كيف تضرّ سياسات القبول في الجامعات بحركة الارتقاء الاجتماعي؟

3 دقائق
(الرسم التوضيحي: آدم مكولي)

راج تشيتي هو أستاذ لمادة العلوم الاقتصادية في جامعة هارفارد ومدير فريق رؤى الفرص للأبحاث والسياسات فيها الذي يعمل على تحليل البيانات الضخمة، وقد أمضى قسماً كبيراً من حياته المهنية حتى اليوم في تحليل حركة الارتقاء الاجتماعي من جيل إلى آخر؛ أي مدى تأثر نتائج الأفراد الاقتصادية بنتائج آبائهم. في ورقة بحثية صدرت عام 2011 في مجلة كوورترلي جورنال أوف إيكونومكس (Quarterly Journal of Economics)، قاد تشيتي فريقاً من الباحثين في دراسة على آثار جودة التعليم في مرحلة رياض الأطفال على نتائج الطلاب طويلة الأمد، انكبّ فريقه فيها على تحليل بيانات مشروع ستار (Project STAR) الذي أجرى الباحثون فيه دراسة على 12 ألف طفل في رياض الأطفال ضمن ولاية تينيسي بثمانينيات القرن الماضي، واستخدموا عدة مقاييس من أجل تحديد النجاح ومنها دخول الطلاب إلى الجامعة.

وعند نهاية المشروع، اكتشف الفريق مسائل بحث جديدة حول المرحلة الجامعية لا رياض الأطفال؛ حين تمعن الباحثون في النتائج ضمن البيانات التي يملكونها بالفعل لاحظوا فرصة لاستكشاف الاختلافات بين الكليات لا سيما فيما يتعلق بإمكانية دخول الطلاب إليها ونتائجهم فيها، وهما عنصران أساسيان في حركة الارتقاء الاجتماعي من جيل إلى آخر.

منذ انتهاء الدراسة على مرحلة رياض الأطفال في عام 2011 وحتى الآن يعمل تشيتي على دراسة جديدة رفقة كل من أستاذ علوم الاقتصاد والشؤون الدولية والسياسية في جامعة براون، جون فريدمان؛ وكبير الخبراء الاقتصاديين في البنك الاحتياطي الفيدرالي، نيك تيرنر؛ وأستاذي علوم الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا بمدينة بيركلي، إيمانويل سايز وداني ياغان. استخدم هؤلاء الباحثون البيانات التي حصلوا عليها من السجلات السرية لدى مصلحة الضرائب من دون الكشف عن أسماء أصحابها، وحسبوا إيرادات آباء طلاب كليات مختلفة وتتبعوا إيرادات هؤلاء الطلاب بعد تخرجهم.

طرحوا الأسئلة التالية: ما الذي توضحه البيانات عن حركة الارتقاء الاجتماعي من جيل إلى آخر؟ ما هي النسبة المئوية للطلاب أبناء العائلات الثرية في الكليات الأكثر انتقائية؟ ما نسبة أبناء الأسر ذات الدخل المتدني المقبولين في الكليات؟ ما الذي تتطلبه زيادة نسبة تسجيل أبناء الأسر ذات الدخل المحدود في عدد أكبر من الكليات الانتقائية؟ بدلاً من النظر إلى إيرادات العائلات المتوسطة فقط، عمل الباحثون على تحليل مشهد توزيع الإيرادات بأكمله من أجل التوصل إلى صورة أكمل وأدق عن إيرادات الآباء وإيرادات الطلاب بعد التخرج، وتوصلوا إلى أنه حتى أصغر تغيير في نظام قبول الطلاب في الجامعات يعزز حركة الارتقاء الاجتماعي من جيل إلى آخر.

