يتيح الاستماع إلى المشاركين للمؤسسات غير الربحية تجاوز سؤال "ما المطلوب" للتغيير إلى "كيف ولماذا" التغيير، وهي الخطوة الأولى نحو المساعدة على تغيير الأنظمة غير العادلة.
يسعى المزيد والمزيد من المؤسسات غير الربحية والممولين إلى الحصول على تقييمات المشاركين، ففي حين أن التدابير التجريبية يمكن أن تبرز سؤال "ما المطلوب" للتغيير، يمكن لمداخلات المشاركين إبراز سؤالي "كيف ولماذا" التغيير واقتراح طرق ملموسة للتحسين. يمكن أن تكون هذه التقييمات مصدر المؤسسة الأسرع والأقل تكلفة لإحصاءات البرنامج، وعند تقاطعها مع الإجراءات التجريبية، يمكن أن تعطي الصورة الأكثر دقة لما يساعد أو يعيق نجاح المشاركين.
إلا أن فوائد تحري التدابير الاشتراكية تفوق ذلك: عندما تبادلنا الخبرات مؤخراً مع 14 منظمة غير ربحية أخرى - والتي تستخدم الاستطلاعات ومجموعات التركيز ومجالس المشاركين وأبحاث العمل التشاركي وغير ذلك - وجدنا أن عملية بناء آليات التغذية الراجعة خلقت ممارسات أكثر إنصافاً عبر المنظمات وجهود المناصرة. أدى الدافع للحصول على مدخلات أصحاب المصلحة في أحد المجالات إلى تحفيز القيام بذلك في مناطق أخرى.
تتوافق هذه النتائج مع تجربتنا في مركز "بيس للفتيات" (Pace Center for Girls)، وهي منظمة غير ربحية مقرها فلوريدا تقدم خدمات متعددة وتخدم الفتيات اللاتي لديهن تاريخ من الصدمات النفسية. في المتوسط، أبلغت بيس والمنظمات غير الربحية التي درسناها عن تحقيق نسب التزام بالشمول أعلى بنسبة 27.4% (مثل السعي بنشاط للحصول على مدخلات من جميع أصحاب المصلحة) بعد تنفيذ الأساليب التشاركية، بالإضافة إلى زيادة الفضول بنسبة 17.4% (وهو التحيز تجاه طرح الأسئلة والبحث عن المدخلات) للقرارات التي تتراوح من التوظيف إلى تقديم الخدمات والاستثمارات في التكنولوجيا. ومع ذلك، كانت المجموعة الأكثر جذباً للنظر في هذا البحث الجماعي هي شهادات المؤسسات غير الربحية حول التمكين الذي خلقته التدابير التشاركية لدى المشاركين وأفراد المجتمع أنفسهم، والإرادة التي أثارتها فيهم لتغيير الأنظمة التي تقف في طريق نجاحهم.
أخبرتنا المؤسسات غير الربحية في مجموعات التركيز والمقابلات التي أجريناها أنها تتعاون مع المشاركين فيها لبناء عدسة من أجل المساعدة على تغيير الأنظمة وتحقيق الإنصاف في المناصرة بثلاث طرق مهمة.
1. دمج المقترعين في البحث
عندما تعهدت مؤسسة "ثينك أوف أس (Think of US)" - وهي مزودة خدمة مقرها في واشنطن ومدافعة عن حقوق اليافعين في بيوت الرعاية - بفهم الظروف في منازل الرعاية الجماعية، دمجت 3 من الشباب من ذوي الخبرة في نظام الرعاية بالتبني في فريقها البحثي المكون من سبعة أعضاء، والذين ساعدوا في إجراء مقابلة مع 78 من اليافعين سكان المنازل الجدد الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً، وعملوا على تفسير استجاباتهم كجزء من تقصي الحقائق المتعلق بدعوة وطنية لتقليل أو إلغاء مثل عمليات التموضع المؤسسية هذه. تم تقديم الشهادات الناتجة إلى قادة الرعاية الاجتماعية للأطفال، وكثير منها قارنت بين منازل الرعاية الجماعية بالسجون، بالإضافة لروايات مفصلة عن الإساءة الجسدية والصدمات العاطفية. أثر هذا بشدة على عدة ولايات للتوصية بتغييرات السياسة الواردة في تقرير "بعيداً عن المنزل" (Away from Home)، لإقصاء منازل الرعاية الجماعية وتوسيع تعريف "الأقارب" لتمكين المزيد من الأطفال غير القادرين على البقاء مع والديهم البيولوجيين من العيش مع العائلة والأصدقاء.
حصلت "بيس" على الإلهام بطريقة مماثلة، أولاً من خلال الاستماع إلى الفتيات المشاركات في برامجها، لبدء الاستماع بشكل أكثر منهجية إلى مقدمي الرعاية، والسعي للحصول على مدخلات من مجموعة أوسع من أصحاب المصلحة في حياة الفتيات، والاستثمار في أبحاث العمل المجتمعي. في نهاية المطاف، أدت هذه المبادرة إلى تشكيل مجالس التنسيق للفتيات (Girls Coordinating Councils) "GCCs" للعمل مع موظفي بيس ومقدمي الرعاية والمُرشدين ومسؤولي قضاء الأحداث للتأثير على ظروف المجتمع المواتية للتنمية الصحية للفتيات.
وقد أثمرت هذه الجهود بالفعل: ففي عام 2018، ومن خلال مقابلات مع ضباط المراقبة واليافعين، قامت مجالس "GCC" في مقاطعة بروارد بطرح مشكلة الفتيات اللائي ينتهي بهن المطاف في مراكز الاحتجاز بسبب عدم المثول أمام المحكمة. كانت الأسباب في معظمها بسبب السهو، مثل أن الفتيات وضعوا أوراقهم في المكان الخطأ، أو نسوا المواعيد، أو لم يتمكنوا من تدبير وسيلة مواصلات؛ بل وأكثر من ذلك، لم تكن الفتيات في كافة الأحيان يفهمن عواقب الاعتقال. لمعالجة هذا الأمر، طوّرت "GCC" مقطع فيديو يحتوي على شخصيات رمزية تمثل الفتيات لنقل ما يمكن حدوثه عند إلقاء القبض على إحداهن، بالإضافة إلى بطاقات موارد للجيب باللغات المحلية - الإسبانية والكريولية الهايتية والإنجليزية - مع أرقام الخطوط الساخنة لمدراء الحالات، ومعلومات النقل، ووسائل للاتصال بالمحكمة في حالة التأخير. في العام التالي، انخفضت الاعتقالات في بروارد بمعدل 16% وحوادث عدم المثول أمام المحكمة بعد الاعتقال انخفضت بمعدل 27%.
2. خلق مساحة للمُقترعين من أجل التدقيق في النتائج
إن إعطاء أصحاب المصلحة مساحة لطرح الأسئلة والتدقيق في النتائج واستجابات العصف الذهني هي الطريقة الثانية التي تطوّر بها الأقران من الاستماع إلى المشاركين إلى تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم وأفكارهم.
على سبيل المثال، إن مركز "فرص التوظيف" (Center for Employment Opportunities) (CEO) - الذي يعمل في 31 مدينة في الولايات المتحدة لمساعدة الأفراد المُحتَجزين سابقاً على إيجاد عمل - بدأ بالتماس ملاحظات المشاركين بشكل منهجي منذ ست سنوات من خلال منحة من صندوق الملاحظات التشاركية (Fund for Shared Insight). لقد وجد المركز طرقاً لتحسين خدماته بناء على تلك التعليقات، مثل إنشاء مجالس مناصرة المشاركين (Participant Advocacy Councils) (PACs)، وهي مجموعات من المشاركين المتفانين في مراكز "CEO" وخريجي البرنامج الذين يشاركون في تطوير القدرات القيادية من خلال مجموعة متنوعة من الأنشطة المختلفة التي تشمل سرد القصص والندوات عبر الإنترنت والمشاركة في تنظيم المجتمع. تسعى مجالس "PACs" إلى تمكين المشاركين من توجيه ما اختبروه في نظام العدالة الجنائية في سبيل الدفاع عن العدالة الاجتماعية وإصلاح القانون الجنائي، مع التركيز على مجموعة متنوعة من الأولويات والموضوعات. اشترك أحد مجالس "PAC" في نيويورك مع مؤسسات المناصرة المحلية للترويج لمشروع قانون إصلاح النظام "ما قلّ ودلّ" (Less is More)، والذي أقره المجلس التشريعي لولاية نيويورك مؤخراً. يخطط مركز "CEO" لدمج وتوسيع مجالس "PACs" على كافة المحافظات.
إحدى المؤسسات غير الربحية الأخرى التي قابلناها "يوث تروث (Youth Truth)، تأسست في عام 2008 خصيصاً لجمع التعليقات الراجعة من الطلاب حول تجاربهم التعليمية. ومع ذلك، فقد طورت استطلاعاتها لتشمل مجموعة أوسع من أصحاب المصلحة - العائلة وأعضاء هيئة التدريس - وخلق مساحة للجميع للتفكير معاً. إن استجابات الطلاب وعائلاتهم والمدرسين مجتمعة تمنحنا رؤية ثلاثية الأبعاد لعناصر العملية التعليمية التي تساعد أو تعيق نجاح الطلاب، كما أن أصحاب المصلحة يتفكرون بها في ورش العمل السنوية حيث تناقش يوث تروث بالتفصيل نتائج الاستطلاعات التي قامت بها، ويتعلم أصحاب المصلحة معاً كيف ينشرون القرارات المتعلقة بتعيينات الموظفين والمدرسين في المدارس، وقرارات تطوير البرنامج التعليمي، والمقاربات التوجيهية الأخرى. وكما أخبرنا جين دي فورست، مدير الشراكات في "يوث تروث"، أن "المشرف سوف يُحضر الجميع". حيث "يفكر الأشخاص في نفس المشكلة، ويتم طرح الأسئلة الصحيحة". كما تقوم ورش عمل يوث تروث أيضاً باستطلاع الردود مع الممولين والقيادات المدرسية لاستخلاص العبرة من استجابات الطلاب وأولياء الأمور وأعضاء هيئة التدريس بطرق تؤثر إيجابياً على كل من التعليم والمنح المتعلقة بالتعليم.
3. ربط المقترعين بالمشرعين
تتمثل إحدى أقوى الطرق لربط ملاحظات المشاركين بـ "المساعدة على تغيير الأنظمة" في تجهيز المُقترعين للتحدث مباشرة إلى المسؤولين والمشرعين الحكوميين. لقد وجدنا أن العديد من المؤسسات غير الربحية في مجموعتنا المركزة قد تم إقناعها من خلال ملاحظات المشاركين بالشروع في اعتماد هذه الطريقة، وحتى من أجل بناء دعم مباشر في نماذج برامجها.
إحدى هذه المؤسسات مؤسسة "أكاونتابيليتي لاب" (Accountability Lab) في مالي، غرب إفريقيا. تم إيجاد هذه المؤسسة لمساعدة المواطنين خارج مراكز السلطة على محاسبة ومساءلة حكوماتهم الوطنية والمحلية. يقول دوسوبا كوناتي مدير البرامج العالمية في المؤسسة: "لقد لاحظنا أن المواطنين والمجتمعات نادراً ما تتم استشارتهم بخصوص القرارات التي تؤثر على حيواتهم وخصوصاً في المناطق التي يصعب الوصول إليها". تقوم مؤسسة "أكاونتابيليتي لاب" بتجنيد المتطوعين من أبناء المجتمع نفسه الذين يجمعون المعلومات حول المشاكل المفصلية التي تؤثر في مجتمعاتهم (ويفعلون ذلك في الغالب عن طريق الاستطلاعات الشفهية التي تُسجل على تطبيق خاص بالمؤسسة يدعى كوبو كوليكت KoBo Collect). ثم تجلب المؤسسة غير الربحية صوت المُقترعين إلى اجتماعات المجتمع مع أصحاب السلطة، أو تبثهم في البرامج الإذاعية المحلية. على سبيل المثال، في سبيل تسليط الضوء على مخاوف الأشخاص ذوي الهمم، طلبت مؤسسة "أكاونتابيليتي لاب" من المشاركين تسجيل مذكرات صوتية بتجاربهم اليومية على مدى بضعة أشهر، وذلك لتتبع تقدمهم وما يختبرونه في مواجهة التمييز الذي يتعرضون له.
طوّرت مؤسسة "بيس" (Pace)، التي أُسست عام 1985، مقارباتها التشاركية لتجهيز الفتيات بطريقةٍ ممنهجة من أجل التأثير على سياسات الولاية. وبالتأكيد، أصبح يوم بيس في مبنى الكابيتول (Pace Day at the Capitol)ً سنوياً يجمع فتيات بيس والقيادة وأعضاء الفريق معاً في تالاهاسي، فلوريدا، للقاء المسؤولين المُنتَخَبين للدفاع عن أنفسهم وجميع الفتيات. في عام 2020 على سبيل المثال، قامت فتيات بيس بجمع ومقارنة البيانات من تقريرين قوميين والتي أظهرت أن فلوريدا احتلت المرتبة الأخيرة في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية العقلية للأطفال، وقدمت الفتيات هذه البيانات مع شهاداتهن حول الحاجة إلى مثل هذا الوصول في المدارس إلى مجلس الوزراء للأطفال والشباب في فلوريدا. وفي أعقاب هذه الشهادات قامت هيئة التشريع في فلوريدا بزيادة ميزانية الولاية لخدمات الرعاية الصحية العقلية في مدارس المرحلة الابتدائية بمقدار 10 مليون دولار في العام الدراسي 2021 وبمقدار 20 مليون دولار في العام الدراسي 2022.
الخطوة الأولى
يجب على الممارسين والممولين الذين يرغبون في التأثير في مجالاتهم من أجل المساعدة على تغيير الأنظمة وتحقيق عدالة أكبر أن يبدؤوا ببناء أنظمة التغذية الراجعة والتقييمات التشاركية كجزء من منهجية القياس الخاصة بهم. عليهم البدء في الحصول على دعم مجموعات أوسع من أصحاب المصلحة، بمجرد أن يجمعوا قصص واقتراحات المشاركين - الذين هم الخبراء الحقيقيون في تجاربهم الشخصية - ثم عليهم طرح السؤال التالي: هل نلتمس آراء المجتمع ونستخدمها لإثراء الاستراتيجيات التي هي بحد ذاتها تصب في مصلحة الإنصاف؟ وعندما يجدون مجالاً للدعوة إلى التغيير، فإن شهادات المشاركين ودعواتهم للعمل ستكون أقوى حلفائهم.
يشكر المؤلفون المشاركون مؤسسات فاند فور شيرد إنسايت (Fund for Shared Insight) وبروجكت إفيدنت (Project Evident) وفيدباك لابز (Feedback Labs) على مساعدتهم في تنظيم المشاركين في مجموعة المناقشة المركزة.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.