كيف ندعم الريادة الاجتماعية في المناطق الفقيرة؟

14 دقيقة
غياب العدالة
(آيستوك/ إيرينا كيوي)

تُعنى الريادة الاجتماعية في إيجاد الحلول لغياب وجوه العدالة الاجتماعية، لكنها لا ترقى غالباً إلى خلق الفرص للذين يعانون وطأة غياب العدالة حتى يصبحوا رواداً اجتماعيين.

وُلد رائد الأعمال الاجتماعية دي جي بولا في حي جارديم أنجيلا الفقير في ساو باولو في البرازيل، الذي كان يُعتبر في التسعينيات من أخطر الأماكن في العالم. كان يبلغ من العمر 18 عاماً عندما بدأ مغامرته الجديدة، وكان حينها يعمل بوظيفة عامل توصيل طلبات على دراجته النارية في النهار وفي الليل يعمل على مشروعه الجديد الذي أسماه أبنكا (A BANCA) وهو مؤسسة اتخذت من موسيقا الهيب هوب وسيلة من أجل تحسين حياة الشباب في حي جارديم أنجيلا والمناطق المجاورة له.

تعرَّف دي جي بولا بعد بضع سنوات على برنامج مسرّع الأعمال أرتيميزيا (Artemisia)، وهو أول برنامج تسريع للمؤسسات الاجتماعية في البرازيل. حيث قبِل البرنامج مشروعه وفتح له الأبواب لعالم جديد. تمكن دي جي بولا من إدراك إمكانات مشروعه بالكامل وبدأ بحضور الفعاليات وتكوين علاقات داخل منظومة الريادة الاجتماعية. وفي أثناء حضوره لإحدى هذه الفعاليات في عام 2014، لاحظ دي جي بولا غياب أشخاص يشبهونه؛ حتى النوادل بدوا أكثر ثراء منه. حيث كان الحاضرون يناقشون الحلول التي يمكن أن تساعد الفقراء، ومن المفارقة أنه كان الوحيد في القاعة الذي ينطبق عليه وصف "الفقراء". وشعر في لحظة أنه لا ينتمي إلى هذا المكان، وقرر المغادرة والعودة إلى منزله. لكنه أخذ نفساً عميقاً ثم اتصل بزوجته وقرر البقاء. إذ أدرك في تلك اللحظة أنه في حال غادر تلك القاعة فسيخسر فرصة مهمة لإيصال صوت الكثير ممن لا صوت لهم.

ولم يبق دي جي بولا في الاجتماع فحسب، بل شارك بعد بضع سنوات في تأسيس مؤسسة أنيب (ANIP) لدعم الرواد الاجتماعيين من الأحياء الفقيرة في البرازيل. وابتداء من عام 2022، استطاعت مؤسسة أنيب التأثير في أكثر من 100 رائد اجتماعي وقدمت أكثر من مليون ريال برازيلي (ما يقرب من 190 ألف دولار أميركي) على شكل رأس مال أولي لمشاريع يقودها رواد اجتماعيون من المجتمعات المحرومة على غرار حي جارديم أنجيلا.

تُوضح قصة دي جي بولا إحدى معضلات منظومة الريادة الاجتماعية، فهي ومن دون قصد غالباً ما تحافظ على استمرارية حالة عدم المساواة الأساسية في النظام الرأسمالي وغالباً ما تعمل بعقلية استعمارية، حيث يتم تصوير الأثرياء على أنهم "مخلِّصو الفقراء" لأنهم يضعون مبادرات تهدف إلى تحسين الحياة، لكن هذه المبادرات لا تؤثر مطلقاً في البنية الطبقية التي تُفاقم الفقر والإقصاء. ومع أن فوائد المؤسسات الاجتماعية معروفة بشكل واسع، فقلة قليلة من الناس تعرف ما معنى أن تكون رائداً اجتماعياً من خلفية فقيرة. فالأمثلة على المؤسسات الاجتماعية الناجحة التي أنشأها رواد أعمال من مجتمعات فقيرة لخدمة مجتمعاتهم قليلة. تُعنى الريادة الاجتماعية في إيجاد الحلول لغياب وجوه العدالة الاجتماعية، لكنها لا ترقى غالباً إلى خلق الفرص للذين يعانون وطأة غياب العدالة حتى يصبحوا رواداً اجتماعيين.

دفعنا الإعجاب بقصص النجاح على غرار قصة دي جي بولا إلى إجراء استقصاء في عامي 2020 و2021 شمل 101 من الرواد الاجتماعيين في البرازيل من خلفيات اقتصادية مختلفة. حيث مكننا هذا الاستقصاء، الذي أجريناه بالشراكة مع مؤسسة أريماكس الخيرية (Arymax Foundation) وبرنامج سيفوريس (SEFORIS) (برنامج متعدد المجالات تموله المفوضية الأوروبية لاكتشاف إمكانات الريادة الاجتماعية في أوروبا والعالم)، من تحديد كيف تعكس الريادة الاجتماعية غياب العدالة الاجتماعية في البلاد. وتوصلنا إلى وجود بون واسع بين الرواد الاجتماعيين من المجتمعات الفقيرة والرواد الاجتماعيين الذين ينتمون إلى الطبقات الاجتماعية العليا في البرازيل، وبخاصة من حيث قدرتهم على تأمين رأس المال المالي والبشري والنفسي والاجتماعي.

كما كشفت أبحاثنا أن البنية الطبقية للمجتمع البرازيلي تنعكس في مجال الريادة الاجتماعية عبر آليتين اثنتين. تتعلق الأولى بالفكرة السائدة أن أصحاب المشاريع الأثرياء يتمتعون بقدرة أكبر على خلق الابتكار الاجتماعي. أما الثانية فتتمثل في الصعوبات الجمّة التي يواجهها الرواد الاجتماعيون من المجتمعات الفقيرة في إنشاء الأعمال التجارية وتطويرها وتنميتها، ما يحد من قدرتهم على الابتكار أو إحداث تأثير اجتماعي. وفي حال أخذنا هذين العائقين في الحسبان فمن الضروري إعادة النظر في آليات الدعم المتاحة لرواد الأعمال أولئك، بحيث لا نكرر النموذج الرأسمالي التقليدي في مجال يهدف بشكل رئيسي إلى الحد من غياب المساواة.

آفاق الريادة الاجتماعية

حظيت الفكرة المتمثلة في الاستفادة من الريادة الاجتماعية كوسيلة لحل المشكلات الاجتماعية بقبول واسع في العقدين الماضيين. وحذا العديد من الرواد الاجتماعيين حذو محمد يونس ومؤسسته بنك غرامين (Grameen Bank) باستخدام آليات السوق لإنشاء مؤسسات تهدف بشكل رئيسي إلى معالجة القضايا الاجتماعية أو البيئية. ونشهد انتشاراً لمنظومة تضم مستثمرين مؤثرين، ومسرعات أعمال، ومؤسسات داعمة، ورواد اجتماعيين في جميع أنحاء العالم، تحركهم جميعاً إمكانية خلق قيمة مشتركة تكسب فيها الشركات وتعم الفائدة في المجتمع في آن واحد.

ولا يؤثر هذا الهدف الذي يلهم العديد من رواد الأعمال في قطاع الريادة الاجتماعية فحسب، بل في المؤسسات التي يتواءم ذلك الهدف مع اتجاهها ومبادراتها، على غرار شركات بـ (B Corps) وشركات الميثاق العالمي للأمم المتحدة (United Nations’ Global Compact). وثمة حالات تؤدي فيها الحكومات ومؤسساتها دوراً في هذا المجال، مثل سندات التأثير الاجتماعي وإنشاء حوافز ضريبية للاستثمار الاجتماعي. ويحمل هذا الاتجاه آثاراً مباشرة على المجتمع، حيث استفادت ملايين الأسر الضعيفة في السنوات الأخيرة.

ومع ذلك، فإن منطق الريادة الاجتماعية، حتى حسن النية منه، يشبه منطق العقلية الاستعمارية، حيث يتعامل الأغنياء مع مشكلات الفئات الأكثر ضعفاً دون إشراكهم بالضرورة في حل هذه المشكلات. وعلى المستوى عالمي، ما يزال معظم الرواد الاجتماعيين في الأسواق الناشئة يأتون من البلدان المتقدمة أو الطبقات الاجتماعية العليا.

يعدُّ إشراك الفئات الأكثر ضعفاً في إيجاد الحلول أمراً ضرورياً إذا أُريد لتلك الحلول أن تكون فعالة. وعلى الرغم من أن الرأسمالية ذات النوايا الحسنة ممارسة شريفة وتحمل تأثيراً إيجابياً على المجتمع، فثمة العديد من النُهج لدعم الرواد الاجتماعيين من خلفيات فقيرة ما تزال تركز على القوة والابتكار. وبدلاً من التخفيف من آثار التفاوت الاجتماعي والاقتصادي القائم فهي تعززها، لأنها لا تشجع السكان الفقراء على أن يكونوا رواداً للابتكار الاجتماعي، وغالباً ما تمنعهم من تطوير المهارات والمعارف اللازمة لتوسيع نطاق الفوائد التي تقدمها المؤسسات الاجتماعية الناشئة في مجتمعاتهم. لذا من الضروري تحديد العقبات التي تعترض طريق التنمية الشاملة للرواد الاجتماعيين ومعرفة آليات التغلب عليها.

بيئة ريادية غير سليمة

تبدأ عملية ريادة الأعمال على المستوى الفردي بمجموعة من الموارد التي تسمح للأهداف والتطلعات بالتحقق مع مرور الزمن. وغالباً ما تفرض القيود المرافقة لهذه الموارد على الأفراد إعطاء الأولوية للأهداف التجارية وليس الأهداف الاجتماعية؛ وبالتالي لا يمكن لأفراد المجتمع "تحمل تكلفة" العمل الريادي الاجتماعي في الأماكن التي تشتد فيها الحاجة إلى الريادة الاجتماعية.

تؤثر البيئة الريادية غير السليمة هذه سلباً في كل من أهداف ريادة الأعمال ونجاحها. فثمة مشكلات تعيق إنشاء الشركات وتطويرها وتوسعها واستمراريتها مثل صعوبة الحصول على الإنترنت، والصعوبات اللوجستية، والعوائق التي تحول دون الوصول إلى الأسواق. كما تقوم عدة عوامل بزيادة القيود المفروضة من البيئة الريادية غير السليمة سوءاً مثل غياب الحوافز والدعم من القطاع العام، وارتفاع احتمالية فشل الشركات التي تركز على إحداث تأثير اجتماعي مقارنة بتلك التي تركز فقط على العوائد الاقتصادية.

ويكشف البحث الذي أجريناه أن الرواد الاجتماعيين القادمين من مجتمعات فقيرة يواجهون العديد من العقبات التي تطيل من عمر غياب العدالة الاجتماعية في البرازيل. وحجتنا الرئيسية في ذلك التي تدعمها النتائج التي توصلنا إليها أن الرواد الاجتماعيين هؤلاء يعانون بشكل كبير من صعوبة الحصول على أربعة أنواع من رأس المال: المالي والبشري والنفسي والاجتماعي.

لنلقِ نظرة على هذه الأنواع الأربعة واحداً تلو الآخر.

رأس المال المالي

يزداد رضا الرواد الاجتماعيين كما تزداد سعادتهم بتوفر رأس المال المالي وفقاً للبحث. وأظهر العديد من الدراسات ارتباط راحة الرواد الاجتماعيين بحجم المدخرات التي يمتلكونها في المجتمعات التي تتميز بمستويات عالية من الفقر. ولكن بمجرد تلبية احتياجاتهم الأساسية، لا يؤدي أي دخل إضافي بالضرورة إلى راحة أكبر.

كما يعد الحصول على الموارد المالية عاملاً رئيسياً لبدء أي عمل تجاري جديد واستمراره إلى جانب التأثير في راحة العمل. وبالنظر إلى أهمية رأس المال المالي للرواد الاجتماعيين، فمن الأهمية بمكان تطوير آليات مالية تدعمهم حتى يتمكنوا من التقدم والازدهار.

كشف بحثنا أن الرواد الاجتماعيين القادمين من مجتمعات فقيرة يملكون رأس مال مالي ضئيل وأن رأس مالهم الأولي لبدء الأعمال أقل بـ 37 مرة من رأس مال الرواد الاجتماعيين القادمين من الطبقات الثرية. كما كانت مبيعات المؤسسات الاجتماعية التابعة لهم أقل بـ 21 مرة من مبيعات مؤسسات رواد الأعمال من الطبقات الثرية؛ على الرغم من أنه في المتوسط لم يتكبد رواد الأعمال من المجتمعات الفقيرة أي خسائر في العام السابق وفقاً للاستقصاء الذي أجريناه. وفي المقابل تجاوزت الخسائر عند رواد الأعمال من الطبقات الثرية 280 ألف ريال برازيلي (56,000 دولار) في المتوسط. وذلك يسلط الضوء على الصعوبات التي يواجهها رواد الأعمال الفقراء، ليس فقط من حيث الحصول على رأس المال المالي لإنشاء الأعمال، بل في القدرة على تحمل المخاطر وتحمل الديون لدعم النمو على المدى الطويل أيضاً، ما يعد عائقاً رئيسياً أمام رواد الأعمال لتوسيع نطاق أعمالهم وإحداث تأثير أكبر وأوسع في المجتمع.

ويرتبط هذا العامل ارتباطاً وثيقاً بمكون أساسي آخر من عوامل التوسع وهو التكنولوجيا التي تتطلب عادة قدراً كبيراً من رأس المال لتوظيفها. وبالتالي، ليس من المستغرب قلة استخدام معظم المؤسسات الاجتماعية الناشئة في المجتمعات الفقيرة للتكنولوجيا. وتتجسد هذه الصعوبة في مثالين في البرازيل هما مؤسستا جاوبرا (Jaubra) وويوز (Weuse). فمؤسسة جاوبرا عبارة عن منصة استئجار سيارات شبيهة بأوبر، بيد أن سائقيها من الأحياء الفقيرة التي لا تعمل فيها أوبر خوفاً من السرقة والعنف. تلقت جاوبرا دعماً من السائقين والعملاء، حيث عملت لسنوات باستخدام رسائل الواتساب، لكنها لم تتمكن من الحصول على رأس مال مالي لدعم تطوير تطبيق خاص بها، ما كان من الممكن أن يمهد الطريق أمام توسع أعمالها. وذلك ما حدث مع مؤسسة ويوز، وهي منصة كانت تؤجر الملابس للذين يجدون صعوبة في الحصول على ملابس للذهاب إلى العمل. كانت المؤسسة تنمو وتمكنت من الحصول على استثمار ملائكي لدعم تطوير التكنولوجيا اللازمة. لكن تفشي كوفيد 19-COVID أدى إلى صعوبة تأمين المزيد من الاستثمارات، وبالتالي انخفضت المبيعات. حيث أدت صعوبة الحصول على قروض أو تمويل بديل في النهاية إلى إقفال المؤسسة. يمثل هذان المثالان حالة العديد من رواد الأعمال المؤهلين لتحقيق الإنجازات مع نموذج عمل قابل للتطبيق وإمكانات نمو كبيرة، لكنهم لم يتمكنوا من النمو أو النجاة من أي أزمة بسبب عدم قدرتهم على الحصول على رأس المال المالي.

رأس المال البشري

يرتبط رأس المال البشري بالمعارف والعلوم الاختصاصية وغير الاختصاصية التي يكتسبها رائد الأعمال طوال حياته. فالسلوك والمهارات هي التي تمكّن الأفراد من استخدام كفاءاتهم ليصبحوا أكثر إنتاجية وفعالية. ويرتبط رأس المال البشري بشكل إيجابي بالإبداع وخلق القيمة.

ثمة فجوة كبيرة في التعليم الاختصاصي عند رواد الأعمال في المجتمعات الفقيرة، الذين عادة ما يكون تعليمهم محدوداً وأقل جودة بشكل عام مع صعوبات في الحصول على تعليم خاص بمفاهيم إدارة الأعمال. حيث بلغت نسبة الرواد الاجتماعيين من المجتمعات الفقيرة في عيّنة بحثنا من الذين لم تتح لهم فرصة الحصول على تعليم عالٍ ما يقرب من 30%. بينما تنخفض هذه النسبة بين الرواد الاجتماعيين الأثرياء إلى 5%. ولا يؤثر الافتقار إلى التعليم الاختصاصي في الرواد الاجتماعيين فحسب، بل يؤثر أيضاً في موظفيهم الذين غالباً ما يفتقرون أيضاً إلى المعرفة الإدارية والمهارات الأخرى اللازمة لتطوير الأعمال.

وفي حين لا يمكن نقل العلوم الاختصاصية ببساطة إلى المجتمعات الفقيرة، فإن زيادة الحصول على هذه العلوم يمكن أن تدعم رواد الأعمال في إدارة أعمالهم بشكل أفضل، وبالتالي المساعدة في تطوير مجتمعاتهم. ينبغي تمكين الرواد الاجتماعيين لبناء معارفهم الاختصاصية عبر جماعات الممارسة والتعلم الاجتماعي الميداني (تجربة مجموعتهم الاجتماعية).

تحاول مؤسسات كثيرة في البرازيل سد هذه الفجوة. إحداها مؤسسة إمبريندي آيي (Empreende Aí) التي أنشأها زوجان أصلهما من المنطقة الجنوبية لمدينة ساو باولو وحصلا على فرصة لدراسة إدارة الأعمال في الجامعة، ويعتبران مؤسستهما فرصة لتعليم ريادة الأعمال للأشخاص القادمين من بيئة مشابهة لبيئتهما. بدأ المؤسسان عملياتهما دون أي رأس مال أولي بتمويل من التبرعات ورأس مال جمعاه من المناقصات العامة والخاصة. وخضعت المؤسسة بعد بضع سنوات لبرنامج مؤسسة أنيب لتسريع الأعمال، واكتسبت منه قوة دفع إلى الأمام، وحاولت التحول إلى نهج الشركات التي تقدم خدماتها للعملاء مباشرة بإجراء دورات لرواد الأعمال. لكن تلك الاستراتيجية لم تكن ناجحة لأن رواد الأعمال في هذه المناطق لا يملكون المال لكي يستثمروه في تطوير مهاراتهم. لذا تتبنى مؤسسة إمبريندي آيي حالياً نموذج التعامل التجاري مع الشركات والأفراد (B2B2C)، حيث تستثمر الشركات والمؤسسات في برنامجها التدريبي الذي تقدمه مجاناً لرواد الأعمال من المجتمعات الفقيرة. إن تطوير رأس المال البشري ليس بالأمر السهل لوجود فجوة هيكلية في التعليم، لذا ينبغي أن تستخدم البرامج التدريبية لغة بسيطة ومباشرة لتكون سهلة التعلم وذات فائدة لرواد الأعمال ولتمكنهم من دمج ما يتعلمونه في عملهم اليومي. وتحقيق ذلك يكون أسهل من خلال مؤسسة ذات خلفية فقيرة أيضاً، كما هو الحال مع مؤسسة إمبريندي آيي.

رأس المال النفسي

يشير هذا المصطلح إلى حالة التطور النفسي الإيجابي للفرد وتتميز بتحليه بالثقة في تولي المهام الصعبة، والتفاؤل بشأن النجاح الحالي والمستقبلي، والمثابرة على تحقيق أهدافه، واتخاذ مسار جديد كلما لزم الأمر لتحقيقها، وقدرته على تحمل الإخفاقات. ويعد رأس المال النفسي مورداً ذاتياً مهماً يتيح لصاحبه التعرف على الفرص وتعزيز الابتكار، فضلاً عن أهميته لرفاهة رواد الأعمال ورضاهم.

وقد توصل بحثنا إلى ضعف رأس المال النفسي عند الرواد الاجتماعيين الفقراء وتميزه بمستوى متدنٍ من الشعور بالرضا. ففي حين أفاد 76% من رواد الأعمال الأثرياء بأنهم راضون عن العمل الذي يقومون به؛ تبلغ هذه النسبة 44% فقط بين أولئك الذين ينتمون إلى المجتمعات الفقيرة.

ويتمثل أحد التحديات التي يواجهها هذا النوع من الرواد الاجتماعيين في افتقارهم إلى نماذج إيجابية يحتذى بها وعدم إيمان المجتمع بهم كمشاريع قادة عظماء. يعد إيدو ليرا من أنجح الرواد الاجتماعيين في البرازيل حيث أنشأ مؤسسة جيراندو فالكويس (Gerando Falcões) التي تكافح الجوع والفقر. وقد ذكر إيدو ليرا أنه لم يكن لديه قدوة قط في طفولته التي قضاها في أحد الأحياء الفقيرة بمدينة غواروليوس في ولاية ساو باولو البرازيلية. وكان والده تاجر مخدرات، وجاره قاتلاً، والمسار "التقليدي" المتوفر له مسار حياة الجريمة. وعلى الرغم من تلك الظروف، وبدعم نفسي من والدته، وبمبادرة ذاتية قوية وشجاعة، أصبح رائداً اجتماعياً. يمثل إيدو ليرا حالة فريدة لشخص استطاع أن يؤمن بنفسه، على الرغم من إرادة المجتمع لقولبته كشخص بلا مستقبل. وبحلول عام 2022 استطاعت مؤسسته الاجتماعية جيراندو فالكويس توسيع تأثيرها ليشمل أكثر من 6,000 حي من الأحياء الفقيرة في جميع أنحاء البرازيل. استطاع إيدو ليرا أن يعتمد على معنوياته القوية ورأس ماله النفسي اللذين يمثلان في معظم الحالات عقبة أمام استمرار المؤسسات الاجتماعية ونموها في مجتمعات مثل مجتمعه.

رأس المال الاجتماعي

يتطلب تكوين رأس المال الاجتماعي شبكات من العلاقات التي تتشكل وتتوسع عبر بناء العلاقات الشخصية. وبشكل عام ثمة نوعان من هذه العلاقات: علاقات قوية ضمن مجموعات صغيرة ومتجانسة، وعلاقات ضعيفة ضمن مجموعات كبيرة وغير متجانسة تشمل الأشخاص الذين لا يتواصل معهم رواد الأعمال على نحو يومي أو يكون التواصل معهم ضعيفاً. فرواد الأعمال الذين يفتقرون إلى علاقات متعددة مع ذوي القوة الاقتصادية تنخفض لديهم فرصة الوصول إلى المعلومات والموارد التي تأتي من الشبكات الأخرى، والتي تشكل عاملاً مهماً لنجاح أعمالهم.

يستخدم رواد الأعمال عموماً رأس المال الاجتماعي في المجتمعات الفقيرة لملء الفراغات المؤسسية من أجل الوصول إلى الموارد النفسية أو البشرية أو المالية ومن جميع الأنواع. وتدعم دراسات سابقة الحجة القائلة بأن الشبكات الاجتماعية أكثر أهمية لرواد الأعمال في الاقتصادات الناشئة منها في الاقتصادات المتقدمة. وتميل العلاقات بين الأفراد الذين يتشاركون في خصائص متشابهة ضمن المجتمعات إلى النمو، وفي حالة المجتمعات الفقيرة، تتطور العلاقات بين الأفراد الذين لديهم مستويات متماثلة من انخفاض الموارد.

وتحد الصعوبة في الوصول إلى الشبكات الأخرى القدرة على إقامة شراكات مع عدد مناسب من المؤسسات والحصول على الموارد الضرورية لتطوير الأعمال عند رواد الأعمال من هذه المجتمعات. وتتوافق خلاصة بحثنا مع هذه النتائج: في المتوسط، تمتع الرواد الاجتماعيون الأكثر ثراء بشراكات مع مؤسسات أخرى بنسبة 36% أكثر من الرواد الاجتماعيين من المجتمعات الفقيرة.

وتقدم حالة إيدو ليرا مثالاً على الرائد الاجتماعي الذي جاء من مجتمع مدقع الفقر لكنه تمكّن من بناء شبكة قوية مع أشخاص أكثر ثراء يؤمنون بقضيته وأفكاره. حيث تمكّن إيدو ليرا بمساعدة عدد قليل من أغنى الشخصيات في البرازيل من التوسع والحصول على دعم العديد من المؤسسات والشركات الكبيرة والشخصيات الثرية. لكن حالته استثنائية للأسف. ثمة صعوبات أمام الرواد الاجتماعيين من المجتمعات الفقيرة في إنشاء علاقات مع شبكات متنوعة تمكنهم من الوصول إلى الأسواق والموارد المختلفة. ويزداد الأمر صعوبة كلما تقاطعت أشكال التمييز (على غرار العِرق واللون والطبقة الاجتماعية والنوع) في خلفيتهم. فإمكانية الوصول إلى هذه الشبكات أكثر صعوبة للمرأة السمراء من إمكانية وصول الرجل الأبيض إليها حتى لو كان كلاهما من الحي الفقير نفسه. وهذا ما يدل على أن غياب العدالة في مجال ريادة الأعمال الاجتماعية يتجاوز الطبقات الاجتماعية. فهو يتعلق بالنوع والعِرق والقوالب النمطية في المجتمعات.

يمكن تحليل رؤوس الأموال المالية والبشرية والاجتماعية والنفسية بشكل منفصل، لكنها مترابطة وتشكل مجموعة يكون فيها رواد الأعمال من المجتمعات الفقيرة عموماً مظلومين ويعانون نقصاً في هذه الأنواع الأربعة من رؤوس الأموال.

الدلائل العِرقية وتأثير الأزمة

التمييز العرقي واضح وجلي في وجه معظم ذوي البشرة السمراء في البرازيل. فبينما يشكل ذوو البشرة السمراء نسبة 75% من فقراء البرازيل، يشكل أصحاب البشرة البيضاء 70% من الأغنياء. وينعكس هذا الاختلاف، بل ويزيد، في مجال الريادة الاجتماعية، حيث أبلغ 87.5% من الرواد الاجتماعيين من المجتمعات الفقيرة في استقصائنا أنهم من ذوي البشرة السمراء، بينما أبلغ 91% من الرواد الاجتماعيين الأثرياء أنهم من ذوي البشرة البيضاء.

وللاختلافات الاجتماعية والاقتصادية تبعات كبيرة على قدرة رواد الأعمال على التعامل مع الأزمات. فبينما لم يكن لجائحة كوفيد-19 أي تأثير في متوسط أداء مبيعات الرواد الاجتماعيين الأكثر ثراء، انخفضت مبيعات رواد الأعمال من المجتمعات الفقيرة بنسبة 27%، وتعرض نصف مؤسساتهم لخطر الإفلاس بسبب الجائحة. وذلك يدل على أن الرواد الاجتماعيين الفقراء لا يكونون في وضع مريح عند تأسيس أعمالهم التجارية فحسب، بل في وضع أكثر هشاشة في الأزمات، ما يزيد من اتساع الفجوة بين الفريقين.

وتطيل هذه الحالة من أمد غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية، لأن الذين يبحثون عن حلول للقضايا الاجتماعية التي تؤثر في المجتمعات الفقيرة هم من الطبقة الثرية. وفي المقابل يُترك رواد الأعمال من الطبقة الفقيرة دون خيار سوى تكرار النماذج الناجحة القائمة مسبّقاً مع مساحة وظروف ضئيلة للابتكار.

وفي حال أردنا خلق الظروف المواتية للتغير الهيكلي على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، فعلينا تحطيم الجدران الجلية والخفية بين طبقات المجتمع والتفكير في فرص جديدة تحقق المساواة للمجتمعات المحرومة في أثناء عملهم على تطبيق حلولهم لمشكلاتهم. وذلك لا يدعم إنشاء منتجات وخدمات جديدة فحسب، ولكن يدعم بناء نماذج عمل جديدة وابتكاراً اجتماعياً ذا تأثير حقيقي أيضاً. في هذا المنظور الجديد لا يكون الفقراء مستهلكين أو مستفيدين أو منتجين، بل رواد الحلول المبتكرة.

وعلى الرغم من كل التحديات، يتمتع الرواد الاجتماعيون من المجتمعات الفقيرة ببعض المزايا النسبية في عملهم في المجال الاجتماعي. وبحثنا ثلاثاً منها على وجه التحديد: التجربة المباشرة للمشكلات التي يواجهها المجتمع، والمعرفة بطبيعة الحال على أرض الواقع، والقدرة على الوصول إلى الأشخاص الذين سيستفيدون من أعمالهم.

ففي حين يسعى الرواد الاجتماعيون من الطبقات الثرية إلى فهم المشكلات من وجهة نظر خارجية كغرباء، يعيش الرواد الاجتماعيون من المناطق التي يخدمونها المشكلات التي يسعون لحلها بشكل يومي. وتضفي هذه التجربة العملية للمشكلات المزيد من المصداقية على إجراءاتهم وتعني أن الرسالة والهدف والاشتراك في القضية والشعور بالحاجة الملحّة تصب جميعها في صلب العمل.

كما تتيح لهم التجربة الشخصية لرواد الأعمال بيانات "التحري عن السوق" حول مجتمعاتهم التي تقع في العادة خارج البيانات التي يمكن لأبحاث السوق تجميعها. والأهم من ذلك أنهم قادرون على استخدام المفردات المناسبة عند تفاعلهم مع الجمهور والعملاء، ولديهم معرفة عميقة بمكامن المعوقات والمثبطات التي تحول دون تنفيذ الابتكارات الاجتماعية.

وأخيراً، يتمثل أحد أكبر تحديات العمل في المناطق الفقيرة في "المرحلة الأخيرة"، أي كيفية الوصول إلى الأسواق والسكان المستهدفين بكفاءة. حيث يتمتع الرواد الاجتماعيون الذين يعيشون في مجتمعاتهم المستهدفة بميزة تنافسية طبيعية وهي قدرتهم على الوصول إلى المستفيدين.

أدوار جديدة في منظومة التأثير

قد يُعد اعتبار المجتمعات الفقيرة مجتمعات قادرة على إبداع الحلول الجديدة نهجاً ساذجاً أو خيالياً. حيث تتطلب الصعوبات التي يواجهها الرواد الاجتماعيون الذين شملهم بحثنا استراتيجيات إنقاذ وليس ابتكارات جذرية. ولتغيير هذا الحال، يجب على مؤسسات منظومة التأثير إعادة النظر في دورها والعمل بفعالية لتدريب رواد الأعمال من هذه المجتمعات ودعمهم للتغلب على تلك الصعوبات.

ثمة حاجة إلى آليات مالية جديدة مصممة على نحو خاص لرواد الأعمال من الخلفيات الفقيرة للمساعدة على تخفيف المخاطر المالية المرتبطة بتطوير الابتكار. كما ينبغي أن تتوافق هذه الآليات مع برامج دعم رواد الأعمال والمدراء وتدريبهم لكي يتمكنوا من تطوير حلول جديدة (منتجات وخدمات) قد تكون غير تقليدية ولكنها تتناسب مع واقعهم الاجتماعي. وبالإضافة إلى معالجة القضايا المالية والتنظيمية والهيكلية، ينبغي تنسيق مبادرات للدعم النفسي لمساعدة رواد الأعمال على التعامل مع التحديات الكامنة في هذه الرحلة ومع التحديات الشخصية والمجتمعية الأخرى المرتبطة بالعمل في سياق موارد محدودة.

كما ينبغي رفع مستوى التعاون بين مختلف الجهات الفاعلة مثل الشركات الكبرى والمؤسسات غير الحكومية ومؤسسات الدعم ورجال الأعمال وهيئات الحكومة. ونعتقد أن هذا التعاون سيخلق طرقاً بديلة لتعزيز المؤسسات الاجتماعية في هذه الطبقة من المجتمع. ويتماشى ذلك مع مفهوم منظومة العمل حيث تخلق مكوناتها بشكل متناغم ظروفاً أفضل للجميع.

تهدف مؤسسة أنيب التي أنشأها دي جي بولا إلى الحصول على رؤية متكاملة والالتزام بتسهيل الحصول على الأنواع المختلفة من رأس المال. تأسست أنيب في عام 2018 عبر تحالف بين مسرع الأعمال أرتيميزيا ومركز ريادة الأعمال والأعمال الجديدة في كلية ساو باولو لإدارة الأعمال (FGVcenn) ومؤسسة أبنكا الاجتماعية التي شارك دي جي بولا في تأسيسها. وتقدم مؤسسة أنيب دورات تعليمية في ريادة الأعمال وتدريباً في الإدارة. كما تزود الرواد الاجتماعيين من الأحياء الفقيرة برأس مال مالي عبر القروض ورأس المال الأولي، وتسهل وصولهم إلى الأسواق وشبكات التبادل، وتعزز ثقتهم بأنفسهم، وتسهل إقامة جلسات محادثات الدعم النفسي بين الأقران.

ساعدت مؤسسة أنيب على مدى أربع سنوات 105 مؤسسات اجتماعية بشكل مباشر من المجتمعات الفقيرة، وقدمت أكثر من مليون ريال برازيلي (حوالي 190,000 دولار أميركي) على شكل رؤوس أموال أولية في الأحياء الفقيرة في البرازيل، وتعاونت مع أكثر من 200 جهة فاعلة في منظومة المؤسسات الاجتماعية. وتعمل المؤسسة على نحو مكثف مع رواد الأعمال الاجتماعيين لإظهار قدرتها على الابتكار المزعزع. كما أنشأت روابط بين عدد من الجهات الفاعلة من المجتمع المدني والقطاع الخاص لتعزيز التغييرات التي تنبع من المجتمعات الفقيرة نفسها. وبهذه الطريقة يكون الدور القيادي والإداري الرئيسي لدي جي بولا ومؤسسته أبانكا في مؤسسة أنيب ضرورياً للحفاظ على ثقافة المجتمعات التي يخدمها وطريقة تفكيرها ومنطقها.

تعد الجغرافيا والموقع المشترك عاملين ضروريين لتطوير التعاون والشراكات والدعم في منظومة ريادة الأعمال. تؤكد التعريفات الأساسية للمنظومة أنها مجموعة من الجهات الفاعلة المترابطة في نطاق جغرافي واحد، حيث تتفاوت العوامل الجغرافية المؤثرة حسب كل منطقة. في الواقع، يعتمد توطيد أي منظومة تأثير اجتماعي تتمتع بالقوة والحيوية على التفاعل الداخلي والمستمر بين الجهات الفاعلة ضمن هذه المنظومة التي تتشارك في تعزيز القيم المشتركة والبحث عن الهياكل والموارد اللازمة لتطوير المؤسسات الاجتماعية بدلاً من فرض الإجراءات عليها.

وعلى الرغم من تمتع الريادة الاجتماعية في المجتمعات الفقيرة بالخبرة المحلية والمعرفة وسهولة الوصول إلى الأسواق، ما تزال العوامل الموضوعية وعدم القدرة على الحصول على رأس المال تشكل عقبات أمام نجاحها، ما تعكس هياكل عدم المساواة في الأسواق الناشئة وتكرس العقلية الاستعمارية. نحن نؤمن بأن تطوير الآليات الهيكلية من القاعدة إلى القمة بطريقة تعاونية وشاملة وغير استعمارية يمكن أن يساعد الريادة الاجتماعية على تطوير إمكاناتها للعمل نحو مجتمع أفضل.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي