في شتى أنحاء العالم.

تكنولوجيا جديدة بنفس المشكلات القديمة

تتنامى القوى العاملة العالمية، ما يفتح فرصاً جديرة بالاهتمام أمام شركات اقتصاد العمل المستقل، ولكن بالنظر إلى تطور الأمور حتى الآن، لا بد لنا أن نسأل: هل بمقدورنا بذل جهد أكبر لحماية العاملين؟ إليك بعض الحقائق التي تؤكد أننا قادرون على تحسين قطاع العمل المستقل، بل ملزمون به.

  • أظهر استقصاء للسائقين المستقلين في الهند أن 83% منهم يعملون أكثر من 10 ساعات في اليوم، ومع ذلك، يجد 72% من المشاركين صعوبة في تغطية النفقات الأساسية لأسرهم.
  • تكسب العاملات المستقلات في الأرجنتين أقل مما يكسبه العاملون في نفس المجال بنحو 68%.
  • في فنزويلا، يكسب العاملون المستقلون في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي أقل من الحد الأدنى للأجور، على الرغم من عملهم في سوق تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.

يتبيّن مما سبق أن حكومات بعض الدول لم تبذل الجهد الكافي لمعالجة هذه المشكلات في قطاع العمل المستقل وضمان إنصاف العاملين فيه، وليس من الواضح إذا ما كانت تعتزم العمل على ذلك.

هنا، ينبغي أن يشعر مؤسسو الشركات الناشئة بمسؤوليتهم تجاه العاملين في سعيهم لإنشاء منصات اقتصاد العمل المستقل وإطلاقها في الدول النامية، ولديهم فرصة حقيقية لمنع انتقال مشكلات الاقتصادات التقليدية إلى اقتصاد العمل المستقل المدعوم بالتكنولوجيا، وعليهم اغتنامها. وإذا فعلوا ذلك فسيسهمون في دعم العاملين وتعزيز فرص نجاح منصاتهم.

ما هو الدور الذي يمكن لشركات اقتصاد الأعمال المستقلة أن تنهض به؟

المنصة التي تقتصر على ربط العاملين بالعمل، لن تحقق النجاح على المدى البعيد. فينبغي لشركات اقتصاد الأعمال المستقلة أن تضمن سعادة العاملين على منصاتها ونجاحهم. وهذا ما سيمنح منصات العمل المستقل ميزتها، فيحد من استنزاف العاملين، ويؤسس لعلامة تجارية تُجسّد الثقة.

في ضوء ما سبق، أطرح أمامك خمس مشكلات معقدة في اقتصاد العمل المستقل تستوجب حلولاً جذرية، مع بعض الأمثلة على الشركات التي تستثمر بالفعل في تحقيق النجاح المستدام للعاملين المستقلين لديها:

الاعتماد. في الصناعات التقليدية، كانت الشهادات التي يحصل عليها المتدرب الحرفي بمثابة اعتراف موثّق بمهاراته وخبرة العمل التي اكتسبها. ويمكن لمنصات العمل المستقل أن تعيد إحياء المفهوم نفسه، وتمنح العاملين شهادة اعتماد لمهاراتهم وإنجازاتهم. وقد حاولت المنصات تحقيق ذلك من خلال تقييمات المستخدمين والتصنيف بالنجمات، لكنها لم تؤد إلى توفير فرص خارجية للعاملين. فإذا أمكن للعاملين إدراج شهادة مثل "معتمد من سيسكو" أو "معتمد من سيلزفورس" في ملفات سيرهم المهنية، يمكن لمنصات العمل المستقل تقديم نموذج مشابه. سوف يعزز هذا سمعة العلامة التجارية للشركة، وسيجعل المنصة مرادفاً للجودة العالية التي يحبها العملاء.

خدمات الدفع الإلكتروني. يشمل اقتصاد الأعمال المستقلة الشركات العائلية التي تعمل عبر منصات العمل المستقل؛ مثل شركات الجولات السياحية، وخدمات النقل، والفنادق الصغيرة، وأصحاب المنازل الذين يؤجرون منازلهم أو غرفًا منها لتوفير إقامة مؤقتة للضيوف. ومع ذلك، يفتقر رواد الأعمال الصغار هؤلاء إلى الحلول الرقمية التي يحتاجونها لإدارة مشاريعهم بنجاح. فهم بحاجة إلى أدوات رقمية تساعدهم في إجراء المعاملات وتسوية المدفوعات، والامتثال للمتطلبات التنظيمية وإدارة الحجوزات بسلاسة عبر منصات الأعمال المستقلة. ومن خلال دمج تطبيق رقمي للمدفوعات في أعمالها، تستطيع الشركات العائلية تسوية الحجوزات الواردة عبر منصات متعددة بسهولة، بما في ذلك تطبيق واتساب والإحالات الشفوية، ما يقلل من حالات إلغاء الحجز ويحميها من عمليات الاحتيال.

إتاحة الخدمات الائتمانية. لا توجه مؤسسات الصيرفة التقليدية منتجاتها وخدماتها نحو القطاع غير الرسمي، نظرًا لغياب التدفقات النقدية أو الحسابات الرسمية التي يمكن تتبعها، مما خلق حاجة ملحة لدى العاملين المستقلين إلى خدمات ائتمانية. فبدون هذه الخدمات، يجد الكثير منهم صعوبة كبيرة في تغطية النفقات التشغيلية اليومية، مثل تكاليف الوقود وضرورات الحياة الأخرى. وتعالج بعض المنصات في الهند هذه المشكلة بعقد شراكة مع شركات التكنولوجيا المالية، مثل كارما لايف (KarmaLife) لتقديم القروض الصغيرة لعامليها المستقلين. في هذه الشراكات القوية، توفر المنصة بيانات البصمات الرقمية للعاملين المستقلين إلى شركات التكنولوجيا المالية، المتخصصة في تصميم حلول الإقراض وضمانها.

التأمين. بالنسبة للعاملين غير الرسميين والمستقلين، يظل الأمان الوظيفي حلماً بعيد المنال، فيما يشكل تقلب الدخل واقعهم المستمر. فيمكن أن تؤدي حالة عائلية طارئة، أو الطبيعة الموسمية لبعض الأعمال، على سبيل المثال، إلى تقلبات حادة في مستوى الدخل. هنا تبرز أهمية أن توفر منصات العمل المستقل التأمين للعاملين المستقلين، خاصة في حالات المرض وعدم القدرة على العمل، فيتحسّن شعورهم بالاستقرار وبالتالي يتعزز ولاءهم للمنصة. عندئذ، تزداد احتمالات بقاء العاملين في المنصة على المدى الطويل، بدلًا من التنقل بين منصة وأخرى، حين توفر لهم منصة العمل المستقل شبكة أمان. فيؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات استبقاء العاملين وتقديم خدمة عملاء متميزة. ولكن ينبغي أن يتجنب المؤسسون النماذج الفاشلة التي ربطت تغطية التأمين الصحي بعدد ساعات العمل الفعلي، حيث أن هذا النهج يقوض الثقة والولاء، كما رأينا في فشل تجربة شركة سويغي (Swiggy)، التي ربطت التغطية التأمينية كلياً بتحقيق مستهدفات أداء متنوعة.

تحسين المهارات. أدركت منصة تكنولوجيا الوظائف وإحدى شركات اليونيكورن الهندية، أبنا (Apna)، في وقت مبكر أن ربط العاملين بالوظائف غير كافٍ، لأنهم يريدون فرصاً للنمو ومساراً مهنياً يدوم طويلاً. فعلى الشركات الاستفادة من نموذج أبنا، وتوفير مسارات مهنية للعاملين يستطيعون من خلالها تحسين مهاراتهم؛ فقد استفادت هذه المنصة قوة منظومتها الكبيرة من العاملين، بإتاحة فرص التعلم من الأقران. وعزز هذا النهج مشاركة العاملين وساعد المنصة على تحقيق أثر الشبكة، إذ يتبادل العاملون النصائح حول كيفية العثور على وظائف وتحسين لغتهم الإنجليزية واكتساب مهارات أخرى.

هذه بعض أمثلة على كيفية تحقيق منصات الأعمال المستقلة إمكاناتها الكاملة.

قطاع الأعمال المستقلة العالمي ليس ظاهرة عابرة، ويكفي أن تعرف أنه من المتوقع أن يتضخم لتصل قيمته إلى نحو تريليونَي دولار بحلول العام 2031. وما يعزز تلك التقديرات أن العالم يشهد نقصاً في الوظائف المتاحة، مع مطالب العاملين المتزايدة للحصول على قدر أكبر من المرونة في العمل. ومع ذلك، لا يوجد ما يمنع نمو هذا الاقتصاد، القائم على التكنولوجيا، من أن يعود بالنفع على العاملين والشركات.

قد يخدم الاقتصاد التقليدي الكثيرين، لكن أعداداً أكبر بكثير حول العالم محرومة من جني ثمار الرخاء، وتجد معاملة بلا إنصاف يوماً بعد يوم. ولا يجب أن يشهد اقتصاد الأعمال المستقلة الرقمي الجديد تلك المشكلات.

يمكن أن يصبح نموذج العمل عند الطلب تجربة أفضل بكثير للعاملين مقارنةً بوضعه الحالي، إذا شرع مؤسسو منصات العمل المستقل في تحقيق طموحات هؤلاء العاملين. وينبغي على المؤسسين إبرام الشراكات التي تزوّد العاملين المستقلين بالأدوات اللازمة لتحقيق النجاح، سواء كان ذلك على المدى القصير أو البعيد.

ومن يسلك هذا الطريق، يرتقي بشركته إلى مصاف العلامات التجارية القوية، الموثوقة، والناجحة. أما من يحيد عن هذا الطريق، فستظل منصته مجرد حلٍ مؤقت في أعين مئات الملايين حول العالم، الذين يحتاجون إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.