تتطلب الأوقات العصيبة اتخاذ تدابير استباقية؛ فالمؤسسات غير الربحية تشق طريقها وسط واقع اقتصادي وسياسي بالغ الصعوبة، ما يدفع الكثير منها إلى التفكير في خيارات كانت تعتبرها في السابق غير واردة مطلقاً، مثل الاندماج أو الاستحواذ أو إنهاء النشاط.
فلنتأمل قطاع التنمية العالمية، الذي يواجه حالة غير مسبوقة من عدم اليقين بعد حل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو إس أيد) وتراجع المساعدات الحكومية المباشرة بين الدول، فضلاً عن تزايد التحديات السياسية العامة. وقد أشارت دراسة حديثة إلى أن 60% من مؤسسات التنمية قد تغلق أبوابها خلال 6 أشهر فقط. ومن هذا المنطلق، ثمة جهود تبذل حالياً للتوفيق بين المؤسسات عبر إنشاء قواعد بيانات تضم الجهات المستعدة لدراسة خيار التحول المؤسسي.
وعلى الرغم من أن مؤسسات التنمية الدولية تتحرك بوتيرة أسرع من غيرها في اتخاذ هذه الخطوات، فإن النقاشات حول إعادة الهيكلة بدأت تمتد إلى مختلف قطاعات العمل غير الربحي. وتمثل هذه التطورات فرصة مهمة للمجال بأسره؛ إذ يتيح التحول المؤسسي مجالاً واسعاً للإبداع والتجديد، بينما يمكن أن يتحول إنهاء النشاط إلى تربة خصبة تنبت منها مبادرات جديدة.
لا شك في أن المرحلة الراهنة قاتمة، لكن إذا تحركنا بسرعة فسنخرج من هذه الأزمة أقوى مما كنا عليه قبلها؛ إذ ستنبثق عنها مؤسسات أصلب تركز جهودها على أهم جوانب عملها وتحقق أقصى فعالية ممكنة من كل دولار تنفقه وتكون أكثر استعداداً لمواجهة التحديات الحتمية المقبلة.
التغيير الهيكلي ممكن التحقيق
لقد شهدت بنفسي قوة التغيير الهيكلي والتحديات التي تصاحبه في المؤسسات غير الربحية. فعندما كنت الرئيس التنفيذي لمؤسسة غايدستار، أشرفت على اندماجها عام 2019 مع مؤسسة فاونديشن سنتر لتأسيس كيان جديد هو مؤسسة كانديد. جمع هذا الاندماج بين أكبر قاعدتي بيانات في العالم للعمل الخيري والمؤسسات غير الربحية تحت مظلة واحدة. وقد وصفت مجلة فاست كومباني هذه الخطوة بأنها مسعى لبناء "المنصة المرجعية للشفافية في القطاع غير الربحي". وبعد سنوات، أصبحت كانديد مؤسسة تتمتع بصحة مالية قوية وتخدم ملايين المستفيدين وتواصل بناء بنية معلوماتية أصلب لدعم مسيرة التغيير الاجتماعي.
كانت تلك مهمة شديدة التعقيد ضمت أكثر من 200 موظف موزعين على 8 مكاتب مختلفة. وقد عملنا على تقليص عدد منتجاتنا البالغ 70 منتجاً إلى مجموعة محدودة من الأدوات، مع الحفاظ على القيمة الأساسية التي قدمتها كل مؤسسة من المؤسستين الأم. ولا شك في أننا كنا محظوظين للغاية بما أتيح لنا من امتيازات؛ إذ تدخل ائتلاف من المؤسسات المانحة لتقديم تمويل بقيمة 44 مليون دولار. كما أتيح لنا وقت كاف على مدى سنوات للتخطيط لعملية الاندماج، بدعم من مجالس إدارة متعاونة ورؤية واضحة للقيمة المضافة التي نسعى إلى تحقيقها.
وعلى الرغم من هذه المزايا كلها، فلا أبغي التقليل هنا من حجم التحديات التي ترافق مثل هذا النوع من إعادة الهيكلة التنظيمية؛ فقد تركت هذه التجربة في نفسي ندوباً لا تمحى. لكن لم يقل أحد إن العمل في مجال التغيير الاجتماعي أمر يسير. والقائد الحقيقي هو من ينهض بالمهام الصعبة لبناء مؤسسة أقوى، تستطيع بدورها أن تسهم في بناء عالم أفضل.
يمكن أن يتحقق التغيير الاجتماعي عبر هياكل تنظيمية متعددة، وهذه الهياكل قابلة للتطور مع مرور الوقت. وقد حددت من خلال أبحاثي 37 نموذجاً يمكن للمؤسسات العاملة في مجال التغيير الاجتماعي اتباعها. وبمرور الوقت، ينبغي للجهات الرائدة في هذا المجال أن تتريث وتفكر في مختلف البدائل المتاحة أمامها. غير أن اللحظة الراهنة تستدعي التركيز على 3 خيارات جذرية هي: الاندماج، والاستحواذ، وإنهاء النشاط.
عوائق التغيير الهيكلي
قد يشكل أي تغيير مؤسسي تحدياً بحد ذاته، لكن التغيير الهيكلي في قطاع العمل الاجتماعي أكثر تعقيداً بسبب خصائص هذا القطاع الفريدة. ويمكن تمييز 3 عوائق رئيسية أمام تحقيقه:
1. المال. لا تشجع أسواق رأس المال في القطاع غير الربحي على المرونة في هيكلة المؤسسات وتطورها. وغالباً ما تكرس ممارسات جمع التبرعات عقلية تنافسية انعزالية. قد يشتكي الممولون من كثرة المؤسسات غير الربحية، لكنهم نادراً ما يستثمرون في تغطية تكاليف دمجها. علاوة على ذلك، تعتمد ممارسات إعداد الميزانيات في المؤسسات غير الربحية غالباً على افتراض استمرارها إلى ما لا نهاية.
2. النزعة الذاتية. تتكون المؤسسات من أفراد، ولكل منهم مصالحه المادية والعاطفية. وفي قطاع العمل الاجتماعي، يرتبط كثير من العاملين ارتباطاً وثيقاً بمؤسساتهم، حتى إن إحساسهم بالهوية المهنية يمتزج أحياناً بهوية المؤسسة نفسها. ويمكن أن يظهر هذا التداخل لدى أي فرد من الفريق؛ فقد يشعر الموظف بالانتماء الشخصي الشديد إلى برامج أو مواقع أو مشاريع معينة. ويزداد صراع الهوية تعقيداً لدى القادة الذين ارتبطت أسماؤهم علناً بالمؤسسات التي يديرونها؛ إذ يصبح من الصعب عليهم التمييز بين نجاحهم الشخصي ونجاح مؤسساتهم.
3. النماذج الذهنية. يطور الإنسان بمرور الوقت أنماطاً سلوكية وفكرية وأطر عمل ترسخ الطرق التي اعتاد عليها في إنجاز المهام. وغالباً ما يتبنى قطاع العمل الاجتماعي إطاراً ضمنياً يمكن تسميته "المؤسسة البطولية غير الربحية"، وهو التصور القائل إن التغيير الاجتماعي يتحقق من خلال مؤسسات خيرية فردية دائمة تعمل بمعزل عن غيرها. ولا شك في أن هذا القطاع ينطوي على بطولات حقيقية. لكن الممارسين الواعين يدركون أنهم يعملون ضمن سياق محدد، بوصفهم جزءاً من منظومة مؤسسية تسعى إلى معالجة مشكلة اجتماعية أو بيئية معينة.
تجعل هذه العوائق الثلاثة التغيير الهيكلي أكثر صعوبة، وعلينا ألا نستهين بها. ومع ذلك، يمكن تجاوزها بجرعة كافية من المقومات الأساسية للتغيير الاجتماعي: الإيثار، والإبداع، والقيادة.
مبادئ التحول الناجح
فلنتأمل مجموعة من المبادئ أو الدروس التي يمكن أن تساعد على تسهيل عمليات الدمج والتحول والتجديد المؤسسي:
1. البدء بالغاية
تعمل المؤسسات بقطاع العمل الاجتماعي من أجل إحداث أثر إيجابي في العالم، بيد أن التحديات اليومية قد تلهينا أحياناً عن هذه الغاية. لذلك على القائد أن يجدد بين الحين والآخر التزامه برسالة مؤسسته، فهذه الخطوة البسيطة كفيلة بأن توضح المسار من الناحيتين الاستراتيجية والأخلاقية.
غالباً ما ترافق الأزمات معاناة شديدة، والأزمة الراهنة ليست استثناء، لكنها تذكرنا، على نحو مؤلم وملهم في آن، بالغاية التي نعمل من أجلها. فنحن لا نؤدي عملنا من أجل المؤسسة بحد ذاتها، بل من أجل عالم أكثر لطفاً ونقاءً وعدلاً وجمالاً. وحين نعيد تركيزنا على الغاية، لن تقتصر رؤيتنا على التفاصيل اليومية، بل ستتسع لتشمل الأفق الاستراتيجي الأرحب، فنستمد منه قاعدة صلبة نواجه بها ما ينتظرنا من قرارات وتحديات.
2. نهاية المؤسسة ليست نهاية العمل.
من المؤكد أن هوية مؤسسية واحدة على الأقل ستضيع في حال اتباع أي من هذه النماذج الثلاثة: الاندماج أو الاستحواذ أو إنهاء النشاط. وقد يشعر من يربط إحساسه بالذات بمؤسسته بأن ذلك ضرب من الخيانة للذات أو للرسالة، في حين أن الأمر ليس كذلك؛ فالمؤسسات ليست سوى أوعية مؤقتة للشغف الإنساني، لكن العمل يستمر حتى بعد زوالها. ومن أبرز الأمثلة على ذلك مؤسسة إنتغريتي فور أميركا التي تأسست رداً على أعمال الشغب التي أثارها النازيون الجدد في مدينة شارلوتسفيل عام 2017. وقد تمثلت استراتيجيتها في ابتكار نهج قانوني جديد لمكافحة جرائم الكراهية. وفي عام 2021، حققت المؤسسة نصراً تاريخياً في إحدى القضايا، لتثبت فعالية نموذجها. ثم أنهت أعمالها طوعاً، لتفسح المجال أمام جهات أخرى لمواصلة المسيرة على نطاق أوسع.
يتطلب اتخاذ مثل هذا القرار قدراً كبيراً من الشجاعة؛ فالمؤسسة تشبه الأسرة في كثير من الأحيان، إذ تتمتع بخصوصية ثقافية ولغوية وتاريخية تعكس منظومة قيم وسلوكيات متوارثة، ما يجعلها تبدو كياناً حياً يعكس شعوراً عميقاً بالهوية والانتماء. وفي أوقات التحول، قد تضيع إحدى من هذه السمات، ومثلما تتغير الأسر والمجتمعات بمرور الوقت، من الصواب أن نتوقف ونعترف بهذه الخسارة.
بل إن المؤسسات التي تمر بمرحلة انتقالية تملك فرصة لتحويل التغيير إلى ما يشبه الطقس الرمزي؛ فالطقوس تساعد البشر على استيعاب الفقد، وإذا صممت بعناية يمكن أن تحول مشاعر الحزن إلى احتفال، مثلما يفعل حفل التأبين حين يحتفي بمسيرة شخص راحل أدى رسالته على أكمل وجه.
3. التفاوض الخلاق
توفر عملية إعادة الهيكلة فرصة لإعادة التفكير في بنية المؤسسة ذاتها؛ إذ يمكن لهذه المرحلة أن تفتح الباب أمام مراجعة العديد من العناصر التي استقرت ضمن أنماط العمل الراهنة. وقد يبدو تعدد المتغيرات بهذا الشكل تحدياً، وهو كذلك فعلاً، لكنه في الوقت نفسه يتيح خيارات واسعة أمام صانعي القرار.
يمكن البدء بتحديد مصالح الأطراف المعنية؛ فقد يكون القادة في مراحل مختلفة من مسيرتهم المهنية أو من مسارهم الوظيفي داخل المؤسسة. وربما يرغب أحدهم في التخلي عن مسؤولياته الإدارية مع البقاء مستشاراً، في حين يتمسك مجلس إدارة إحدى المؤسستين بالحفاظ على برنامج محدد أو علامة تجارية معينة. تتيح مثل هذه الفوارق مساحة لتحقيق التوافق بين المصالح المختلفة، مع الحفاظ في الوقت نفسه على جوهر الرسالة المؤسسية.
4. مواجهة عدم التكافؤ
في بعض الحالات، يؤدي الاعتراف بالفوارق في موازين القوى وقبولها إلى تحقيق تحولات أكثر سلاسة ووضوحاً؛ إذ يغدو التفاوض أسهل عندما يقر الطرفان بالحقائق الماثلة على أرض الواقع.
حتى في حال تمتع إحدى المؤسستين بقدر أكبر من النفوذ، يبقى المجال مفتوحاً لإيجاد صيغة مربحة للطرفين معاً. ويمكن للقادة أن يتخذوا الخطوة الأولى بإبداء قدر من التواضع والصراحة في التعبير عن تطلعاتهم ومخاوفهم. تكتسب هذه الشفافية أهمية خاصة في أوقات التوتر المشترك؛ لأنها تتيح التحرك بسرعة أكبر وتساعد على توضيح ما يستحق التركيز عليه فعلاً.
علاوة على ذلك، لا يقتصر عدم التكافؤ على موازين القوى فحسب؛ إذ يمكن أن تنشأ شراكات قوية بين مؤسسات تختلف في هياكلها القانونية أو استراتيجياتها أو مناطق عملها الجغرافية. ويتمثل العنصر الحاسم هنا في تحقيق التوافق على مستوى الرسالة، مثلما حدث حين استحوذت مؤسسة كيرا، وهي جهة غير ربحية لوسائل الإعلام العامة في شمال ولاية تكساس، على صحيفة دنتون ريكورد-كرونيكل المحلية الربحية.
5. مراعاة المجال الأوسع
علينا أن نتذكر أننا لسنا وحدنا في هذا العمل، سواء كنا أفراداً أو مؤسسات؛ فهناك دائماً سياق أوسع، أو ما يمكن تسميته بـ"المجال" الذي نعمل في إطاره. ومن المهم التفكير في الكيفية التي يمكن أن تخدم بها عملية التحول المؤسسي هذا المجال الأشمل. فقد يتيح إنهاء النشاط، مثلاً، فرصة لتسليط الضوء على جهود مؤسسات أخرى أو مشاركة الدروس المستخلصة بشق الأنفس. وربما يسمح أيضاً بإتاحة ملكية المؤسسة الفكرية للآخرين من خلال ترخيصها وفق نموذج المشاع الإبداعي (كريتيف كومنز).
قد تحد اعتبارات نموذج الأعمال والهوية المؤسسية من قدرتنا على العمل بروح تعاونية، دون وعي. في المقابل، تتيح إعادة الهيكلة فرصة للتخلي عن تلك الاعتبارات والمبادرة بدعم المنظومة المؤسسية.
علاوة على ذلك، يمكن للمجال نفسه أن يفيد في هذا السياق؛ فمجرد إبداء الانفتاح على هياكل تنظيمية جديدة قد يستجلب دعماً غير متوقع من الشركاء القائمين ضمن المنظومة المعنية. وعلى مستوى أوسع، تقدم مؤسسات مثل ذا ويند داون ولابيانا وذا لودستار فاونديشن موارد لدعم التحول الهيكلي.
6. مراعاة الاحتياجات الإنسانية
المؤسسات غير الربحية ليست ملزمة قانوناً بتوفير فرص عمل لأي شخص؛ إذ تتقدم رسالة المؤسسة على سائر الاعتبارات، لكنها تتحمل التزاماً أخلاقياً بضرورة معاملة الفرد بطريقة تصون كرامته. ويمكن أن يسهم تقديم تعويضات نهاية الخدمة وبرامج التدريب وخدمات الانتقال الوظيفي وبناء هياكل للمسميات الوظيفية الجديدة، وغيرها من التعديلات، في ضمان أن تكون مرحلة التحول ذات أثر إيجابي على الفرد.
ينطوي التغيير الهيكلي الفعال على الاعتراف الصريح بالمصالح الذاتية للعاملين والمتطوعين وأعضاء مجلس الإدارة وغيرهم من أصحاب المصلحة. غير أن هذه المصالح لا تتعلق دائماً بالمال أو النفوذ، فالحاجات الإنسانية متعددة الأوجه ويمكن أخذها جميعاً في الحسبان عند إجراء أي تحول مؤسسي. على سبيل المثال، إذا كان أحد القادة سيتنازل عن جزء من سلطته في إطار عملية استحواذ، فيمكن البحث عن سبل أخرى لتعويضه عما فقده، سواء بمنحه التقدير أو المكانة أو الفرصة للعمل على مشروع لطالما حلم به. قد يفضل بعض الموظفين تقليص ساعات عمله، في حين يبدي آخرون استعدادهم لتحمل مسؤوليات إضافية. وربما كان أحد أعضاء مجلس الإدارة ينتظر منذ سنوات فرصة مغادرة لائقة تحفظ له مكانته. ولن نستطيع اكتشاف مثل هذه الفرص إلا إذا بادرنا بالسؤال عنها.
7. التحرك السريع
تمتلك أغلبية المؤسسات مجموعة من الأصول المالية التي يمكن أن تمنحها مساحة زمنية محددة لتصميم انتقال منظم وسلس. وتشكل هذه المساحة فرصة للتفاوض من موقع قوة مع شريك محتمل في صفقة اندماج أو استحواذ، أو لتخصيص موارد تضمن نهاية مدروسة تحفظ إرث المؤسسة. غير أن الوقت كثيراً ما ينقضي في التردد لأشهر، بل لسنوات، ما يؤدي إلى استنزاف هذه الموارد وترك القادة في موقف تفاوضي ضعيف تحكمه المخاوف.
قد يترتب على التأخير ثمن إنساني باهظ؛ فالمؤسسات التي تغلق أبوابها فجأة تخلف وراءها فوضى مؤلمة. على سبيل المثال، ساعدت مؤسسة بنيفتس داتا تراست منذ تأسيسها عام 2005 المواطنين في الحصول على إعانات حكومية، مثل المساعدات الغذائية والرعاية الصحية، بقيمة تتجاوز 10 مليارات دولار. لكنها أعلنت إغلاقها المفاجئ في يونيو/حزيران 2024، وخلال شهرين فقط سرحت 300 موظف وأغلقت مركز الاتصالات التابع لها، ما ترك آلاف المستفيدين بلا دعم أساسي يساعدهم على التعامل مع الأنظمة الحكومية. يمكن بلا شك تحقيق نهايات أفضل من ذلك بكثير.
أما المؤسسات التي تواجه ضغوطاً مالية تلوح في الأفق، فلا وقت أنسب من الوقت الراهن لبدء تصور مستقبل بديل بروح إبداعية وخيال واسع.
القيادة بالقدوة
قد نشهد خلال الأشهر المقبلة موجة من التحولات المؤسسية، سينشأ أغلبها بدافع الضرورة والضغوط القائمة. ولن يتاح لبعض المؤسسات الوقت الكافي للتفكير العميق أو التخطيط الدقيق، لكنها مع ذلك تستطيع أن تمضي في استكشاف الهياكل الجديدة بأساليب واعية ومدروسة. ومن خلال هذا الوعي، يمكن لقادتها أن يقدموا قدوة تحتذى في القطاع بأكمله، تؤكد أننا أكثر من مجرد مؤسسات، بل بشر تجمعنا غاية مشتركة.
سيكون لمثل هذا النموذج أثره المتنامي بطبيعة الحال؛ فمع تغير العالم، ينبغي أن يتغير قطاع العمل الاجتماعي أيضاً. إذ تواجه الإنسانية اليوم ظواهر كوكبية جديدة، مثل التغير المناخي والذكاء الاصطناعي، وهي تحديات تتجاوز حدود الدول وتعمل وفق مقاييس زمنية غير مألوفة. وتتطلب هذه التغيرات أساليب جديدة للتفكير في البنية المؤسسية واستعداداً لتبني قدر أكبر من المرونة. فالمؤسسات التي تسعى إلى بناء عالم أفضل يجب أن تتطور على نحو يتناسب مع طبيعة العالم المتغير من حولها.
يمكن لقطاع العمل الاجتماعي أن يحقق أثراً يفوق ما يمكن أن يحققه كل جزء منه على حدة. وبينما نتأمل رقعة الشطرنج المتغيرة من حولنا، ينبغي أن نحرك القطع، وأن نكون نحن أيضاً جزءاً من هذه الحركة.