الرجاء تفعيل الجافاسكربت في متصفحك ليعمل الموقع بشكل صحيح.

حان الوقت لتغيّر المؤسسات الخيرية أسلوب التواصل مع المجتمعات

4 دقيقة
التواصل في العمل الخيري

يقول المغني الشهير بونو: "يجب ألا نقول هم، بل أن نقول نحن".

مع مطلع القرن الحادي والعشرين، تدفقت الأفكار والمعلومات بطريقة هائلة لم نشهدها من قبل، ويتيح العصر الحالي مستويات غير مسبوقة من التواصل، تؤدي إلى زيادة القلق والعزلة والغموض، ويبدو هذا النمو منطقياً نظراً إلى التطور السريع في منظومة المعلومات، حيث انتقلنا من الراديو والتلفاز إلى الإنترنت، فوتيرة التغيير مذهلة.

مع تحول الآليات التقليدية لتوزع السلطة، بدأت نماذج المشاركة بالظهور. وكما أبرز هنري تيمز وجيرمي هيمانز في كتابهما المهم، "السلطة الجديدة" (New Power)، فإن التسلسلات الهرمية القديمة تزول لتحل محلها شبكات لا مركزية، وستصبح أدوات الذكاء الاصطناعي قريباً جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للجميع، وستعيد تشكيل أسلوب عمل المؤسسات غير الربحية وخاصة فيما يتعلق بالتواصل.

ببساطة، لم يعد نموذج البث الإعلامي الذي ساد في القرن العشرين كافياً بعد الآن، يجب على المؤسسات الخيرية والمؤسسات غير الربحية التركيز على بناء المجتمع بدلاً من مجرد بث الرسائل إلى الجمهور، أو من يُسمون "أصحاب المصلحة"، وهو مصطلح غير دقيق يجب التوقف عن استخدامه، ويتمحور الأمر حول إشراك الأشخاص بأساليب فعالة لتعزيز الدعم والتعاون، الأمر الذي يتطلب الاستثمار في علاقات صادقة وبناء مجتمعات مستدامة قائمة على القيم المشتركة.

ما هو السبيل إلى هذا التحول إذاً؟

الخطوة الأولى هي إعادة النظر في الدوافع التي تقف وراء استخدام المؤسسات الخيرية وغير الربحية أساليب تواصل معيّنة. نحتاج إلى إقامة علاقات صادقة والعمل على بناء المجتمع لنحقق المستقبل الأفضل الذي نريده جميعاً، وهذا يعني الابتعاد عن الرسائل الجماعية والاتجاه نحو العلاقات المباشرة القائمة على الاستماع والتعاون والشراكات الحقيقية، قد يكون هذا أصعب من نشر تغريدة على موقع إكس (تويتر سابقاً) أو إصدار بيان صحفي، لكن التغيير الاجتماعي الحقيقي لم يكن سهلاً يوماً.

الثقة هي أساس التواصل، وهي مهمة جداً عند التواصل في مجال العمل الخيري، فلا أحد يستمع إلى أشخاص لا يثق بهم، ومع انتشار المعلومات المضللة وتزايد عواقب استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن هناك دوراً حاسماً لقطاع العمل الخيري في معالجة الانقسامات. لم يعد بإمكان المؤسسات الخيرية والمؤسسات غير الربحية العمل بمعزل عن المجتمع، إذ يجب أن تتبع نموذجاً أشمل يضم العديد من الآراء ووجهات النظر، ويمثّل هذا التغيير خطوة ضرورية لها أثر تحويلي هائل.

رغبة متزايدة في المشاركة

تطالب المجتمعات اليوم بأفعال صادقة لا مجرد تصريحات رنانة. وفقاً لمقياس إيدلمان للثقة لعام 2023، فإن 85%
من الناس يرغبون في أن تشارك المؤسسات بفعالية في القضايا المجتمعية، لا أن تتحدث عنها فقط. وهذا يمثل تحولاً كبيراً في التوقعات، إذ لا يكفي أن تصوغ المؤسسة رسالتها، بل يجب أن تتخذ خطوات ملموسة وهذا يتطلب أن تتبع أسلوب تواصل يستند إلى علاقات حقيقية مع المعنيين مبنية على التفاهم والدعم المتبادلين.

ليست الأساليب القديمة كافية لمعالجة التحديات الحالية، إذ يفقد نموذج البث الإعلامي الذي كان متبعاً خلال القرن العشرين ما تبقّى له من فعالية، وخاصة أنه يحول دون إشراك الجماهير الأصغر سناً التي تتمتع بمهارات رقمية كبيرة. وفقاً لتقرير اتجاهات الاتصالات غير الربحية لعام 2023 (Nonprofit Communications Trends Report) أشارت 15% فقط من المؤسسات غير الربحية إلى أن البث الإعلامي هو وسيلة فعالة جداً للوصول إلى جمهورها المستهدف، ذلك أن هذا الأسلوب لا يسمح بفتح الحوار وتبادل الملاحظات ولا يعزز المشاركة العميقة التي يرغب فيها الجميع اليوم. إذا لم تتوصل المؤسسات الخيرية والمؤسسات غير الربحية إلى وسيلة تسمح لها بالاستماع إلى الآراء والتكيف مع المستجدات، فإنها لن تتمكن من التواصل مع الناس الذين تخدمهم، ومن ثم فإنها ستفتقر إلى المعلومات اللازمة لتطوير البرامج والمبادرات الفعالة وتنفيذها.

بناء علاقات قائمة على الثقة مع الجمهور

أدت جائحة كوفيد-19 إلى انهيار الثقة بالمؤسسات والسلطة، ولا يزال الوضع كذلك، لكن القطاع الاجتماعي قد يكون استثناءً محتملاً ومبشراً. لفهم مدى الدمار الذي قد يخلفه فقدان الثقة هذا، تذكّر كيف كانت رسائل مراكز السيطرة على الأمراض في الولايات المتحدة إلى الجمهور غير متسقة، ما أسهم في الانقسام بين المجموعات المختلفة في المجتمع.

من جهة أخرى، فقد أجبرت الجائحة العديد من المؤسسات غير الربحية على التكيف مع أشكال جديدة من المشاركة، بما في ذلك التواصل مع الجمهور عبر المنصات الرقمية، والتركيز على احتياجات المجتمع والاستجابة لها، وتوجيه رسائل تتلاءم مع الظروف الفردية. أشار تقرير لشركة ماكنزي في نهاية 2020 إلى أن المسؤولين التنفيذيين أدركوا أن الجائحة كانت نقطة تحول غيّرت العلاقة مع العملاء إلى الأبد، فالجمهور يتوقع أن يشارك أكثر وأن تتعامل معه المؤسسات بطريقة أقل رسمية، وهو التحول الذي ثبت أنه لم يكن مجرد تعديل مؤقت، بل إنه نموذج جديد.

وفي نهاية المطاف، فإن التحول من بث الرسائل إلى الجمهور إلى بناء العلاقات معه هو أكثر من مجرد تغيير أسلوب، إذ يمثل عملية تقويم قائمة على البيانات وتطور توقعات المجتمعات التي نخدمها، وفي هذا العصر الجديد، يجب أن نستمع إلى مجتمعاتنا بتعاطف حتى نفهم الطريقة التي ترغب في أن نتبعها للتواصل معها، ونتخذ الإجراءات اللازمة لذلك، وهناك الكثير من السبل لإجراء هذا النوع من المحادثات غير الرسمية الثنائية الاتجاه التي نحتاج إليها، وتمثل وسائل التواصل الاجتماعي أداة قوية للمشاركة الحقيقية بصورة فورية، كما يمكن للشراكات الإعلامية والشراكات مع المؤثرين ورواية القصص في مقاطع الفيديو، والمدونات الصوتية والاجتماعات، أن تنشط المشاركة المجتمعية.

مواكبة الحدث

منذ صدور قانون الحقوق المدنية، قاد المجتمع التغيير الذي حدث في السنوات الأخيرة، انطلاقاً من الحوارات الصادقة،
ومن الأمثلة على هذا التغيير تطبيق حق التصويت على أكبر عدد ممكن من المواطنين. ولم تنجح مثل هذه الحركات بسبب قدرتها على الدفاع عن قضاياها، بل من خلال إنشاء علاقات عميقة مع المجتمعات التي كانت تهدف إلى خدمتها.

لقد أدركت مؤسسات مثل مؤسسة فورد فاونديشن ومؤسسة أوبن سوسايتي منذ فترة طويلة أن بناء علاقات حقيقية يخلق تغييراً دائماً، ولهذا فقد غيّرت استراتيجيات التواصل، فلم تعد تستخدم الرسائل الأحادية الاتجاه، وأصبحت تعتمد على تعزيز الروابط العميقة والمشاركة المستدامة وتعزيز الروابط العميقة والمشاركة المطولة التي يتطلبها التغيير الطويل الأمد.

نحن نعيش في عصر المشاركة الجماعية، حيث بإمكان الجميع الإسهام في رسم الخطاب العام وإحداث التغيير. يمثّل هذا التحول فرصة للمؤسسات الخيرية والمؤسسات غير الربحية للابتعاد عن نماذج الاتصال من القمة إلى القاعدة، واتباع استراتيجيات تمنح الأولوية للمجتمع والحوار والثقة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي