من المتوقع أن يرتفع عدد السكان الذين يعانون ندرة المياه بالمناطق الحضرية في العالم من 930 مليون نسمة في عام 2016 إلى ما يتراوح بين 1.7 و2.4 مليار نسمة بحلول عام 2050 وفقاً لتقرير الأمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية لعام 2023. تقع 11 دولة من بين 17 دولة تواجه أشد حالات ندرة المياه على مستوى العالم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ما يؤكد أنها من أكثر المناطق تأثراً في هذا الكوكب. يؤثر التغير المناخي في التوازن الطبيعي في الشرق الأوسط بدرجة كبيرة، إذ يتسبب ارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط هطل الأمطار، وزيادة تواتر ظروف الطقس القاسية بسلسلة من التأثيرات، من أهمها ندرة المياه. تزيد معدلات التبخر مع ارتفاع درجات الحرارة، ما يؤدي إلى استنزاف مصادر المياه المحدودة أساساً. وتهطل الأمطار على نحو غير منتظم، ما يؤدي إلى فترات جفاف طويلة تتخللها أمطار غزيرة مفاجئة تسبب فيضانات مدمرة. لهذه التغييرات عواقب وخيمة على الموارد المائية في المنطقة. ووفقاً لتقرير البنك الدولي، من المتوقع أن تتكبد المنطقة بحلول عام 2050 أعلى الأضرار الاقتصادية المتوقعة بسبب ندرة المياه الناجمة عن التغير المناخي، إذ تتراوح التقديرات بين 6% و14% من ناتجها المحلي الإجمالي.
تستنفد الزراعة جزءاً كبيراً من الموارد المائية في الشرق الأوسط، إذ تستهلك طرق الزراعة التقليدية المياه بكثافة. وبسبب تزايد حالات الجفاف تتضاءل المحاصيل، ما يهدد الأمن الغذائي للملايين. كما يؤدي التغير المناخي وندرة المياه إلى زعزعة النظم البيئية الهشة. تُعتمد تقنيات الزراعة الدقيقة في الشرق الأوسط لمواجهة هذا التحدي، إذ يكتسب الري بالتنقيط شعبية متنامية في المنطقة، وهو طريقة لتوصيل المياه مباشرة إلى جذور النباتات بكميات خاضعة للرقابة. كما تحد هذه التقنية من هدر المياه عن طريق تجنب التبخر المياه السطحي وتقليل الجريان السطحي. نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة في تنفيذ نظام الري بالتنقيط، ما أدى إلى توفير كبير في المياه المستخدمة في الزراعة وري الحدائق. ونمت الحدائق على نحو أفضل مع كميات أقل من المياه عبر تحسين عمليات الري.
علاوة على ذلك، الأهوار والمستنقعات آخذة في التقلص، وهي بالغة الأهمية للحفاظ على التنوع البيولوجي ودعم مصايد الأسماك. وتتعرض النظم البيئية الساحلية للتهديد بسبب تسرب المياه المالحة وارتفاع منسوب مياه البحر، ما يدع المجتمعات والاقتصادات الساحلية عرضة للخطر. في الوقت الذي يؤدي فيه التغير المناخي إلى تفاقم مشكلة ندرة المياه، تتبنى دول الشرق الأوسط حلولاً متطورة لإدارة مواردها المائية المحدودة بطرق أكثر فاعلية. إذ باتت تحلية المياه، أي تحويل مياه البحر إلى مياه عذبة، الركيزة الأساسية لإمدادات المياه في العديد من دول الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، تمتلك المملكة العربية السعودية أكبر محطات تحلية المياه على مستوى العالم، وتنتج نحو 20% من المياه المحلاة في العالم. تعمل تقنيات تحلية المياه المبتكرة، مثل التناضح العكسي والتقطير المتعدد التأثيرات، على تعزيز الكفاءة وتقليل تكاليف الطاقة المرتبطة بهذه العملية. وعلى نحو مماثل، يتنامى استخدام تكنولوجيا إعادة استخدام المياه، بما فيها استخدام مياه الصرف الصحي المعالَجة لأغراض الري والأغراض الصناعية، لتخفيف الضغط على مصادر المياه العذبة.
كما يقدم الجمع بين تكنولوجيا الطاقة الشمسية وتكنولوجيا تحلية المياه حلاً واعداً لاستدامة إنتاج المياه. يتمتع الشرق الأوسط بوفرة من ضوء الشمس، ما يجعل تحلية المياه بالطاقة الشمسية خياراً معقولاً. تستخدم أنظمة تحلية المياه بالطاقة الشمسية الألواح الكهروضوئية لتشغيل عمليات تحلية المياه، ما يقلل من استهلاك الطاقة وانبعاثات الغازات الدفيئة. أطلقت دول عدة مثل عُمان والإمارات العربية المتحدة مشاريع تجريبية لتسخير الطاقة الشمسية لتحلية المياه، ما يسلط الضوء على التزام المنطقة بحلول المياه الصديقة للبيئة. علاوة على ذلك، يجري استكشاف أساليب مبتكرة لتعزيز هطل الأمطار في المناطق التي تعاني ندرة المياه، مثل عملية البذر السحابي التي تتضمن إدخال مواد في السحب لتحفيز هطل الأمطار، وهي تقنية لتعديل الطقس.
برزت مسألة ندرة المياه في محادثات مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي "كوب 27" (COP27) بوصفها من القضايا المُلحة. ومع تفاقم التغير المناخي، يدرك المجتمع الدولي أن ندرة المياه ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأزمة المناخ العالمية. وبينما تستعد دولة الإمارات العربية المتحدة لاستضافة العالم في مؤتمر الأمم المتحدة للتغيير المناخي "كوب 28" (COP28)، من المتوقع أن تؤكد المحادثات الحاجة إلى استراتيجيات شاملة لا تعالج انبعاثات الكربون فحسب، بل تعطي الأولوية أيضاً للإدارة المستدامة للمياه. تجري حالياً دراسة تدابير التكيف المناسبة والتقنيات المبتكرة والتعاون عبر الحدود للتخفيف من آثار ندرة المياه على السكان الأشد تأثراً بها. سيوفر مؤتمر كوب 28 منصة رئيسية لتعزيز أهمية الحفاظ على المياه في مكافحة التغير المناخي، وتعزيز نهج شامل يعترف بالارتباط الوثيق بين الأمن المائي والمستقبل المستدام.