كيف يمكن للمؤسسات غير الربحية الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي؟

4 دقائق
وسائل التواصل الاجتماعي

تُعَد وسائل التواصل الاجتماعي أداة ضرورية للقطاع الاجتماعي وخطِرة عليه في آن واحد، فهي وسيلة لنشر الوعي والتفاعل وجمع التبرعات، وفي الوقت نفسه تسهم في تفاقم الانقسام ونشر المعلومات المضلّلة وتفرض تحديات وشيكة تهدد وجوده.

أشار أكثر من 50% من المؤسسات غير الربحية إلى أنها بصدد زيادة ميزانيتها المخصصة لوسائل التواصل الاجتماعي هذا العام أكثر من القنوات الرقمية الأخرى، في حين تواصل مؤسسة غيفينغ تيوزداي (Giving Tuesday) تحقيق نمو مطرد بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، ويُتوقع أن يتجاوز 600 مليون دولار في عام 2020. ومع ذلك، يبقى المشهد الحالي لوسائل التواصل الاجتماعي مخيفاً ومثيراً للقلق. اشتهرت منصة فيسبوك بوصفها أداة للتدخل في الانتخابات، واعترف الرئيس السابق لقسم تحقيق الأرباح في فيسبوك تيم كندل، بأن الشركة تعمدت جعل المنصة "مسببة للإدمان مثل السجائر". وأوضح في إفادته أمام الكونغرس أن "وسائل التواصل الاجتماعي تفترس الأجزاء الأكثر بدائية من دماغك"؛  وأضاف كندل: "تعمل الخوارزمية على زيادة انتباهك إلى أقصى حد من خلال العرض المتكرر لمحتوى يثير أقوى المشاعر -فهو يهدف إلى الاستفزاز والصدمة والغضب".

يجب أن تحظى المؤسسات غير الربحية بالاهتمام. ولكن ماذا يجب علينا أن نفعل عندما تستولي خوارزميات مدمرة واستغلالية تتلاعب بمشاعرنا وتزرع بذور الانقسام على هذا الاهتمام نيابة عنا؟

الحساب المرتقب لوسائل التواصل الاجتماعي

يجري التغيير على نحو مستمر في مشهد وسائل التواصل الاجتماعي. ففي وقت سابق من هذا العام، حذّر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركيين من نشر معلومات انتخابية كاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي، ورفعت وزارة العدل الأميركية دعوى قضائية ضد شركة جوجل لانتهاكها قوانين مكافحة الاحتكار. وفي يوليو/تموز، شارك في حملة أوقفوا الكراهية من أجل الربح (Stop Hate For Profit) أكثر من 1,200 شركة ومؤسسة غير ربحية عبر إيقاف إنفاقها على الإعلانات الرقمية لشهر يوليو/تموز. كانت الرسالة واضحة: "يجب على وسائل التواصل الاجتماعي أن تعطي الأولوية للإنسان وليس للربح، وعليها أن تبدأ ذلك الآن".

لا يستطيع أحد تخمين هل سيكون التغيير جذرياً أو تدريجياً. وعلى الرغم من النمو المستمر لوسائل التواصل الاجتماعي، تشير دراسة حول موقف أفراد الجيل زد منها إلى أن 34% منهم أعربوا عن رغبتهم في التوقف عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي نهائياً، وقال 64% إنهم سيأخذون استراحة منها. على المؤسسات غير الربحية أن تدرك المخاطر التي يمكن أن تتسبب بها التقلبات في وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات القادمة، سواء عبر التغيير الجذري فيها أو عبر ابتعاد المستخدمين عنها طوعاً.

ما الذي يجب على المؤسسات غير الربحية فعله؟

لا يستطيع العديد من المؤسسات التخلي عن القنوات الاجتماعية على نحو دائم. لكن إلى متى يجب على القطاع الاجتماعي أن يسمح للغاية بتبرير الوسيلة، وهو المكلف بتغيير عالمنا؟ لا توجد إجابة بسيطة لهذا السؤال، ولكن من المفيد تناول الموضوع بطريقة إدارة المخاطر.

لا تمتلك وسائل التواصل الاجتماعي الجمهور الذي يتابعها. وفي حال كانت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً مهماً من الاستراتيجية الرقمية للمؤسسة غير ربحية، فستكون بذلك تحت رحمة قرارات شركات وسائل التواصل الاجتماعي وخوارزمياتها. ففي عام 2018، تسببت التغييرات التي أجرتها فيسبوك على خوارزمية الأخبار في انخفاض الوصول المجاني للمحتوى، واضطرت العلامات التجارية إلى اختيار المحتوى المدفوع ليظهر لمتابعيها. عندما تستطيع إحدى شركات التواصل الاجتماعي إبعادك عن جمهورك مرة واحدة، فهذا يعني أنها قد تفعل ذلك مرة أخرى مستقبلاً.

لذلك يجب أن يكون هدف المؤسسة غير الربحية اليوم هو استخدام قنواتها الاجتماعية لتحويل المتابعين إلى جمهور خاص بها. أعني بذلك المشتركين في البريد الإلكتروني بالتحديد، بالإضافة إلى مشتركي تطبيقات الهاتف المحمول والمنتديات والرسائل النصية القصيرة. يجب أن تتمثل استراتيجيتك الرقمية في دفع جمهور وسائل التواصل الاجتماعي إلى المنصات التي تتحكم مؤسستك بها، واستبقائهم هناك.

تحويل المتابعين إلى جمهور خاص

لنوضح ذلك من خلال مثال عملي لهذه العملية. نشرت مؤسسة دياترايب فاونديشن (diaTribe) والمعروفة اختصاراً تي دي أف (TdF) دليلاً بعنوان "النقاط الإيجابية والمحاذير" (Bright Spots & Landmines) وهو دليل لأسلوب حياة المصابين بداء السكري، الذي يمكن تنزيله مجاناً مقابل الاشتراك في قائمة بريدها الإلكتروني. استغلت حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات المدفوعة لجذب الزوار إلى موقع الدليل. ونتيجة لذلك، حصلت على أكثر من 26,000 مشترك في البريد الإلكتروني، وهو وسيلة مباشرة للتواصل مع هؤلاء المشتركين. ففي حال قررت شركة فيسبوك أو تويتر أو أي شركة وسائل تواصل اجتماعي أخرى تغيير خوارزميتها، فقد لا تصل منشورات مؤسسة تي دي أف إلى هؤلاء الأفراد كالعادة. لكن رسائل البريد الإلكتروني ستصلهم بانتظام.

امتلاكك جمهورك الخاص لا يعني بالضرورة التخلي عن وسائل التواصل الاجتماعي نهائياً، لكنك تتخذ بذلك قراراً استراتيجياً بالاعتماد على قنوات غيرها، وذلك يغير أهداف استراتيجيتك إزاء وسائل التواصل الاجتماعي. فبدلاً من التركيز الحصري على الأساليب التي تعزز مقاييس المشاركة على منصة تواصل اجتماعي معيّنة، مثل عدد المتابعين أو الإعجابات أو التعليقات أو المشاركات، عليك اختيار أساليبك من حيث مدى فعاليتها في تحويل المتابع إلى عضو في جمهورك الخاص. الفرق بسيط، ولكنه مهم، فمقاييس المشاركة الاجتماعية مهمة فقط حين تساعدك على الوصول إلى جمهورك خارج نطاق وسائل التواصل الاجتماعي.

محتوى خاص بك

مثلما تستطيع امتلاك جمهورك الخاص، تستطيع امتلاك المحتوى الخاص بك أيضاً. فالاستثمار في المحتوى الخاضع لسيطرتك عبر موقعك الخاص بأشكاله المتعددة مثل الصوت والصورة والفيديو يُعد خطوة ملموسة في اتجاه امتلاك وسائل توليد الوعي الخاصة بك. على سبيل المثال، تنتج الجمعية الأميركية لمنع القسوة ضد الحيوانات (ASPCA) مقاطع فيديو على نحو منتظم وتنشرها عبر منصات يوتيوب، وتويتر، وفيسبوك، وإنستغرام. صحيح أنها تنشر ذلك المحتوى عبر منصات خارجة عن سيطرتها، لكن في حال أجرت يوتيوب أو فيسبوك أو إنستغرام تغييرات غير مواتية أو واجهت منافسة جديدة، تستطيع الجمعية نشر المحتوى الخاص بها في مكان آخر.

فالتحدي بطبيعة الحال هو إنشاء ذلك المحتوى. تُظهر الدراسات الاستقصائية أن قيود الميزانية تحتل دائماً مرتبة عليا بوصفها أحد أهم التحديات عند التخطيط للاستراتيجيات الرقمية. ومما لا شك فيه أن كتابة المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي أسهل وأقل تكلفة من إنتاج مقطع فيديو أو أي منتجات رقمية أخرى. ولكن من الذي يملك على وجه التحديد المنتجات الرقمية التي تنشئها؟ إذا كانت مؤسستك تنفق وقتها وأموالها في الاستثمار في محتوى حصري لمنصة تواصل اجتماعي، مثل المنشورات النصية أو استطلاعات الرأي أو المجموعات الخاصة بتلك المنصة، فإن استثمارها ينتج منتجات رقمية مملوكة لمنصة التواصل الاجتماعي، وليس لمؤسستك.

مع أنك تستفيد من هذا الوضع، أنت تفوت فرصة إنشاء منتجات رقمية مملوكة لك بالكامل. ويمكن توزيعها عبر قنوات متعددة، ما يوسّع نطاق وصولك ويقلل الاعتماد على أي منصة اجتماعية واحدة. عليك التفكير في إعادة تخصيص وقت الموظفين وميزانيتهم لإنشاء حصة أكبر من المحتوى الخاص بك، وتوزيعه عبر القنوات الاجتماعية التي تختارها.

امتلك المستقبل

عندما تمتلك حضوراً في وسائل التواصل الاجتماعي ونسبة كبيرة من جمهورك الخاص والمحتوى الخاص بك، فإنك تمنح نفسك المرونة؛ فمن ناحية، أنت تعزل مؤسستك عن مخاطر التغييرات في مشهد وسائل التواصل الاجتماعي، ومن ناحية أخرى، ستكون لديك القدرة على تقليل استخدامك لوسائل التواصل الاجتماعي أو إلغائها إذا أصبحت مشكلاتها أكثر مما يمكنك تحمله.

يستطيع القطاع الاجتماعي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لفعل الخير. وفي أثناء فعل الخير، فلنحرص على ألا نسهم عن غير قصد في تعزيز القوى التي تتلاعب بتقدمنا وتشتته وتهدد وجوده. لقد حان الوقت لكي يكون للقطاع الاجتماعي جمهوره ومحتواه الخاص حتى نتمكن من التحكم بمستقبلنا.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي