لطالما كانت المرأة العربية جزءاً أساسياً في بناء مجتمعها، لكن التحديات التي تواجهها تقيّد قدرتها على الإسهام الفعّال في الاقتصاد والمجتمع. وعلى الرغم من التقدم الملحوظ الذي حققته المرأة في مجالات عديدة منها التعليم والصحة، ما زالت تواجه عقبات ثقافية واجتماعية واقتصادية تحول دون تمكينها الكامل. واليوم أصبح من الضروري تعزيز الجهود الرامية إلى تسريع تمكين المرأة في العالم العربي، وهو ما يتطلب توفير الأدوات اللازمة لدعم مشاركتها في مختلف جوانب الحياة. وفي هذا السياق، تبرز الثقافة المالية أداةً أساسيةً لتمكين المرأة، إذ تُعتبر من أهم وسائل تعزيز دورها الفاعل في المجتمع، خاصة في منطقة مثل منطقة الخليج العربي التي تسعى إلى التحول الاقتصادي والاجتماعي.
الثقافة المالية: أداة رئيسية لتمكين المرأة
في عالم يزداد تعقيداً من الناحية المالية، تصبح معرفة كيفية إدارة المال أمراً أساسياً، ويكتسب دور الثقافة المالية أهمية خاصة في تمكين المرأة على أصعدة عدة. فالثقافة المالية لا تقتصر فقط على فهم كيفية التعامل مع المال، بل تشمل أيضاً التخطيط المالي، وتحديد الأهداف المالية، والتعامل مع الاستثمارات والديون.
إن تمكين المرأة في المجال المالي له تأثير طويل المدى على حياتها وحياة أسرتها. فعندما تتعلم المرأة كيفية إدارة ميزانيتها الشخصية وتحديد أولوياتها المالية، تصبح أكثر قدرة على اتخاذ قرارات اقتصادية تؤثر إيجاباً على حياتها وحياة مَن حولها. وبذلك تكتسب القوة والقدرة على تحسين وضعها المالي، ما يعزز مكانتها في المجتمع ويزيد استقلاليتها.
إضافة إلى ذلك، فإن تمكين المرأة من خلال الثقافة المالية يمكن أن يكون نقطة انطلاق لدخولها إلى سوق العمل بقوة. ففي ظل المنافسة المتزايدة في عالم الوظائف، تُعد المعرفة المالية مهارة أساسية يمكن أن تميز المرأة في وظائفها، سواء في القطاع الخاص أو العام. كما يمكن للمرأة التي تمتلك الثقافة المالية الكافية أن تحدث فرقاً كبيراً في إدارة الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وبالتالي الإسهام في النمو الاقتصادي.
شراكة في التمكين الاجتماعي والاقتصادي
في الوقت الذي تستمر فيه التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تعوق مسيرة المرأة في العديد من المجتمعات العربية، تبرز مبادرات مثل "لي ولكم" أمثلةً حيةً على كيفية تمكين المرأة في هذه المجتمعات.
يركز "لي ولكم"، وهو برنامج حواري على مواقع التواصل الاجتماعي يستضيف نساء من مختلف أطياف المجتمع لمشاركة قصصهن والتحديات في مسيراتهن، بصورة خاصة على بناء مجتمع من النساء القويات والمتعاونات. يعمل هذا البرنامج الذي انطلق من الكويت والمبادرة التي ترافقه، كمنصة لتبادل المعرفة والخبرات، كما يوفر دعماً متبادلاً للنساء في مراحل مختلفة من حياتهن على الصعيدين المهني والشخصي. ولا تقتصر المبادرة على تقديم الدعم المعنوي فقط، بل تشجع أيضاً على التدريب والتطوير المستمرين في مجالات مثل الثقافة المالية وريادة الأعمال، ما يوفر للنساء الأدوات اللازمة لتحقيق النجاح الاقتصادي والاجتماعي.
إن فكرة "لي ولكم" تتمثل في خلق شبكة قوية من النساء اللواتي يعملن معاً لتحقيق أهداف مشتركة، سواء في تطوير مشاريعهن الشخصية أو في المشاركة المجتمعية. وتُعد هذه المبادرة مثالاً على كيفية استخدام التمكين الاجتماعي والاقتصادي لزيادة مشاركة المرأة عموماً، ما يسهم في تعزيز التكامل الاجتماعي والاقتصادي في المجتمعات العربية.
من خلال برامجها المختلفة، تتيح مبادرة "لي ولكم" للمرأة فرصة اكتساب المهارات اللازمة لتعزيز قدراتها المالية والإدارية، وهي من العوامل المهمة التي تسهم في تحقيق الاستقلال الاقتصادي. ولا تقتصر المبادرة على تقديم المساعدة المالية فقط، بل تسعى إلى تغيير ثقافة المجتمع فيما يتعلق بدور المرأة في العمل والمشاركة الاقتصادية.
نحو مجتمع اقتصادي شمولي
لا يقتصر تمكين المرأة على تأمين مكان لها في سوق العمل، بل يمتد ليشمل مشاركتها الفاعلة في النمو الاقتصادي للمجتمع. وهذا يتطلب بيئة داعمة تشمل سياسات تعليمية فعّالة، وتدريباً مهنياً مستمراً، وتوفير فرص عمل تتناسب مع قدراتها. في هذا السياق، يتعين على الحكومات في المنطقة العربية تطبيق سياسات متكاملة لدعم المرأة، قد تشمل تيسير الإجراءات القانونية لتأسيس أعمالها الخاصة، وتوفير التمويل للمشاريع التي تديرها النساء، وإدراج النساء في قطاعات اقتصادية مختلفة.
إن تعزيز ثقافة ريادة الأعمال بين النساء في العالم العربي يمكن أن يكون محركاً أساسياً لتمكينهن اقتصادياً. ويمكن تحقيق ذلك من خلال النصائح الآتية:
1. دعم الابتكار وتمويل المشاريع النسائية
- تقديم حوافز مالية لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تديرها النساء.
- إنشاء صناديق استثمارية متخصصة بتمويل رائدات الأعمال.
- تعزيز شبكات الدعم والموجهين لمساعدة النساء على تطوير مشاريعهن.
2. تحسين التشريعات وتسهيل دخول النساء إلى السوق
- تحديث القوانين لتمكين النساء من امتلاك الأعمال وإدارتها بسهولة.
- تبسيط إجراءات تسجيل الشركات وإصدار التراخيص للنساء.
- تعزيز السياسات التي تدعم التوازن بين الجنسين في بيئة العمل.
3. توفير فرص تعليمية في المجالات المستقبلية
- إدراج برامج تعليم العلوم، التكنولوجيا، الهندسة، الرياضيات (STEM) في المناهج التعليمية للفتيات منذ سن مبكرة.
- تقديم منح دراسية للفتيات في تخصصات التكنولوجيا والابتكار.
- تعزيز التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والشركات لخلق فرص تدريبية عملية.
4. توفير بيئة مشجعة لريادة الأعمال النسائية
- إطلاق برامج تمويل منخفضة التكلفة مخصصة لرائدات الأعمال.
- تقديم دورات تدريبية في الإدارة المالية والتخطيط الاستراتيجي.
- دعم مبادرات مثل "لي ولكم" التي توفر التوجيه والدعم لرائدات الأعمال.
5. تعزيز ثقافة ريادة الأعمال بين النساء
- تنظيم فعاليات ومسابقات لتعزيز التفكير الريادي بين النساء.
- تسليط الضوء على قصص نجاح النساء في ريادة الأعمال لتحفيز المزيد من المشاركات.
- بناء مجتمعات وشبكات نسائية لدعم تبادل المعرفة والخبرات.