ملخص: اعتمدت المملكة العربية السعودية نهجاً متكاملاً يجمع بين البحث العلمي، والابتكار التكنولوجي، والتعاون المؤسسي والدولي لإرساء إدارة ذكية ومستدامة للمياه.
- أسهم البحث العلمي والابتكار في تطوير تقنيات متقدمة لتحلية المياه وإعادة استخدامها بكفاءة، مثل أنظمة التناضح العكسي المنخفضة الاستهلاك للطاقة، والرصد الرقمي الفوري، والتحليل بالذكاء الاصطناعي.
- يمثل التحول الرقمي محوراً رئيسياً في تحسين كفاءة تشغيل شبكات المياه، من خلال تحليل البيانات الضخمة والتنبؤ بالأعطال وتقليل الفاقد. وتدعم المملكة هذا التوجه عبر خطط لخفض استهلاك المياه غير المتجددة بنسبة 90% وتكاليف الإنتاج بنسبة 50% بحلول عام 2035.
- يعد التعاون المؤسسي والدولي عنصراً أساسياً لتحقيق أهداف الاستدامة. وتبرز مبادرات مثل "ووتر ستريب" نموذجاً عملياً لهذا النهج، حيث تجمع بين القطاعين العام والخاص ومراكز الأبحاث المحلية والدولية لدفع الابتكار وتسريع تحويل الأفكار إلى تطبيقات ميدانية.
يمثل التصدي لمشكلات ندرة المياه وتلوثها والمخاطر المرتبطة بالمناخ تحدياً ملحاً لا يمكن التغلب عليه إلا من خلال مزيج من البحث العلمي، والابتكار التكنولوجي، والتعاون الدولي. وقد أسهمت الأبحاث الحديثة والابتكارات في تطوير أدوات وأنظمة جديدة، مثل أنظمة المعالجة المتقدمة والرصد اللحظي، جعلت البنى التحتية للمياه أكثر كفاءة ومرونة.
على سبيل المثال، تسهم الإدارة الذكية للمياه، التي تدمج أجهزة الاستشعار وإنترنت الأشياء وتحليل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، في تحسين أداء الأنظمة وتعزز قدرتها على التكيف مع اضطرابات المناخ. وقد أكد البنك الدولي أن تبني هذه التقنيات يجعل شبكات المياه أكثر ذكاء وكفاءة ومرونة، ما يؤدي إلى تعزيز الاستدامة والنمو الاقتصادي.
وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، فهناك بعض التحديات في مجال الأمن المائي، حيث يتجاوز استهلاك المياه موارد المياه المتجددة المتاحة بنحو 11 ضعفاً. وتصنف المملكة من بين أعلى مستهلكي المياه عالمياً بمعدل 278 لتراً للفرد يومياً، كما تقع ضمن أعلى عشر دول عالمياً في مؤشر الإجهاد المائي لعام 2023. وقد استلزمت هذه التحديات استجابة مبتكرة توظف البحث والتطوير لتحقيق الأمن المائي.
وعليه، تستهدف المملكة خفض سحب المياه غير المتجددة بنسبة 90% وخفض تكاليف إنتاج المياه بنسبة 50% بحلول عام 2035. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال التعاون البحثي المستدام والابتكار التكنولوجي عبر قطاعات متعددة.
البنية التحتية الذكية والابتكار القائم على البحث
يشكل التحول الرقمي عاملاً حاسماً لتحسين كفاءة تشغيل شبكات المياه، حيث تستخدم تحليلات البيانات وتعلم الآلة في التنبؤ بالأعطال وتقليل الفاقد، وأسهم التطور العلمي في تطوير مرشحات وأنظمة إعادة استخدام أقل تكلفة وأكثر قابلية للتوسع، ما يمكن الحكومات وصناع القرار من الاستجابة بسرعة لحالات الجفاف أو الفيضانات أو التلوث.
من هنا، نجحت محطات التحلية السعودية في تحقيق رقم قياسي في استهلاك الطاقة بلغ 2.271 كيلوواط/ ساعة لكل متر مكعب باستخدام تكنولوجيا التناضح العكسي، في حين تعمل الأبحاث على دمج الطاقة المتجددة، خصوصاً الحلول الشمسية، لدعم تحلية المياه بطرق أكثر استدامة.
التعاون والحوكمة المشتركة
لا يمكن التعامل مع تحديات المياه دون التعاون وتعزيز أواصر العمل المشترك مع الأطراف المعنية بما يضاعف أثر الابتكار. وتؤكد تقارير اليونسكو لعام 2023 أن الشراكات "أساسية" لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للمياه والصرف الصحي. وتثبت الدراسات أن التعاون بين الحكومات والجهات المانحة والقطاع الخاص يسهم في تحويل الأبحاث التجريبية إلى سياسات واستثمارات عملية.
وبالتالي، يؤدي القطاع الخاص دوراً حيوياً متزايداً في ابتكارات المياه في السعودية، إذ تدعم حاضنة وابل، التي أطلقتها شركة المياه الوطنية والمركز السعودي لابتكارات المياه، الشركات الناشئة وتسهم في تسريع نقل التقنيات من المختبرات إلى الأسواق.
كما تبرز أهمية تعزيز الشراكات والتعاون على المستوى الدولي بما يسهل نقل التكنولوجيا وتبادل المعرفة، ويسرع من تطبيق الحلول المجربة داخل السعودية.
الشراكات البحثية الاستراتيجية
يمكن للابتكار البحثي أن يؤدي إلى حلول أكثر كفاءة وجدوى من الناحية الاقتصادية، وقد يقود إلى تحول جذري في طريقة إدارة منظومة المياه. وتؤكد التطورات الأخيرة في السعودية الدور المتنامي للمؤسسات البحثية في مواجهة تحديات المياه، إذ يشكل إنشاء المركز الدولي لأبحاث المياه في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، منصة عالمية للبحوث التطبيقية في اقتصادات المياه، والأمن المائي، ومعالجة التلوث، والرصد الرقمي. وتعزز الهيئة السعودية للمياه علاقاتها بمؤسسات أكاديمية لتطوير تقنيات جديدة لمعالجة المياه وإدارة الشبكات باستخدام الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء.
إضافة إلى ذلك، تظهر مبادرات البحث المتخصصة اتساع نطاق الجهود التعاونية، إذ يطور باحثو جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية حلولاً مصممة خصوصاً لتحلية المياه تزيل ملوثات محددة على نحو انتقائي بناءً على احتياجات المحاصيل، ما يقلل من استهلاك الطاقة والتكاليف.
مبادرة ووتر ستريب
تنفذ وزارة البيئة والمياه والزراعة في السعودية استراتيجيات لتعزيز استدامة المياه بما يتماشى مع رؤية 2030. وتستند هذه الاستراتيجيات إلى 5 أبعاد رئيسة، هي: الاستدامة الاقتصادية، والجودة البيئية، والقدرة على تحمل التكاليف وفعالية التكلفة، والتوافر، والاستدامة.
وتركزت الجهود على تعزيز "البحث والابتكار والتعاون" من أجل تحقيق هذه الأبعاد، ومن هنا تأسست مبادرة "ووتر ستريب"، التي تهدف إلى إنشاء ممر استراتيجي على امتداد الساحل الغربي بطول 40 كيلومتراً بين محافظتي رابغ وجدة. بما يسهم في خلق منظومة مائية حيوية تساعد على جذب الاستثمارات وتعزيز التعاون والشراكات في مجالات البحث والابتكار. وتجمع المبادرة عدداً من الجهات الحكومية والأكاديمية والصناعية تشمل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وشركة أكواباور، وفيوليا الفرنسية، وهيئة المياه السعودية، بالإضافة إلى شركاء من القطاع الخاص.
وتتمحور المهمة الأساسية للمبادرة حول دفع عجلة البحث والابتكار التكنولوجي من خلال تعاون أصحاب المصلحة ودعم حاضنات الأعمال، وخلق قنوات التواصل وشبكات التدريب، وتيسير الوصول إلى أنظمة الدعم ومرافق الاختبار والبرامج التجريبية لتسريع تحويل الحلول المبتكرة إلى واقع عملي.
إذاً، يعتمد نجاح هذا النهج التعاوني على الالتزام المستمر بالاستثمار في الأبحاث، والدعم التنظيمي للابتكار، والتعاون المستمر مع الشركاء الدوليين. ومع تقدم المبادرة نحو أهدافها لعام 2030، سيكون دمج التقنيات الناشئة، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص، وتوسيع التعاون الدولي، أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على الزخم وتحقيق أثر تحويلي في استدامة المياه وأمنها.
وباختصار، فإن تكامل البحث والابتكار والتعاون يمثل مفتاحاً لإدارة مستدامة للمياه، فالأبحاث تولد الأفكار والتقنيات الجديدة، والتعاون الدولي والمحلي يضمن تحويلها إلى سياسات وممارسات ملموسة. ومن خلال دمج الأنظمة الذكية، وشبكات تبادل البيانات، والاتفاقيات الدولية، والإبداع المجتمعي، تستطيع الدول تعزيز أمنها المائي وحماية مواردها البيئية للأجيال القادمة.