دعم رواد الأعمال المتنوعين من أجل تحقيق العدالة المناخية

رواد الأعمال
shutterstock.com/p.ill.i
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يستخدم رواد الأعمال الذين يركزون على المجتمع نماذج العمل والتكنولوجيا الابتكارية من أجل إتاحة الطاقة المتجددة والبيئة الصحية للجميع.

في عام 1983 أجرت الحكومة الأميركية دراسة وثقت تركيز مكبات النفايات الخطِرة في مجتمعات أصحاب الدخل المنخفض وأصحاب البشرة الداكنة، وكانت واحدة من أولى الدراسات التي تسلط الضوء على تقاطع المشكلات البيئية مع التمييز العنصري. وفي الأعوام الأربعين التي تلتها ازدادت أهمية التعامل مع مشكلة التغير المناخي على اعتباره أحد أوجه حركة العدالة البيئية، وفي هذه الفترة ازدادت حرارة سطح الأرض في الولايات المتحدة بمعدل 0.65 درجة مئوية وسطياً ودخل ما بين 6-7 مليارات طن متري من غاز الدفيئة إلى الغلاف الجوي سنوياً.

في حين تمثل هذه الزيادات تهديداً خطِراً للحياة بجميع أشكالها، فهي توقع آثاراً هائلة على مجتمعات الشعوب الأصلية وأصحاب البشرة الملونة. وفقاً لوكالة الحماية البيئية الأميركية، يواجه الأميركيون أصحاب البشرة الداكنة وذوو الأصول الإفريقية في الولايات المتحدة احتمالات أعلى بنسبة 40% من غيرهم للعيش في مناطق يُتوقع أن تعاني أكبر زيادة في معدلات الوفيات المرتبطة بالتغيير المناخي، ويتوقع أن تزداد هذه النسبة إلى 59% إذا وصل الاحتباس الحراري إلى 4 درجات مئوية.

ولذلك يجب أن نعمل بسرعة على إزالة الكربون والانتقال إلى النظام الاقتصادي المنخفض الكربون الملائم؛ حيث توقعت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقريرها الأخير أنه من الضروري تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى النصف بحلول عام 2030 من أجل ضمان ألا يزيد الاحتباس الحراري على 1.5 درجة مئوية تقريباً، ولكن من الضروري أيضاً أن تكون العملية عادلة لضمان أن تكون الشعوب والمجتمعات الأكثر عرضة للخطر محوراً للاهتمام في العمل المناخي، أي أنه من الضروري أن تصل الفرص التجارية والتنموية الجديدة إلى المجتمعات الأكثر تأثراً بالتغير المناخي.

تقدّر جمعية الأسواق المالية العالمية أن تحقيق نقلة عادلة إلى الطاقة المتجددة ستكلف ما يتراوح بين 3 تريليونات دولار و5 تريليونات دولار كل عام على مدى الأعوام الثلاثين المقبلة، وفي الوقت ذاته تعاني مجتمعات أصحاب البشرة الداكنة والشعوب الأصلية وأصحاب البشرة الملونة نقص التمويل حتى للأنشطة التي تدعم مشاركتهم الفعالة في الانتقال إلى النظام الاقتصادي الأخضر. مثلاً، تمكن 1% فقط من مالكي الشركات أصحاب البشرة الداكنة من الحصول على القروض في عام التأسيس، كما أن القيمة الوسطية للحصص التي يملكها الأميركيون أصحاب البشرة الداكنة في الشركات أقل بأربع مرات من القيمة الوسطية للحصص التي يملكها الأميركيون البيض.

وعلى الرغم من ذلك، تبين الدراسات أن الشركات التي يملكها أبناء الأقليات تسهم بنحو 400 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي وتدعم أكثر من 2.2 مليون وظيفة. وحيث يرى معظمنا تحديات، يرى رواد الأعمال الفرص؛ ويرغب كثير من أصحاب هذه الشركات في تحفيز نقلة عادلة من خلال الحد من تأثير التغير المناخي في مجتمعاتهم وضمان مشاركتها في الحلّ، ويعمل كثير من رواد الأعمال هؤلاء انطلاقاً من شبكاتهم الاجتماعية المحلية الراسخة واعتماداً على معارفهم الواقعية لتحقيق الاستدامة والعدالة العرقية، ولديهم الحافز القوي لدعمهما بالموارد اللازمة لتنميتهما وتوسيع أثرهما.

توسيع الحلول الناجعة

ليس من السهل على الشركات التي تعمل على تطوير حلول العدالة المناخية توسيع عملها بسرعة والتزام الجدول الزمني اللازم لتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفري، وفي حين تتميز الشركات الناشئة في قدرتها على إنشاء الحلول الابتكارية فالشركات الأكبر تعرف طرق توسيع المفاهيم، ولكن برنامج أنريزنابل إمباكت (Unreasonable Impact) وهو تعاون بين مؤسستَي أنريزنابل غروب (Unreasonable Group) وباركليز (Barclays)، يهدف إلى جمع الأمرين معاً؛ إذ يعمل على توفير خدمات التمويل والتوجيه إلى جانب دعم رواد الأعمال في حلّ المشكلات الاجتماعية الملحة عن طريق وصلهم بجهات شريكة تساعدهم على تنمية مؤسساتهم.

وفي حين تركز مؤسسات تسريع الأعمال التقليدية على رواد الأعمال في المراحل الأولى من تأسيس شركاتهم، يركز البرنامج على مالكي الشركات الذين طوروا حلولاً ناجعة بالفعل، فشركاتهم تملك التمويل والموظفين والإيرادات بالفعل وتعمل غالبيتها منذ 4 أعوام أو أكثر. يدعو البرنامج رواد الأعمال للانضمام إليه بناء على قدرة شركاتهم على التوسع وحل المشكلات الاجتماعية والبيئية وتحفيز زيادة الوظائف، وقد عمل البرنامج حتى اليوم مع أكثر من 250 رائد أعمال تمكنوا من جمع تمويل يزيد على 9 مليارات دولار. في آخر برنامجين نُفذا في الولايات المتحدة، كان قادة 50% من الشركات على الأقل من أصحاب البشرة الداكنة أو اللاتينيين أو الآسيويين أو أبناء الشعوب الأصلية.

فلنلق نظرة على ما فعله 3 من رواد الأعمال هؤلاء لتحفيز التغيير نحو تحقيق العدالة المناخية في مجتمعاتهم وإسهام البرنامج في نموهم.

1. تسهيل النقلة نحو استخدام الطاقة المتجددة

في الولايات المتحدة، تمثل محميات الشعوب الأصلية 2% فقط من الأراضي ولكنها تضمّ نحو 20% من مخزون الوقود الأحفوري في البلاد، وهذا يشمل الفحم والنفط والغاز بقيمة 1.5 تريليون دولار تقريباً. على الرغم من أن صناعة الفحم وفرت العمل والإيرادات الضريبية لشعوب هذه المناطق، فبعض مجتمعاتها تسعى للمساعدة على تحفيز النقلة نحو استخدام الطاقة المتجددة وترغب في حماية أراضيها وزيادة التوظيف ومكافحة الاحتباس الحراري.

نشأ رئيس مجلس الإدارة التنفيذي في شركة نافاهو باور (Navajo Power)، بريت آيزاك، بجوار منجم فحم ضمن محمية شعب نافاهو في ولاية أريزونا، وانطلاقاً من إدراك أن نفاد الفحم يعني الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة وضرورة استعداد المجتمع للمشاركة في هذه النقلة، أسس آيزاك شركته نافاهو باور من أجل تطوير مشاريع توليد الطاقة الشمسية وتخزينها واستخدامها بدلاً من منشآت توليد الطاقة التي تعمل على الفحم في أراضي قبيلته.

كان أحد أهم أوجه عمله هو حشد تأييد مجتمع القبيلة، يقول موضحاً: “التطوير على أراضي القبائل هو أصعب عمل، لأنه يستدعي القيام بمهمة فريدة تتمثل في الحصول على موافقة المجتمع، ويجب توضيح ذلك للمستثمرين”. ولكن المجتمع يشارك اليوم في نجاح المؤسسة، وتعمل شركة نافاهو باور على إعادة استثمار 80% من إجمالي أرباحها في مشاريع جديدة ضمن المجتمع الشريك.

انضمت الشركة إلى برنامج أنريزنابل إمباكت في عام 2021، أي بعد 3 أعوام فقط من انطلاقها، وكانت تركز في عملها على الدخول إلى أسواق جديدة، في حين سعى آيزاك لبناء صلات مع السلطات فيما يتعلق بأعمال نقل الطاقة وتخطيطها. ساعد البرنامج شركة نافاهو باور في اكتساب مكانة على اعتبارها رائدة ناشئة في مجال الطاقة، وعرّف آيزاك إلى الخبراء القادرين على تقديم النصح له حول أسواق المال والطاقة ذات الأهمية الكبيرة لنمو شركته، يقول موضحاً: “كان من المفيد جداً فهم معايير التكاليف وما تتوقعه الأسواق من المشاريع الكبيرة، إذ يصعب الحصول على هذه المعلومات في مجتمعات القبائل للأسف”.

