أسهم المؤتمر العالمي الثاني عشر للتربية البيئية 2024، الذي عُقد مؤخراً في أبوظبي، في أعقاب إقامة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بنسخته الثامنة والعشرين (COP28) في دبي العام الماضي، في تغيير التعريف العالمي لاحتياجات التربية البيئية والتعليم من أجل التنمية المستدامة.
لماذا التعليم البيئي مهم؟
يمثل التعليم البيئي ركيزة مهمة للتقدم المجتمعي، ويؤدي دوراً حيوياً في تطوير المجتمعات وتحسين سبل المعيشة حول العالم. وتُظهر الأبحاث مدى فعالية البرامج التعليمية في تحويل فكر المجتمع وسلوكياته المتعلقة بالبيئة، وتعزيز الوعي بالتحديات البيئية، بما يسهم في خلق إرادة حقيقية لمواجهة الأسباب الجذرية لتغير المناخ والحد من تداعياته.
يُعد هذا النوع من التعليم المركّز أداة حاسمة للتنمية المستدامة، إذ بوسعه تمكين الأفراد كي يصبحوا مناصرين للقضايا العالمية، وذلك من خلال تسليط الضوء على الممارسات المستدامة وتقديم المعرفة اللازمة لاستخدام الموارد بكفاءة واتخاذ القرارات الواعية بيئياً.
وعليه، بدأت مدارس كثيرة حول العالم تنفيذ المفاهيم والبرامج البيئية ضمن مناهجها الدراسية. وبالمثل، وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة مواضيع الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة في مقدمة نظامها التعليمي، بهدف دعم طلاب المستقبل لاكتساب المعرفة الاجتماعية. إذ كشفت دراسة عالمية أن تعليم 16% فقط من طلاب المرحلة الثانوية في البلدان المتوسطة الدخل والعالية الدخل بشأن تغير المناخ، قد يؤدي ذلك إلى خفض نحو 19 غيغا طن من انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون بحلول عام 2050.
وعلى الرغم من إمكانات التغيير التي يوفرها التعليم البيئي؛ فالأمر يعتمد كلياً على فهم العادات الواعية بيئياً في المجتمعات وتبنّيها، ويستلزم اتخاذ إجراءات فعّالة لدعم التربية البيئية، لأن إحداث التغيير المجتمعي يشمل توفير المنصة المناسبة للأفراد بهدف التأثير على الوعي العام. إذ ترى اليونسكو، أن قطاع التعليم لا يمد الطلاب بقدر كافٍ من المعارف التي تمكّنهم من التكيّف مع تغير المناخ والأزمات البيئية والاستجابة إليها واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها.
دمج الشباب في جهود حماية البيئة
يتجلى دور التعليم البيئي في دمج الجيل المقبل في جهود وممارسات حماية البيئة؛ لأن الفئات الشابة هي التي ستتحمل مباشرة العواقب الطويلة الأجل لأزمة المناخ، لذا يجب تعزيز قدرتها على فهم التحدي الوشيك على نحو أفضل.
وتماشياً مع ذلك، نفّذت هيئة البيئة – أبوظبي من خلال منصة "ناها" التابعة لها، مبادرات لتمكين الأجيال الشابة من خلال التعلم التجريبي والمعرفة والمناصرة والمهارات اللازمة ليصبحوا سفراء للبيئة في المستقبل. كما يعمل برنامج "الماراثون البيئي" على تعزيز المهارات اللغوية البيئية لدى الطلاب، بالإضافة إلى مبادرات المدارس والجامعات المستدامة والبودكاست التعليمي "مثقف بطبيعته" بهدف تقديم تعليم شامل حول التحديات البيئية الملحة مع إلهام الشباب لمناصرة الحلول الصديقة للبيئة من أجل مواجهة تلك التحديات.
وبالنظر إلى أهمية العمل الموحد للتوعية بالقضايا البيئية المعقدة؛ أطلقت هيئة البيئة – أبوظبي شراكات استراتيجية مع المؤسسات التعليمية والمنظمات الدولية المختلفة لدمج حماية البيئة في صميم الأنظمة التعليمية، وتمكين الشباب الإماراتي ليصبحوا مناصرين استباقيين للبيئة. ويأتي ذلك تماشياً مع شراكة التعليم الأخضر التي أنشأتها وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع اليونيسف واليونسكو لدمج الوعي بتغير المناخ وأهمية الممارسات المستدامة مع المناهج التعليمية.
ولعل النقطة الأكثر أهمية هي استضافة هيئة البيئة – أبوظبي مؤخراً للمؤتمر العالمي الثاني عشر للتربية البيئية في أبوظبي نهاية يناير/كانون الثاني 2024، إذ استقبل فريق منصة "ناها" الشباب المهتمين بقضايا المناخ في الدولة والعالم وكان المؤتمر فرصة لجمع طلاب المدارس والجامعات معاً من أجل إبراز الجهود المبذولة لمواجهة التحديات البيئية الملحّة بما في ذلك تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والتلوث.
وباعتبارها أكبر جهة تنظيمية بيئية في الشرق الأوسط، تعاونت هيئة البيئة – أبوظبي مع شبكة المؤتمر العالمي للتربية البيئية لجمع الأطراف المعنية كافة وتعزيز الممارسات المستدامة من خلال التعليم. وكان هذا الحدث العالمي بمثابة منصة لتبادل الأفكار والخبرات والمعرفة حول الظروف البيئية الحالية، وتعزيز الحوار حول المشاريع المبتكرة والأبحاث المتطورة الناشئة عن التربية البيئية.
ومن أبرز الأحداث التي شهدها المؤتمر الدولي للتربية البيئية في عام 2024، الكشف عن خارطة طريق أبوظبي للتعليم البيئي، التي وضعتها هيئة البيئة - أبوظبي لتحديد التوصيات العالمية لتعزيز التعليم البيئي والتعليم من أجل التنمية المستدامة، وطوِّرت خارطة الطريق بالاستفادة من مدخلات المعنيين من 83 دولة، بما في ذلك اليونسكو، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، ووزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات، ووزارة التغير المناخي والبيئة، لتعمل على تنشيط الجهود في مجال التعليم البيئي والتعليم من أجل التنمية المستدامة وتركز على معالجة الخطر المحدق بالبشرية بسبب الأزمة الثلاثية المتمثلة في التغير المناخي، وفقدان التنوع البيولوجي والموارد الطبيعية، والتلوث والنفايات.
ويُعد التعليم البيئي والتعليم من أجل التنمية المستدامة من العوامل المحفزة للتغيير، إذ يمنحان صوتاً للجيل المقبل من القادة ويمكّنان مستويات جديدة من التفاهم بين الأفراد والمجتمعات.
ومن خلال التشجيع على الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة للمساعدة في تحقيق الأهداف البيئية، تؤكد خارطة الطريق ضرورة أن تكون الأخلاق والقيم جوهر التعليم البيئي والتعليم من أجل التنمية المستدامة لبناء روابط عاطفية بين المجتمع والطبيعة.
تتطلب التوعية البيئية التأثير في قيم البشر واتجاهاتهم وسلوكياتهم في مرحلة عمرية مبكرة، ومن خلال دمج قضايا البيئة في مناهج المدارس والجامعات، تسهم الإمارات في خلق جيل واعٍ من المتخصصين المهتمين بالمناخ ممن سيواصلون مهمة الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية.