كيف تغير المؤسسات غير الربحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي مفهوم التعليم؟

11 دقيقة
التعليم والذكاء الاصطناعي
shutterstock.com/3rdtimeluckystudio

ملخص: تستفيد المؤسسات غير الربحية من الذكاء الاصطناعي لتحسين مستوى التعليم، خاصة في المجتمعات ذات الدخل المنخفض. وبحسب استطلاع مؤسسة والتون فاميلي فاونديشن، فإن 81% من المعلمين أفادوا بتأثير إيجابي للذكاء الاصطناعي على التعليم. يشمل ذلك 1) تخصيص المحتوى، 2) وتحسين مهارات الكتابة والقراءة، 3) وتوفير التعليم للمجتمعات المعزولة، 4) وتعزيز التواصل بين المعلمين وأولياء الأمور. 5) وتخفيف عبء العمل عن المعلمين عبر أتمتة المهام الروتينية. ويقدم هذا المقال 3 دراسات حالة لمؤسسات تعليمية غير ربحية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وهي: مؤسسة روكيت ليرنينغ في الهند، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتقديم محتوى تعليمي مناسب لأطفال الأسر ذات الدخل المنخفض، ما أسهم في تعليم 2.5 مليون طفل، ومنصة خانميغو التابعة لأكاديمية خان، ومؤسسة ليرنينغ إكواليتيلى التي قدمت على مدار العقد الماضي أدوات تكنولوجيا التعليم غير المتصلة بالإنترنت لأكثر من 10 ملايين متعلم في أكثر من 220 دولة. تشير هذه الابتكارات إلى المستقبل المشرق للتعليم المدعوم بالذكاء الاصطناعي.

هل سمعت من قبل عن اللغة الكالامانغية؟ إن لم تسمع بها، فلست وحدك. إنها لغة مهددة بالانقراض يتحدث بها فقط 130 نسمة تقريباً، وليس لها وجود يذكر على الإنترنت. وذلك أحد الأسباب التي جعلت منها، في عام 2023، موضوعاً مثيراً لسؤال مهم: هل يمكن لنموذج لغوي كبير مدعوم بالذكاء الاصطناعي أن يتعلم ويترجم لغة جديدة كلياً بعد تدريبه على كتاب واحد فقط؟

كانت مؤلفة هذا الكتاب -وهو أول كتاب حول قواعد اللغة الكالامانغية- طالبة دكتوراة بجامعة أوسلو تدعى إيلين فيسر، وقد انضمت إلى باحثين من شركة جوجل، وجامعة ستانفورد، وجامعة أوكسفورد للبحث في هذا السؤال. طلب الفريق من فريق تشات جي بي تي 4 قراءة كتابها ثم ترجمة 500 جملة من اللغة الكالامانغية إلى اللغة الإنجليزية. وقد تفوّق خبير بشري على النموذج اللغوي الكبير (تشات جي بي تي) في الدقة والانسيابية على الرغم من أن ذلك الخبير استغرق 10 ساعات لمراجعة كتاب القواعد ثم عدة أسابيع لترجمته. ومع ذلك، في اختبار مُعاد أُجري مؤخراً باستخدام أداة جيميناي 1.5 الجديدة من جوجل، وجد الباحثون أن الذكاء الاصطناعي قد تفوق على الترجمة البشرية. ماذا يعني ذلك؟ إذا كان بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يستوعب لغة جديدة كلياً ثم يترجمها على الفور، فهناك فرص لا حصر لها لترجمة معارف العالم إلى لغات نادرة والوصول إلى أشخاص لم يكن بإمكانهم الحصول على تعليم رسمي.

لا يزال استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم حديث العهد، ولكن يجري تسخيره بطرق فعالة. وفقاً لمنصة فوربس أدفايزر (Forbes Advisor)، يستخدم 60% من المعلمين الذكاء الاصطناعي في قاعاتهم الدراسية، وتُظهر الأبحاث أنه يؤدي الغرض منه بدرجة كبيرة. ووفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة أيه آي إي دي يو (aiEDU) في عام 2023، أفاد أكثر من نصف المعلمين بأن تأثيرات الذكاء الاصطناعي التوليدي إما "إيجابية إلى حد ما" وإما "إيجابية جداً". ومع ذلك، لا تزال هناك صورة نمطية سلبية يجب التغلب عليها، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى الخوف من استخدام الطلاب النماذج اللغوية الكبيرة وغيرها من النماذج بغرض الغش.

وهي مشكلة حقيقية دفعت المعلمين إلى كتابة عقود سلوكية تضبط استخدام الطلاب الذكاء الاصطناعي واستخدام برامج الكشف عن الذكاء الاصطناعي للتحقق من أعمال الطلاب. ومع ذلك، عندما تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي بطريقة صحيحة، فإنها تعزز عمل الطلاب والمعلمين وتدعمه بدلاً من أن تحل محله. يمكن للذكاء الاصطناعي دعم المعلمين حتى لا يشعروا بأن تركيزهم مشتت على مهام متعددة في وظيفة تتطلب منهم تقديم أقصى ما يمكن بموارد قليلة. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الطلاب في تعلم كيفية إيجاد الحلول بأنفسهم بدلاً من تقديم إجابات سهلة لهم، حيث يطلب منهم عرض خطواتهم في الحل وتعليمهم خطوة بخطوة.

وفقاً لمؤسسة والتون فاميلي فاونديشن (Walton Family Foundation)، أفاد 81% من المعلمين بأن الذكاء الاصطناعي كان له تأثير إيجابي على التعليم، ويعتقد 65% منهم أن الذكاء الاصطناعي سيكون أساس نجاح الطلاب في المستقبل، وهناك مؤسسات غير ربحية تثبت أن هؤلاء المعلمين على حق. إذ إن استخدام الذكاء الاصطناعي يجري بطرق مثيرة للاهتمام لسد الفجوات التعليمية، وتضع المؤسسات غير الربحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي خطة توجيهية لما قد يحمله مستقبل التعليم.

المحاور الرئيسية: كيف تستفيد المؤسسات غير الربحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتي تركز على التعليم من الذكاء الاصطناعي

من خلال البحث الذي أجريناه، كشفت مؤسسة فاست فورورد (Fast Forward) عن خمسة محاور رئيسية لحالات استخدام المؤسسات غير الربحية الذكاء الاصطناعي في التعليم:

  1. تعزيز التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة في المجتمعات ذات الدخل المنخفض: بوسع الذكاء الاصطناعي تخصيص محتوى الدرس ووتيرته وفقاً لاحتياجات الطلاب الفردية، ومعالجة نقاط ضعفهم ومجالات التحسين الخاصة بهم. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد على اكتشاف التأخر في النمو وأساليب التعلم المختلفة وصعوبات التعلم، ما يتيح له التدخل وتقديم الدعم في الوقت المناسب. إذ يعد اكتشاف حالات التأخر في النمو والصعوبات التعليمية أمراً بالغ الأهمية خاصة في المجتمعات ذات الدخل المنخفض، حيث من الصعب تشخيص الاحتياجات ودعمها.
  2. تحسين قواعد اللغة، والكتابة، والقراءة والاستيعاب: بوسع الذكاء الاصطناعي تقديم ملاحظات فورية وتعليمات مخصصة. يمكن لخوارزميات معالجة اللغة الطبيعية تحليل المهام الكتابية التي ينفذها الطلاب، وتحديد الأخطاء النحوية، وتقديم اقتراحات للتحسين، وتقديم تفسيرات لمساعدتهم على فهم أخطائهم. بالنسبة للقراءة والاستيعاب، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوصي بنصوص ذات مستويات صعوبة مناسبة، ويُنشئ أسئلة تعزز التفكير النقدي، ويتتبع تقدم الطالب بمرور الوقت.
  3. توفير التعليم الجيد للمجتمعات المعزولة: تتمثل إحدى أعظم قدرات الذكاء الاصطناعي في الوصول إلى عدد كبير من الطلاب، وتجاوز الحواجز المتعلقة باللغة وحتى الاتصال بالإنترنت. كما نوضح في دراسة الحالة التي أجريناها عن مؤسسة ليرنينغ إكواليتي (Learning Equality) أدناه، يمكن لأجهزة تكنولوجيا التعليم غير المتصلة بالإنترنت أن توفر إمكانية الوصول إلى كميات هائلة من المواد التعليمية وعمليات المحاكاة والتمارين التفاعلية، وستتضمن قريباً أيضاً أدوات دعم مدعومة بالذكاء الاصطناعي تعمل دون أي اتصال بالإنترنت. علاوة على ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي ترجمة المواد إلى لغات محلية، ما يجعل التعليم أكثر سهولة وملاءمة من الناحية الثقافية.
  4. تعزيز التواصل بين المعلمين وأولياء الأمور: يمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة التحديثات الروتينية لأولياء الأمور وتقديم تحليلات تستند إلى البيانات حول تقدم الطلاب وحضورهم وسلوكهم، بل وتقديم اقتراحات لإسهامات أولياء الأمور. علاوة على ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي سد الفجوة بين المعلمين وأولياء الأمور الذين لا يتحدثون اللغة نفسها.
  5. تمكين المعلمين: وفقاً لمؤسسة غالوب (Gallup)، فإن 44% من المعلمين الأميركيين في المرحلة الممتدة من الروضة حتى الصف الثاني عشر و35% من العاملين في الكليات والجامعات يشعرون "دائماً" أو "غالباً" بالاحتراق الوظيفي. يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة المعلمين المرهقين بالعمل من خلال توليد أفكار للتمارين في القاعات الدراسية أو أتمتة المهام الروتينية مثل وضع الدرجات وتتبع الحضور وتخطيط الدروس. وكلما قلّ الوقت الذي يقضيه المعلمون في هذه المهام، تفرغوا أكثر للتركيز على المشاركة في قاعات الدراسة وتلبية احتياجات الطلاب المعقدة.

3 دراسات حالة لمؤسسات تعليمية غير ربحية مدعومة بالذكاء الاصطناعي

مؤسسة روكيت ليرنينغ (Rocket Learning): تعزيز التعلم المبكر في الهند

تعتمد مؤسسة روكيت ليرنينغ بقوة على التجارب الشخصية لمؤسسيها. أحد هؤلاء المؤسسين هو سيدهانت ساشديفا، الذي كانت والدته تدير مدرسة بأسعار معقولة للأسر ذات الدخل المنخفض في الهند. رأى ساشديفا مدى أهمية التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة بالنسبة لهؤلاء الطلاب الصغار، لكن العديد من الآباء والأمهات لم يشاركوا في تعلم أبنائهم، غير مدركين لأهمية مشاركتهم في العملية التعليمية. كان ذلك جزءاً من أزمة أكبر، إذ لا يستطيع 40 مليون طفل في الهند تتراوح أعمارهم بين 3 و6 سنوات استثمار إمكاناتهم بسبب الفجوات التعليمية.

تأسست روكيت ليرنينغ بهدف تزويد الآباء والأمهات والعاملين في مراكز رعاية الأطفال في المناطق الريفية بالأدوات اللازمة لدعم رحلة التعلم المبكر للأطفال. توسعت مؤسسة روكيت ليرنينغ بسرعة من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتعلم الآلة، والنمذجة التنبؤية، والمساعدات الصوتية، ومعالجة اللغة الطبيعية في مدرب الذكاء الاصطناعي الخاص بها، ونظراً لامتلاك نصف سكان الهند تقريباً هواتف ذكية واستخدام معظم العائلات لتطبيق واتساب، قررت مؤسسة روكيت ليرنينغ استخدام التطبيق لنشر الدروس والتواصل مع المعلمين وأولياء الأمور.

ينشئ الذكاء الاصطناعي في مؤسسة روكيت ليرنينغ محتوى مترجماً باللغات الهندية الرئيسية، كما يعمل على أتمتة التقدير من خلال التعرف على خط اليد، ويستخدم النمذجة التنبؤية لتحديد الطلاب الذين يواجهون خطر التسرب واستبقائهم، ويوفر تحليلات لتتبع تقدم كل طفل وتحديد من يحتاجون إلى دعم إضافي. جرى تصميم المحتوى ليكون سهلاً وجذاباً، حتى بالنسبة للآباء والأمهات ذوي التعليم المحدود أو غير المتعلمين الذين يعلمون أطفالهم. وتستخدم الدروس المقدمة مواد منزلية متاحة بسهولة، إضافة إلى أن المحتوى المقدم عبارة عن دروس قصيرة سمعية وبصرية مصممة بطريقة الألعاب للحفاظ على تفاعل الأطفال. وتقتصر أحجام الملفات على أقل من 5 ميغا بايت لضمان سهولة وصول المستخدمين إليها. بالنسبة للعاملين في مراكز رعاية الأطفال في المناطق الريفية، توفر المنصة الأدوات والتدريب، كما تحث الآباء والأمهات على الاستمرار في المشاركة.

انضمت مؤسسة روكيت ليرنينغ إلى مسرّعة الشركات الناشئة ومسرّعة النمو التابعتين لمؤسسة فاست فورورد (Fast Forward) في عام 2021، وفي العام الماضي، حصلت المؤسسة على جائزة أيه آي فور ذا غلوبال غولز (AI for the Global Goals) بقيمة 1.5 مليون دولار من مؤسسة جوجل دوت أورغ (Google.org). أثرت مؤسسة روكيت ليرنينغ في 2.5 مليون طفل منذ إنشائها، وساعدتهم على تحقيق أفضل النتائج في صفوفهم. علاوة على ذلك، فإن 75% من الأطفال الذين يستخدمون منصة روكيت ليرنينغ يحققون مستويات النمو الأساسية في سن السادسة، مقارنةً بالمتوسط الوطني البالغ 57%.

بالنسبة للشريك المؤسس في مؤسسة روكيت ليرنينغ، فيشال سونيل، فإن النجاح لم يكن ممكناً لولا الذكاء الاصطناعي، إذ يقول: "عندما يستخدم مؤسسو الشركات الذكاء الاصطناعي من أجل الخير، فإنهم يطلقون العنان لقدرته على إحداث تأثير عميق وحقيقي في المجتمع، وتغيير مسارات الحياة جذرياً بالنسبة للفئات الأكثر ضعفاً، ولسد الفجوات التعليمية على مستوى العالم، يجب على المؤسسين التفكير على نطاق واسع واستخدام الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا بمسؤولية باعتبارهما عاملين مساعدين في هذه العملية مع التركيز على المجتمعات عند تصميمها".

في تحليل المشهد الذي أجريناه للمؤسسات غير الربحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تعتبر مؤسسة روكيت ليرنينغ مثالاً على استخدام الذكاء الاصطناعي في المراقبة (جمع البيانات وتحليلها باستمرار، وتوفير رؤى وتنبيهات فورية)، والترجمة (تسهيل التواصل الفعال وإتاحة الخدمات لمزيد من المستفيدين)، والتقييم (تقييم مدخلات المستخدمين وتقديم التوصيات ذات الصلة).

خانميغو التابع لأكاديمية خان: تمكين التدريس الخصوصي الفردي ودعم المعلمين

تُعد مسرحية "روميو وجولييت" أحد أكثر الكتب التي تدرس اللغة الإنجليزية في المرحلة الثانوية. لذلك ليس من المستغرب أن يطلب المدرس من ألكساندر تاتوم، الطالب البالغ من العمر 16 عاماً في مدرسة هوبارت الثانوية في ولاية إنديانا، أن يقرأ المسرحية ثم يعيد كتابتها مع تغيير بعض المشاهد. وبينما كان يعمل على هذا الواجب، طلب ألكساندر من معلمه أن يصف له المشهد الثالث من الفصل الأول الذي لم يستطع تذكره تماماً. قال له المدرس: "أنا هنا لمساعدتك في تأليف القصة"، ثم دعاه إلى العودة للمسرحية لمراجعة ذلك المشهد مرة أخرى. لكن هذا المدرس لم يكن مدرساً عادياً، لقد كان مدرب تعليم بالذكاء الاصطناعي، واسمه خانميغو. قال ألكساندر: "يتعلم خانميغو بالطريقة نفسها التي أتعلم بها، فهو يتقدم معك خطوة بخطوة".

جرى إنشاء منصة خانميغو بوصفها جزءاً من أكاديمية خان، وهي مؤسسة غير ربحية تأسست عام 2008 لتوفير أدوات تعليمية عبر الإنترنت. تضم أكاديمية خان اليوم 165 مليون مستخدم مسجل في أكثر من 190 دولة. يتيح خانميغو (المدرس) التعلم التفاعلي من خلال السماح للطلاب بالمناقشة وطرح الأسئلة والتعاون. يوفر بوت الدردشة للطلاب الدعم دون تقديم إجابات مباشرة، حيث يوجّه الطلاب خلال حل المشكلات عبر إعطاء التوجيهات وطرح الأسئلة والملاحظات. ولأن الملاحظات الفورية ضرورية للتعلم، خاصةً عند اكتساب مفاهيم جديدة، يدرس خانميغو بالأسلوب السقراطي الذي يحث الطلاب على التفكير عبر طرح الأسئلة وتقديم الاقتراحات حول كيفية حل المشكلات خطوة بخطوة. تحدّ أكاديمية خان من الوقت الذي يقضيه الطلاب مع الذكاء الاصطناعي كل يوم لتقليص الوقت الذي يقضونه أمام الشاشة، وتكون سجلات الدردشة والأنشطة مرئية لأولياء الأمور والمعلمين، وتنبههم المنصة إلى أي تفاعلات غير لائقة.

يمتلك المعلمون نسختهم الخاصة من مساعد التدريس المدعوم بالذكاء الاصطناعي، والذي بوسعه تقليل وقت التحضير من خلال إنشاء خطط الدروس، والاختبارات ومجموعات الطلاب، ونماذج التقييم، وغيرها من المواد. في مايو/أيار 2024، دخلت أكاديمية خان في شراكة مع شركة مايكروسوفت، التي تبرعت بالوصول إلى بنيتها التحتية المحسّنة للذكاء الاصطناعي أزور (Azure) وأتاحت الوصول المجاني إلى خانميغو لجميع المعلمين الأميركيين. تخطط أكاديمية خان لتوسيع نطاق أدواتها لتشمل المعلمين في بلدان أخرى ناطقة باللغة الإنجليزية، ولديها برنامج تجريبي قيد التنفيذ في البرازيل.

على الرغم من أن هذه التطورات مثيرة للإعجاب، حثّ مؤسس أكاديمية خان، سال خان، المتفائلين بالذكاء الاصطناعي على التعامل مع التطورات بحذر. إذ قال في حديث له على منصة تيد توك في عام 2023: "أعتقد أنه يجب علينا جميعاً أن نكافح معاً بكل ما أوتينا من قوة لوضع حواجز حماية، نحن نضع قوانين منطقية عندما تظهر المشاكل، لكننا نكافح بكل قوة من أجل حالات الاستخدام الإيجابية، إن أقوى حالات الاستخدام، وربما أكثر حالات الاستخدام مثالية، هي استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز الذكاء البشري، والإمكانات البشرية، والغاية الإنسانية".

في تحليل المشهد الذي أجريناه للمؤسسات غير الربحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تعتبر منصة خانميغو مثالاً بارزاً على استخدام الذكاء الاصطناعي للتعليم، وهو ذكاء اصطناعي ديناميكي يحاكي التفاعل البشري ويعمل بمثابة خبير في مجالات محددة.

مؤسسة ليرنينغ إكواليتي (Learning Equality) نقل ثورة التعلُّم عبر الإنترنت إلى خارج الإنترنت

في عام 2012، أمضى جيمي ألكسندر، الذي كان طالب دكتوراة في العلوم المعرفية آنذاك، فترة تدريب صيفي مع أكاديمية خان. وفي ذلك الوقت، فكر بالتطوع في مركز للاجئين التبتيين في منطقة دارجيلنغ في الهند. وهناك، واجه صعوبة في الاتصال بالإنترنت، وهي المشكلة التي كان ثلثا العالم يواجهها آنذاك. تساءل ألكسندر: كيف يمكن توفير التعليم عبر الإنترنت دون اتصال بالإنترنت؟ أدى إطلاق جهاز كمبيوتر راسبيري باي (Raspberry Pi)
بأسعار معقولة إلى توليد الفكرة، حيث صمم ألكسندر وزميله المتدرب في أكاديمية خان نموذجاً أولياً يتيح الوصول دون اتصال بالإنترنت إلى مقاطع فيديو أكاديمية خان وتمارينها باستخدام جهاز راسبيري باي. أدى ذلك في النهاية إلى تأسيس مؤسسة ليرنينغ إكواليتي بوصفها مؤسسة تكنولوجيا غير ربحية في أبريل/نيسان 2013.

تعد منصة كوليبري (Kolibri)، وهي الجيل الثاني من المنصة التابعة للمؤسسة، منظومة من المنتجات المصممة للتعلم باستخدام أجهزة غير متصلة بالإنترنت. تنظم منصة كوليبري ما يقرب من 200,000 من الموارد المفتوحة وتكيفها لتلبية أهداف تعليمية محددة. كما تعمل منصة كوليبري التعليمية غير المتصلة بالإنترنت على العديد من الأجهزة والأنظمة، مستخدمةً الأجهزة المتوفرة المنخفضة التكلفة. يمكن للمستخدمين غير المتصلين بالإنترنت تنزيل منصة كوليبري مباشرةً من موقع مؤسسة ليرنينغ إكواليتي على الإنترنت. وبدلاً من ذلك، يمكن للمؤسسات توزيع المحتوى عبر وحدات تخزين يو إس بي أو الأجهزة المحملة مسبقاً أو المزامنة من نظير إلى نظير.

على مدار العقد الماضي، ساعدت أدوات تكنولوجيا التعليم غير المتصلة بالإنترنت التي تقدمها مؤسسة ليرنينغ إكواليتي أكثر من 10 ملايين متعلم في أكثر من 220 دولة وإقليم على تحقيق أهدافهم التعليمية. مودياتو من الكاميرون إحدى هؤلاء المتعلمين، أرادت مودياتو أن تكون أول من يجتاز امتحان البكالوريا في مجتمعها، وكانت ترغب في الالتحاق بكلية التمريض، لكنها لم تمتلك خلفية علمية قوية بما فيه الكفاية. أتاحت لها منصة كوليبري إمكانية الوصول إلى محتوى أكاديمية خان في العلوم والرياضيات باللغة الفرنسية، ما ساعدها على اجتياز امتحان مدرسة التمريض. تقول مودياتو: "كانت هناك مواد في الامتحان لم أتمكن من الإجابة عنها إلا من خلال ما درسته عبر منصة كوليبري.

والآن، تدرس مؤسسة ليرنينغ إكواليتي كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تسريع مواءمة المناهج وتطوير الدروس. حالياً، مع أداة المناهج الدراسية عبر الإنترنت "كوليبري استوديو" (Kolibri Studio) التي توفرها مؤسسة ليرنينغ إكواليتي، يستطيع المستخدمون تحميل موادهم الخاصة ومزجها ومطابقتها مع موارد مكتبة كوليبري (Kolibri Library) الأخرى. كما يمكنهم اختيار مواءمة النتائج مع احتياجاتهم التعليمية الخاصة ومعايير المناهج الدراسية في بلدهم. بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تعمل مؤسسة ليرنينغ إكواليتي على تطوير أداة شبه آلية لمواءمة المناهج الدراسية تستفيد من الذكاء الاصطناعي التوليدي لجعل هذه العملية أقل استهلاكاً للوقت. في وقت سابق من هذا العام، نجح الذكاء الاصطناعي الخاص بالمؤسسة في مواءمة 12,000 مورد تعليمي تلقائياً مع أكثر من 2,000 هدف تعليمي خاص بالطلاب الأوغنديين. قدرت المؤسسة أن هذا العمل كان سيستغرق شهوراً من العمل في السابق ويكلف مئات الآلاف من الدولارات. أما باستخدام الذكاء الاصطناعي، فلم يستغرق الأمر سوى بضعة أيام وبضع مئات من الدولارات تكلفة أدوات واجهة برمجة التطبيقات، بالإضافة إلى أجور الخبراء لمراجعة المحتوى. ويستخدم المعلّمون والشباب الأوغنديون هذه المواد بالفعل في المجتمعات التي لا يتوفر فيها اتصال بالإنترنت.

