ريادة الأعمال الاجتماعية: تعريف الحالة

5 دقائق
تعريف ريادة الأعمال الاجتماعية
shutterstock.com/WHYFRAME

أصبحت ريادة الأعمال الاجتماعية تجذب عدداً متنامياً من المواهب والأموال تحظى باهتمام متزايد. لكن بقدر تنامي شعبية ريادة الأعمال الاجتماعية، بقدر ما صار معناها ملتبسا، والمقصود برائد الأعمال الاجتماعية وما يقوم به على وجه الدقة أقل وضوحاً.

ينمو قطاعُ ريادة الأعمال الاجتماعية حديث النشأة بسرعة ويحظى باهتمام متزايد من العديد من القطاعات، ويظهر المصطلح نفسه بشكل مُتكرِّر في وسائل الإعلام، ويشير إليه المسؤولون العموميّون، كما أنه أصبحَ شائعاً في حرمِ الجامعات، ويُوجِّهُ استراتيجيةَ العديدِ من مؤسسات القطاعِ الاجتماعيِّ البارزة؛ بما فيها مؤسسات أشوكا (Ashoka) وشواب (Schwab) ومؤسسة سكول (Skoll Foundation).

شعبيةِ ريادةِ الأعمال الاجتماعية

وهناك أسباب عديدة لتفسير شعبية ريادة الأعمال الاجتماعية؛ فعلى المستوى الأساسي، هناك ما تزخر به مسارات رواد الأعمال عموماً من قصص ملهمة وجذابة حول ما يقومون به وسبب ذلك. فالناس ينجذبون إلى رُوّادِ الأعمالِ الاجتماعية مثل محمّد يونس؛ الحائزِ على جائزةِ نوبل للسلام في عامَ 2006، لأسباب هي في معظمها نفسُها التي تجعلُهم يجدونَ رُوّادَ الأعمال مثل ستيف جوبز مثيرين للإعجاب للغاية؛ فهؤلاء الأشخاص الاستثنائيون يأتون بأفكار رائعةٍ، وعكس كل التوقعات ينجحون في ابتِكارِ مُنتجات جديدة وخدمات تُحسِّن حياة الناس بشكل كبير.

لكنَّ الاهتمامَ بريادةِ الأعمالِ الاجتماعيةِ يتجاوزُ ظاهرةَ الشعبيةِ وافتتانَ الناس بها؛ ففي واقع الأمر، تنطلق ريادة الأعمال الاجتماعية من ضرورةِ دفعِ التغييرِ الاجتماعي قُدماً، وهذا التغيير الاجتماعي المنشود وماله من آثار دائمة وقدرة على إحداث تحولات بالمجتمع هو ما يميز ريادة الأعمال الاجتماعية ويميز رجالاها ونسائها.

على الرغم من أنَّ الفوائد المُحتملة التي تُقدِّمُها ريادة الأعمال الاجتماعية واضحة للعديدِ ممن يُروّجون ويُموّلون هذه الأنشطة؛ إلا أنَّ التعريفَ الفعليَّ لما يفعَلُهُ روّادُ الأعمال الاجتماعيون لإنتاجِ هذا الحجمِ من العوائد أقلُّ وضوحاً. في الواقع؛ قد نُجادل في أنَّ تعريف ريادة الأعمال الاجتماعية اليوم ليس واضحاً على الإطلاق، ونتيجةً لذلك؛ أصبَحَت ريادةُ الأعمال الاجتماعية شاملةً للغايةِ بحيثُ أصبحت الآن أشبَهَ بخيمةٍ ضخمةٍ تتندرجُ تحتها جميعَ أنواعِ الأنشطةِ المُفيدة اجتماعياً.

قد يكونُ هذا الشمولُ أمراً جيداً في بعض النواحي إذا تمَّ ضخُّ الكثيرِ من المواردِ في القطاعِ الاجتماعي، وإذا كان هناكَ العديد من القضايا التي لن تحصل على تمويلٍ كافٍ في الحالاتِ الأخرى وأصبحت تحصلُ الآن على الدّعمِ لأنَّها تُعتَبَرُ ريادةَ أعمالٍ اجتماعية، فقد يكونُ من الجيدِ أن يكونَ لديكَ تعريفٌ فضفاضٌ. ومع ذلك، فإننا نميلُ إلى القولِ إن هذا افتراضٌ خاطئٌ وموقفٌ محفوفٌ بالمخاطرِ.

تعريف ريادة الأعمال الاجتماعية

ريادةُ الأعمال الاجتماعية مفهوم جذاب أساساًل لأنه يحمل مثل هذا الوعدِ الكبير، وإذا لم يتمَّ الوفاءُ بهذا الوعدِ نظراً لوجودِ عددٍ كبيرٍ جداً من الجهودِ "غير الرياديّة" ضمن هذا التعريف، فإنَّ ريادةَ الأعمالِ الاجتماعية ستنهارُ وتفقد معناها الحقيقي. . لذا، نعتقدُ أننا بحاجةٍ إلى تعريف أكثر وضوحاً لريادة الأعمال الاجتماعية؛ تعريفٌ يُمكّنُنا من معرفة الأنشطة التي تدخل تحت "مظلة" ريادة الأعمال الاجتماعية و تلك التي لا تدخل تحتها. لا يتمثَّل هدفُنا في إجراءِ مُقارنة جديرة بالاهتمام بين المُساهماتِ التي تُقدِّمُها مؤسسات الخدمةِ الاجتماعيةِ التقليديةِ ونتائجُ ريادةِ الأعمالِ الاجتماعيةِ؛ ولكننا ببساطةٍ نسعى لإبرازِ ما يُميِّزُها.

إذا تمكَّنَّا من تحقيقِ تعريفٍ دقيق؛ يُمكنُ عندئذٍ لأولئكَ الذين يدعمونَ ريادةَ الأعمالِ الاجتماعية تركيزُ مواردهم على بناءِ ومجال ملموس وقابل للتحديد. لكن في غياب أُطر محدِّدة واضحة، يُخاطر أنصارُ ريادةِ الأعمالِ الاجتماعية بإعطاءِ المُشكّكين فرصة سانحة للتهجّم على المجال ، وإعطاءِ المُتشائمين سبباً إضافياً لتجاهُلِ الابتكارِ الاجتماعي وقادته.

البدء بريادة الأعمال

يجبُ أن يبدأ أيُّ تعريفٍ لمُصطلحِ "ريادة الأعمال الاجتماعية" بكلمة "ريادة الأعمال"؛ كلمةُ "اجتماعية" تعدّلُ ببساطةٍ روح الريادة. إذا لم يكُن لريادةِ الأعمالِ معنىً واضح، فإن تعديلها بإضاف كلمة 'الاجتماعية' لن يُحقِّقَ الكثيرَ أيضاً.

تنطوي كلمة ريادة الأعمال على نقمة ونعمة. ففي جانبها الإيجابي، تُشير إلى قدرةٍ خاصة وفطريةٍ على الإحساسِ بالفرصةِ المُتاحةِ والتصرفِ بناءً عليها، وتجمعُ بينَ التفكيرِ خارجَ الصندوقِ ومزايا فريدةٍ من التصميمِ على خلقِ شيءٍ جديدٍ في العالم أو إحداثه، وفي جانبها السلبي، ريادةَ الأعمال مُصطلحٌ يُشيرُ إلى الفترةِ اللاحقةِ، لأنَّ أنشطةَ ريادةِ الأعمال تتطلَّبُ مرورَ الوقتِ قبلَ أن يتَّضحَ تأثيرُها الحقيقي.

من المُثيرِ للاهتمامِ أنَّنا لا نُطلقُ لقبَ رائدِ الأعمال على الشخص الذي يُظهرُ جميعَ الخصائص ِالشخصية لرائدِ الأعمال - مثل استشعارِ الفُرصِ والتفكيرِ خارجَ الصندوقِ والتصميم - ومع ذلك فشلَ فَشَلاً ذريعاً في مشروعِه أو مشروعها؛ بل نَدعوهُ رجلَ أعمالٍ فاشلاً. حتى أن شخصاً مثل بوب يونغ من شركةِ ريد هات سوفتوير (Red Hat Software)، أُطلِقَ عليهِ "رائد أعمالٍ مُتسلسل" فقط بعدَ نجاحِهِ الأول؛ أي أنَّ جميعَ إخفاقاتِهِ السابقةِ لم تُلقَّب بأعمالِ رائدِ أعمالٍ مُتسلسلٍ إلا بعد حدوث أولِ نجاحٍ له. تكمُنُ مُشكلةُ التعاريفِ المَعنيَّةِ بالفترات اللاحقةِ في أنَّها تميلُ إلى أن تكونَ مُحدَّدةً بشكلٍ خاطئ. ببساطةٍ، فمن الصعبِ أن تتعاملَ مع ما لم يتم إثباتهُ؛ يُمكنُ لرائدِ الأعمالِ بالتأكيدِ أن يدَّعي لنفسه هذه الصفة؛ ولكن بغياب منجز واحد على الأقل يعضد ادعاءه، سيواجه من ينُصّب نفسه بنفسه رائد أعمال وقتاً عصيباً في إقناعِ المستثمرين بالمراهنة عليه؛ ويجب أن يكون هؤلاء المستثمرون بدورهم على استعدادٍ لتحمُّلِ مخاطرَ أكبر في أثناء تقييمهم لمصداقية روَّادِ الأعمالِ المُحتَمَلين والأثرِ المُحتملِ. لتخصيص "استثمارات مغامرة (جريئة)" لتمويل مشاريعهم.

حتى مع هذه الاعتبارات؛ نعتقدُ أن تخصيصَ ريادةِ الأعمالِ لِمُصطلحِ ريادةِ الأعمالِ الاجتماعية يتطلَّبُ محاربة ما نعنيهِ بالفعل بريادة الأعمال. هل هو مُجرّدُ تيقُّظٍ للفرص؟ إبداعٌ؟ عزيمةٌ؟ على الرغم من أن هذه الخصائص السلوكية وغيرها هي جزءٌ من المعنى وتُوفِّرُ بالتأكيد أدلةً مُهمةً للمستثمرين المحتملين، فهي ليست المعنى الكامل؛ تُستخدم هذه المواصفاتُ أيضاً لوصفِ المُخترعين والفنانين والمدراءِ التنفيذيين للشركات والجهات المجتمعية الفاعلة الأخرى.

مثل معظم دارسي ريادة الأعمال؛ نبدأ بالاقتصادي الفرنسي «جان بابتيست ساي»؛ الذي وصَفَ رائدَ الأعمال في أوائل القرن التاسع عشر بأنه الشخص الذي "ينقلُ المواردَ الاقتصادية من منطقةٍ مُنخفضةٍ الإنتاجية إلى منطقةٍ ذات إنتاجيةٍ أعلى وعوائدَ أكبر"؛ وبالتالي لتوسيعِ الترجمةِ الحرفيةِ من الفرنسية نقولُ: "الشخص الذي يأخذ على عاتقه" لتشملَ مفهومَ خلق القيمة.

بعد قرنٍ من الزمن؛ انطلق الاقتصادي النمساوي جوزيف شومبيتر من هذا المفهوم الأساسي لخلق القيمة، وساهم في الفكرة الأكثر تأثيراً حول ريادة الأعمال؛ حدّدَ شومبيتر القوة المطلوبة في رائدِ الأعمال لدفع التقدم الاقتصادي؛ والتي في غيابها ستصبح الاقتصادات ثابتةً، ومُعطَّلةَ البنيةِ، وعرضةً للانحلال. أدخل شومبيتر مفهوم روح الريادي، أو ما يُسمّى بالألمانية "أونتانيما" (Unternehmer)؛ الذي يُحدّد فرصةً تجاريةً - سواء كانت مادةً أو مُنتَجاً أو خدمةً أو نشاطاً تجارياً - وينظِّمُ مشروعاً لتنفيذه. كما يناقشُ شومبير أن ريادة الأعمال الناجحة تُطلقُ سلسلةً من ردودِ الفعل، مُشجِّعةً روادَ الأعمال الآخرين على تكرارِ الابتكار ونشرهِ حتى يصلَ في نهاية المطافِ إلى نقطة "التدميرِ الإبداعي"؛ وهي حالةٌ يُقدِّمُ فيها المشروعُ الجديدُ وجميع المشاريع المرتبطة به إخراجاً جديداً فعّالاً للمنتجات والخدمات القائمةِ، ونماذِج الأعمالِ التي عفا عليها الزمن.

على الرغم من تصوير الشخصيات بعباراتٍ بطوليةٍ، فإن تحليل شومبيتر يؤصِّلُ ريادة الأعمال داخل النظام، وينسبُ إلى دور رائد الأعمال تأثيراً متناقضاً، تخريبياً وبنَّاءً على حدٍ سواء؛ يرى شومبيتر أن رائد الأعمال هو عامل تغييرٍ داخل الاقتصاد الأكبر. من ناحيةٍ أخرى؛ لا يرى بيتر دراكر روّادَ الأعمال على أنهم أنفُسُهم عواملٌ للتغيير بالضرورة؛ بل ينظر إليهم على أنهم مُستغِلّونَ بارعون وملتزمون بالتغيير. وفقاً لدراكر: "يبحث رائد الأعمال دائماً عن التغيير، ويستجيب له، ويستغلُّه كفرصة"؛ وهو تعريفٌ التقطته "إزرائيل كيرزنر إسرائيل كيرزنر" التي حددت "اليقظة" على أنها القدرة الأكثر أهميةً لرائد الأعمال.

إنَّ واضعي النظريات حول العالم يربطونَ ريادةَ الأعمالِ باستغلال الفرص؛ بصرفِ النظر عما إذا كانوا يُصوّرون رائد الأعمال على أنه مُبتَكِرٌ خارقٌ أو مُستغلٌّ مُبكِّر. يُعتَقَدُ أن رواد الأعمال يتمتّعون بقدرةٍ استثنائيةٍ على رؤيةِ الفُرَصِ الجديدةِ واغتِنامِها، ويمتلكونَ الالتزامَ والدافعَ المطلوبَين لمُتابعَتِها، والاستعدادَ الدائمَ لتحمُّلِ المخاطرِ الكامنة.

بناءً على هذه القاعدة النظريةِ؛ نعتقدُ أن ريادة الأعمال تَصِفُ مزيجاً من السياق الذي توجد فيه الفرصة، ومجموعةِ الخصائص الشخصية المطلوبة لتحديدِ هذه الفرصة ومتابعتها، والابتكارِ لنتيجةٍ مُعينةٍ.

في سبيلِ استكشافِ تعريفِنا لريادةِ الأعمال وتوضيحِه سنُلقي نظرةً فاحصةً على عددٍ قليلٍ من روّادِ الأعمال الأميركيين المُعاصرين (أو أزواجٍ منهم): ستيف جوبز وستيف وازنياك من شركة آبل، وبيير أوميديار وجيف سكول من إي باي، وآن ومايك مور من سنوغلي، وفريد ​​سميث من فيد إكس.

يودُّ المؤلفون أن يشكُروا زملائهم في مؤسسة "سكول": ريتشارد فاهي كبير مسؤولي التشغيل، وروث نوريس، كبيرة مسؤولي البرامج، اللذان قرآ المسودّات السابقة لهذا المقال وساهما بأفكار مهمة في تطوّره.

لمتابعة الجزء الثاني من السلسلة؛ اقرأ: ريادة الأعمال الاجتماعية: سياق ريادة الأعمال

لمتابعة الجزء الثالث من السلسلة؛ اقرأ: التحول إلى ريادة الأعمال الاجتماعية

لمتابعة الجزء الرابع من السلسلة؛ اقرأ: ما هي حدود ريادة الأعمال الاجتماعية؟

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي