بصفتي ممارساً للعمل الاجتماعي ومعلماً وباحثاً، أمضيت أكثر من 10 سنوات في الانخراط مع المجتمعات والأكاديميين والطلاب لتطوير البرامج التي تدعم المجتمعات المهمشة عبر التاريخ وتنفيذها. وقد ركزت في غالبية حياتي المهنية على تحدي الطريقة التقليدية من القمة إلى القاعدة التي تتبعها هيئات الخدمة الاجتماعية لتنفيذ عملها المهم. وعلى الرغم من أن هذا النهج الأبوي لم يتعارض مع الوصول المتزايد للموارد، فإنه ركز السلطة في أيدي مزودي الخدمات واستثنى المجتمعات التي تتم مساعدتها نفسها من إغناء البرامج التي يُزعم أنها مصممة لأجلها وتعزيزها.
يركز نموذج بديل، وهو النموذج الذي يركز على الأشخاص (Person-centered model) أو (PC)، على تجارب العميل أثناء مرحلتي تصميم البرنامج وتنفيذه. ويمكن تمييز العديد من الأفكار الكامنة خلف النموذج الذي يركز على الأشخاص في كتاب "النظرية النسوية: من الهامش إلى المركز" (Feminist Theory: From Margin to Center) من تأليف بيل هوكس، وفي أعمال كل من باولو فريري ولوراين إم. غوتيريز. كما أن العاملين في مجال الخدمات الاجتماعية لطالما استخدموا النموذج الذي يركز على الأشخاص على المستوى الفردي أثناء تقديم الخدمات الاستشارية. بالإضافة إلى استخدامه من قبل المؤسسات الأهلية ومجموعات المناصرة المجتمعية.
كنت أستخدم العديد من التقنيات لتطوير تحليل عميق لحاجات عملائي، مثل الاستقصاءات والمقابلات الإثنوغرافية. كما أنني استخدمت تحليل أصحاب المصلحة، الذي يهدف إلى فهم وتحديد من يجب إشراكهم في تطوير حل، ووجهات نظرهم، والتحديات التي تواجههم، ونقاط القوة التي يتمتعون بها. وقد كانت هذه التقنيات مفيدة في المشاريع البحثية واسعة النطاق والبرامج ذات التمويل الضخم. لكنها لم تقدم الكثير لإلقاء الضوء على الصلة بين عدم المساواة البنيوية المتجذرة بعمق والواقع الحالي لعملائي، ولم توضح كيف تؤثر هويتهم الاجتماعية على امتيازاتهم أو مشاكلهم اليومية. كما أن هذه التقنيات نادراً ما أتت بفائدة عندما كانت رفاهة المجتمع تتطلب برامج فعالة من حيث التكلفة وفي الوقت المناسب أو تغييرات في السياسة، ويعود ذلك لعدد من الأسباب. فمن جهة، كانت تتطلب تدريباً مدروساً في مختلف منهجيات البحث. وتضمنت تخطيطاً يستغرق وقتاً طويلاً والتنسيق بين المجتمع ومؤسسات الخدمات الاجتماعية. وأخيراً، كانت هذه التقنيات باهظة الثمن، حيث استلزمت الاستثمار في أدوات تحليل البيانات، وأجهزة تسجيل الصوت، وإرسال الاستقصاءات عن طريق البريد، وغيرها من العناصر المطلوبة للتقييم على نطاق واسع.
مؤخراً، دعت مؤسسات الابتكار الاجتماعي - مثل آيديو IDEO وديزاين إمباكت Design Impact وغريتر غود ستوديو Greater Good Studio - إلى اعتماد التصميم المرتكز على العنصر البشري، والمبني على مبادئ النموذج الذي يركز على الأشخاص في السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية. وهناك العديد من موارد التصميم المرتكز على العنصر البشري التي تساعد مزودي الخدمة على ضمان مشاركة المجتمعات في بناء الحلول؛ مثل مجموعة التصميم الخاصة بمؤسسة أيديو، والثيمات المتبدلة الخاصة بمؤسسة ديزاين إمباكت، وأدوات المساواة العرقية، وصندوق أدوات المجتمع.
قمت بإنشاء أدوات جمع بيانات سريعة متاحة وبأسعار معقولة، مستوحاة من التصميم المرتكز على العنصر البشري، كما أنها تعطي الأولوية لبناء علاقات حقيقية بين العميل ومزودي الخدمات. ولطالما لجأت إلى أداتين منهما لمساعدة المؤسسات والمجتمعات على تفكيك الديناميكيات القمعية والأبوية في تصميم البرامج والخدمات الاجتماعية. وكلتا الأداتين - اللتين أدعوهما "صندوق الهدايا المفاجئ" و"انظر إلى الأمر من منظوري" - تهدفان إلى توفير فهم شامل لهويات الأفراد وواقعهم الثقافي والاقتصادي والسياسي. حيث يمكن لهيئات الخدمات الاجتماعية استخدامهما لتحديد مشاكل المجتمعات ونقاط قوتها الحقيقية. وأثناء هذه العملية، ستقوم (الهيئات) ببناء الثقة وكسب التأييد المجتمعي ما سيجعل البرامج أكثر فعالية وأسرع في التنفيذ.
أداة صندوق الهدايا المفاجئ تستخدم جوانب نهج الانحراف الإيجابي وتقييم الأصول المجتمعية. وقد أُلهمت لتطوير هذه الأداة أثناء عملي على مشروع متعلق بالتمكين المالي في مدينة كولومبوس بولاية أوهايو عام 2017. فقد تحدثت مع متطوعة عمرها 34 عاماً في دار عبادة محلية حول التحديات المالية التي تواجهها، وقد بدأت الحوار بسؤال تعارف روتيني: كيف تصفين نفسك؟ أخبرتني أنها أم لأربعة أطفال، تكافح من أجل توفير الاحتياجات الأساسية (الضروريات) مثل الغذاء والإيجار، ولا تعلم كيف تعيل عائلتها، وغالباً ما كانت تشعر بالعجز حيال تغيير وضعها. ولم أعرف إلا في وقت لاحق في محادثتنا التي استمرت 90 دقيقة عن المجهود الرائع الذي كانت تبذله في رعاية نفسها وعائلتها. فقد كانت تدير ستة أعمال تجارية، وتقدم الاستشارات في كنيستها للنساء اللاتي تم الاتجار بهن سابقاً، وتتدبر أمر أسرتها بدخل أقل من 8000 دولاراً في السنة، كما أنها كانت قد أسست نظام دعم اجتماعي قوياً للغاية.
جعلني هذا التفاعل والعديد من التفاعلات الأخرى المشابهة أشعر بشكل ملموس بتجربة نقدية مشتركة للهيئات الاجتماعية - التي غالباً ما تشدد على العمل على تحسين المجتمعات بدلاً من العمل معها. فالأشخاص الذين تتم مساعدتهم كانوا يتواصلون اجتماعياً فقط عبر تقديم أنفسهم بطرائق توضح الصراعات التي يواجهونها بدلاً من تقديم ذواتهم الشاملة، لأن هذه هي الطريقة التي تستطيع عبرها العديد من الهيئات الاجتماعية حسنة النية، بما في ذلك أدوات التقييم التابعة لها، من معرفة كيف يمكن لها المساعدة.
إن أداة صندوق الهدايا المفاجئ هي طريقة سريعة للكشف عن مواهب المجتمعات ومواردها وتطبيقها لتساعد هذه المجتمعات أنفسها بالتزامن مع مساعدة الهيئات الاجتماعية. وقد قمت بتقسيمها إلى أربع فئات عريضة لتكون أداة التقييم سهلة وسريعة الاستخدام.
"هدايا الرأس" تشير إلى المعارف التي يمتلكها الأشخاص والتي يمكنهم تعليمها لبعضهم البعض، مثل الخطوات اللازمة لإنشاء نظام إعادة التدوير داخل المنزل. ففي عام 2019 استخدمت هذه الأداة أثناء العمل مع سكان حي في مدينة سياتل في سبيل تأسيس مجلس من الأشخاص المحليين الذين يمكنهم قيادة الاستجابات لمشاكل المجتمع. وقد أشار أحد السكان إلى أنه يفهم جيداً سياسات المدينة المتعلقة بسلامة المستأجر بسبب تجاربه السكنية السابقة. ونتيجة لذلك، اقترحت وكالة الخدمات الاجتماعية أن ينضم إلى المجلس ليساعد السكان الآخرين على فهم حقوقهم.
"هدايا القلب" تشير إلى القضايا التي يعيرها الأشخاص اهتماماً خاصاً والتي هم مستعدون لتعريف الآخرين بها في سبيل تمكين الأواصر المجتمعية. ومن أمثلتها الاعتناء بكبار السن أو تأمين الغذاء للأشخاص. ففي عام 2018، عملت على مشروع لتقييم الموارد المجتمعية المتاحة لدعم الشباب المعرضين للخطر في مدينة سياتل. وشاركت إحدى أعضاء المجتمع رغبتها في إنشاء نادٍ للكتاب لإشراك أطفال محليين من برامج الرعاية البديلة وغيرهم من الشباب المعرضين للخطر لأنها تعاطفت معهم بسبب تجربتها السابقة في هذا النظام. وعلى الرغم من أن نادي الكتاب هذا لم يتم إنشاؤه فعلاً، إنه ألهم مزودي الخدمات والسكان المحليين للتفكير في طرائق جديدة للعمل مع الأطفال في مجتمعهم.
"هدايا اليد" تصف المهارات التي يمتلكها الأشخاص والتي يمكن أن تساعد في دعم المجتمع، مثل الزراعة والطهو. وقد عملت في عام 2019 على مشروع في مدينة سياتل لنشر الوعي حول نقص الأمن الغذائي. وقد أشارت واحدة من أفراد المجتمع التي تستخدم هذه الأداة أنها كانت تحب الرسم وتمنت أن توظف شغفها في دعم المجتمع. فاستفاد المشروع من مهاراتها لإنشاء حساب على إنستغرام (Instagram)، حيث استخدمت مهاراتها الفنية لنشر الوعي حول قضايا الجوع. كما استخدمت مهاراتها في الرسم لعرض معلومات حول الوصول إلى الغذاء بالنسبة للمجتمع ككل.
"هدايا الانتماء" تتضمن العلاقات الشخصية وعناصر الحياة الأخرى التي تجعل الأفراد يشعرون بالارتباط مع بعضهم البعض. ويمكن أن تشمل أماكن مثل المراكز المجتمعية أو الصلات بين الجيران. ففي عام 2018 كنت أشرف على مشروع طلابي في مدينة سياتل يركز على مجتمعات كبار السن وشعورهم بالعزلة الاجتماعية. وقد اكتشف أحد الطلاب باستخدام هذه الأداة أن الكنيسة المحلية لأحد المشاركين كانت توفر له الوجبات بالإضافة إلى مكان للالتقاء بالآخرين وإنشاء الصداقات. فالكنيسة كانت "هدية انتماء" واضحة في حياة هذا المشارك، وإن توصيفها بهذه الطريقة ساعد الوكالة على تقدير دورها المزدوج والاستفادة منه.
من واقع خبرتي، عملت أداة صندوق الهدايا المفاجئ بأفضل شكل كأداة لبناء العلاقات ضمن مجموعات مناقشة صغيرة تجعل الناس يشعرون بالراحة لمناقشة حياتهم، بدلاً من أن تكون أداة متعمقة للمجتمع أو أداة لتقييم الأصول الفردية. فالعملاء الذين خضعوا للعملية قالوا إنهم شعروا بالراحة لأنهم كانوا قادرين على التحرر من النظر إليهم كـ "مشكلة" يتوجب إصلاحها. واستمد بعضهم الإلهام للنظر في كيفية توظيف مهاراتهم لمساعدة مجتمعاتهم. بينما أشار آخرون إلى أن التمرين جعلهم يشعرون بالمسؤولية تجاه مجتمعاتهم والحماس تجاه دمج مهاراتهم في البرامج الاجتماعية.
الأداة الثانية، انظر إلى الأمر من منظوري (See It My Way)، هي تمرين لبناء التعاطف يدرس مظاهر عدم المساواة المنهجية داخل المجتمع وكيف تظهر في أنشطة الأفراد اليومية. وهي تصحح الخطأ الشائع المتمثل في عزو سلوكيات الناس إلى بعض الخصائص الفطرية دون مراعاة بنية الأماكن والعمليات والمعايير التي تشكل حياتهم. وقد طورتُها في أثناء عملي على مشروع يعالج الأمن الغذائي في مؤسسات التعليم العالي في عام 2019.
لاحظ عملائي، الذين كانوا طلاباً جامعيين من ذوي الدخل المنخفض الذين يواجهون صعوبة في توفير الوجبات، النوايا الحسنة لبرامج الطعام في جامعاتهم، لكنهم وجدوا صعوبة في الاستفادة منها. فعلى سبيل المثال، كان المخزن الذي يحضر منه الطلاب طعامهم يغلق في أيام العطلات وأيام إغلاق المدراس تبعاً لحالات الطوارئ، وهي الأوقات التي كان الطلاب في أمس الحاجة إليه فيها. إلا أن الجامعة لم تكن على معرفة بهذه الفجوات في الخدمة وأثرها السلبي.
للتغلب على هذا النقص في الفهم، استخدمتُ جوانب منظور الشخص في البيئة (إحدى نظريات العمل الاجتماعي)، والبحث الإثنوغرافي، وطريقة الصوت الصوري (طريقة بحث نوعي تتضمن الفيديو أو الصور)، وأداة آيديو التي تعتمد على فرز البطاقات لوضع تمرين انظر إلى الأمر من منظوري. وهو يتضمن صوراً من الأنشطة اليومية - مثل شراء البقالة، وقضاء وقت مع العائلة، وارتياد المدرسة، وركوب المواصلات إلى العمل - بالإضافة إلى مجموعة من أدوات فتح النقاش لاستكشاف كيف ولماذا يختبر الموظفون والمتبرعون والعملاء هذه الأنشطة بشكل مختلف. وتشمل أسئلة المناقشة: كيف تقوم بهذا النشاط؟ ما هي طريقتك المثلى للقيام به؟ ما الأمر الذي لا تتمكن من القيام به وفق طريقتك المثلى؟ كيف تؤثر حياتك اليومية على طريقتك؟ يسلط التمرين الضوء على التفاوتات الهيكلية - بدلاً من العوامل الفردية - التي تجعل بعض المهام سهلة بالنسبة للبعض وصعبة بالنسبة للآخرين.
إن استخدام أداة انظر إلى الأمر من منظوري يتطلب أن يشعر المشاركون بالأمان لمناقشة القضايا التي قد تكون شائكة. فقد تصبح المحادثات محتدة، ولكن إذا تمت إدارتها بشكل جيد، يمكن أن تخلق مفاهيم حقيقية ومفيدة لحياة الناس. وقد قامت إحدى العميلات، التي كانت تتلقى وجبات من بنك طعام محلي، بإجراء التمرين وتعلمت أنه يتعين عليها ركوب حافلتين للوصول إلى متجر لبيع الخضار الطازجة، بينما يمكن لمزود الخدمة أن يشتريها من السوق على بعد مسافة أقل من نصف ميل. ساعد هذا في توضيح تجربتها وإحباطها، وحسن نوعية النقاش الدائر بينها وبين مزود الخدمة. والأهم من ذلك، أنه زاد من تأييد كلا الجانبين لتطوير برنامج لا يتأثر بقيم وتجارب مزودي الخدمات. كما كان البرنامج أكثر قدرة على احتساب العوائق اليومية التي يمكن أن تشكل عائقاً للخدمات حسنة النية.
إن أداتي انظر إلى الأمر من منظوري وصندوق الهدايا المفاجئ دفعتاني أنا ومن أعمل معهم إلى إجراء محادثات تحث على التفكير وصعبة غالباً. وإذا تم التعامل مع مشاعر الضيق بصورة جيدة، يمكن التوصل إلى نتائج تستحق احتمال هذه المشاعر. فمن خلال إلقاء مزيد من الضوء على أوجه عدم المساواة المتجذرة، ستخلق هاتان الأداتان مساحة تمكن مزودي الخدمات والعملاء من تبادل خبراتهم وبناء البرامج التي ثبت أنها أكثر فاعلية نظراً لتجنب النهج الحالي المليء بالعيوب. ولعل أداتيّ انظر إلى الأمر من منظوري وصندوق الهدايا المفاجئ ليستا مثاليتين، لكنني أحاول تحسينهما باستمرار. ومن خلال مشاركة ما تعلمته، أدعو الآخرين لاستخدامهما والبناء عليهما لخلق عالم أكثر عدلاً يعتمد على مشاركة السلطة والحلول التعاونية.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.