يتحدث الجميع عن موسيقى الروك هذه الأيام، والمشكلة هي أنهم نسوا الرول؛ وهو النمط الموسيقي المهم في هذا النوع من الموسيقى - كيث ريتشاردز.
وكذلك الأمر في الابتكار والتطوير، تركز مشاريع ريادة الأعمال الاجتماعية والمنظمات على الابتكار بدلاً من استثمار ما تتقنه المؤسسة فعلاً، والعمل على تطويره.
تأتي معظم القيمة التي تخلقها مؤسسات قطاع التنمية المجتمعية من إجراءاتها الرئيسية والروتينية؛ والتي يتم إتقانها بمرور الوقت؛ إذ ينتج عن طرح وتقديم منتجات وخدمات نموذجية بكفاءة قيمة هائلة؛ لا سيما في الأماكن التي ينتشر فيها الفقر، لأن الطلب على الوصول إلى أساسيات الحياة مرتفع، والأسواق التي تتنافس فيها المؤسسات لخدمة الفقراء غالباً ما تكون غير فاعلة أو غير موجودة أساساً، وبالنسبة إلى المؤسسات التي خلقت نموذج عمل في سياق معين، فإن الجهود المبذولة نحو إحداث تحسينات إضافية يمكن التنبؤ بها؛ مثل استغلال ما تتقنه المؤسسة، بدلاً من تطوير الابتكارات، أو البدء في إجراءات جديدة، أو خلق معرفة جديدة، قد تُفضي إلى نتائج متفوقة بمرور الوقت.
الابتكار والتطوير: قد يكون التطوير أكثر فاعلية
يقدم «مستشفى أرافيند للعيون» (Aravind Eye Care Hospital) مثالاً واضحاً لدعم هذه الفكرة، منذ تأسيسه عام 1976 كمستشفىً يضم 11 سريراً في مدينة مادوراي، الهند، تابع المستشفى مهمته للحد من الإصابة بالعمى الذي يمكن الوقاية منه، مع التركيز على تدخل رئيسي واحد؛ وهو جراحة الساد (أو إعتام عدسة العين)، وقد قاوم إغراءات التوسع إلى مستشفىً للعيون يقدم كامل الخدمات، وعلى الرغم من انتشار مشكلات أخرى في الهند متعلقة بطب العيون، تمحورت خدماته على تطوير تخصصه، وإبقائها مقبولة من حيث التكلفة.
يدير المستشفى اليوم ستة مستشفيات هندية تُجري أكثر من 300 ألف عملية جراحية للعيون سنوياً، وتحد من الإصابة بالعمى الذي يمكن الوقاية منه؛ على المستوى ذاته الذي يحدث به في الهند.
تميز «مستشفى أرافيند» ليصبح أكبر مستشفى عيون في العالم؛ باتباع نهج منظم لتطوير نظام قائم على اتباع إجراءات معينة، وتحسين الممارسات المتبعة باستمرار، واستثمار الأرباح لبناء طاقة استيعابية إضافية، وأدى الإصرار على توحيد المعايير، وتوفير مقاييس الأداء في الوقت الفعلي، والتركيز على التحسينات التدريجية إلى رفع الإنتاجية التشغيلية. يستخدم المستشفى مراكز متنقلة لإجراء مسح سريع، ويتّسم بالكفاءة للمرضى المحتملين في المناطق الريفية، ونقل فئات ممن يحتاجون إلى إجراءات جراحية إلى المستشفى الرئيسي، ثم العودة بهم إلى قراهم.
أهمية التخصص
يتيح التخصص التام في المهام على كل مستوى من مستويات التسلسل الهرمي التنظيمي؛ الذي يذكرنا بمثال مصنع الدبابيس الذي استخدمه آدم سميث ليُظهر أهمية التخصص، منحنيات تعلم حادة وتنمية المهارات المركزة؛ إذ يُجري الطبيب في «مستشفى أرافيند» أكثر من 2,000 عملية جراحية سنوياً مقارنةً بمتوسط قدره حوالي 200 عملية جراحية في المستشفيات الهندية، وتعتمد هذه الإنتاجية على كفاءات كبيرة؛ مما يؤدي إلى تحقيق وفرة في التكاليف تمكّن من علاج ثلثي المرضى الأكثر فقراً مجاناً، ولا يزال المستشفى أيضاً يحقق دخلاً كافياً يمكنه من التوسع، كما تعتمد إنتاجيته العالية على التقييم الدقيق للممارسات المتبعة؛ مما يتيح إجراء تحسينات تدريجية على مدى فترات طويلة من الزمن. علاوةً على ذلك، نمت قوة الثقافة التنظيمية لـ«مستشفى أرافيند» بالترافق مع النجاح على المستوى الإنتاجي.
ما يحفز أطباء العيون؛ والذين يُعتبرون من الموارد النادرة في الهند، وكذلك الممرضات والممرضين والموظفين الآخرين للعمل ضمن هذه البيئة، هو فرص التعلم المميزة، والمستويات الاستثنائية من الإنتاجية في مجال الجراحة، وقدرة «مستشفى أرافيند» المثبتة والموثوقة على مساعدة الفقراء. تتجاوز الإجراءات والكفاءات باستمرار حدود أفضل ممارسات المستشفى، ويتيح الكشف الدقيق لما ينجح وما لا ينجح تطبيق تعديلات بسيطة في الإجراءات والممارسات؛ والتي تنتشر بسرعة عبر المستشفيات الستة؛ وهي نماذج مماثلة للمستشفى الأساسي، وتتيح مشاركة أفضل الممارسات من خلال الحد من الاختلافات في السياق التنظيمي.
تكبّد «مستشفى أرافيند» الخسائر، وحقق المكاسب في المقابل، ولزيادة عدد عمليات الساد بسرعة، وتحقيق الهدف الطموح للوصول إلى مليون عملية جراحية للعيون سنوياً؛ الذي وضعوه لعام 2015، بدأ المستشفى عام 2005 بتجربة نماذج تنظيمية جديدة؛ حيث أقام شراكات مع المستشفيات القائمة أو الجديدة التي وافقت على تطبيق أفضل ممارساته، وعلى الرغم من وجود فترة تدريب ومراقبة مكثفة شارك فيها أطباء «مستشفى أرافيند» ذوي الخبرة، تم إيقاف برنامج «الرعاية الموجّهة» (Managed Care) هذا بعد خمس سنوات؛ إذ لا يمكن نقل الإجراءات الروتينية؛ والتي تم تطويرها وتحسينها ورعايتها باستمرار في «مستشفى أرافيند»، إلى المستشفيات الشريكة بشكل كامل، بسبب البيئة التنظيمية المختلفة.
يؤكد مثال «مستشفى أرافيند» على أن الاهتمام المتواصل بالتحسينات الإضافية يكمن في صميم قدرة المؤسسة على بناء الكفاءة وإحداث تأثير على مستوى المشكلة الاجتماعية التي تتم معالجتها. تتنافس دائماً أنشطة الابتكار والتطوير غير المتوقعة مع الإجراءات الروتينية الأساسية التي يمكن التنبؤ بها للموارد التنظيمية النادرة؛ مثل وقت الموظفين والسيولة، وينبغي أن يكون هناك توازن سليم بين تخصيص موارد للإجراءات الأساسية؛ التي تتيح تطبيق تحسينات وابتكارات يمكن التنبؤ بها، وتخصيص الموارد التي تؤدي إلى الخروج بنتائج غير متوقعة.
يؤكد «مستشفى أرافيند» أيضاً على أن العديد من المشكلات الراسخة والمتعلقة بالفقر قد لا تحتاج إلى حلول مبتكرة، ولكنها تتطلب مشاركة ملتزمة طويلة الأجل تتيح تحقيق تقدم ثابت وأقل خطورة. ضمن البيئات التي ينتشر فيها الفقر؛ حيث لا يتم تحفيز الابتكار من خلال التغيّر الذي يطرأ على رغبات العملاء، أو التقدم التكنولوجي الحديث، أو المنافسة الشديدة، قد يتبلور التطور والتأثير أكثر من خلال التفاني والعمل الروتيني، لكن لسوء الحظ، لا ينطويان على العامل المثير للابتكار.
الغريب أن ندرة الموارد التنظيمية في مؤسسات قطاع التنمية المجتمعية القائمة هي التي تقوّي الحجة لإحداث المزيد من الابتكار والتطوير، لكن هذه الحجة تستند إلى افتراض خاطئ وخطير بأن الابتكار يخلق قيمةً أكبر للأموال، ويلخص عملية التطوير، وحل المشكلات الكبيرة بصورة أسرع. بالإضافة إلى ذلك، يعتمد التطور الاجتماعي غالباً على إجراء تغييرات متعلقة بالتنظيم والأعراف والعادات والمعتقدات لدى الناس. على سبيل المثال، يكون التطور الاجتماعي صعباً ما لم تتغير أدوار وحقوق المرأة في المجتمعات الريفية، كما يتطلب التطور إضفاء الطابع المؤسسي على قيم معينة مثل المساءلة، وتحمّل المسؤولية، والالتزام طويل الأجل؛ وهذا يحتاج إلى التحلي بالصبر، والانخراط المباشر مع الفقراء، والتفاني الذي يتحدى المؤسسات لتبقى متحفزة ومحافظة على تركيزها.
ختاماً، فيما يتعلق بالابتكار والتطوير: نرى أن الحوار السائد حول الابتكار قد يدفع المؤسسات نحو تبنّي ممارسات مبتكرة، في حين أن الإجراءات المعنية بالتطوير؛ والتي تحدث بصورة تدريجية، ستُنتج قيمةً أكبر بمرور الوقت.
اقرأ أكثر عن الابتكار الاجتماعي والافتراضات التي تضلل نجاحه وفاعليته.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.