قد يكون التفكير التصميمي نهجاً قوياً يساعد المؤسسات في تحدي افتراضاتها التي تقيّد إمكاناتها. فهو يخلق تعاطفاً عميقاً ويجنّبنا النقاش المجرّد حول الأفكار في قاعات الاجتماعات وينقلنا إلى عالم يتيح لنا ابتكار المفاهيم الملموسة واختبارها بشكل تعاوني. والنظرية رائعة بالفعل، لكن غالباً ما يكون تنفيذها صعباً. فما السبب في ذلك؟
عندما بدأ أحدنا (المؤلف المشارك غلين فاهاردو) تنظيم جلسة تصميم برنامج "تيك سوب إيجا" (TechSoup Asia)، وهو حدث جمع محترفي الابتكار الاجتماعي الروّاد في جنوب شرق آسيا للتعاون في تصميم نموذج أوّلي للطرق الجديدة لاستخدام التكنولوجيا بهدف إحداث تأثير اجتماعي، قرر استخدام التفكير التصميمي لأول مرة. وواجه أسئلة ومخاوف نعتقد أن معظم المبتدئين يطرحونها بالفعل. وكان الشاغل الأول:
"أنا مقتنع تماماً بأن استخدام التفكير التصميمي فكرة جيدة. وقد فهمت معناه بالضبط بعد أن قرأت مقال تيم براون وجوسلين وايت بعنوان "التفكير التصميمي للابتكار الاجتماعي"، وتبدو فكرة رائعة بالفعل، لكني لست متأكداً من كيفية تنفيذها".
وجربنا منذ ذلك الحين استخدام التفكير التصميمي في العديد من المشاريع. وتبيّن لنا أنه ليس من السهل دائماً تنفيذ نظرية التفكير التصميمي، وذلك استناداً إلى أخطائنا وخبراتنا الجماعية، لا سيما في تنظيم حدثين في جنوب شرق آسيا مؤخراً (تشينج ويك إند (Changeweekend) وجلسة تصميم برنامج (تيك سوب إيجا)).
ونتفق مع براون ووايت على أن "معظم [الأشخاص] يفشلون اليوم في تبني النهج كطريقة لحل المشكلات التقليدية"، وأن "أحد أكبر العوائق التي تحول دون تبني نهج التفكير التصميمي هو ببساطة الخوف من الفشل". ولكي نساعد مزيداً من المبتكرين الاجتماعيين في "التنفيذ التصميمي"، أي تطبيق التفكير التصميمي فعلياً، يجب علينا تعليم الأفراد كيفية استخدامه بفعالية.
تعلم "التنفيذ التصميمي" هو نشاط تجريبي واجتماعي
توجد بالفعل مواد تعليمية جيدة متاحة على الإنترنت، بما فيها "معسكر تدريب كلية التصميم التابعة لجامعة ستانفورد" و"مجموعة أدوات التصميم المرتكز على الإنسان". ما الذي يصعّب مهمة تعلم التفكير التصميمي وتعليمه بطريقة تساعد الأفراد في تبنّيه بشكل كامل؟ توفر المواد الحالية بعض الإحساس بالأمان وقد تكون مفيدة بالفعل، لكن هل مجموعات الأدوات وكتيبات العمل تلك كافية؟
لا يمكن للمواد المكتوبة وحدها تسجيل جميع الفروق الدقيقة في التفكير التصميمي، وذلك لأن النهج يتضمن نهجاً منظماً مع الكثير من العناصر غير المنظمة. بمعنى آخر، يتطلب التفكير التصميمي تقديراً للارتجال، مثل موسيقى الجاز؛ أي أن تعلّم كيفية تطبيقه هو نشاط تجريبي واجتماعي.
إنه تجريبي، مثل تعلّم ركوب الدراجة؛ ولا يمكنك تعلّم كيفية تنفيذه بأن تطلب من شخص ما شرحه بشكل نظري، بل يجب عليك تجربته بنفسك لتكوّن خبرة عنه، وأن تواصل التدريب لتطور مهاراتك فيه.
كما يمكنك زيادة فهمك من خلال المراقبة والتفاعل مع الممارسين الأكثر خبرة، ويكون بهذه الطريقة نشاطاً اجتماعياً. كما يمكنك أن تعزز فهمك من خلال التدرب مع زملائك، ومشاركة وجهات النظر وتبادل التقييمات معهم.
إن مزيج التعلم التجريبي والاجتماعي هذا يعني اعتبار التصميم حرفة بدلاً من عملية محددة الإجراءات أو نتيجة. فكر في "مشغل للخياطة" بدلاً من "صف دراسي".
من المعرفة إلى التنفيذ
كمثال على ذلك، لنلق نظرة على جزء واحد فقط من التفكير التصميمي: ألا وهو كيفية وضع نموذج أولي. النموذج الأولي هو محاكاة بسيطة لتجربة منتج أو خدمة جديدة، محاكاة يمكن للمستخدم التفاعل معها. وغالباً ما يوضع على عجلة، لكنه يجعل الفكرة ملموسة وحقيقية. وتساعدك النماذج الأولية في طرح أسئلة حول مدى استصواب فكرتك وقابليتها للاستخدام وإمكانية تنفيذها. كما قد يساعدك إنشاء سلسلة من النماذج الأولية واختبارها بشكل متكرر في اكتساب فهم أعمق لاحتياجات مستخدميك وفي تحسين حلولك.
ولاحظنا بالفعل القلق بادياً على وجوه الموظفين الجدد بشأن وضع نماذجهم الأولية. إنهم يدركون معنى النموذج الأولي بالفعل، وأهمية وضع نموذج أولي، والنهج الذي اتبعه الآخرون في وضع نماذج أولية، لكنهم يخشون وضع نماذج أولية بأنفسهم!
ولاحظنا ذلك في التحدي الأول للتصميم في حدث "تشينج ويك إند"، حيث كُلّف المشاركون بابتكار طرق جديدة للسكان الذين ليس لديهم حسابات مصرفية لتأمين قدرتهم على الانتفاع من الخدمات المالية. وبينما كنا منهمكين في جلسة مدتها 45 دقيقة لوضع نموذج أولي، بدأ الذعر يتسلل إلى عقولهم:
"أنا حائر! ما الذي يجب علينا فعله الآن؟ أنا أدرك أهمية وضع نموذج أولي تماماً، لكني لا أعرف كيفية تصميمه".
"النماذج الأولية مخصصة للأشخاص المبدعين، وأنا لست شخصاً مبدعاً".
"ألا توجد خطوات عمل أكثر تفصيلاً؟ أخبرني بما يجب عليّ فعله الآن؛ ولا تقل لي ابدأ التصميم فقط".
وبعد حوالي 10 دقائق من الحديث عن الموضوع، ومع حثّ الميسّرين في الجلسة ("لن تتعلم حتى تجرب ...") ، بدأت مجموعة صغيرة أخيراً تصميم نموذج أولي "عملي" من الكرتون والورق المقوى.
وعندما بدأوا الانخراط في تجربة وضع النماذج الأولية، تغلبوا على خوفهم الداخلي وإحساسهم بالقصور الذاتي، على الرغم من شعورهم أنهم لا يعرفون ما كانوا يفعلونه.
ثم بدأت النقاشات: "أعجبتني فكرتك. هل يمكنك إخباري مزيداً من التفاصيل حول كيفية توصلك إليها؟ "وهل يمكنني تجربتها أيضاً؟" بمعنى آخر، ازداد ثراء التعلم مع التفاعلات الاجتماعية طوال الحدث، حيث أتيحت للمشاركين فرصة التكرار والحصول على التقييمات من فرقهم والفرق الأخرى وميسري الحدث وغيرهم من المدعوين الذين يعملون على تطوير المشاريع الاجتماعية.
وبمجرد أن بدأوا العمل على أساس تجريبي واجتماعي، ومع تعزز ثقتهم الإبداعية بأنفسهم، تمكن المشاركون من تطبيق النماذج الأولية على تحديات التصميم، تلك التحديات التي يواجهونها يومياً في عملهم. ابتكرت إحدى المجموعات فكرة حول "بطاقة هدايا خيرية" وبدأت تصميم نماذج أولية لعرضها أمام المستخدمين المستهدفين. وأسفرت هذه الممارسة عن تغييرات كبيرة في نموذج عمل المؤسسة، وفي عروض المنتج نفسه وفي أسلوب عرضه التقديمي.
ما المطلوب لدعم المزيد من أعمال التصميم؟
قد تتفاجأ بنوع المساعدة التي يمكنك الحصول عليها، حتى لو كنت قد بدأت للتو. حاول الوصول إلى شبكة علاقاتك المهنية، أو النشر على صفحة البرنامج المكثف لكلية التصميم التابعة لجامعة ستانفورد على "فيسبوك" (https://www.facebook.com/dcrashcourse/). ولدى "لينكد إن" العديد من منتديات التفكير التصميمي بالفعل، مثل منتدى "ديزاين ثينكينغ" (Design Thinking)، وهو مجموعة فرعية من مجموعة التصميم الصناعي "إنداستريال ديزاين" (Industrial Design)، ومجموعة أخرى (منفصلة) تحمل اسم "ديزاين ثينكينغ" (Design Thinking) أيضاً. استخدم هذه الموارد للعثور على المعلومات، والأهم من ذلك، للتواصل مع الأفراد. وضّح لهم ما تحاول القيام به والتمس نصائحهم.
نؤمن أيضاً بوجود حاجة وفرصة لإجراء مزيد من التجارب حول كيفية تعزيز الدعم المنهجي لتعلّم التنفيذ التصميمي. يمكن تبنّي مجموعة من أنماط التعلم (تتفاوت في درجة دعمها المباشر للأنشطة التجريبية والاجتماعية) التي تتراوح من قراءة الكتيبات الإرشادية عبر الإنترنت والاشتراك في دورة رسمية حول هذا الموضوع.
ويتمثّل أحد أهم التحديات التي نلاحظها في تمكين المبتدئين من التفاعل في الوقت الحقيقي مع المتمرسين بطرق موضوعية وقابلة للتطوير ومستدامة. وقد شهدنا بالفعل بعض الأمل بعد جلسة تصميم برنامج "تيك سوب إيجا": فالعديد من المشاركين الذين جربوا التصميم لأول مرة خلال الحدث اكتسبوا تلك الخبرة وعقدوا جلسات للتصميم في شركاتهم، على الرغم من أن السبب لم يكن جلسة التصميم بحد ذاتها. ومن المؤسسات التي اتبعت ذلك النهج "أسيست" (ASSIST) و"غاواد كالينغا" (Gawad Kalinga) في الفلبين، و"تشينج فيوجن" (ChangeFusion) و"أوبن دريم" (OpenDream) في تايلاند. ونتيجة لذلك، تمكن العديد من الأشخاص من اكتساب خبرات التعلم التجريبي والاجتماعي التي تضمنت التفاعل مع المتمرسين (الجدد). ونتوقع من المشاركين في المستقبل تبني فكرة أن يقوم "كل فرد بتعليم فرد آخر".
ما هي العوائق التي تقف في وجه التعريف بنهج التفكير التصميمي وتطبيقه في مؤسستك؟
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.