هل يمكن للتعليم أن يحد من مظاهر الحرمان بين الأجيال؟

3 دقائق
آي ستوك/هالبيرغمان)

تظهر البيانات الإدارية الدنماركية أن التعليم يحد من انتقال مظاهر الحرمان بين الأجيال.

في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، أنشأت الدنمارك شبكة أمان لمواطنيها وعائلاتها، لتقدم مزايا الإعانة الاجتماعية مثل الخدمات الصحية المجانية، والتعليم الجامعي، ورعاية المسنين. وتضمنت النتائج تحقيق نسب منخفضة من مظاهر عدم المساواة ومعايير عالية للمعيشة، ما ميّز الدنمارك على أنها واحدة من أسعد البلدان في العالم وأفضلها للعيش فيها.

بالنسبة للباحثين، يقدم النظام الدنماركي فائدة أخرى أيضاً: كنزاً دفيناً من البيانات الإدارية المركزية من مختلف أنحاء البلاد. حيث تخصص الحكومة الدنماركية لكل مقيم في الدنمارك رقماً شخصياً فريداً يحدد هويته وتفاعلاته مع المؤسسات الحكومية والخاصة، ما يمكّن الباحثين من الوصول إلى المعلومات الإدارية في مختلف القطاعات، من قطاعات الصحة والتعليم إلى نظام العدالة الجنائية ومكاتب الإعانة الاجتماعية وغيرها.

تعمل دراسة حديثة على استخراج قاعدة البيانات الإدارية الوطنية الدنماركية لاختبار ما إذا كانت مختلف المشاكل الصحية والاجتماعية تميل إلى الظهور في نفس الشريحة الصغيرة من العائلات وما إذا كان التعليم يحد من انتقال هذه المشاكل بين الأجيال، فقد قام المؤلفون، نائب رئيس الأبحاث في وحدة الأبحاث لمؤسسة روكوول (Rockwool Foundation) في كوبنهاغن، سيغني هالد أندرسون، وأستاذة علم النفس في جامعة ميشيغان، ليا إس. وريتشموند راكيرد وآن أربور، وأستاذ علم النفس في جامعة ديوك، تيري إي. موفيت، وأستاذ علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة ديوك، آفشالوم كاسبي، بفحص ثلاث مجموعات من الأجيال تمثل حوالي 2.1 مليون مواطن دنماركي، من خلال ربط البيانات على المستوى الفردي وعلى مستوى العائلات.

في حين قام الباحثون الآخرون بفحص البيانات الدنماركية لدراسة انتقال مشكلة معينة بين الأجيال، نظر المؤلفون في العديد من المشاكل، مثل سوء الصحة النفسية، وسوء الصحة البدنية، والاعتماد على الإعانة الاجتماعية، والجرائم الجنائية، وتدخلات خدمات حماية الطفل. وعبر توسيع نطاق المشاكل المدروسة وجمع المعلومات من السجلات المدرسية لقياس مستوى التعليم، سلط المؤلفون الضوء على الأفراد ذوي الأولوية القصوى واقترحوا كيف يمكن للدولة والجهات الفاعلة الأخرى التدخل لتحسين نتائجهم والحد من مظاهر عدم المساواة في المجتمع الدنماركي.

تقول الخبيرة الاقتصادية في مجال التعليم ومديرة إدارة مؤسسة أمانة ليفرهولم (Leverhulme Trust) في لندن، آنا فيغنوليس: "يوظف هذا البحث البيانات الإدارية بشكل مبتكر، ما يساعدنا على التفكير في كيفية جعل الاستثمار في الخدمات العامة أكثر فعالية. ويحقق البحث هذا عبر دراسة أجيال متعددة من العائلة نفسها والسؤال عما إذا كانت بعض العائلات تعتمد باستمرار على الخدمات العامة وما إذا كانت هناك طرق لكسر حلقة الحرمان الممتدة عبر الأجيال هذه".

وجد المؤلفون أن العديد من المشاكل الصحية والاجتماعية كانت متمركزة ضمن قطاع صغير من المجتمع الدنماركي، فالبالغون الذين تظهر أسماؤهم في سجلات إدارية متعددة، أو "المستخدمون الأكثر احتياجاً" للخدمات الصحية والاجتماعية، من المرجح أنهم ينحدرون من آباء كانوا على المنوال نفسه. كما أن أبناءهم كانوا عادة ما يظهرون في سجلات خدمات حماية الطفل.

تقول ريتشموند راكيرد: "الأمر البالغ الأهمية الذي توصلنا إليه هو أن التعليم يزعزع انتقال هذه المشاكل عبر الأجيال. حيث كان الأبناء الذين أكملوا المرحلة الثانوية أقل عرضة لاختبار هذه المشاكل بأنفسهم وكانوا أقل عرضة لإنجاب الأطفال الذين يظهرون في سجلات خدمات حماية الطفل".

خلال بحث تم إجراؤه على الإخوة، نظرت ريتشموند راكيرد وزملاؤها في تأثير الخلفيات العائلية المشتركة. وبالرغم من أن نظام الدنمارك الاجتماعي قوي، فإن أكثر من 25% من السكان الذين شملتهم الدراسة لم ينهوا المرحلة الدراسية الإعدادية. والأفراد الذين تلقوا تعليماً أكثر من أشقائهم الذين يشاركونهم المنزل ذاته كانوا يميلون إلى تحقيق نتائج أفضل وتمكنوا من نقل هذا التقدم لأبنائهم. 

تشدد النتائج التي توصل إليها المؤلفون على أهمية دعم التعليم والأشخاص المعرضين لخطر الحرمان لتقليل مظاهر عدم المساواة الصحية والاجتماعية. وتقول ريتشارد راكيرد: "في العديد من البلدان النامية، ما زالت نسبة الناتج المحلي الإجمالي التي يتم استثمارها في قطاع التعليم ثابتة، أو آخذة في النمو، بينما ازداد متوسط سنوات التعليم على الصعيد العالمي. كما أن التفكير في التعليم وهذه العمليات المتناقلة بين الأجيال يتطلب أيضاً النظر في السياق الاجتماعي، أو التوقعات المجتمعية حول التعليم والفوائد الممنوحة لأولئك الذين يحصّلون المزيد من التعليم". وقد يصبح الأفراد ذوو التعليم الأقل معزولين بشكل متزايد داخل شريحة المجتمع الأكثر احتياجاً.

تعتمد الحكومة الدنماركية على مستويات عالية من الثقة العامة، نظراً لتزايد إمكانية التعرف على الهوية التي تصاحب ربط قواعد البيانات المختلفة. في الولايات المتحدة، قد توفر المبادرات الجديدة لتطوير موارد البيانات فرصاً للباحثين الذين يدرسون العمليات التي تكمن وراء التفاوتات الصحية والاجتماعية لاختبار إمكانية تكرار هذه النتائج، إذا كان من الممكن سد فجوة الثقة العامة.

تقول فيغنوليس: "يصعب إجراء هذا النوع من التحليل المتعدد الأجيال بالاعتماد على بيانات الاستقصاء، نظراً لأن استنزاف الموظفين أو العملاء يمثل مشكلة رئيسة في الاستقصاءات الكبرى التي يتم إجراؤها على مدى فترات زمنية طويلة".

المحتوى محمي