قدم فريق تمويل مشاريع الطاقة في مؤسسة باركليز نصائح لآيزاك حول إنشاء نموذج عمل مربح وطرق الاستفادة من قصة شركته القوية، يقول آيزاك: “برزت استراتيجية أعمالنا لأن خبرة مؤسسة باركليز وذاك التوجيه تجسدا في عروض منتجات ذات جودة أعلى”. بعد تنفيذ البرنامج حصلت شركة نافاهو باور على استثمارات بقيمة 10 ملايين دولار من عدة جهات أهمها مؤسسة دبليو كيه كيلوغ (W.K. Kellogg Foundation).

وبتعرّف آيزاك إلى رؤساء الشركات الأخرى التنفيذيين عن طريق برنامج أنريزنابل إمباكت، تمكن من تطوير قدراته القيادية في مجالات مثل تنمية الفرق العاملة عن بُعد وبناء الشراكات. تصب شركته اليوم تركيزها على تسريع نموها وتوسيع عملها في غرب أميركا ليصل إلى غربها الأوسط، وهي مستمرة في عملها على النهوض بمجتمعات القبائل من خلال تطوير منتجات الطاقة النظيفة على أراضيها.

2. إيقاف انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن هدر الطعام

تبين الإحصاءات التي أجريت على مستوى الولايات المتحدة أن قرابة 20% من أصحاب البشرة الداكنة عانوا انعدام الأمن الغذائي في عام 2021، وأن احتمالات أن يعيش الأطفال أصحاب البشرة الداكنة في منازل تعاني انعدام الأمن الغذائي أكبر منها للأطفال البيض بثلاث مرات تقريباً. وفي الوقت ذاته تقدّر وكالة الحماية البيئية الأميركية أن 35% من التموين الغذائي يُهدر أو يُفقد، وهذا الهدر يسهم بإنتاج نحو 170 مليون طن متري من انبعاثات الغازات الدفيئة ويحتوي على سعرات حرارية تكفي لإطعام أكثر من 150 مليون شخص سنوياً.

بدأت جازمين كرو تقديم الطعام للمشردين والجائعين في وسط مدينة أتلانتا بولاية جورجيا بعد أن أذهلتها كمية الطعام المهدور على الرغم من معاناة عدد كبير من الناس الجوع، وفي عام 2017 أسست شركتها غودر (Goodr) لمكافحة انعدام الأمن الغذائي، كما عملت على اكتشاف حلول مربحة للشركات التي ترغب في تخفيض هدر الطعام ومكافحة الجوع في آن معاً، تقول: “أعتبر الجوع مشكلة لوجستيات لا مشكلة أمن”.

من أجل تحقيق هذا الغرض، تستخدم الشركة تطبيقاً يتيح للمؤسسات غير الربحية والشركات الشريكة تحديد مواعيد استلام فائض الطعام الصالح للأكل من مواقعها، كما تقدم استشارات لوجستية لمساعدة المؤسسات في تقليل كميات الطعام الذي ترميه في المكبات.

حتى اليوم تمكنت الشركة من تقديم الطعام لأكثر من 30 مليون محتاج، ومنعت وصول أكثر من مليوني كيلوغرام من الطعام إلى مكبات النفايات ومن المرجح أن تحقق نمواً هائلاً. تمكنت كرو عن طريق برنامج أنريزنابل إمباكت من التواصل مع شركات كبيرة وشركاء استراتيجيين آخرين من أجل توسيع نطاق عمل شركتها غودر، وبمساعدة كبار القادة في مؤسسة باركليز تمكنت من تنظيم عملها وأبرمت عقداً معهم لتقديم خدماتها لمقاهي مؤسستهم في الولايات المتحدة. كما أسهم موجهون آخرون من منظومة أنريزنابل في حصول شركة غودر على جولة التمويل الاستثمارية من الفئة الأولى (أ)، ما يؤهلها لتقديم 50 مليون وجبة سنوياً في البلاد بحلول عام 2025.

3. إتاحة الطاقة الشمسية للجميع

الطاقة الشمسية هي بديل مستدام للوقود الأحفوري، فتأثيرها على البيئة ضئيل وبإمكان جميع الدول توليدها. وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية (Energy Information Administration)، ستؤمن الطاقة الشمسية في عام 2022 نحو 45% من القدرة الإنتاجية الجديدة لتوليد الكهرباء في الولايات المتحدة مقارنة بنسبة 4% فقط في عام 2010. لكن على الرغم من تزايد استخدام الطاقة الشمسية، لا يتساوى جميع المواطنين في الاستفادة منها؛ تبين الأبحاث أنه في المناطق التي يشكل أصحاب البشرة الداكنة أو اللاتينيون أكثر من 50% من سكانها لا يستطيع الكثير من السكان تركيب أنظمة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية على أسطح منازلهم خلافاً للمناطق التي يسكنها البيض.

في ولاية ماساتشوستس، شاركت سانديا مورالي في تأسيس شركة سولستس (Solstice) في عام 2016 من أجل معالجة كلتا المشكلتين، تقول: “يجب ألا يكون توليد الطاقة الشمسية امتيازاً تتمتع به النخبة فقط”، وتؤمن الشركة أنه بالإمكان تزويد المجتمعات كافة بالطاقة النظيفة. يشترك عملاء شركة سولستس لتخصيص مكان لهم في “الحدائق الشمسية” ضمن مجتمعاتهم المحلية؛ كما هو الحال بالنسبة لما يسمى “حديقة الطعام” المحلية، يشترك الأعضاء لدعم المورد المشترك والاستفادة من إنتاجه، وفي هذه الحالة يحصلون على أرصدة بمقابل فواتير الكهرباء التي يدفعونها، تقول مورالي: “تتيح الحدائق الشمسية إمكانية الحصول على فوائد الطاقة الشمسية الاقتصادية والبيئية للجميع بالتساوي بغض النظر عن مساحة المنزل أو ملكيته، وتتيحها للمستأجرين والعملاء ذوي الدخل المتدني والمتوسط الذين كانوا محرومين من خدمات الطاقة المتجددة بسبب كلفتها العالية”.

تعمل شركة سولستس أيضاً مع المؤسسات المجتمعية ودور العبادة المحلية من أجل التواصل مع العملاء الذين تغفل عنهم شركات الطاقة الشمسية الكبيرة، إلى جانب أنها تعمل على إقامة علاقات مع شركات التكنولوجيا الأكبر التي ستمرر الطاقة المدخرة جراء استخدام الطاقة النظيفة إلى منازل أصحاب الدخل المتدني.

عندما انضمت مورالي إلى برنامج أنريزنابل إمباكت كان عمر شركتها 4 أعوام ولم تكن تملك خبرة كبيرة في قطاع الطاقة بعد، فأتاح البرنامج لها فرصاً لتوليد أفكار الاستراتيجيات مع خبراء مؤسسة باركليز في مرافق الطاقة المتجددة وشركاتها. تقول مورالي: “منحني الخبراء بأفكارهم وآرائهم حول شركة سولستس منظوراً جديداً تجاه خطط العمل”، وهي تعمل الآن بالتعاون مع موجه من مؤسسة أنريزنابل غروب لوضع خطة عمل لمنتج جديد قائم على الطاقة الشمسية.

الميزة التعاونية

ستتمكن المشاريع التي تعمل لأهداف يتقاطع فيها الربح مع الغاية من أداء دور مهم في تحقيق نقلة عادلة إلى مستقبل مستدام أكثر، وتتمثل المهمة التي يحملها المستثمرون والشركات الكبيرة على عاتقهم في خلق أنظمة عالمية تدعم رواد الأعمال الذين يعملون على معالجة المشكلات التي تعانيها مجتمعاتهم بطرق تتوافق مع ثقافاتها ومواردها ويحتاجون إلى شركاء وتمويل استراتيجي للنجاح.

يقدم برنامج أنريزنابل إمباكت وغيره من البرامج المماثلة ميزة تعاونية لرواد أعمال العدالة المناخية الذين يعملون ضمن مجتمعاتهم؛ على الرغم من أنهم يتبعون نماذج عمل محكمة بالفعل فهم يحتاجون إلى مساعدة أفضل الموجهين والاتصال بشبكات المعارف العالمية ونصائح خبراء القطاع الاستراتيجية. يمكن أن تستخدم الشركات الأكبر خبراتها وشبكات معارفها ورأسمالها من أجل توسيع الحلول المحلية الابتكارية بسرعة، وهذا ما يجدر بها فعله لمساعدة رواد الأعمال الذين لم يحصلوا على إمكانية الوصول العادلة إلى أسواق رأس المال السائدة، إلى جانب أنه ضروري لاستمرار الشركات في ظل الانتقال إلى النظام الاقتصادي منخفض الكربون. يمكن أن تساعد الشركات الناشئة الابتكارية الشركات الأكبر على تحقيق أهدافها المتعلقة بالعدالة المناخية مثلما تساعد شركة غودر مؤسسة باركليز على توصيل فائض الطعام لديها إلى المحتاجين.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً