لم تعد الاستدامة في مجال السفر والسياحة توجهاً متخصصاً بل باتت أولوية على مستوى الصناعة ككل، والأمر انتقل من مجرد تقديم خيارات سفر ميسورة التكلفة إلى مستوى أعلى يتطلب الشفافية والمسؤولية والتعاون لتحقيق التغيير الهادف.
وعلى الرغم من أهمية التعاون من أجل السياحة المستدامة على نطاق واسع من أجل خلق القيمة المشتركة، يوجد نقص في فهم نماذج التعاون البديلة وكيفية تطور الشراكات وعملها.
أهمية التعاون في السفر المستدام
إن تزايد وتيرة حدوث الكوارث الطبيعية ووصول درجة الحرارة إلى مستويات قياسية في عام 2023 يجعلان من تغير المناخ أزمة حقيقية، إذ تتسابق الحكومات والشركات على حد سواء لتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، وباتت الاستدامة في مقدمة اهتمامات الجميع، بدءاً من المدراء التنفيذيين في صناعة السفر وحتى المسافرين بغرض الترفيه والعمل. وفقاً لتقرير الأمم المتحدة الصادر عام 2021 بعنوان: "خريطة طريق صافي صفري للسفر والسياحة" (A Net Zero Roadmap for Travel & Tourism) فإن أكثر من 83% من المسافرين حول العالم يعتبرون السفر المستدام أمراً حيوياً، ويتوقع 69% من المسافرين أن تُقدم صناعة السفر خيارات أكثر استدامة، في حين أعرب ما يقرب من 61% عن رغبتهم في السفر بطريقة أكثر استدامة مستقبلاً.
ولكن في حين أن الاستدامة تحظى بشعبية كبيرة بين المسافرين فإن نسبة قليلة منهم على استعداد لإنفاق المزيد على الخيارات المستدامة، إذ توصّل استطلاع تعقب السفر في الولايات المتحدة 2022 إلى أن 23% فقط من المسافرين دفعوا أموالاً أكثر مقابل تجربة سفر صديقة للبيئة.
ومن جهة أخرى لا تزال بعض سلاسل الفنادق وشركات السياحة تركز على العائد المرتفع عند تشغيلها مكاناً ما بغض النظر عن تأثير ذلك على البيئة والسكان المحليين والاقتصاد المحلي والثقافة المحلية. بالتالي من المهم النظر إلى الاستدامة من زاوية التعاون وتوحيد الجهود لتقليل البصمة الكربونية للصناعات الرئيسية في قطاع السفر والسياحة، فالنقل المرتبط بالسفر مسؤول عن نحو 49% من انبعاثات الكربون، وقطاع التجزئة 12%، وخدمات الطعام والشراب 10%، أما أماكن الإقامة فتسهم بنحو 6%.
4 طرق لتغيير مستقبل السفر المستدام
يُحدث التعاون فرقاً، فتوحيد الجهود بين الجهات المعنية المختلفة يعزز النظام البيئي بأكمله للسفر المستدام. ومثلما يكون التنوع البيولوجي أقوى عندما تنمو الكائنات الحية ويدعم بعضها بعضاً، كذلك السفر المستدام.
على سبيل المثال يمكن لشركة سياحية محلية، التعاون مع مرشدين محليين، وتضمين بعض المطاعم المحلية في جدول رحلاتها، وإذا كانت هذه المطاعم تعتمد في خدماتها على المزارع أو مصايد الأسماك المُدارة محلياً فهي بذلك تفيد المنتجين المحليين، كما يمكن للمطاعم المحلية دعم النزل الصغيرة المُدارة محلياً، والعكس صحيح.
ويمكن للفنانين دعم الأحداث الثقافية المحلية من خلال مشاركة تجارب السكان الأصليين والترويج لها في المعارض المحلية، والتشجيع على استخدام الدراجات لتكون وسيلة للوصول والمشاركة في هذه الأحداث.
وهذا يعني أن المبادرات الحكومية وحدها لا تستطيع تنشيط قطاع السفر المستدام، بل هناك حاجة إلى جهد جماعي لخلق قيمة اقتصادية، وتعزيز المجتمعات وتعزيز النمو الشامل الذي يعود بالنفع على البيئة والمجتمع.
ويمكن للتعاون أن يغير مستقبل السفر المستدام من خلال 4 طرق:
1. سد الفجوة بين القول والفعل
توجد فجوة ملحوظة في "القول والفعل" بين تفضيلات المسافرين المعلنة مقابل ممارساتهم الفعلية، وبحسب تقرير جديد صادر عن شركة فيزا للدفع الرقمي، بعنوان "تسريع السياحة المستدامة: مجالات التعاون بين القطاعين العام والخاص" (Accelerating sustainable tourism: Areas for public-private collaboration) فإن سبب هذه الفجوة يعود إلى ارتفاع تكلفة السفر المستدام، ونقص المعلومات حول الخيارات المستدامة، والافتقار إلى المصداقية حول مطالبات الاستدامة، حيث واجه 67% من المسافرين الذين بحثوا عن خيارات مستدامة صعوبة في العثور على المعلومات، و١أبدى 51% منهم رغبة نشطة في الحصول على مزيد من المعلومات حول خيارات السفر المستدامة.
وحقيقة أن صناعة السفر مجزأة جداً، قد تؤدي إلى اتساع هذه الفجوة، فمن سلاسل الفنادق العالمية إلى أماكن المبيت المحلية الصغيرة، ومن شركات الطيران إلى مؤسسات النقل، يمكن أن تكون بعض القطاعات أكثر استعداداً للاستدامة من غيرها، ما يُصعِب على المسافرين تحقيق أهداف الاستدامة الخاصة بهم من خلال نقاط الاتصال المتعددة في رحلة واحدة.
2. خلق فهم مشترك لمفهوم الاستدامة
يفتقر مجال السفر إلى الإطار الموحد لقياس الاتجاهات في مجال الاستدامة، ما يؤدي إلى عدم شفافية المعلومات المتعلقة بخيارات السفر المستدام ووضوحها، فالتعاون بين القطاعات المختلفة لوضع معايير متفق عليها حول كيفية جمع البيانات العالية الجودة واستخدامها سيساعد صانعي السياسات والشركات على تحديد الأهداف وقياس التقدم، وسيخلق أرضية مشتركة تُسهل على المسافرين اتخاذ خيار أكثر مراعاةً للبيئة.
3. ضمان النقل العام الشامل
من المرجح زيادة انبعاثات الكربون من النقل المرتبط بالسياحة إلى نحو ملياري طن من ثاني أوكسيد الكربون بحلول عام 2030، لتسهم السياحة في 22% من إجمالي انبعاثات قطاع النقل العالمي و5.3% من إجمالي الانبعاثات العالمية.
وتعد وسائل النقل العام إلى حد كبير خياراً صديقاً للبيئة وأكثر استدامة، ولكن الراحة والسهولة غالباً ما تكون الحلقة المفقودة في جعل أنظمة النقل المحلية أكثر رواجاً، لذا فإن التعاون بين القطاعات المختلفة من أجل زيادة الاستثمار في البنية التحتية للتنقل، وضمان النقل العام الشامل سيساعد على تعزيز السفر المستدام. عندما يكون استخدام مترو الأنفاق أسهل وأكثر ملاءمة، فمن الأرجح أن يكون الخيار الأول للمسافرين المهتمين بالاستدامة.
الأمر يتطلب المزيد من الابتكار مع توافر تطبيقات وتكنولوجيا جديدة متخصصة في تخطيط الرحلات يمكنها إخبار الأشخاص بالطريقة الأسرع أو الأكثر استدامة للتجول.
4. التركيز على الطابع المحلي
إحدى مجالات السفر المستدام التي تكتسب شعبية هي السياحة المحلية، إذ يؤدي التعاون مع الشركات المحلية وأصحاب الفنادق والحكومات إلى رفع معايير الاستدامة في قطاع السفر، ويحفز العمال والمجتمعات المحلية على الاضطلاع بدور المحاربين البيئيين، بعد أن لاحظوا تحول المسافرين نحو الاستدامة.
في حين قد تختلف قدرة المسافرين على تحمل تكاليف تجارب الاستدامة من مكان إلى آخر، فإن الاستطلاع الذي أجرته إكسنتشر (Accenture) عام 2021 أظهر أن 83% من المسافرين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 34 عاماً على استعداد للدفع مقابل خيارات مستدامة.
تدور الاستدامة في السفر حول التعاون بين القطاعات والأطراف المختلفة والاتفاق على تحمل المستوى نفسه من المخاطر والتمتع بالفوائد المتبادلة، بما يسهم في زيادة القدرة على تحليل البيانات وتلبية احتياجات المسافرين المتغيرة لتخصيص العروض المستدامة.