كيف تدعم الصناديق التعاونية المؤسسات المحلية في إفريقيا؟

7 دقيقة
الصناديق التعاونية في إفريقيا

تزداد شعبية الصناديق التعاونية الخيرية في إفريقيا وتتشابه في العديد من الجوانب مع نظيراتها العالمية، ولكنها تتمتع بسمات فريدة تميزها.

على سبيل المثال، تحصل الصناديق التعاونية الإفريقية على تمويل أقل مقارنةً بالصناديق التعاونية في أجزاء أخرى من العالم. وعلى الرغم من سجلها الحافل بقدرتها على إحداث الأثر وإمكانية تحقيق مزيد من الإنجازات في حال توفير دعم أكبر، فإن 60% من الصناديق التعاونية الإفريقية لا تتجاوز ميزانياتها السنوية 10 ملايين دولار، في حين تفوق ميزانيات 70% من الصناديق التعاونية العالمية هذا الرقم.

بالإضافة إلى ذلك، تعتمد الصناديق التعاونية الإفريقية أكثر من نظيراتها العالمية على تأسيس هيئات مستقلة لتنفيذ برامجها ومشاريعها. يساعد هذا النهج على إبراز علاماتها التجارية وترسيخ صورتها ويقلل النزاعات المحتملة حول الاعتراف بجهود الجهات الممولة.

بالإضافة إلى ذلك، ينحصر نطاق عمل 6 من كل 10 صناديق تعاونية إفريقية في بلدانها فقط، ما يعكس التنوع في البيئات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخل القارة والتحديات العملية المرتبطة بتحويل الأموال بين الدول.

تستند هذه البيانات إلى تقرير صادر عن مؤسسة ذا بريدجسبان غروب في عام 2024، الذي كشف عن توجه قوي ومعقد نحو تعزيز التعاون في مجال العمل الخيري في إفريقيا. أشار التقرير إلى وجود 131 صندوقاً تعاونياً خيرياً في إفريقيا؛ يقتصر تركيز أنشطة 73 منها على القارة الإفريقية (في حين تنفذ البقية أنشطتها في مناطق متعددة)، وتجدر الإشارة إلى أن نحو 80% من الصناديق التعاونية الإفريقية تأسست منذ عام 2010.

ما هي الدروس التي يمكن أن تتعلمها الجهات الممولة الأخرى من حركة الصناديق التعاونية في إفريقيا، لا سيما من حيث تركيزها على تمويل المؤسسات التي تعرف احتياجات المجتمع والمشكلات التي يواجهها؟ أجرى ديفيد باورماستر، مؤسس شركة فايرسايد استراتيجي، حواراً مع قائدتي صندوقين تعاونيين يركزان أنشطتهما على القارة الإفريقية، هما آتي ووركو، ذات الأصول الإثيوبية، وهي الرئيسة التنفيذية المشاركة لصندوق أفريكان كولابوراتيف (الذي كان يعرف سابقاً باسم أفريكان فيجينري فاند) وديغان علي من الصومال، وهي المديرة التنفيذية لمؤسسة أديسو ومؤسسة صندوق بروكسيميت فاند، نستعرضه فيما يلي لتوضيح قوة هذا النهج وفعاليته.

ديفيد باورماستر: تأسس صندوق أفريكان كولابوراتيف في عام 2020 بهدف زيادة حصة التمويل الدولي الذي يصل مباشرةً إلى المؤسسات المحلية التي يقودها أبناء القارة، وهو أحد الصناديق التعاونية التي أصبحت آليات فعالة وشائعة، بالنسبة للجهات الممولة الإفريقية وغير الإفريقية على حد سواء، لتحويل مزيد من الأموال وصلاحيات صناعة القرار إلى المؤسسات التي ترتبط مباشرةً بالمجتمعات المستهدفة وتدرك احتياجاتها ومشكلاتها، وبالتالي تعزيز القدرة على إيجاد الحلول. ما هي فوائد هذا النهج؟

آتي ووركو: تتمثل إحدى الفوائد في المرونة والقدرة على التحمل والتكيف في فترات التغييرات والتحولات السريعة، إذ أصبحت واقعاً مستمراً وليس حدثاً استثنائياً. عندما أوقفت حكومة الولايات المتحدة فجأة 8 مليارات دولار من المساعدات المخصصة لإفريقيا في مطلع عام 2025، تلقيت الكثير من الأسئلة من الممولين الذين يتساءلون عن كيفية التصرف وطريقة التعامل مع هذا الموقف. ذكرني هذا الأمر بما حدث في المراحل الأولى من تفشي جائحة كوفيد-19؛ إذ كان الناس يطرحون الأسئلة نفسها تقريباً، فيقولون: "العالم ينهار، ماذا يمكننا أن نفعل؟" في كلتا الحالتين، كانت نصيحتي هي نفسها، يجب دعم المؤسسات التي ترتبط مباشرة بالمجتمعات وتعمل يومياً لتلبية احتياجاتها، كما يجب أن نثق في قدرتها على استخدام الموارد وتوجيهها بطريقة فعالة.

باورماستر: يمثل هذا النموذج تجسيداً عملياً لمبادئ التمويل القائم على الثقة، من خلال إنشاء صناديق مجتمعية يقودها أبناء القارة الإفريقية أنفسهم ويصممونها لتلبية احتياجات مجتمعاتهم. وبهذه الطريقة، أنتم تعملون على معالجة مشكلة اختلال القوى القائمة منذ فترة طويلة والمتمثلة في سيطرة الجهات الممولة وتحكمها في كيفية توزيع الموارد الخيرية وتحديد المستفيدين منها، دون إعطاء أي دور للمؤسسات المحلية والمجتمعات المستفيدة في عملية صناعة القرارات التي تلبي احتياجاتها. هل كان من الصعب إقناع الممولين بجدوى هذا النهج وفعاليته؟

ووركو: بالتأكيد لم يكن الأمر سهلاً. ويتضح حجم التحدي من خلال البيانات التي قدمتها مؤسسة ذا بريدجسبان غروب، والتي تكشف أن الصناديق التعاونية الإفريقية تمتلك ميزانيات محدودة مقارنةً بنظيراتها حول العالم، ولكن هناك العديد من الممولين الذين يهتمون بإيجاد حلول للتحديات التي تواجه القارة الإفريقية في مجالات، مثل التعليم والرعاية الصحية والتنمية الاقتصادية. يمتلك صندوق أفريكان كولابوراتيف سجلاً حافلاً في جمع الأموال من المؤسسات الخيرية وتوجيهها إلى المؤسسات المحلية الفاعلة والتعاون معها لتحقيق أهدافها. منذ عام 2020، قدم الصندوق منحاً تمويلية غير مشروطة بقيمة 8.4 ملايين دولار لصالح 35 مؤسسة تقودها المجتمعات المحلية الإفريقية في 13 دولة. وقد قدم شركاؤنا خدمات متنوعة شملت الاستجابة الطارئة للفيضانات في كينيا وبوروندي وتوفير الرعاية التلطيفية (المخففة للآلام) للأطفال المصابين بالسرطان في أوغندا، بالإضافة إلى توفير البرامج التعليمية في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والبرامج التدريبية على الوظائف التكنولوجية للنساء والفتيات.

باورماستر: لنستمع الآن إلى ديغان، كانت هناك حملة نشطة ومنظمة منذ عدة سنوات للحد من هيمنة الجهات الممولة من دول الشمال العالمي على تدفق رؤوس الأموال إلى الدول النامية وعلى تحديد أوجه الدعم وطبيعة المشاريع الممولة والجهات المستفيدة. فهل يمثل صندوق بروكسيميت فاند التابع لمؤسسة أديسو جزءاً من هذا التوجه؟

ديغان علي: صندوق بروكسيميت فاند هو صندوق تعاوني خيري إفريقي حديث، وهو يستمد مبادئه من القمة العالمية للعمل الإنساني لعام 2016 وإطلاق مبادرة "الصفقة الكبرى" التي تهدف لإصلاح عمليات تقديم المساعدات الإنسانية من خلال عدة إجراءات من أبرزها توجيه 25% من المساعدات إلى المؤسسات المحلية، ما يمثل خطوة أساسية ضمن الجهود الرامية إلى إصلاح نظام المساعدات.

باورماستر: على الرغم من هذه التطلعات، فإن بيانات صندوق كولابوراتيف نشير إلى أنه حتى عام 2021، لم يتجاوز التمويل المباشر المخصص للشركاء المحليين والوطنيين نسبة 1.2% من إجمالي المساعدات الإنسانية الدولية، في حين لم تتجاوز المنح الأميركية المقدمة للمؤسسات المحلية بين عامي 2016 و2019 نسبة 13% فقط. كيف يمكن لصندوق بروكسيميت فاند تغيير هذا الواقع؟

ديغان علي: لقد أطلقنا صندوق بروكسيميت فاند بالشراكة مع منتدى العمل الخيري الإفريقي وشبكة نير للاستجابة المعززة للمساعدات؛ إذ تمثل  الصناديق التعاونية وسيلة مناسبة ومثالية لضمان تدفق مزيد من الأموال إلى المؤسسات المحلية في إفريقيا، شريطة تصميمها بحيث توجه المساهمات الكبيرة نحو المجتمعات الإفريقية المحلية وتراعي احتياجاتها. يسعى صندوق بروكسيميت فاند إلى تطوير آليات فعالة داخل كل بلد إفريقي للجهات المانحة لنقل أموالها إلى المجموعات المحلية، لا سيما في الدول الضعيفة والمهمشة التي تعاني نقصاً في الخدمات أو النزاعات المستمرة، مثل السودان والكونغو والصومال.

باورماستر: هل سيركز صندوق بروكسيميت فاند على المناطق التي لا تحظى بخدمات كافية من المؤسسات غير الحكومية؟

ديغان علي: نعم! تظهر الأزمة الإنسانية المستمرة في السودان ضرورة إنشاء صناديق تعاونية تركز على الاحتياجات المحلية؛ فقلةاً من المؤسسات غير الحكومية الدولية تعمل مباشرة في مناطق النزاع (تشير تقديراتنا إلى أن هذه المؤسسات تلبي  6% فقط من الاحتياجات الفعلية في السودان) لذلك، تتولى المؤسسات غير الربحية الصغيرة ومجموعات المساعدة المتبادلة التي يقودها المدنيون 80 إلى 90% من جهود الاستجابة للأزمات.

وعلى الرغم من دور مجموعات المساعدة المتبادلة الحيوي، فإنها تواجه ضغوطاً مالية هائلة نتيجة تجميد الدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو إس أيد). فعلى سبيل المثال، تعتمد شبكة المطابخ المجتمعية التي تقدم الطعام لملايين النازحين في السودان على تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لتغطية 75% من ميزانيتها. ويهدد قرار التجميد الأنظمة والبنى التحتية لمبادرات الدعم الشعبي الأساسية مثل شبكات المطابخ المجتمعية وغيرها في أشد الأوقات والظروف، ولكن يمكن أن يتدخل المحسنون للمساعدة. يساعد كل من صندوق بروكسيميت فاند وصندوق أفريكان كولابوراتيف الجهات المانحة على التضامن مع المؤسسات المحلية المجتمعية من خلال تمويل أنشطتها وجهودها التي تهدف إلى إنقاذ الأرواح.

يعمل صندوق بروكسيميت فاند بوتيرة سريعة لإجراء دراسات الجدوى والاجتماع مع الشركاء المحليين في إطار تحضيراته لإطلاق جهة وسيطة تتخذ من السودان مقراً لها. ستتمكن هذه الجهة الوسيطة من تلقي الأموال وتوجيهها إلى المؤسسات الصغيرة غير الربحية في السودان، التي قد لا تحظى بالاهتمام من الجهات المانحة العالمية الكبيرة.

سيلي ذلك إنشاء صندوق تعاوني مخصص لإحدى الدول الإفريقية الناطقة باللغة الفرنسية، التي لا تحظى غالباً باهتمام الجهات الممولة غير الناطقة بالفرنسية، بالإضافة إلى مبادرة تعاونية ثالثة تركز على دولة ذات احتياجات تنموية كبيرة.

باورماستر: بالعودة إلى صندوق أفريكان كولابوراتيف، هناك مخاوف من أن تشكل الصناديق التعاونية الخيرية  طبقة وسيطة إضافية بين الجهات المانحة والمؤسسات غير الربحية، ما يؤدي إلى تخفيض حجم الدعم المخصص للمؤسسات المحلية. كيف تعملون على تجنب ذلك؟

ووركو: في الواقع، يتمثل التحدي الأكبر في إفريقيا في التغلب على العقبات التنظيمية المتعددة في الهياكل المؤسسية،  التي تعوق قدرة المؤسسات المحلية على جمع التمويل حتى من الممولين العالميين ذوي النوايا الحسنة.

على نحو مماثل، يواجه العديد من الممولين الراغبين في دعم المؤسسات المحلية صعوبات تتعلق بالبنية التحتية والأمور اللوجستية التي تحول دون تقديم الدعم المباشر. تقدر الجهات المانحة والمؤسسات غير الربحية المستفيدة الدور الذي يؤديه صندوق أفريكان كولابوراتيف بوصفه جهة تعاونية، ونركز في عملنا على تعزيز الروابط بين الطرفين لضمان تدفق التمويل مباشرة وبسهولة.

باورماستر: ما هي الآلية التي يعتمدها الصندوق لاختيار المؤسسات التي يقدم لها الدعم؟

ووركو: لتعزيز تركيزنا على المستوى المحلي، يدعو الصندوق لجنة تشاركية لتقديم المنح تتغير سنوياً وتتألف من الرؤساء التنفيذيين المشاركين وأعضاء مجلس الإدارة وقادة الأثر الاجتماعي في إفريقيا، ويشمل ذلك الشركاء المستفيدين من المنح، وذلك للمساعدة على تحديد الجهات المستفيدة من المنح المستقبلية. نبحث دائماً عن قادة يتمتعون بمعرفة وخبرة محلية عميقة، ونرغب في أن يتمتع شركاؤنا بسلطة حقيقية في عملية صناعة القرارات، فهم يفهمون أهدافنا والظروف المحلية التي نعمل فيها.

باورماستر: على الرغم من أن حركة الصناديق التعاونية في إفريقيا لا تزال ناشئة نسبياً، فإن هذا النموذج يحظى باهتمام متزايد من الجهات الممولة المحلية والعالمية. يربط البعض هذا النمو بازدهار القارة المتزايد، بالإضافة إلى زيادة وعي الجهات المانحة بضرورة العمل معاً لإيجاد حلول مبتكرة ومستدامة. ما هي العوامل التي تعتقدين أنها ستسهم في تعزيز النمو في المستقبل؟

ووركو: الرؤية الاستراتيجية وإعادة صياغة شاملة لمنظومة العمل الخيري والتنمية. أعاد قرار إيقاف المساعدات والدعم الذي أصدرته الحكومة الأميركية تأكيد أهمية تمويل المؤسسات المحلية. تستمر المؤسسات المحلية في قيادة الجهود من الخطوط الأمامية فيما يتعلق بمواجهة التحديات وخدمة المجتمعات التي تعمل فيها كما كانت وستظل كذلك دائماً، وستواصل تقديم الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم. بصفتنا ممولين، يتمثل دورنا في بذل جهود إضافية لضمان استمرار عمل هذه المؤسسات دون أن تفقد زخمها نتيجة فقدان التمويل.

 

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أن المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.                

المحتوى محمي