من أجل تجهيز طلاب اليوم بما يلزمهم للنجاح في المستقبل، يجب أن نفهم الركائز الأساسية للمهارات المركبة وتطبيق هذا الفهم على ممارسات التعليم والتقييم.
مع تزايد درجة الترابط في عالمنا، تحوّل الحوارات الدائرة حول التعليم تركيزها نحو تحديد مهارات القرن الحادي والعشرين المركبة وتعزيزها، إذ سيحتاج أطفالنا إليها للنجاح في خضمّ المنافسة المحتدمة وعدم التيقن في العالم أجمع. من الضروري تحديد هذه المهارات (مثل حلّ المشكلات التعاوني أو التفكير النقدي)، ولكنه أمر مختلف تماماً عن معرفة المكان والزمان والطرق المناسبة لمساعدة كل طالب على تطويرها. ومن الجيد أن أنظمة التعليم الحالية لم تعمل بعدُ على تنفيذ هذا النوع من عمليات التقييم والتحليل التي ستساعدها في تنفيذ هذه المهمة، وإنما تركز على التقييمات الإجمالية التي لا تساهم عادة في التعلّم الفردي على الرغم من قيمتها.
ما نحتاج إليه هو نهج يسعى لفهم طبيعة المهارات التي يحتاج إليها الطلاب (ومنها طريقة تطور هذه المهارات مع مرور الوقت) وتعليم المدرّسين طرق تكييف أساليب الدعم التعليمي التي يتبعونها لمساعدة الطلاب على التقدم وإتقان هذه المهارات. بعبارة أخرى، يجب توجيه التركيز نحو متتاليات التعلّم، أي الرحلة التي يقطعها الطالب في تقدمه نحو إتقان المهارات في مجال أو تخصص محدد، بدلاً من التركيز على النتائج التي تأخذ شكل درجات في الاختبارات الموحّدة.
كيف تعمل متتاليات التعلّم؟
تصف متتاليات التعلّم التسلسل النموذجي للتعلّم في مجالات أو تخصصات محددة، ويمكن أن يتمثل الموازي المألوف لها في المنهاج التعليمي المصمم من أجل مساعدة الطالب على تعلم مادة تعليمية محددة على مدى عدة مستويات من المرحلة الدراسية. بطريقة مماثلة، يمكن أن يستخدم المدرّسون متتاليات التعلّم على اعتبارها خطة توجيهية لأساليب التدريس التي يتبعونها، ولكن من الضروري ملاحظة أنها لا تصف مساراً واحداً لتعلّم مهارة ما بمستوى معين، وإنما تقدم صورة عن المسار النموذجي الذي يمكن أن يتبعه الطلاب لتعلّم مهارات محددة.
وكما تصف معايير التعلم ما يفترض بالطالب تعلمه في كل مرحلة من مراحل تعليمه، تركز متتاليات التعلّم على الركائز الأساسية التي تساهم في إتقان مهارة محددة. يضع هذا النهج القائم على التطور التدريجي خطة لتقدّم الطالب في مراحل تنمية معارفه ومهاراته وفهمه.
كيف يمكننا تطوير متتاليات التعلّم من أجل تعليم المهارات الضرورية للنجاح في القرن الحادي والعشرين؟
من أجل تطوير متتالية التعلّم مهما كان نوعها، نبدأ بتحديد السلوكيات المتوقعة المتعلقة بالمهارة المعنية، بدءاً من مستوى المبتدئ وصولاً إلى مستوى الخبير، ويجب أن نميز اختلافات الجودة في توقعات الأداء لكل مرحلة من مراحل التقدم ونشكّل سلسلة للسلوكيات المناسبة.
أضفنا متتالية لعملية "حلّ المشكلات التعاوني" في الجدول أدناه من أجل توضيح كيف تدعم متتاليات التعلّم تطوير المهارات الضرورية للنجاح في القرن الواحد والعشرين. نعلم أن "العمل التعاوني" يتطلب مساهمة أفراد الفريق بمعارفهم وخبراتهم ومواردهم لمساعدة الفريق بأكمله على تحقيق هدفه، كما نعلم أن "حلّ المشكلات" يتطلب القدرة على التعامل مع المواقف غير المألوفة بهدف اكتشاف حلول المشكلات التي تكون مقعدة غالباً. ولذا، تصف المتتالية أدناه عملية حلّ المشكلات التعاوني حسب فهمنا لها من مستوى المبتدئ (أ) إلى مستوى الخبير (هـ).
يوضح الجدول أن المبتدئين يعملون على نحو مستقل لأنهم لا يدركون فوائد التعاون مع أقرانهم، وبالنتيجة لا يتوصلون إلى حلّ للمشكلات المعنية، ولكن مع ازدياد كفاءة الطلاب سيصبح تعاونهم مع الآخرين أكبر وسيصبح بإمكانهم تحقيق فوائد العمل التعاوني بصورة تدريجية. يعتمد خبراء حلّ المشكلات التعاوني على أقرانهم، إذ يطورون فهماً مشتركاً للمشكلة ويعملون على نحو استراتيجي لحلها ويحرصون على حلّ النزاعات في كل خطوة.
وضعنا الحالي، والوضع الذي يجب أن نصل إليه
بالنسبة للمهارات الضرورية للنجاح في القرن الحادي والعشرين، أو أي مهارات لا نملك ما يكفي من المعلومات عنها، مثل حلّ المشكلات التعاوني، لا بد من أن تبدأ متتاليات التعلّم من الفرضيات، ومع مرور الوقت، يجب أن نتمكن عن طريق جمع البيانات وتحليلها من تحويل هذه الفرضيات إلى متتاليات تجريبية. النبأ السارّ هو أن متتاليات التعلّم الخاصة بتعليم مهارات القراءة والكتابة والعلوم والحساب تم تطويرها عبر وضع الفرضيات ثم إجراء الأبحاث ومناقشتها على مدى عقود من الزمن. إذاً تتوفر متتاليات التعلم المجربة والمثبتة لهذه المواد التعليمية، ونحن نعلم أنها مجدية، وبالتالي يمكننا استخدام هذا النهج الراسخ لزيادة فهمنا للمهارات المركبة وطرق استخدام الطلاب لها على اختلاف مستوياتهم على حدّ سواء.
ومع سعي دول العالم لتوسيع أهدافها المتعلقة بالتعلم كي تشمل تجهيز الطلاب بمجموعة أوسع من المهارات، نرى أن التحدي الذي يواجه تحويل طموحاتها إلى واقع في القاعات الدراسية يبدو أكبر. يجب أن ندرك نحن المدرّسون والممولون والمؤسسات اللا ربحية المركزة على التعليم والبالغون في زمننا الحاضر، أن الإجراءات التي نتخذها اليوم لدعم متتاليات التعلّم التجريبية لتعليم المهارات الضرورية للنجاح في القرن الحادي والعشرين توقع آثاراً سريعة واسعة النطاق على جيل البالغين المستقبلي.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.