ما هي أفضل استراتيجية لتمويل المؤسسات غير الربحية؟

4 دقيقة
التمويل الخيري الضخم
shutterstock.com/Andrii Yalanskyi

ملخص: لا يمكن إنكار تأثير الأعمال الخيرية الضخمة في سياق تحقيق التغيير الاجتماعي المنشود. وهناك نماذج ناجحة لدور التمويل الخيري الضخم في توسيع نطاق عمل المؤسسات غير الربحية وتعزيز أثرها إلى حد بعيد، مثل مؤسستي لاست مايل هيلث (Last Mile Health) وإدجوكيت غرلز (Educate Girls). ولكن تحقيق الأثر الاجتماعي الحقيقي يتطلب تمويلاً مستمراً لعقود من الزمن، مع ضمان التعاون بين الجهات المانحة والجهات التنفيذية لبناء حلول دائمة ومستدامة تمكّن الحكومات والمجتمعات من بلوغ أهدافها.

تابعنا بكل تقدير الحوار العميق والهادف بين الزملاء المنتمين إلى المؤسسات الخيرية والمؤسسات المنفذة لمشاريع التغيير الاجتماعي، حول مزايا التمويل الخيري الضخم ومخاطره. ولأننا نقود مؤسستين حالفهما الحظ بالحصول على العديد من فرص التمويل الضخم، وهما لاست مايل هيلث (Last Mile Health) وإدجوكيت غرلز (Educate Girls)، ندرك أن المشاركة في هذا النقاش جانب من مسؤولياتنا.

بدايةً، نحن لا نعترض على أن نكون حقل تجارب لهذا النوع الجديد الجريء من العمل الخيري، ودعونا نؤكد صراحةً أن التمويل الخيري الضخم جيد ونافع للغاية ويُحدث تغييراً شاملاً بحق، وقد أثبتت خبرتنا أنه يؤدي إلى نمو حقيقي وملموس في التأثير. فيما يتعلق بمؤسسة لاست مايل هيلث، أتاح لنا تنفيذ مشاريع خيرية ضخمة، مثل مشروع أوديشس (Audacious) في عام 2018 ومشروع كو-إمباكت (Co-Impact) في عام 2019، رفع سقف طموحنا فيما يتعلق بالأثر الذي نرجو تحقيقه. واليوم، أصبحنا شركاء لحكومات في عدة دول إفريقية لتجهيز أكثر من 16,000 عامل في قطاع الصحة المجتمعية وتوفير خدمات الرعاية الصحية الأولية لنحو 20 مليون نسمة، ومن الجدير بالذكر أن 90% من أهداف هذه الخطة تحقق بعد تلقي المؤسسة أول منحة مالية ضخمة. أما في مؤسسة إدجوكيت غرلز، فقد ساعدتنا المشاريع الخيرية الضخمة، مثل مشروع أوديشس عام 2019، في توسيع نطاق عملنا 3 أضعاف ومضاعفة أثرنا 6 أضعاف، وفي غضون الأعوام العشرة الأولى بلغ عدد المستفيدات من المشروع 400,000 فتاة غير ملتحقة بالمدارس، وقد نجحنا في الأعوام الخمسة التالية بعد أن تلقينا أول تمويل خيري ضخم في زيادة عددهن ليصل إلى 1.3 مليون فتاة غير ملتحقة بالمدارس.

في الوقت نفسه، زودتنا فترات النمو المرتفع التي شهدتها المؤسستان برؤى ثاقبة حول كيفية تحسين التمويل الخيري الضخم ليكون أثره أطول أمداً وأكثر توافقاً مع المشكلات الاجتماعية المعقدة التي يستهدف حلها.

1. تحدي التعبئة والحشد

دعنا نعرض تشبيهاً لتوضيح معضلة المؤسسات التي تنفذ المشاريع الخيرية. قبل 5 أعوام، كنا ندير مؤسستين في حالة نمو مطرد تحققان أثراً بزخم متزايد، وتحصلان على تمويل يزداد حجماً عاماً بعد عام. أردنا تنفيذ مشاريع جديدة، ولكن نظراً لأساليب عملنا التقليدية ومواردنا البسيطة المحدودة كنا بالكاد قادرين على مواصلة العمل القائم فحسب، وعندما سنحت الفرصة للتقدم للحصول على تمويل خيري ضخم، تمكّنا من تحديث مؤسستينا لتوسيع نطاق عملنا إلى حد كبير واتباع أساليب واستراتيجيات جديدة، كان الأمر أشبه بالانتقال من قيادة سيارة صغيرة قديمة إلى إدارة أسطول من السيارات الكهربائية الحديثة.

ومع تدفق عشرات ملايين الدولارات تمكنا من تشغيل مؤسستينا الحديثتين بنشاط كبير؛ إذ حصلنا على دعم مالي جديد لمقترحات مشاريعنا ذات الإمكانات العالية، فعملنا على إعادة بناء قدرات مؤسستينا كي تواكبان الفرص التي أتاحها لنا هذا التمويل وفتحنا مقرات في مواقع جديدة ووظفنا فِرق عمل أكبر ووسعنا علاقاتنا مع الحكومات لنضمن تقديم خدماتنا لعدد أكبر من المستفيدين.

لكننا لم ننتبه إلى أن الدعم الكبير الذي حصلنا عليه ليس مستداماً؛ فبعد بضع سنوات من العمل، أدركنا أنه ليس لدينا مصدر تمويل متاح لضمان استمرارية المؤسستين بأعمال ضخمة على هذا المستوى العالي من التعقيد والطموح لتحقيق الأثر الذي ننشده، وكانت المؤسسات الممولة للمشاريع الخيرية الضخمة تهتم بتمويل مؤسسات جديدة تبدأ من الصفر بدلاً من الاستمرار بدعم المؤسسات القائمة وتوفير مصادر تمويل مستدامة تلائم نموها المتزايد.

هل كان بوسعنا توقع ذلك بصورة أفضل؟ ربما؛ لكن يمكن لتجربتنا أن تفيد المؤسسات الأخرى في التخطيط لأعمالها المستقبلية، وكما أشار العضو المنتدب في مؤسسة ون أيكر فاند (One Acre Fund)، مات فورتي، ينبغي ألا تترك مؤسسات التمويل الخيري الضخم المؤسسات التي تنفذ المشاريع لتواجه نقصاً حتمياً في الأموال المتاحة لها.

2. التصورات المبنية على الأماني تعوق رؤيتنا

يتمثل العيب في منظومة التمويل الخيري الضخم الحالية في أن مؤسسات التمويل والمؤسسات التنفيذية تنظر إلى العالم من منظور أسواق المال؛ فالرغبة السائدة في المنظومة وضغط المستثمرين الاجتماعيين يتجهان نحو تحويل المؤسسة إلى مؤسسة يونيكورن اجتماعية.

لكنها كانت فكرة خاطئة؛ فالتفكير بعقلية مستثمري رأس المال المغامر يعني أن مؤسسات تمويل مشاريع الأثر الاجتماعي ترغب في الاستثمار بطريقة تسمح للمؤسسات غير الربحية بتطوير منتجات جديدة أو التوسع في أسواق جديدة أو حتى الاستحواذ على مؤسسات أخرى، وعلى غرار الاستثمارات في القطاع الخاص تأمل مؤسسات التمويل وجود جهة تمويل أخرى، سواء كانت مؤسسة ممولة أخرى أو الحكومة أو شركات القطاع الخاص. هذا ما كنا نأمله أيضاً؛

لكننا نختلف عن شركات القطاع الخاص في أننا لا نبيع منتجات أو خدمات بل نيسّر حصول الناس على حقوقهم في الرعاية الصحية والتعليم، لذلك نؤمن بضرورة ألا تكون التكلفة عائقاً أمام المجتمعات الفقيرة أو المهمشة للحصول على هذه الحقوق، ما يعني أن تكون خدماتنا مجانية لمن يستفيدون منها.

إن العمل مع الحكومة أمر حاسم لحل المشكلات على نطاق واسع، وهو جزء جوهري من نماذج التشغيل لمبادرتي لاست مايل هيلث وإدجوكيت غرلز. ومع ذلك، أدركنا أنها مهمة تتطلب الصبر، لأن ممول المشاريع الواسعة النطاق لن ينتقل سريعاً من التمويل الخيري الضخم إلى تمويل المشاريع الحكومية المحلية، في المدى المنظور على الأقل. لذا، يتمثل التصور الأكثر واقعية في بناء شبكة التمويل التي نحتاج إليها، وهي تشمل التمويل المحلي والدعم الخيري المستمر ومصادر تمويل ضخم جديدة من وكالات المساعدات الثنائية والمتعددة الأطراف، بحيث تلتزم جميعها بهذا العمل على المدى الطويل.

3. أفضل مشاريعنا الخيرية الضخمة هو أطولها أجلاً

ليست هناك حلول سريعة للتحديات الكبرى، مثل افتقار مليارات البشر إلى أبسط خدمات الرعاية الصحية، أو استبعاد ملايين الفتيات في الهند من التعليم، ويتطلب دعم الموارد المدفوعة، مثل العاملين في قطاع الصحة المجتمعية أو قادة الخطوط الأمامية في المنظومة التعليمية، التزاماً طويل الأمد قد يمتد لعقود. لكننا على استعداد لمواجهة هذا التحدي. وإذا كنا، نحن المؤسسات المنفذة لمشاريع التغيير الاجتماعي، على استعداد لتقديم التزامات تمتد لعقود تجاه الفئات المستهدفة؛ أي الأطفال والأمهات والعائلات فإننا بحاجة إلى مثل هذا الالتزام الجريء من مؤسسات التمويل الخيري، إذاً، كيف ننفذ المشاريع الخيرية الضخمة بطريقة أفضل؟

الإجابة بسيطة؛ أن يكون تمويلها للمشروع نفسه متكرراً وطويل الأمد، ويتمثل التمويل الأكثر جرأة في رأس المال الصبور والدعم الطويل المدى لأنهما يؤديان إلى تغيير دائم. وإذا أمكننا تغيير عقليتنا وخطتنا بحيث نركز على تعاون أطول مدىً بين المؤسسات التي تنفذ المشاريع الخيرية والمؤسسات التي تمولها، وإعادة الاستثمار استناداً إلى نتائج ناجحة مدعومة بإجراءات مراقبة وتقييم صارمة، فستزداد فرصنا في تمكين الحكومات المحلية والمجتمعات من تلبية احتياجاتها والاستغناء عن تدخلنا، وتحقيق تغيير دائم في العالم.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي