اعتدت الجلوس، في الصف الدراسي بالمرحلة الابتدائية، بجانب زميل ذكي جداً خلال تعامله بشكل عام، لكنه يتحول إلى شخص آخر حينما يطلب منه أحد المعلمين قراءة نص، أو الإجابة عن سؤال مهما يبدو سهلاً. اعتاد زملاؤنا وصفه بالغباء، واعتاد المعلمون نعته بالطالب الكسول، إلى أن عُيّن في المدرسة أخصائي اجتماعي، وأوضح أنه ليس غبياً أو كسولاً، وشخّص حالته بأنه من ذوي صعوبات التعلم.
يبلغ عدد التلاميذ الذين يعانون صعوبات التعلم من 5% إلى 9% من عدد السكان حول العالم، ولكن معظمهم لا يتلقون التشخيص الصحيح كحالة زميلي. وهنا تكمن المشكلة، إذ إنه من دون التشخيص السليم، سيظل الطالب على حاله متأخراً دراسياً واجتماعياً، على الرغم من أن هناك طرقاً عديدة للتعامل مع هؤلاء التلاميذ الذين يكافحون مع صعوبات التعلم، تعزز من فهمهم وتحصيلهم الدراسي.
وتختلف صعوبات التعلم بين التلاميذ، فيواجه بعضهم صعوبات في الرياضيات والمواد التي لها علاقة بالحساب، وتتمثل الصعوبة لدى مجموعة أخرى في تعلم اللغات، ويجد آخرون صعوبة في الكتابة، في حين أن المجموعة الأكبر تعاني صعوبات في القراءة، وهي من أكثر صعوبات التعلم شيوعاً؛ إذ إن 80% من التلاميذ ذوي صعوبات التعلم يواجهون صعوبات في القراءة.
ولا تنحصر مشكلات القراءة في التعثر عند نطق الجمل، وإنما هناك ركناً مهماً قد يتسبب ضعفه في مشكلات أكبر وهو "الاستيعاب القرائي"، ويعني فهم المعاني وراء الكلمات المكتوبة، ويشار إليه أنه الهدف الرئيسي من القراءة، إذ لا يستوعب التلاميذ الذين يعانون هذه المشكلة ما يقرؤونه ولا يدركون ما يحتويه النص من معانٍ وحروف، ما يؤثر سلباً في مستوى تحصيلهم الأكاديمي والاجتماعي، وهذا بدوره ينعكس سلباً على ثقة الطالب بنفسه، ودافعيته نحو التعلم، وقد يمر بمشاعر مختلفة من الإحباط والقلق.
والخبر الجيد أن ثمة العديد من الطرق الفعالة لشحذ تعليم هؤلاء التلاميذ وتحسين مستوى تحصيلهم، وزيادة ثقتهم بأنفسهم. وأبرزها التعليم بطريقة "السرد القصصي"، التي تعدّ فعالة للغاية مع التلاميذ ذوي صعوبات التعلم خاصة في المراحل العمرية المبكرة.
ركز بحث حديث بعنوان "فعالية برنامج تدريبي في تحسين مهارات الاستيعاب القرائي لدى تلاميذ الصف الرابع الابتدائي من ذوي صعوبات التعلم" على دراسة فعالية استراتيجية القصة لتحسين مستوى الاستيعاب القرائي لهؤلاء التلاميذ. خاصة بعدما لاحظ الباحثان أن أحد أهم العوامل التي تقود إلى تدني مستوى الاستيعاب القرائي لدى الطلبة ذوي صعوبات التعلم في مختلف مراحلهم، هو اتباع المعلمين طرق التدريس الروتينية.
وأجرى الباحثان دراستهم على 60 طالباً من تلامذة الصف الرابع الابتدائي الذين يعانون صعوبات التعلم، والذين ينتمون إلى 8 مدارس تابعة لإدارة التعليم في محافظة المجمعة. وقسما أفراد العينة إلى مجموعتين بواقع 30 تلميذاً في كل منها، تلقت الأولى تدريباً بطريقة السرد القصصي، في حين تلقت المجموعة الثانية تدريبها بطريقة التدريس التقليدية.
وتمت الدراسة عبر ثلاث مراحل، الأولى كانت عبارة عن اختبار قبلي لقياس مستوى الاستيعاب القرائي من خلال قياس قدرة التلاميذ على فهم الكلمات والجمل والمعلومات والأحداث الواردة في نص قصصي. وكانت المرحلة الثانية هي البرنامج التدريبي المستند إلى القصة أو السرد القصصي، إذ تم خلاله عرض المحتوى التعليمي المستهدف في شكل أربعة نصوص قصصية مسلية متدرجة الصعوبة، أما المرحلة الأخيرة والحاسمة، فتضمنت الاختبار البعدي لأفراد المجموعتين لقياس أثر البرنامج التدريبي.
خلصت الدراسة إلى أن القصة أسهمت إسهاماً ملحوظاً في تحسين مهارات التلاميذ في المجموعة التي تلقت المحتوى بهذه الطريقة، إذ كانت نسبة نجاح المجموعة التي تلقت التعليم عن طريق السرد القصصي في الاختبار القبلي 20.47 (المتوسط الحسابي لهذه المجموعة)، ووصل في الاختبار البعدي إلى 31.87، في حين كان المتوسط الحسابي للمجموعة التي تلقت المحتوى بالطريقة التقليدية 20.20 في الاختبار القبلي، و22.80 في الاختبار البعدي؛ أي إن المهارات لم تتحسن بشكل كبير لهذه المجموعة.
ويرجع ذلك إلى فعالية طريقة السرد القصصي إلى عدة أمور مهمة هي:
- أولاً، القدرة التي تمتلكها القصة في جذب انتباه الطلبة، وإشراكهم في عملية القراءة، ومساعدتهم على استيعاب الدلالات والمعاني وإدراكها وفهم الجوانب اللغوية من ربط الكلمة المكتوبة بالكلمة المقروءة.
- ثانياً، نقاط القوة التي يتمتع بها ذوو صعوبات التعلم، التي تتناسب بشكل مثالي مع طريقة القصة. إذ يتمتع هؤلاء التلاميذ بمهارات عديدة مثل قوة التفكير البصري المكاني، والقدرة على اكتشاف الأنماط، وتكوين روابط فريدة بين المفاهيم، إلى جانب التركيز على رؤية "الصورة الكبيرة" وحل المشكلات الإبداعي.
- ثالثاً، تسهم القصص في حل المشكلات الأساسية للاستيعاب القرائي، إذ إن التلاميذ الذين يعانون ضعفاً في فهم القراءة غالباً ما يفهمون أيضاً عدداً أقل من المفردات، وفقاً لهذه الدراسة المنشورة بـ "جمعية علوم النفس" (APS). وهنا سيكون استخدام طريقة تخاطِب حواساً متعددة حلاً مثالياً لإضافة مفردات جديدة لهؤلاء التلاميذ وتحسين مهاراتهم اللغوية بشكل عام، وزيادة احتمالية فهمهم لكلمات أدلة السياق.
آليات استخدام السرد القصصي لتحسين مهارات الاستيعاب القرائي:
والآن، كيف يستخدم المعلمون أسلوب السرد القصصي لتحسين مهارات الاستيعاب القرائي لدى التلاميذ للخروج بأفضل النتائج الممكنة؟
1-الوعي بقدرات التلميذ
"لا بد أن ننظر إلى صعوبات القراءة على أنها جزر ضعف وسط بحر من القوة"، هذا التعبير الذي استخدمته سالي شايويتز من مركز "ييل" لعسر القراءة والإبداع، لتؤكد ضرورة تركيز معلم التربية الخاصة على نقاط القوة الخاصة بالتلاميذ للاستفادة منها، وإيجاد الطريقة المثالية التي يتعلمون من خلالها.
أما عالمة النفس، والمؤلفة تريسي ألواي، التي ألفت أربع قصص للأطفال، تسلط كلّ منها الضوء على طفل يعاني صعوبة في التعلم وكيف جعلته هذه الإعاقة بطلاً خارقاً، فتقول: "غالباً ما نركز على الصعوبات، لكن هؤلاء التلاميذ لديهم قوى مذهلة، إذا قدمناها في مناقشتنا معهم، فستكون أداة تمكين رئيسية لهؤلاء التلاميذ، وحتى تساعد زملائهم على تقدير المواهب الفريدة لهم في الصف أيضاً".
2- اختيار القصة بعناية
في الدراسة المذكورة أعلاه التي تمت في السعودية، أورد الباحثان مواصفات يجب أن تتوافر في القصة المختارة لتحقيق أهدافها في تحسين الاستيعاب القرائي للتلاميذ، فلا بد أن تكون القصة واضحة المعاني، وتتضمن شخصيات وحبكات شيقة، وأن يكون الأبطال شخصيات مألوفة مثل أفراد الأسرة أو الحيوانات الأليفة أو النباتات، وتكون ذات بداية مشوقة تجذب الطفل لسماعها، وملائمة للمرحلة العمرية، وتهدف إلى بناء شخصية التلميذ وتنميتها، وتنمي خبراته اللغوية، ويكون حجمها مناسباً لقدرة التلاميذ على الانتباه، وأن تتسلل أحداثها بانتظام.
3- تصميم الدرس وفقاً لمخطط القصة
بعد الخطوتين السابقتين، وهما فهم احتياجات التلاميذ واختيار القصة المناسبة، يجب تصميم الدرس وفقاً لمخطط القصة، الذي يشتمل على ثلاث مراحل:
إجراءات قبل القراءة: يبدأ المعلم بعرض بعض المفردات الواردة في القصة مثل كلمة "فريسة" أو "ينقض"، ثم يعرض الغلاف ويطلب منهم التنبؤ بمحتوى القصة، ويسألهم عن خبراتهم السابقة، فمثلاً إذا كانت الحيوانات هي أبطال الغلاف، فيسأل إذا كانوا يعرفون عن هذه الحيوانات شيئاً، ويكتبون إجاباتهم في ورقة.
إجراءات خلال القراءة: يقرأ الطالب أو المعلم القصة، وبعد صفحتين مثلاً يطرح بعض الأسئلة لمساعدة التلاميذ في تحديد الأحداث الرئيسة، والمشكلة، وكيفية الحل.
إجراءات بعد القراءة: بعد الانتهاء من القراءة، يحدد التلاميذ الشخصيات الواردة وما يدور في القصة، ويكتبون ردودهم في ورقة الإجابة، علاوة على مناقشتهم بشأن نهاية القصة هل يتفقون معها أو لا، وهكذا.
4- الاستفادة من تطبيقات التكنولوجيا التعليمية
يمكن للمعلمين الاستعانة بالكتب الإلكترونية والكتب المسموعة أو تطبيقات القصص الإلكترونية، التي زاد الاعتماد عليها مؤخراً بعد جائحة كورونا، مثل منصة "قصص" التي توفر كتباً وقصصاً رقمية باللغة العربية تتناسب مع المستويات المختلفة للتلاميذ. وستجد العديد من التطبيقات العربية عبر مقال "10 مبادرات مبتكرة لتعليم الأطفال في الدول العربية".
بهذه الطرق غير التقليدية وغيرها، سيتمكن المعلمون من إحداث الفرق في التعامل مع التلاميذ ذوي صعوبات التعلم، والاستفادة من قدراتهم الكامنة.