كيف يمكن الاستثمار في إعادة توطين اللاجئين؟

إعادة توطين اللاجئين
shutterstock.com/Chinnapong
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمكن للعمل الخيري أن ينشط مجتمعاتنا وعملياتنا الديمقراطية عبر الاستثمار في إعادة توطين اللاجئين وتمكينهم من القيادة وتعزيز مشاركتهم المدنية.

على مدار الأشهر القليلة الماضية، بعد أن أُجبر عشرات الآلاف من الأفغان على الهرب من بلادهم، كنت أستمع لقصص الأفغان في الولايات المتحدة وهم يعبرون عن قلقهم بشأن عائلاتهم في أفغانستان، وأيضاً بما يتعلق بالوافدين الجدد الذين يواجهون الآن مصيراً مجهولاً. كانت قصصهم في الغالب شبيهة بقصتي، عندما فررت مع زوجي وابنتنا ذات العام الواحد من العراق في منتصف الليل في عام 2010 – وذلك بسبب عمل زوجي كمترجم للجيش الأميركي. لحسن الحظ، كان هناك تدفق دعم كبير لإعادة توطين اللاجئين الأفغان من المجتمعات الدينية ومجموعات المحاربين القدماء والشركات مثل إير بي إن بي (Airbnb) وغيرها. ونظراً لأن الإدارة السابقة عملت على تفكيك نظام إعادة توطين اللاجئين في الولايات المتحدة – حيث قبلت أقل من 12000 لاجئ في عام 2020، مقارنةً بنحو 85000 في عام 2016 – توجبت إعادة بناء البرامج المحلية التي تقدم الرعاية الطبية وهيكلتها، والدعم للذين يعانون من الصدمات، والإسكان والخدمات الأخرى للاجئين الذين يستقرون هنا. ولكن يجب علينا أيضاً أن نفكر على المدى الطويل.

خلال فترة إعادة توطيني في الولايات المتحدة، وفي السنوات التي تلت ذلك – بصفتي مديرة الحملة الوطنية لمؤسسة وي آر أول أميركا (We Are All America)، وكمدافعة عن حقوق اللاجئين – تعلمت أن الانخراط المدني في المجتمعات التي سيعيش فيها اللاجئون أمر أساسي لنجاح توطينهم على المدى الطويل. فعندما نوفر فرصاً للاجئين للانخراط في المجتمع وإدراك إمكاناتهم كقادة، فإن ذلك لا ينمي شعورهم بالانتماء والفاعلية في حياتهم فحسب، بل يسهم في إحداث تغييرات إيجابية تعود بالفائدة علينا جميعاً. ومن أجل أولئك العازمين على إيجاد مجتمع أكثر عدلاً وحيوية، نحتاج إلى إشراك اللاجئين والاستثمار في مهاراتهم القيادية ومشاركتهم المدنية.

حركة نامية لدعم قيادة اللاجئين

أطلقنا في وي آر أول أميركا حملة جديدة بعنوان فرصة للجميع، والتي ستتيح لمجموعة من اللاجئين الأفغان السابقين فرصة المشاركة في برنامج تدريبي لتطوير القدرات القيادية لمدة سنة كاملة. وي آر أول أمريكا هي واحدة من عدد متزايد من المؤسسات التي طورت برامج مماثلة لمساعدة اللاجئين على اكتساب شعور بالانتماء، ليتمكنوا من الاندماج والتصويت، وليصبحوا مشاركين نشطين وصانعي تغيير في مجتمعاتهم. وفي حين تختلف البرامج حول القيادة والمشاركة المدنية في نطاقها ومقارباتها، إلا أنها تشترك جميعاً في المكونات الأساسية: رواية القصص والمشاركة المدنية والعدالة العرقية والمناصرة. من خلال الانخراط في نظام الحكومة الأميركية، لا يتعلم قادة اللاجئين فقط كيف يمكنهم التأثير على صنع السياسات المحلية والوطنية، بل إنهم أيضاً يصبحون مدافعين عن أنفسهم وعن بعضهم بعضاً.

تم تطوير بعض برامج القيادة من قبل وكالات إعادة التوطين، مثل خدمة الكنيسة العالمية (Church World Service)، التي يعمل برنامجها النموذجي بالتعاون مع الشبكات التي يقودها اللاجئون، مثل مؤتمر اللاجئين. وقد دربت خدمة الكنيسة العالمية أكثر من 1500 قائد من اللاجئين على تنظيم مجتمعاتهم ورواية قصصهم بطرق تُحدث أثراً، وعلى الدفاع عن برنامج اللجوء والمشاركة في التثقيف والتسجيل الانتخابي وحشد المناصرة للاجئين السابقين الذين أصبحوا الآن مواطنين أميركيين. وكنتيجة لبرامج خدمة الكنيسة العالمية، وغيرها من البرامج المشابهة ، أصبح اللاجئون الآن يكتبون مقالاتهم الافتتاحية الخاصة بهم ويطرحون قصصهم الخاصة على وسائل الإعلام، بهدف المساعدة في تشكيل الرواية العامة عن اللاجئين.

يشيد قادة مثل مصطفى نور، وهو لاجئ سابق من الصومال، بالتدريب الذي قام به مع خدمة الكنيسة العالمية وينسب له الفضل باعتباره عاملاً محفزاً لدوره كقائد مجتمعي. يقول مصطفى: “كانت تلك بداية اكتشافي لإمكانيّاتي”. حيث بدأ في مشاركة قصته علناً، عبر كتابة مقالات الرأي، وترتيب لقاءات مع ممثلين محليين. كما أنه أصبح بعد التدريب صريحاً وصاحب رأي بالقضايا التي تؤثر على مجتمعه، مثل قيامه بالإدلاء بشهادته في جلسة استماع في الكونغرس حول أهمية برنامج إعادة توطين اللاجئين. لم يؤسس مصطفى بريدج (Bridge) فقط – وهي مؤسسة تسهل زيادة التفاهم بين عائلات اللاجئين والمقيمين الآخرين في لانكستر بولاية بنسلفانيا – ولكنه أصبح أول لاجئ يعمل في لجنة العلاقات الإنسانية في لانكستر.

كما أن مؤسسات المناصرة على مستوى الولايات، مثل تحالف حقوق المهاجرين واللاجئين في ولاية تينيسي وائتلاف فلوريدا للمهاجرين، طورت برامج تدريب قيادية مماثلة تجمع قادة اللاجئين مع مجتمعات المهاجرين الأخرى. كما أن بعض البرامج الأخرى – مثل الشراكة من أجل النهوض بالأميركيين الجدد في جنوب كاليفورنيا، وبرنامج النساء الهايتيات من أجل اللاجئين الهايتيين في بروكلين، ويونايت أوريجون (Unite Oregon) – قد أسسها وقادها لاجئون (لاجئون من أصحاب البشرة السمراء في جميع الحالات الثلاث المذكورة).

تأسست مؤسسة يونايت أوريجون على يد عضو مجلس الولاية كيسي جاما، الذي وصل إلى الولايات المتحدة في عام 1999 كلاجئ من الصومال. يوضح السيناتور جاما: “كنت محظوظاً بما يكفي للعمل مع الأشخاص الذين دعموا قيادتي وسمحوا لي بتحقيق إمكاناتي”. في وقت مبكر من مسيرته المهنية، عمل السيناتور جاما مع اللاجئين الأفارقة اليافعين كمدير حالة، وأنشأ مؤسسة يونايت أوريجون عندما كان عضواً في زمالة الأصوات الجديدة في مركز الولايات الغربية. وأثناء عمله هناك، أطلق أيضاً مشروع بان إيميجرانت للقيادة والتنظيم (PILOT)، لتلبية حاجة ملحة: “لم يكن لدى اللاجئين فرصة للتفاعل مع بعضهم بعضاً، لا سيما أولئك أصحاب العقلية المدنية”، على حد قوله، “لقد شعروا بالوحدة والعزلة الثقافية … لم يكن أحد يقدم لهم التدريبات التنظيمية”. يعمل مشروع PILOT على التركيز على المعرفة والتجارب الحية للاجئين في برنامجه القيادي، الذي يدرب 25 – 30 لاجئ سنوياً من أكثر من 15 دولة والذين يكونون أحياناً ناطقين بأكثر من 12 لغة مختلفة.

إن السيناتور جاما ما هو إلا مثال حي على ما يمكن تحقيقه عندما تُمنح الفرصة للأشخاص المتأثرين – بالإضافة إلى التدريب والدعم – اللازمين لتهيئتهم للنجاح. كما أن دعم الفرص القيادية للاجئين يجب أن يكون جزءاً من الالتزام المتنامي للقطاع الخيري في سبيل استثمار المهارات القيادية للأشخاص الذين يمتلكون تجارب حية مع الأنظمة التي يعملون على تغييرها. مؤسسة أنباوند فيلانثروبي (Unbound Philanthropy)، على سبيل المثال، كانت أحد المستثمرين الأوائل في دعم الشباب غير المسجلين من أجل سرد قصصهم لوسائل الإعلام والمشرّعين وغيرهم من أصحاب المصلحة، لأننا نعتقد أن التجربة الحية لأنظمة الهجرة واللجوء وإعادة توطين اللاجئين ضرورية لتحليل كيف تحتاج هذه الأنظمة إلى التغيير ولتحميل المسؤولية لصناع القرار. وقد شهدنا شباباً غير مسجلين يكتسبون دعماً عاماً دائماً وواسعاً، ويفوزون (ويدافعون) عن برنامج الإجراء المؤجل للأطفال القادمين (Deferred Action for Childhood Arrivals) أو ما يُدعى اختصاراً (DACA)، ويقنعون صانعي السياسات على مستوى الولاية والمستوى المحلي بدعم السياسات التي تعزز اندماج المهاجرين، وفي الوقت الراهن، يقودون حملة لنيل الحماية لملايين الأميركيين غير المسجلين من خلال إعادة تسوية الميزانية.

هذه الإنجازات مهمة وعظيمة، ونحن الآن نرى شيئاً مشابهاً يظهر داخل قطاع اللاجئين بحد ذاته. حيث يقوم اللاجئون بالتنظيم والحديث مباشرةً مع صانعي السياسات، ويناقشون أن دعم اللاجئين يفيد الأميركيين أجمع ويجعل البلاد أقوى، كما أظهرت التجارب السابقة مع المهاجرين الآخرين. فعلى سبيل المثال، في عام 2019، دعت خدمة الكنيسة العالمية القائدة اللاجئة، نا فونغ – ساندوفال، لمشاركة قصتها مع النائب الجمهوري كين باك، العضو رفيع المستوى في اللجنة القضائية الفرعية التابعة لمجلس النواب المعنية بقضايا الهجرة والمواطنة. وصفت نا تجربة عائلتها عندما فرّوا من فيتنام وهي بعمر ثلاثة سنوات، والترحيب الذي قابلوه عندما وصلوا إلى الولايات المتحدة، والمساهمة التي يقدمها اللاجئون في المجتمع. كان لقصة نا تأثير كبير. حيث أقنع هذا الاجتماع النائب باك بكتابة رسالة مع 17 آخرين من أعضاء الحزب الجمهوري إلى إدارة الرئيس ترامب حول قبول المزيد من اللاجئين. كما دُعيت نا، في وقت سابق من هذا العام، لمقابلة السيدة الأولى الدكتورة جيل بايدن، حيث استغلت الفرصة للدعوة من أجل رفع القرار الرئاسي المتعلق باللاجئين.

واليوم، تتحدث نا وغيرها من اللاجئين والمهاجرين من فيتنام للترحيب بالأفغان في هذا البلد. وتقول نا: “كجزء من الشتات الفيتنامي الذي فرّ من وطنه كلاجئين، علينا بدورنا أن نرحب بالآخرين الذين يبحثون عن الأمان”.

قضايا أكبر من الهجرة

إن المشاركة المدنية للاجئين تعالج على نحو متزايد قضايا تتجاوز الهجرة، ما يحسن نوعية الحياة للجميع في المجتمع. ففي عام 2020 على سبيل المثال، دافع القادة من اللاجئين، الحاصلين على تدريب من FLIC، من أجل إقرار التعديل 4، الذي يعيد حقوق التصويت للأشخاص المدانين جنائياً في ولاية فلوريدا بعد إتمامهم مدة الحكم.

بعد مقتل جورج فلويد في صيف عام 2020 والانتفاضة العالمية حول العدالة العرقية، عمقت العديد من المؤسسات التي تخدم اللاجئين التزامها بالعدالة العرقية والتصدي للعنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء في عملها. فعلى سبيل المثال، يعمل ائتلاف حقوق المهاجرين واللاجئين في ولاية تينيسي على إنشاء تجمع للمهاجرين واللاجئين من أصحاب البشرة السمراء، لإنشاء مساحة للمهاجرين واللاجئين أصحاب البشرة السمراء للحديث عن التجارب المتداخلة لكونك صاحب بشرة سمراء ومهاجراً أو لاجئاً.

سعت خدمة الكنيسة العالمية أيضاً إلى ضمان أن المهاجرين واللاجئين يمكنهم المساعدة في معالجة النقص في المتخصصين في الرعاية الصحية أثناء جائحة كوفيد-19. بمشاركة قادة اللاجئين المشاركين في جهود تنظيم المجتمع في خدمة الكنيسة العالمية، تمكن القادة المستفيدون من التأثير من الحشد والدعوة للفوز بعدد من الأوامر التنفيذية والتشريعات على مستوى الدولة، والتي تزيد من الوصول إلى التراخيص الطارئة لمتخصصي الرعاية الصحية المدربين دولياً، والتي ينبغي أن تحسن الوصول إلى الخدمات الطبية لمن يحتاجون إلى رعاية.

وقد بدأنا نرى مزيداً من مؤسسات المناصرة وإعادة توطين اللاجئين التي يقودها لاجئون. يعمل بعض هؤلاء القادة بدوام كامل في هذا المجال، والبعض الآخر يدعم اللاجئين بفعالية بينما يعملون في نفس الوقت في قطاعات أخرى، سواء في الأعمال التجارية، أو ريادة الأعمال الاجتماعية، أو كمسؤولين منتخبين، أو كفاعلي خير. تأتي قيادة اللاجئين من مصادر متعددة، ليس فقط من تجاربهم الحياتية كلاجئين ولكن أيضاً من هوياتهم المتعددة المتقاطعة. وبهذه الطريقة، يقوم اللاجئون بتنويع معنى أن تكون مدافعاً عن عدالة المهاجرين، وكذلك ما يعنيه أن تكون صاحب بشرة سمراء، أو مسلماً، أو امرأة، في أميركا.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.