تغيير الأنظمة: المفاتيح الثلاث الرئيسية

4 دقائق
تغيير الأنظمة
https://www.pexels.com/

ما الذي يجب علينا فعله للانتقال من النظرية إلى التطبيق عند العمل على تغيير الأنظمة؟

تتمثل الخطوة الأولى لحل أي مشكلة اجتماعية مستعصية في فهم النظام الذي تكمن فيه، وإلا فستجد أنك تستثمر في حل غير مجدٍ أو يستهلك وقتاً أو موارد إضافية لتطبيقه، أو أنه يفاقم المشكلة. على سبيل المثال، للحد من تفشي فيروس الإيدز (نقص المناعة المكتسب) على مستوى العالم يجب على قادة القطاع الصحي العالمي توسيع مجال تفكيرهم إلى أبعد من معالجة الأعراض، وأن يعملوا على معالجة مشكلة حصول المرضى على الخدمات الصحية، والنظر في تأثير الثقافة والاقتصاد والسياسة في تحديد من يستفيد من الخدمات الصحية في النظام الحالي.

يتطلب فهم الصورة الشاملة، ما يدعوه معظم خبراء القطاع الاجتماعي بالتفكير المنظومي، أن نفهم أصحاب المصلحة في النظام وطرائق تفاعلهم وما يؤثر فيهم. يعني التفكير المنظومي فهم شبكة العلاقات المتبادلة التي تثير مشكلات معقدة، وإعادة النظر في الافتراضات حول طريقة حدوث التغيير.

هذا النهج ليس جديداً، فقد كتب الكثير من الخبراء عن التفكير المنهجي (Thinking Systemically) والقيادة المنهجية (Leading Systemically) والتعاون المنهجي (Collaborating Systemically)، ومع ذلك يبقى قادة القطاع الاجتماعي والمانحون الذين يدمجون أدوات وممارسات التفكير المنظومي (ٍSystems Thinking) في عملهم اليومي بفعالية متباعدين وقلة.

اقرأ أيضاً: قادة الأنظمة: كيف يعملون لقيادة التغيير الاجتماعي؟

ما الذي يتطلبه الانتقال من النظرية إلى التطبيق؟

تعاونت مؤسسة ديفيد آند لوسيل باكارد فاونديشن (David & Lucile Packard) مع المؤسسة غير الربحية الداعمة لبناء الحركات، مجموعة الدعم الإداري (Management Assistance Group)، للإجابة عن هذا السؤال. ونظراً لتاريخ مؤسستَينا في التأثير على الأنظمة والتزامها بإحداث التأثير، بدأنا مشروعاً لفهم العقبات التي يواجهها المانحون وغيرهم في القطاع الاجتماعي التي تحول دون إحداث تغيير على مستوى النظام والمساعدة على تجاوزها، فراجعنا أكثر من 175 موقعاً إلكترونياً ومقالاً وكتاباً ومقطع فيديو، وأجرينا أكثر من 30 مقابلة مع خبراء الأنظمة وقادة المؤسسات الخيرية، وفي النهاية حددنا 3 عوامل ضرورية لتجاوز العقبات الشائعة وإحداث التأثير الإيجابي على الأنظمة:

1. العقلية المنظومية

كما وضحنا في الفقرة السابقة، يعد التعامل مع التحديات من منظور الأنظمة مقدمة ضرورية للعمل على مستوى الأنظمة، ندعو هذا النهج "العقلية المنظومية" (A systems mindset). أصبح تعزيز العقلية المنظومية أمراً بالغ الأهمية مع مرور الوقت لثلاثة أسباب:

  1. تنمية العقلية المنظومية هي ممارسة تستمر مدى الحياة، مثل التقدم في الفنون القتالية من الحزام الأبيض إلى الحزام الأسود. جميعنا نحمل معتقدات مشتركة حول ما يعنيه التفكير المنهجي، سواء كنا نفهمه على أنه رؤية الأسباب الأساسية أو فهم الصورة الشاملة أو غير ذلك. هذه أسس سليمة للمبتدئين، لكننا نطور رؤىً إضافية مع مرور الوقت تساعد الأفراد على التصرف بأساليب جديدة، مثل إيجاد حلول شاملة متكررة في النظام بأكمله.
  2. تتيح العقلية المنظومية مجموعة أدوات لحل المشكلات على مستوى الأنظمة، لنأخذ أداة إصلاح الدراجات التي تكون على نمط السكين السويسرية متعددة الاستخدامات مثالاً على ذلك؛ يحتمل أن يستنتج أي شخص طريقة استخدامها ولكن الشخص المتمرس في إصلاح الدراجات هو وحده القادر على معرفة الأداة المثالية لإصلاح عطل محدد واستخدامها، كما يمكنه استخدام الأداة في مواقف مختلفة في مجال آخر غير تصليح الدراجات. يمنحك بناء العقلية المنظومية المرونة ذاتها لتحقيق الاستفادة القصوى من مجموعة أدوات وتكييفها مع ظرفك.
  3. تكون العقلية المنظومية فعالة أكثر عند مشاركتها على نطاق واسع (عبر الشبكات) وبصورة أعمق (من القاعدة الشعبية إلى قادة الأنظمة)، حيث يمكن أن تتعرقل مساعي تغيير الأنظمة عندما لا يفهم القادة الجدد والموظفون الميدانيون ماهية النهج المنظومي (Systems Approach) أو سبب فعاليته، لذا لا بد للقادة أن يتعمدوا تنمية العقلية المنظومية بين جميع أصحاب المصلحة بمرور الوقت لوضع الإجراءات المتواصلة والمتسقة على مستوى الأنظمة.

2. الأداة المناسبة للمهمة

أحياناً، نعتمد على عدد محدود من الأدوات أكثر مما ينبغي، لكن مفتاحاً واحداً لن يفتح جميع الأقفال، حيث أننا بحاجة إلى الاستفادة من المزيد من الأدوات المتاحة لنا كما ذكرنا في الفقرة السابقة. استخدمت إحدانا مرة أداة لتحليل القوة، (أداة تحدد الأطراف الفاعلة في سلسلة متواصلة وترتبهم من الداعمين إلى المعارضين ومن الأقوى إلى الأضعف) وذلك لتحديد سبل لتوفير المزيد من الوظائف التي تضمن إعالة الأسر. لكن لم تساعدنا هذه الأداة في تحقيق هدفنا، لأن المشاركين لاقوا مشقة في رؤية الصورة الشاملة دون الرجوع إلى البيانات الدقيقة، وكان من الممكن أن يؤدي اجتماعنا إلى عمل جماعي، لكن مساعينا تعثرت. ربما كانت الأداة الأنسب هي تحديد المفاهيم، إذ كانت ستوضح كيف ينظر مختلف أصحاب المصلحة إلى المشكلة والحلول المحتملة لها، وتثير حواراً حول كيفية تقريب وجهات النظر.

كشف بحثنا عن أكثر من 50 صيغة عمل وإجراء وأداة للأنظمة تستخدمها المجتمعات والحركات الشعبية والأوساط الأكاديمية والحكومية في جميع أنحاء العالم، ويمكن أن تساعد في الإجابة عن الأسئلة التي قد تظهر في أثناء عملية تغيير الأنظمة، على سبيل المثال:

  • من هم الفاعلون المختلفون الذين يجب ضمهم إلى مساعي تغيير الأنظمة، وما طبيعة علاقاتهم وديناميات سلطتهم؟
  • ما الذي أدى إلى الوضع الراهن؟
  • ما درجة الاستعداد أو القدرة على تغيير الأنظمة؟
  • ما أفضل استراتيجية للتأثير في الأنظمة؟
  • ما الإجراء الذي يجب اتباعه لتنفيذ مبادرة تغيير الأنظمة؟
  • كيف نتعلم ما يصلح وما لا يصلح لتغيير الأنظمة؟

3. فهم الديناميات البشرية

يمكن أن يؤدي تهميش عنصر "الأفراد" في عملية تغيير الأنظمة إلى تعطيلها بسبب التراخي، والأسوأ هو أنه يؤدي إلى إجماع على آراء خاطئة يطيل أمد الوضع الراهن أو الديناميات القمعية. عملت إحدانا على مبادرة لتحقيق الأمن المالي عبر القطاعات للمواطنين ذوي الدخل المنخفض ووضعنا خطة للعمل الجماعي، لكن المجموعة كانت تفتقر إلى درجة الثقة المشتركة اللازمة لإيجاد حلول منهجية أعمق، وللأسف تعرقل هذه الدينامية الكثير من المساعي. التركيز على الديناميات البشرية مهم جداً عند:

  •  تعريف الحدود: من يتمتع بالسلطة يحدد من (أو ما) ينتمي إلى النظام، وبالتالي يمكن أن يسبب الشقاق ويولد شعوراً بالتهميش؛ في حين يؤدي العمل الجماعي المشترك لتعريف حدود النظام إلى بناء الثقة وزيادة احتمالات العمل الجماعي في المستقبل، كما يساعد على تنمية حس مشترك بالهوية والقيم.
  • إشراك المستفيدين: من المهم تخصيص الوقت الكافي لإدراج آراء المشاركين في النظام مباشرة، يساعد ذلك في تحديد الحلول المنهجية المناسبة والمؤثرة وترتيبها حسب الأولوية.
  • مواجهة محادثات صعبة: تشمل معظم الأنظمة تفاوتات في السلطة وتحيزات ضمنية تؤدي إلى اختلال التوازن في الموارد والنفوذ والسمعة، من الضروري معالجة هذه القضايا الأساسية لخلق مساحة مشتركة لمختلف أصحاب المصلحة. ويمكن التوسط في الخلافات بين الشركاء من خلال إجراء المحادثات الفردية وورش العمل التعليمية والمناقشات الجماعية. سيساعد التمهل في بناء اتفاقيات مشتركة على التحرك بسرعة في وقت لاحق.
  • تعزيز قدرة الأنظمة بما يتجاوز القادة: يتطلب تغيير الأنظمة مشاركة العديد من الأطراف المنفذة، وليس المدراء أو المسؤولين التنفيذيين فقط، وقد لا يكون لدى هذه الأطراف نفس الوقت والمجال للمشاركة في العمليات المنظومية (Systems Process). فبالإضافة إلى تنمية العقلية المنظومية، من المهم تعزيز الوعي الذاتي للأفراد وعلاقاتهم، وخلق مساحة للحوار والاستفسار، وضمان التواصل الصادق والشفاف، وتطوير فهم وممارسة مشتركين للتنوع والتكافؤ والاحتواء.

يعد النهج المنظومي بالتوصل إلى حلول تناسب حجم المشاكل المعقدة، نأمل أن يشعر المزيد من ممثلي القطاع الاجتماعي بالقدرة على تجربة مجموعة أوسع من الأدوات المنظومية، ودمجها في عملهم اليومي.

اقرأ أيضاً: المصائب النافعة: قوة التغيير الذي تُحدثه عبارة "نعم، ثم ماذا"

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

 

المحتوى محمي