كيف نستفيد من تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة للقضاء على الفقر؟

5 دقيقة
التكنولوجيا ومكافحة الفقر
shutterstock.com/HBRH

ملخص: على الرغم من التقدم المُحرز في الحد من الفقر العالمي على مدى العقود القليلة الماضية، لا يزال الفقر المدقع قضية مُلحة تتطلب حلولاً مبتكرة ومستدامة، في هذا المقال، تكشف دراسة حديثة عن إمكانات تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة في الحد من الفقر في إفريقيا. ونظراً لأن الزراعة تمثل مصدر دخل رئيسياً للأسر الفقيرة، فيمكن للمزارعين مثلاً استخدام الذكاء الاصطناعي للتحليلات التنبؤية ودعم اتخاذ القرار، والروبوتات لأتمتة المهام المتكررة وتحسين الكفاءة، وإنترنت الأشياء لجمع البيانات ومراقبتها في الوقت الفعلي. لكن يتطلب ضمان استفادة الفئات السكانية الأكثر ضعفاً من هذه التكنولوجيات ومنع تعميق الفجوة الرقمية تطوير البنية التحتية وبناء القدرات من خلال التعليم وتنمية المهارات، وتعزيز التعاون والشراكات، ووضع الإطار التنظيمي المناسب. واقترحت الدراسة إطاراً أساسياً لتسخير التكنولوجيا في القضاء على الفقر في إفريقيا على أساس 1) الملاحظة، 2) التصور، 3) إدارة الافتراضات المتعلقة بالفقر.

إن طبيعة الفقر المتعددة الأبعاد، التي تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، تُظهر حاجة ماسة إلى حلول مبتكرة ومستدامة تسهم في تحقيق الأهداف الكبرى للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والحد من الفقر في البلدان النامية، وخاصة في إفريقيا.

يعيش نحو 429 مليون شخص في إفريقيا في فقر مدقع، حيث تبلغ عتبة الفقر 2.15 دولاراً أميركياً في اليوم، ومن المتوقع أن ينخفض ​​عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع إلى 402 مليون نسمة بحلول عام 2030. وهناك تحديات كبيرة أمام مواجهة الفقر، أبرزها، عدم الاستقرار السياسي، والركود الاقتصادي، ومحدودية الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، والكوارث الطبيعية المتكررة مثل الجفاف والفيضانات. ومع ذلك، فإن الحلول المبتكرة القائمة على تطبيق تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبلوك تشين، يمكن أن توفر فرصاً واعدة للنمو الاقتصادي والتنمية ومعالجة تحديات الفقر المتعددة الأبعاد.

عمل الباحثون من قسم البيئة والصحة العامة في جامعة أبوظبي، رهف عجاج، ومن معهد الدراسات الاقتصادية والاجتماعية المتقدمة في رواندا محمد بوهيجي، ومن كلية الأعمال والاقتصاد في جامعة جوهانسبرغ، جنوب إفريقيا عبده حسون، على دراسة حديثة بعنوان: "تحسين الاستعداد للثورة الصناعية الرابعة 4.0 لتحقيق هدف التنمية المستدامة 1: التركيز على القضاء على الفقر في إفريقيا" (Optimizing the readiness for industry 4.0 in fulfilling the Sustainable Development Goal 1: focus on poverty elimination in Africa) لاستكشاف الإمكانات التحويلية لتقنيات الثورة الصناعية الرابعة في سياق القضاء على الفقر، مع التركيز بصورة خاصة على إفريقيا.

وتوصل الباحثون إلى أن الثورة الصناعية الرابعة تمثل فرصة حاسمة لتحقيق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر في إفريقيا، لكنها تحتاج إلى قدرات أساسية لتحسين استخدام الملاحظات والتصورات وإدارة العقليات قبل اعتماد المرحلة الأولى من حلول الصناعة 4.0 وبعدها.

الاستفادة من تجربة الدول الآسيوية

قبل سنوات، حققت دول آسيوية مثل الصين والهند وبنغلاديش وإندونيسيا نجاحات ملحوظة في الحد من الفقر، واستخدمت أساليب شاملة لمعالجة الفقر، استناداً إلى تحفيز النمو الاقتصادي، وتحسين الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والاستفادة من التطور التكنولوجي، حيث كان للابتكارات التكنولوجية دور محوري في خلق فرص عمل جديدة، وتعزيز الإنتاجية الزراعية، وتقديم الخدمات الاجتماعية بكفاءة أكثر. إذ اعتمدت إندونيسيا على المنصات الرقمية لتحسين الممارسات الزراعية، في حين دفعت كوريا الجنوبية قطاعي التصنيع والخدمات لديها من خلال خلق فرص العمل باستخدام التكنولوجيا الفائقة.

إن قدرة هذه الدول على الحد من معدلات الفقر قد توفر دروساً قيّمة للبلدان الإفريقية والنامية لتطوير أساليب شاملة للحد من الفقر، والاستفادة من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، وإنترنت الأشياء، وبلوك تشين، لإنشاء حلول مبتكرة للتحديات المرتبطة بالفقر.

دعم المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة

تمثل الزراعة مصدر دخل رئيسياً للأسر الفقيرة، إذ توفر سبل العيش لـ 2.5 مليار شخص، وفي الدول النامية تمثل الزراعة 29% من الناتج المحلي الإجمالي و65% من الوظائف. وبالتالي يمكن الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في زيادة الإنتاجية الزراعية وتطبيق الممارسات المستدامة وتعزيز القدرة الاقتصادية للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة في البلدان النامية.

وتوصلت دراسة حديثة إلى أن تطبيق الذكاء الاصطناعي وغيره من التكنولوجيات الحديثة يمكنه تحسين استخدام الموارد وزيادة غلة المحاصيل والدخل مع تعزيز الوصول إلى الأسواق وتبادل المعلومات، ما يضمن الاستدامة والربحية للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة في المناطق المنخفضة الدخل.

كما يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي الاستفادة من البيانات الميدانية وبيانات الاستشعار عن بُعد للتنبؤ بنتائج الفقر من خلال أساليب مبتكرة مختلفة. على سبيل المثال، يمكن للجمع بين صور الأقمار الصناعية وتقنيات التعلم الآلي قياس الحرمان من البيئة المعيشية بصورة فعالة وتحديد المناطق المنكوبة بالفقر.

ويمكن أن تساعد تقنيات إنترنت الأشياء مثل أجهزة استشعار رطوبة التربة ومحطات الأرصاد الجوية والآلات المجهزة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في رصد الأنشطة الزراعية وتحسينها، وتمكين المزارعين من اتخاذ قرارات مبنية على البيانات بما يعزز الأمن الغذائي ومستويات الدخل في المناطق الريفية في البلدان النامية. وقد أحدث نشر المنصات المحمولة وأجهزة إنترنت الأشياء في بلدان مثل كينيا والهند ثورة في زراعة أصحاب الحيازات الصغيرة من خلال خدمات الزراعة الدقيقة وأدوات الثروة الحيوانية الرقمية.

وتساعد تقنية بلوك تشين في التخفيف من حدّة الفقر، إذ تسهم في تبسيط سلاسل التوريد الزراعية، وضمان التسعير العادل للمزارعين، وتقليل الاستبعاد المالي في دول الجنوب من خلال توفير الخدمات المالية الآمنة والميسورة التكلفة للسكان المحرومين، ما يعزز الإدماج الاقتصادي والنمو.

وتتيح شبكات الجيل الخامس (5G) إمكانية نقل البيانات على نحو أسرع، وتقليل زمن الوصول، وزيادة الاتصال، ما يمكن أن يعزز فرص التنمية الاقتصادية، ويزيد فرص العمل، ويوفر الخدمات الأساسية للمجتمعات المحرومة، وبالتالي يعزز النمو الشامل. وفي الزراعة، يمكن لهذه التكنولوجيا أن تساعد في تعزيز الإنتاجية وخفض تكلفة الإنتاج من خلال تزويد المزارعين في المناطق الريفية بمجموعة واسعة من البيانات المفيدة، مثل معلومات الطقس في الوقت الحقيقي وأسعار المنتجات. على سبيل المثال، تستخدم مبادرة "هللو تراكتور" (Hello Tractor) في نيجيريا وكينيا تطبيقاً لربط المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة الذين يحتاجون إلى خدمات الجرارات، وتعمل هذه الخدمة المبتكرة على الحد من الفقر من خلال تمكين أصحاب الحيازات الصغيرة من الوصول إلى الآلات بأسعار معقولة، وبالتالي تعزيز فرصهم الاقتصادية وسبل عيشهم.

ما هو المطلوب من إفريقيا والدول النامية لتبنّي التكنولوجيا الحديثة؟

تمثل التكنولوجيا الحديثة التي أفرزتها الثورة الصناعية الرابعة فرصة حاسمة للتنمية المستدامة والقضاء على الفقر، لكن لضمان إتاحة فوائد الابتكارات التكنولوجية للفئات السكانية الأكثر ضعفاً، يجب على الحكومات في البلدان الفقيرة توسيع تغطية النطاق العريض وتوفير خدمات الإنترنت بأسعار معقولة، وتنظيم برامج تعليمية مركزة تقدم مهارات عملية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات وتحليلات البيانات، ووضع أطر قانونية قوية لحماية البيانات والأمن السيبراني بما يعزز الابتكار ويدعم الشركات الناشئة، ويسهّل نمو الاقتصاد الرقمي، كما ينبغي دعم الشراكات مع المنظمات الدولية والبلدان المتقدمة لتسهيل نقل المعرفة والتكنولوجيا، وبناء القدرات، وتقديم المساعدة الفنية، وتبادل أفضل الممارسات.

وتقترح دراسة رهف وزملائها إطاراً أساسياً لتسخير التكنولوجيا في الحد من الفقر قائم على:

  • الملاحظة: من خلال زيارة الأسر والتفاعل مباشرة مع أفراد المجتمع، يمكن مراقبة الممارسات والموارد المحلية والحصول على نظرة ثاقبة للتحديات اليومية التي تواجهها الأسر الفقيرة، ما يسمح بتدخلات مخصصة.
  • التصور: إن التصور المبني على تحليل البيانات، والخبرة، والتعامل مع عدم اليقين والتعلم من حالات الفشل، يعزز فهم البيانات المعقدة والتعامل معها بفعالية أكبر. إذ يمكن لأدوات مثل نظم المعلومات الجغرافية رسم خريطة للفقر، وتحديد النقاط الساخنة، وتركيبة مجموعات البيانات المختلفة للكشف عن العوامل الأساسية.
  • إدارة العقلية: إن تشجيع المرونة والكفاءة الذاتية والتفكير النقدي والإيمان الجماعي بالتحسين يعزز مشاركة المجتمع في مبادرات القضاء على الفقر. إذ تساعد تنمية عقلية منفتحة على الأهداف الطويلة المدى، والتعلم المستمر، والتكيف مع الظروف المتغيرة في تعزيز بيئة أكثر شمولاً ودعماً لجهود التخفيف من حدة الفقر. ويمكن كسر الصور النمطية والتحديات المتعلقة بالفقر وتعقيداته من خلال تعزيز شفافية البيانات وتوثيق المنهجيات ومشاركتها مع المجتمع وأصحاب المصلحة لبناء الثقة والمصداقية.

على الرغم من أن الدراسة قدمت إطاراً أساسياً لكيفية استخدام التكنولوجيا الحديثة للقضاء على الفقر، فإنه من الضروري العمل على مزيد من الأبحاث لاستكشاف استراتيجيات التنفيذ المحددة ونتائجها المتنوعة في سياقات مختلفة، والتعمق في الأدوار التفصيلية لكل تقنية من تقنيات الثورة الصناعية الرابعة في التخفيف من حدة الفقر. فهذه التقنيات تفتح الأفق أمام أسواق جديدة وتخلق وظائف ومصدر دخل يساعد الأفراد والأسر على الخروج من دائرة الفقر وتحسين مستوى معيشتهم على المدى البعيد.