الرجاء تفعيل الجافاسكربت في متصفحك ليعمل الموقع بشكل صحيح.

كيف استفادت الإمارات من تجربة السويد وأوروبا عند صياغة قانون المناخ؟

4 دقيقة
التغير المناخي في الإمارات
shutterstock.com/DOERS

في عام 2024، أقرت دولة الإمارات العربية المتحدة المرسوم بقانون اتحادي رقم 11 لعام 2024 بشأن الحد من آثار تغير المناخ، ما يشير إلى خطوة تحويلية في حوكمة المناخ على المستوى الإقليمي، ومن المقرر أن يدخل القانون حيز التنفيذ في 30 مايو/ أيار 2025 ملزماً الشركات بالإبلاغ عن انبعاثات غازات الدفيئة، إذ يتطلب المرسوم تدابير شاملة لتتبع الانبعاثات والإبلاغ عنها وتخفيفها.

تعكس هذه الخطوة التزام دولة الإمارات بهدف الوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050 بما يتوافق مع أهداف الاستدامة الدولية، ومساهمات دولة الإمارات الوطنية في إطار اتفاقية باريس للمناخ.

يفرض القانون على الشركات التزامات من شأنها أن تعيد تشكيل استراتيجياتها، فتضمن المساءلة وتعزز الابتكار في آن معاً. تتناول هذه المقالة آثار القانون على دولة الإمارات، وتستكشف الدروس المستفادة من أوروبا، وخاصة السويد، وتناقش كيف يمكن لهذه الأطر أن تشكل مستقبل تسعير الكربون وتنظيم الانبعاثات في البلاد.

المرسوم بقانون اتحادي رقم 11 لعام 2024

يحدد قانون المناخ الجديد أهدافاً رئيسية للحد من البصمة الكربونية لدولة الإمارات العربية المتحدة مع التوافق مع المعايير المناخية الدولية. ويرتكز القانون على 3 ركائز أساسية:

1. الإبلاغ الإلزامي عن الانبعاثات: يجب على الكيانات قياس الانبعاثات وتوثيقها والاحتفاظ بالسجلات مدة 5 سنوات، وتقديم تقارير منتظمة إلى وزارة تغير المناخ والبيئة والسلطات المحلية. يعكس هذا التركيز على الشفافية التزاماً جاداً بالمساءلة البيئية.

2. الأهداف المحددة للقطاعات: تلتزم القطاعات بأهداف سنوية للحد من الانبعاثات تتوافق مع أهداف الحياد المناخي في الإمارات، ويجب أن تظهر الشركات تقدماً في جوانب مثل تبني الطاقة النظيفة وإدارة النفايات وتعويض الكربون.

3. التحقق من البيانات وفرض العقوبات: ستستخدم الدولة نظاماً محكماً للتحقق من بيانات الانبعاثات، ويؤدي عدم الامتثال إلى فرض غرامات أو تعديلات تشغيلية إلزامية مع فرض عقوبات أشد في حال تكرار المخالفات.

يوفر هذا الإطار التنظيمي مسار امتثال واضحاً للشركات، وهو يتضمن المشاركة في السجل الوطني لأرصدة الكربون الذي يسهل مبادرات تعويض الانبعاثات واحتجاز الكربون.

دروس من ريادة السويد في سياسات المناخ

تقدم السويد دروساً قيمة لدولة الإمارات العربية المتحدة في هذا المجال، إذ أدركت مبكراً المخاطر المناخية ففرضت ضريبة ثاني أوكسيد الكربون في عام 1991، لتكون من أوائل أنظمة تسعير الكربون في العالم وأكثرها طموحاً. واجهت هذه الضريبة مقاومة في البداية، لكنها حفزت لاحقاً الابتكار التكنولوجي والتقدم نحو تحقيق كفاءة الطاقة، وعلى مر السنين ساعد هذا النظام السويد على الحد من الانبعاثات بنسبة 29% منذ عام 1990، في حين نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تجاوزت 78% خلال الفترة نفسها. تحقق هذا الإنجاز المزدوج (النمو الاقتصادي والحد من الانبعاثات) من خلال تعزيز الابتكار الأخضر، أي تحفيز الشركات على تطوير التكنولوجيا ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة وتبنيها، ما سمح للسويد بقيادة العالم في مجال الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الصديقة للبيئة. بالإضافة إلى ضريبة ثاني أوكسيد الكربون، اعتمدت السويد نهجاً يركز على قطاعات محددة للتعامل مع الحوكمة البيئية، وقد نفذته من خلال التشريعات الموجهة والتعاون بين القطاعين العام والخاص. كان هذا النهج فعالاً جداً، فقد تبنت الشركات هذه السياسات لا بوصفها تدابير امتثال فقط، بل فرص لتعزيز قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية.

نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي: حل قائم على السوق

على نطاق أوسع، يوفر نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي نموذجاً آخر لدمج المحاسبة البيئية في العمليات التشغيلية للشركات. أطلق هذا النظام في عام 2005 وهو يفرض سقفاً للانبعاثات ويسمح للشركات ببيع التراخيص وشرائها ضمنه، وقد نجحت هذه الآلية القائمة على السوق في خفض الانبعاثات بنسبة 43% في القطاعات المنظمة، مقارنة بمستويات عام 2005. كما يظهر نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي الإمكانات الاقتصادية التي تحققها السياسات البيئية، فمن خلال خلق طلب على تراخيص الانبعاثات وتشجيع الشركات على تخفيفها، حفز النظام الاستثمار في تكنولوجيا الطاقة المتجددة واحتجاز الكربون وابتكارات الاستدامة الأخرى، ولم تتكيف الشركات الأوروبية مع القوانين الأكثر صرامة فحسب، بل استفادت أيضاً من الفرص الجديدة، مثل تصدير التكنولوجيات الخضراء إلى الأسواق العالمية.

التداعيات على دولة الإمارات العربية المتحدة

يعكس قانون المناخ في دولة الإمارات العربية المتحدة العديد من جوانب النهج المتبع في السويد والاتحاد الأوروبي، وخاصة في التركيز على الشفافية ووضع أهداف محددة لكل قطاع والحلول القائمة على السوق. يمهد إنشاء سجل وطني لأرصدة الكربون الطريق لنظام محتمل لتداول الانبعاثات مصمم خصيصاً للظروف الاقتصادية والبيئية الفريدة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

تكيف الشركات مع القانون الجديد

حتى تتمكن الشركات العاملة في دولة الإمارات العربية المتحدة من الامتثال، يتعين عليها إجراء تحولات كبيرة في الاستراتيجية وخاصة في قطاعات مثل الطاقة والبناء والنقل، وسيصبح الاستثمار في التكنولوجيا الموفرة للطاقة ومصادر الطاقة المتجددة وحلول احتجاز الكربون ضرورياً، وعلى الرغم من أن هذه التغييرات تشكل تحدياً في البداية، فإنها تقدم فرصاً للابتكار والتوافق مع اتجاهات الاستدامة العالمية.

الفرص الاقتصادية

كما هو الحال في السويد والاتحاد الأوروبي، تحفز سياسات المناخ الفعالة التنوع الاقتصادي، ومن الممكن أن تعمل استثمارات دولة الإمارات العربية المتحدة في التكنولوجيا الخضراء والقطاعات المستدامة على تعزيز مكانتها بوصفها مركزاً إقليمياً للطاقة النظيفة وحلول المناخ. ومن خلال تبني هذه التشريعات، يمكن للشركات تعزيز قدرتها التنافسية والوصول إلى الأسواق الناشئة للمنتجات والخدمات ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة.

مستقبل تسعير الكربون

في حين يرسي المرسوم بقانون اتحادي رقم 11 لعام 2024 أساساً للإبلاغ عن الانبعاثات والامتثال، فاعتماد آليات تسعير الكربون المباشرة في الإمارات العربية المتحدة لا يزال غير مؤكد. يقدم القانون مفاهيم مثل السعر الظلي للكربون والسجل الوطني لأرصدة الكربون، ما يمكن أن يتطور إلى أنظمة قائمة على السوق، مثل نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي. ولكن أي خطوة نحو التسعير الرسمي للكربون تعتمد على تطوير السياسات وظروف السوق واستعداد أصحاب المصلحة، ما يجعله مجالاً يستحق المتابعة دون التسرع في اتخاذ قرارات بشأنه.

يعد المرسوم بقانون اتحادي رقم 11 لعام 2024 نقطة تحول في سياسة المناخ في دولة الإمارات العربية المتحدة، ما يعزز التزامها بالاستدامة، ومن خلال التعلم من نجاح السويد في فرض ضرائب الكربون والتقدم الذي أحرزه الاتحاد الأوروبي في تداول الانبعاثات، يمكن للإمارات العربية المتحدة إنشاء إطار فعال يوازن بين النمو الاقتصادي والإدارة البيئية.

بالنسبة للشركات، لا يشكل القانون تحدياً تنظيمياً فحسب، بل فرصة للابتكار  في مجال الاستدامة والمساهمة في مستقبل منخفض الكربون. وبفضل اعتماد السياسات الصحيحة والتعاون، أصبحت رؤية الإمارات العربية المتحدة للحياد المناخي بحلول عام 2050 في متناول اليد.

المحتوى محمي