دور الاستمطار في التكيف مع نُدرة المياه في دولة الإمارات العربية المتحدة

3 دقائق
البذر السحابي
shutterstock.com/Pajor Pawel

تشكل ندرة المياه تحدياً كبيراً لرفاه المجتمعات وتقدمها حول العالم. وقد تفاقمت هذه المشكلة بسبب الآثار المتزايدة للتغير المناخي، ما دفع الحكومات إلى البحث عن أساليب مبتكرة وتعاونية لمعالجة نقص المياه. ما تزال دولة الإمارات العربية المتحدة ملتزمة بدمج الابتكار في قطاعاتها الحكومية والعلمية والاقتصادية بوصفه عنصراً أساسياً فيها، بما يتماشى مع الأهداف البيئية العالمية لا سيما المتعلقة بتغير المناخ والأمن المائي. إذ قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً سلسلة من المبادرات والبرامج والاستراتيجيات الطموحة، التي تشمل الأمن الغذائي والمياه، وذلك في أثناء استعدادها لاستضافة صانعي القرار وصانعي السياسات المؤثرين في الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP 28). من شأن هذه المساعي تعزيز سمعة دولة الإمارات العربية المتحدة بوصفها من أكثر الدول اجتهاداً وتفانياً في سبيل تعزيز مبادئ الاستدامة البيئية وإطلاق مبادرات حماية البيئة الرائدة.

أصبح البذر السحابي (الاستمطار) الذي يُستخدم لتغيير أنماط الطقس معترفاً به على نحو متنامٍ بوصفه نهجاً قابلاً للتطبيق لمعالجة ندرة المياه وتعزيز هطول الأمطار في المناطق الجافة، لا سيما في دولة الإمارات العربية المتحدة. اتجهت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى نهج البذر السحابي بنشاط بوصفه حلاً محتملاً للتخفيف من وطأة ندرة المياه وتحفيز النمو الزراعي، وذلك بسبب المناخ الجاف في البلاد وموارد المياه المحدودة. إذ تجري دولة الإمارات العربية المتحدة ما يقرب من 1,000 ساعة من البذر السحابي وسطياً كل عام لتعويض كميات الأمطار المحدودة. فمنذ بداية العام 2023، استثمرت دولة الإمارات العربية المتحدة ما يقرب من 18 مليون دولار أميركي في مشاريع تحسين هطول الأمطار حتى الآن، وذلك وفقاً للبيانات الأخيرة الصادرة عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. تبحث الحكومة بفعالية كبيرة في التكنولوجيا المبتكرة، مثل المواد النانوية، لتعزيز فعالية البذر السحابي. وتجري حالياً المزيد من الاختبارات للحلول الإضافية التي تعتمد على طائرات الدرون والتي تهدف إلى تحسين عمليات البذر السحابي. فعلى سبيل المثال، يركز أحد الحلول على تحديد السحب المناسبة للبذر ومن ثم نشر مواد البذر فيها، بينما يتضمن الحل الآخر رصد السحب وتفريغ الشحنات الكهربائية فيها لزيادة هطول الأمطار.

تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة جاهدةً لتعزيز دور قطاع الزراعة في اقتصادها، وذلك بهدف الوصول للاكتفاء الذاتي. إذ تشكل ندرة المياه عقبة كبيرة أمام الإنتاجية الزراعية، لا سيما في المناطق القاحلة مثل الإمارات العربية المتحدة. تؤثر قلة الأمطار والموارد المائية المحدودة في نمو المحاصيل والإنتاج الزراعي. ويوفر البذر السحابي فرصة للتخفيف من هذه التحديات من خلال تحفيز هطول الأمطار وضمان إمدادات مياه أكثر استدامة للزراعة. يستهدف البذر السحابي سحب معينة لنثر مواد فيها مثل الأملاح. وتحفز هذه المواد تَشَكُل قطرات ماء كبيرة، ما يزيد من احتمالية هطول الأمطار. عندما تنزل الأمطار من هذه السحب المبذورة، تستقبلها المناطق الزراعية التي تحتاج إلى المياه حاجة ماسة لنمو المحاصيل.

يمتلك البذر السحابي القدرة على تعزيز المحاصيل الزراعية، وتحسين جودتها، وتنويع الإنتاج الزراعي في المناطق التي تعاني ندرة المياه. ويمثل نهجاً قابلاً للتطبيق لزيادة مياه للري، وتقليل الاعتماد على مصادر المياه التقليدية، وتحسين توزيع الموارد في القطاع الزراعي. ومن الجدير ذكره أن اختيار طريقة البذر المناسبة أمر ضروري لنجاح عملية البذر السحابي. إذ يتمثل أحد التحديات الرئيسية في اختيار وسائل البذر وطرق التوزيع ذات الفاعلية التي يمكن أن تؤدي إلى تحسين فعالية هطول الأمطار على نحو موثوق وقابل للقياس.

تعد المراقبة والنمذجة الدقيقتان للسحب أمرين ضروريين لعمليات البذر السحابي الفعالة.

ومن شأن التطور في تكنولوجيا مراقبة السحاب، مثل رادار الطقس وصور الأقمار الصناعية، أن توفر إمكانية التنبؤ وتحديد مجموعات السحب المناسبة للبذر، ما يزيد من فرص النتائج الناجحة. كما يعد التعاون وتبادل البيانات بين البلدان والمؤسسات البحثية أمراً حاسماً لمستقبل البذر السحابي. حيث يمكن للباحثين إجراء تجارب واسعة النطاق واكتساب فهم أعمق لتأثيرات البذر السحابي وفعاليته من خلال المعرفة وتقاسم الموارد. كما يمكن أن يؤدي التعاون الدولي إلى بلورة قواعد موحدة تضمن تنفيذ برامج البذر السحابي على نحو مسؤول وأخلاقي.

إن تطوير أنظمة مراقبة متقدمة ونماذج تنبؤية مصممة خصيصاً لأنماط الطقس الفريدة لبلدان مثل دولة الإمارات العربية المتحدة أمر بالغ الأهمية. كما يتطلب البذر السحابي إمدادات مياه ثابتة وكافية لإنتاج وسائل البذر. وتعد الموازنة بين الحفاظ على موارد المياه العذبة واستهلاكها لتلبية الاحتياجات الملحة تحدياً كبيراً آخر. بالإضافة إلى ذلك، يعد إجراء تقييمات الأثر البيئي الشاملة أمراً بالغ الأهمية لفهم العواقب البيئية المحتملة للبذر السحابي.

يحمل مستقبل البذر السحابي فرصاً وتحديات، ويواصل الباحثون وصانعوا السياسات استكشاف إمكاناته. ويمكن أن تقود تلك الأبحاث والعمليات إلى تقدم في مجال الأرصاد الجوية والاستشعار عن بعد وعلوم الغلاف الجوي، ما يعود بالفائدة على المجتمع العلمي برمته. ومع ذلك، يتطلب التأثير البيئي للبذر السحابي دراسة وتقييم دقيقين لتقليل الآثار السلبية المحتملة على النظم البيئية. سيمتلك البذر السحابي القدرة على الإسهام في الأمن المائي ودعم التنمية الزراعية في المناطق التي تندر فيها المياه حول العالم، وذلك عبر الاستثمار المستمر في البحث والتكنولوجيا والتعاون الدولي والممارسات المستدامة.

المحتوى محمي