تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثالث من سلسلة "محركات مزدوجة لدفع التأثير الاجتماعي" والتي تحدثنا في جزئها الأول عن مفهوم المحرك 1/المحرك 2 وعن أهمية الموزانة في المنظمات غير الربحية في عملية دفع التأثير الاجتماعي. وفي جزئها الثاني تحدثنا عن أهمية هيكلة المحرك 2 من أجل نجاح المنظمات غير الربحية ودفع التأثير الاجتماعي. أما اليوم في الجزء الأخير من السلسلة فسوف نتحدث عن تمويل الابتكار وتمويل المحرك 2 والأثر الذي يحدثه في المنظمات غير الربحية ودوره في دفع التأثير الاجتماعي.
تمويل المحرك 2
تشير المؤسسات غالباً إلى نقص التمويل المناسب على أنه العائق الأكبر أمام الاستثمار في المحرك 2. ثلاثة أرباع تبرعات المؤسسات الأميركية، ومعظم تمويل المنظمات غير الحكومية والحكومة على مستوى العالم، تأتي على شكل منح مقيدة بدلاً من نوع التمويل المرن الذي يتيح الابتكار. كما يظهر بحث من "بريدج سبان" (Bridgespan) و"إكونغ غرين" (Echoing Green)، أن المنظمات غير الربحية التي يقودها أشخاص من أصحاب البشرة الداكنة تواجه صعوبة أكبر في الوصول إلى رأس المال، سواء من أجل برامجها القائمة أو من أجل الابتكار.
أخبرنا أحد قادة المنظمات غير الربحية الذين تحدثنا معهم، وقد أمضى الكثير من الوقت في العمل لإطلاق المحرك 2 لمؤسسته (وليست أيٌّ من المؤسسات التي تمت مناقشتها هنا): "اعتقدتُ أن جمع الأموال للقيام بهذا الأمر سيكون أسهل من ذلك. قال لي الممولون: ’تبدو هذه الطريقة الجديدة مثيرة للاهتمام، عد بعد بضعة سنوات عندما تتأكد من أنها تعمل حقاً’. تتمتع مؤسستنا بسجل إنجازات حافل مع العديد من الممولين. لقد فوجئت أن قلة قليلة فقط منهم أرادوا منح المال لتجربة شيء مختلف". (في النهاية قام ممولان كبيران بدعم المشروع التجريبي للمؤسسة بإطلاق المحرك 2).
في حين أنه يمكن بالتأكيد للممولين فعل المزيد لتحفيز الابتكار من خلال تقديم منح مرنة وقادرة على تحمل المخاطر، فإن المؤسسات غير الربحية لديها خيارات أخرى. في وقت كتابة هذا المقال، كانت كل من "فيجن سبرينغ" و"وان غول" قد اجتذبت وحصلت على تمويل لابتكاراتهما المتعلقة بالمحرك 2 بقيمة بلغت حوالي 10% من ميزانيات مؤسساتهما، مع تخصيص نسبة 90% المتبقية للخدمات الأساسية الخاصة بالمحرك 1.
علاوة على ذلك، يجب أن لا يكون السعي نحو الابتكار مكلفاً. فافتراض أن المحرك 2 يتطلب تمويلاً كبيراً وفريقاً كبيراً قبل البدء خطأ شائع للغاية. ولكن هناك قيمة حقيقية في القيام بمراهنات صغيرة قبل خوض استثمار كبير في نهج جديد لم يتم اختباره بعد. أنشأت "فيجن سبرينغ"، باستخدام ما يصفه كاسالو بأنه نهج "تجريبي"، بعض الابتكارات الناجحة قبل أن تشكل المؤسسة ميزانية أكثر رسمية وعملية لسير محرك 2 الخاص بها. قد يكون من الممكن إجراء عمليات سريعة ورخيصة للتحقق من الصحة، وإنتاج نقاط بيانات مبكرة تشير إلى ما إذا كان النهج الجديد يبشر بالخير (حماس العملاء، أو مؤشرات مبكرة لنتائج ضخمة، أو مشاركة مصادر تمويل متجددة محتملة). يمكن أن تظهر هذه التجربة المبكرة بدورها إمكانات كافية لجذب الممولين إلى طاولة المفاوضات لتقديم استثمار أكبر إلى حد ما والانتقال إلى المرحلة التالية، التي لا تزال غير مكلفة أو معقدة بالضرورة.
منذ عدة سنوات، أنشأت "فيجن سبرينغ" صندوقاً مخصصاً - يسحب الأموال من المكاسب وتبرعات العمل الخيري - وعمليةً لتطوير واختبار أفكار جديدة على نطاق واسع. يشرح الأمر كاسالو بقوله: "نحن لا نقوم بإنشاء بنى تحتية مُكلفة للابتكار قبل أن نكتشف ما إذا كان سينجح ويجب متابعته أم لا". بالنسبة لتلك التجارب القليلة الأولى التي قد تستغرق بضعة أسابيع أو أشهر، يمكن تخصيص الأموال الحالية غير المقيدة لها. في حالات أخرى، جاء تمويل الابتكار من الأدوات المتخصصة مثل صندوق تمويل الابتكار العالمي، والجهود الخيرية مثل "ذا ستوديو آت بلو ميريديان" (The Studio @ Blue Meridian) (الذي يعد مصدراً رئيسياً لدعم أعمال "وان غول" الابتكارية)، أو الأفراد أصحاب الثروات؛ توفر هذه الأدوات جميعها أموالاً غير مقيدة وغالباً ما تكون أكثر انفتاحاً على الابتكار والمخاطر من بعض المؤسسات التقليدية.
هناك طريقة أخرى يمكن من خلالها للمؤسسات غير الربحية التي تعمل على المنح الخيرية المقيدة أن تمول المحرك 2، وهي تضمين نافذة ابتكار صغيرة في طلبات التقدم إلى المنح الخاصة بهم. على سبيل المثال، يمكن أن يظل 95% من التمويل مركزاً على تحقيق النتائج المرجوة على المدى القصير من خلال المحرك 1، في حين يتم تخصيص 5% للاستثمار في التحقق المبكر من الأفكار الجديدة الواعدة. وفي الحالات التي تكشف فيها مثل هذه الاستثمارات المبكرة في المحرك 2 عن إمكانات واعدة، ستصبح حالة وضع رهان أكبر وتقديم استثمار أكبر أسهل بكثير.
الوجهة: الأثر
في هذا المقال، ركزنا على الابتكار المنظم - المحرك 2 الذي يعمل جنباً إلى جنب مع برامج المحرك 1 الأساسية للمؤسسة - كطريقة لتصور كيف يمكن للمؤسسات غير الربحية الطموحة أن تفكر في الموازنة بين احتياجات اليوم وإمكانات الغد. في حين يمكن أن يساعد المحرك 2 المؤسسة في الانتقال إلى مجال مجاور أو تطوير منتجات أو خدمات جديدة تماماً، فقد ركزنا على كيف يمكن أن يساعد المحرك 2 في توسيع نطاق وصول المؤسسة في مجال موجود. ومهما تكن المنهجية المتبعة، فإن الخطوات التي يجب أن تتخذها لإنشاء المحرك 2 متشابهة دائماً.
والتوسع ليس الهدف النهائي بالطبع، بل هو وسيط لتحقيق تأثير أكبر والتقدم نحو العدالة والإنصاف. لسوء الحظ، فإن بعض الابتكارات - في أثناء إثبات نجاحها من حيث الجدوى والطلب والمؤشرات الاقتصادية - يمكن أن ينتهي بها الأمر إلى توجيه المؤسسة بعيداً عن مهمتها الأساسية ومجتمع المستفيدين. نحن نعرف إحدى المؤسسات غير الربحية، على سبيل المثال، التي وسعت نطاق تأثيرها من خلال مجموعة من الموارد المصممة جيداً وقد تم اختبارها في السوق عبر الإنترنت. ولكن تبين أن معظم أولئك الذين يستخدمون الموارد عبر الإنترنت ينتمون إلى مجتمعات أكثر ثراءً، في حين أن الأشخاص في قلب مهمة المؤسسة - الشباب والعائلات والمجتمعات أصحاب البشرة الملونة - لم يحصلوا على فائدة تذكر. حوّل قادة المؤسسة توجهاتهم بعد إدراكهم لهذا الأمر، وبدؤوا باتباع منهجية مختلفة تستهدف فئة معينة بدقة، وقد ثبت أن هذه الطريقة أكثر فعالية في الوصول إلى هذه المجتمعات. التأثير الذي تبحث عنه مهم للأفكار التي تسعى إليها كجزء من المحرك 2 الخاص بك: إذا نجح الأمر، فهل سيفيد هذا النهج الجديد الأشخاص الأكثر تأثراً بالمشكلة التي تسعى إلى حلها؟
نحن ندرك أن بدء تشغيل المحرك 2 قد يبدو أمراً شاقاً. في الوقت نفسه، أجبرت أزمة "كوفيد-19" الكثيرين على إدراك أنه يمكنهم بناء هذه الأداة. كم عدد المؤسسات التي تم حشدها لتجريب أساليب جديدة عبر الإنترنت لخدمة العملاء، في غضون أيام وأسابيع، والتي كانت عالقة سابقاً في المناقشات والتخطيط لأشهر أو سنوات؟ اكتشفت مؤسسات عدة بسرعة أنه يمكنها تقديم خدماتها على نطاق أكبر وبتكلفة أقل، وفي أغلب الحالات، بطريقة أكثر فاعلية بكثير مما كانت تعتقد أنها ممكنة وذلك من خلال استخدام الإنترنت. مع إزالة القيود التي فرضتها جائحة "كوفيد-19"، يظل السؤال الأساسي الذي سيحتاج الكثيرون إلى مواجهته هو كيفية تمويل الابتكار أو الاستمرار في الابتكار - ليس فقط أي التغييرات في النهج يجب الحفاظ عليها، وإنما كم عدد الفرص الأخرى للنمو والتأثير التي يمكن أن يكونوا فاقدين لها في السابق؟ تعتبر الاستثمارات في المحرك 2 وسيلة أساسية للكشف عن تلك الفرص في السعي لتحقيق الإنصاف والتأثير كقطاع عام.
* * *
يود المؤلفون أن يشكروا جيمس ألين من شركة "باين آند كومباني" لتوجيههم بشأن مفهوم المحرك 1 والمحرك 2، بالإضافة إلى كاثرين كوفمان ودوروثي جونز وبرادلي سيمان ولاري يو من مجموعة "بريدج سبان" لمساهمتهم بالرؤى ودعم البحث.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.