 

(رسم بياني مقدم من مؤسسة ليرنينغ إكواليتي)

من وجهة نظر ألكسندر، يجب أن تصبح المساواة محور تركيز مؤسِّسي تكنولوجيا التعليم حتى تتمكن التكنولوجيا من سد الفجوات القائمة وليس زيادتها. إذ يقول: "من السهل الانزلاق إلى نمط خدمة احتياجات الذين يمكن أن تصلهم حلولنا بسهولة أكبر، لكن التركيز الحقيقي على الإنصاف يعني العثور على طرق للاستماع إلى احتياجات أولئك الذين يصعب الوصول إليهم ودعمهم، هذا التركيز هو ما يجعل هذا العمل صعباً للغاية، لكنه أيضاً يجعله مهماً للغاية".

في تحليل مؤسسة فاست فورورد لمشهد المؤسسات غير الربحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تعتبر مؤسسة ليرنينغ إكواليتي مثالاً على استخدام الذكاء الاصطناعي لتنظيم مجموعة كبيرة من البيانات ومواءمتها وضمان سهولة الوصول إلى المعلومات ذات الصلة.

دور الذكاء الاصطناعي في تعليم أفضل وأكثر إنصافاً

تعمل المؤسسات غير الربحية ذات التفكير الاستشرافي في أنحاء العالم على تحقيق إمكانات الذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في التعليم، وتستخدم المؤسسات غير الربحية الذكاء الاصطناعي لسد الفجوات التعليمية، بدءاً من تعزيز التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة في المجتمعات ذات الدخل المنخفض إلى توفير حلول تعليمية لا تعتمد على الإنترنت في المناطق التي لا يتوفر فيها اتصال بالإنترنت. لا يقتصر دور هذه المؤسسات التعليمية غير الربحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي على معالجة التحديات الحالية فحسب، بل تمهد الطريق لمستقبل أكثر إنصافاً وتعالج التحديات التي يواجهها الطلاب والمعلمون بطرق مبتكرة.

على سبيل المثال، مثلما يستطيع الذكاء الاصطناعي تقديم الترجمة الفورية للغة نادرة مثل اللغة الكالامانغية، يمكن للمؤسسات غير الربحية توظيف الذكاء الاصطناعي لترجمة المحتوى التعليمي إلى عدد كبير من اللغات. يمكن كذلك استخدام الذكاء الاصطناعي لإعادة صياغة المواد في تنسيقات مختلفة لأصحاب أنماط التعلم أو القدرات المختلفة. وذلك لا يعني الترجمة فحسب، بل نشر المعرفة بحيث يكون التعليم الجيد في متناول الجميع، بغض النظر عن العوائق الجغرافية أو الاجتماعية والاقتصادية أو غيرها من العوائق التي تحول دون التعلم.

بوسع الدور المتطور للذكاء الاصطناعي أن يعيد رسم ملامح التعليم بالنسبة للمتعلمين والمعلمين وأولياء الأمور. ومن خلال تبني هذه الابتكارات مع الضمانات والسياسات والأساليب الصحيحة، يمكننا أن نضمن أن يكون التعليم الجيد في متناول الجميع وأن يدعم العناصر البشرية في التعليم بدلاً من أن يحل محلها. ما تزال الرحلة في بدايتها. ومع قيادة المؤسسات غير الربحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي ذات التفكير الاستشرافي، سيكون التأثير عميقاً وواسع النطاق.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.