إنّ التخطيط الاستراتيجي ليس مجرد إجراء عملية وظيفية، بل إنه ما يُحدث الفرق بين أن تكون مؤسستك غير الربحية تقاوم من أجل البقاء، وأن تكون مؤسسة مبتكِرة ومُوجّهة للعمل نحو قضية لتغيير العالم، ويُعد خلق ثقافة تؤمن بالتخطيط أمر بالغ الأهمية ليس فقط لاستمرارية المشاريع، ولكن للازدهار لفترة طويلة بعد اكتمال تلك المشاريع. يستند التخطيط الاستراتيجي إلى الأفكار والإلهام والعمل الجاد لإجراء عمليات تحوّل جوهرية.
في المقالة التي نُشرت في «مجلة ستانفورد للابتكار الاجتماعي» بعنوان «الخطة الاستراتيجية الجامدة مقابل المستمرة» (The Strategic Plan is Dead. Long Live Strategy)، وضّح كل من دانا أودونوفان ونوح ريملاند فلاور أنه خلال تخطيطك الاستراتيجي اليوم، ينبغي أن تتحرر من الخطة الجامدة التي يمكن التخلي عن تطبيقها لاحقاً، وتتبنى تلك الأكثر تكيّفاً وتوجيهاً.
لقد طوّرت عدة مؤسسات غير ربحية خططاً استراتيجية ناجحة تسترشد بها في عملياتها الحالية ورؤيتها طويلة الأمد، ومن أبرزها «مكتبة بروكلين العامة» (Brooklyn Public Library)، و«صندوق كينيدي الأميركي» (American Kidney Fund)، و«الموئِل الدولية من أجل الإنسانية» (Habitat for Humanity International).
في مؤسسة «لونغوود غاردنز» (Longwood Gardens)، ساعدنا التخطيط الاستراتيجي على التطوّر من مزرعة عاملة تم إنشاؤها في القرن الثامن عشر إلى واحدة من أفضل نماذج حدائق عرض البستنة في العالم، إنه مكان يهدف إلى إلهام أكثر من مليون زائر سنوياً من خلال التميّز في تصميم الحدائق والبستنة والتعليم والفن.
أنشأنا « لونغوود واي» (Longwood Way) بطريقة منهجية، وهو اسم أطلقناه على ثقافة التخطيط الاستراتيجي لدينا والتي توفر لنا إطار عمل لمواءمة الأولويات، واتخاذ القرارات، وتخصيص الموارد، وقياس الأثر. تشمل النتائج المذهلة لهذا النهج ما يلي: الوضوح الكامل بشأن مهمة مؤسستنا وهويتها وتوجهها، وزيادة كبيرة في الإيرادات وعدد الزيارات، ومراجعات أداء مبنية على القيمة، ووضع خطة رئيسية ملهمة، ورفع مستوى التعاون والرضا بين الموظفين.
إليك الأساسيات الخمسة للتخطيط الاستراتيجي والتي يمكن للمؤسسات غير الربحية الكبرى والصغرى توظيفها لإجراء عمليات التحوّل.
- ابدأ من القمة: بالنسبة إلينا، كان الأمر يتعلق بالحفاظ على هذا الإرث من خلال المضي قدماً والتفكير الأشمل، ولكن ضمن سياق الرؤية والمهمة والقيم الموحدة. يبدأ الالتزام لدينا من قِبل مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي والإدارة العليا؛ الذين ينغمسون في عملية التخطيط ويُظهرون التزاماً عملياً بها. لن ينجح التخطيط الاستراتيجي أبداً في حال فوضه القادة، بل ينبغي أن يبدأ من القمة. في السنة الأولى من البدء بخطتنا الاستراتيجية، اتخذنا قرار إنجاز أكثر من 150 مهمة مرتبطة بالاستراتيجيات؛ والتي تندرج تحت خمسة أهداف أساسية، وبقيادة الفريق التنفيذي والإدارة العليا للاستراتيجية وتوضيح «السبب» وراء كل مهمة، أنجزنا كل ما نهدف إليه لمدة 12 شهراً.
- احرص على أن تكون شاملاً على جميع المستويات: تُعدّ جميع الآراء مهمة، إذ أننا نستخلص من خلال مجلس الإدارة والموظفين والمتطوعين الأفكار الرائعة، ونكتسب رؤى قيمة خلال مراحل التخطيط، كما نحظى بالمعرفة العملية حول تنفيذ الخطط على أرض الواقع. هذا يضمن أنّ شغف مجتمعنا الداخلي يتعمّق ويعيش بداخل المكان والأشخاص الذين يعملون فيه. لقد ساعدنا الحصول على دعم من جميع المستويات على حشد جهودنا ومنح الجميع فرصة لتطوير المؤسسة في المستقبل. من أجل تطوير خطتنا الرئيسية الممتدة لـ40 عاماً، اجتمع المئات من الموظفين والمتطوعين لحضور جلسة عصف ذهني في إحدى القاعات، وقد انبثقت إحدى الأفكار الأساسية للخطة أثناء تلك الجلسة، ومن قِبل أفراد يعملون على الأرض وفي الحدائق، وعملنا بجد على استكشاف جدوى تلك الأفكار.
- تذكّر أنّ المهارات مهمة لرؤية المؤسسة: إنّ الفهم الشامل للخبرة اللازمة لتحقيق أهدافك أمر بالغ الأهمية، وإلّا فقد لا تتمكن من طرح الأسئلة الصحيحة أو قد لا تحصل على الإجابات الصحيحة. احرص على أن تكون محاطاً بالمواهب والمهارات المختلفة، من حرفيين ومخططين استراتيجيين ومصممين، وأولئك الذين يستطيعون تحديد المخاطر وإجراء تحليلات، وكذلك الحالمين والذين يتفاخرون بعملهم أمام العالم. عند التعاقد مع «ويست 8» (West 8)؛ وهي شركة تصميم وهندسة للمناظر الطبيعية في المناطق الحضرية، لقيادة تنفيذ خطتنا الرئيسية والعمل على مساحة 436 هكتاراً، حققنا توازناً مثالياً بين المهارات والمخيلة والشغف.
- أنشئ دليلاً للقرارات على اختلاف أهميتها: فكّر في خطتك الاستراتيجية كدليل تستنير به قبل اتخاذ أي قرار في مؤسستك، ويجب أن يكون هذا الدليل بمثابة الأداة الأكثر أهمية لديك. هل الفرص التي تأخذها في الاعتبار تتماشى مع قيمك؟ هل القرار يدفع مؤسستك نحو تحقيق رؤيتها؟ ينبغي أن تكون مهمتك وقيمك ورؤيتك دائماً في مقدمة ومركز كل ما تخطط لإنجازه. نحن نُبقي خطتنا الاستراتيجية حاضرة دائماً، حيث نعود إليها يومياً ونستعرضها مرتين سنوياً لإعادة تقدير الأطر الزمنية والميزانيات.
- تفهّم أنّ المرونة أساسية: تتغيّر المعطيات يومياً، ولا شك أنّ خطتك الاستراتيجية هي عبارة عن دليل إرشادي، ولكنها أيضاً وثيقة متغيّرة وتتطور باستمرار. من بين مئات المهام التي حددناها في البداية لكي ننجزها خلال مدة خمس سنوات، تغيّرت الكثير من الأمور وتطوّرت، تماماً مثل الظروف التي تغيّرت بسبب التقلّب المستمر للوضع الاقتصادي وتبدّل الأولويات، لكننا كنا نتتبع دائماً ما وصلنا إليه، ونراجع الخطة ونتطلع قدماً.
يمكن للتخطيط الاستراتيجي الناجح أن يحترم الماضي بينما يتطلع إلى المستقبل، ويخلق ثقافة فريدة وشاملة، كما يمكن أن يكون الأساس لإحداث أثر اجتماعي واسع النطاق.
اقرأ أيضاً: دروس مستفادة لدعم ابتكار المنظمات غير الربحية.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.