ومن أجل التحقق مما إذا كان التفاوت في تحضير الطلاب في نهاية مرحلة الدراسة الثانوية يفسر التفاوتات الملحوظة في نسب الطلاب المقبولين في الكليات الانتقائية، درس تشيتي وزملاؤه إمكانية تساوي احتمالات قبول كلية انتقائية لطالبيَن مختلفين من حيث البيئة العائلية ولكنهما متساويان من حيث درجاتهما في امتحاني سات (SAT) وآكت (ACT) الموحدين للقبول في الجامعات الأميركية. مثلاً، عندما تمعّن الباحثون في بيانات جميع الطلاب الذين حصلوا على 1080 درجة في امتحان سات، لاحظوا أن 75% من أبناء الخُمس الأغنى من العائلات دخلوا إلى كليات انتقائية مقارنة بنسبة 51% من أبناء الخُمس الأفقر، وهذا التفاوت بين الطلاب أبناء العائلات ذات الدخل العالي وأبناء العائلات ذات الدخل المتدني ليس انعكاساً للتفاوت في إعداد الطلاب الأكاديمي وتجاربهم في مراحل التعليم الأساسي فحسب، وإنما يعكس مشكلة في العمليات المتبعة لتقدم الطلاب إلى الكليات وقبولهم فيها واختيارهم لها.

يقول فريدمان: "يجب أن نتمكن من معالجة هذه المشكلة، فهي لا تتعلق بعدم حصول عدد كبير على 1080 درجة في الامتحان، علماً أن هذه مشكلة منفصلة ويجب معالجتها، لكنها تتعلق بطريقة تعامل قسم قبول الطلاب في الكليات مع الطلاب الذين يحصلون على هذه الدرجات بالفعل". 

وبالنظر إلى مجموعة جامعات آيفي بلس (Ivy-Plus) التي تضم جامعات رابطة اللبلاب (آيفي ليغ) الثمانية وجامعة ديوك ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة ستانفورد وجامعة شيكاغو، اكتشف الباحثون أن عدد الطلاب أبناء عائلات الطبقات المتوسطة والمتدنية قليل جداً؛ فقد كانت أعداد الطلاب أبناء الشريحة العليا من جدول توزيع الدخل (نسبة 1% فقط من العائلات) أكبر من أعداد الطلاب أبناء العائلات في نسبة 50% الدنيا من الجدول.

ثمة فرص هائلة تتيح للطلاب أبناء العائلات ذات الدخل المتدني الارتقاء اجتماعياً بدخولهم إلى مجموعة جامعات آيفي بلس، إذ يتمتع خريجوها بفرص الحصول على وظائف برواتب عالية، كما لاحظ الباحثون أن أقسام قبول الطلاب في الجامعات قادرة على تقليص فجوات الارتقاء الاجتماعي بنسبة تزيد على 25% ببساطة عن طريق منح الطلاب أبناء العائلات ذات الدخل المتدني امتيازات التفضيلات القائمة على الحاجة المماثلة للامتيازات التي يحصل الطلاب والرياضيون القدامى عليها بالفعل. إذا تمكنت الجامعات من رفع نسب الطلاب المقبولين من أبناء الطبقة المتوسطة لتتساوى مع نسب أبناء الطبقة الثرية، بشرط حصولهم على الدرجات المقبولة في الاختبارات، فستزداد نسبة الطلاب أبناء الطبقة التي تسمى "الطبقة الوسطى المفقودة" من 28% إلى 38%.

يقول فريدمان: "كل عام هو فرصة لإحداث تغيير هائل، والبيانات لا تدل على اقتراب ما يسميه البعض أحياناً بنموذج العصر السحري"، مشيراً إلى عدة دراسات ركزت على مرحلة رياض الأطفال أو العام الأخير من المرحلة الثانوية على اعتبارهما مرحلتين حاسمتين يحصل الطالب فيهما على المكاسب التعليمية أو يخسرها.

يقول أستاذ مادة الفقر وعدم المساواة في التعليم بكلية ستانفورد للدراسات العليا في التعليم، شون ريردون: "هذه الدراسة الحديثة الأهم والأدق حول التفاوت الاقتصادي في الدخول إلى الكليات الانتقائية، فهي تكشف الدور المهم الذي تؤديه أقسام قبول الطلاب في الجامعات في تقييد الحراك الاقتصادي وتشير إلى أن تغيير سياسات القبول في الكليات الانتقائية سيؤدي إلى تحقيق مستوى أعلى من المساواة على الصعيدين التعليمي والاقتصادي".

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي