في ظل جائحة كورونا: كيفية تأمين المعدات الطبية للدول الفقيرة

7 دقائق
الرعاية الصحية في كورونا
shutterstock.com/Dan Race

بالنظر إلى أن جائحة كوفيد رفعت من وعينا الجماعي بأهمية أنظمة الرعاية الصحية الفاعلة، نرى المبتكرين يعملون بجد لتصميم طرق جديدة لتقديم كل شيء، ابتداء من اللقاحات وليس انتهاء بالأكسجين وأجهزة التنفس.

على الرغم من أن السرعة تعد جانباً مهماً من جوانب الاستجابة للجائحة، لكن ما تعلمناه خلال عقد من العمل على مسائل الصحة العامة في أفريقيا وآسيا هو أنه يجب على المبتكرين ومقدمي الرعاية الصحية التفكير ملياً عند السعي وراء الحلول التكنولوجية. إذ ينبغي أن يأخذوا بالاعتبار العديد من العوامل التي يمكن أن تحدد ما إذا كانت التجهيزات ستحقق ما يطمحون إليه.

من بين المخاطر التي تهدد النجاح، نستطيع ذكر سلاسل توريد الطاقة المعطلة، والتصميم غير المناسب، والصيانة المتعذرة، وعدم التوافق بين التكنولوجيا والاحتياجات المحلية. ومن دون الأخذ بالاعتبار تلك المخاوف وغيرها، فإن أفضل الحلول التي ظهرت خلال أزمة كوفيد مهددة بالالتحاق بالأجهزة غير المستخدمة أو المعطلة التي تبقى منسية في مكبات المعدات حول العالم.

مع استمرار أصحاب المصلحة في مجال الصحة العامة حول العالم في الاستجابة لأزمة كوفيد وأزمات أخرى مماثلة، إليك بعض الممارسات التي يجب مراعاتها عند تصميم الحلول التكنولوجية وتوظيفها وتوسيع نطاقها. نحن نرى أن اتباع هذه المبادئ التوجيهية سيساعد على ضمان حصول الأشخاص المعرضين للخطر في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل (LMIC) على المساعدة التي يحتاجون إليها.

فهم الاحتياجات المحلية حول الرعاية الصحية

ينبغي الإشارة دائماً إلى المفهوم المتعارف عليه بأن المعنيين بتقديم الحلول بحاجة إلى فهم المشكلات وحلولها من خلال عيون الأشخاص الذين يواجهونها. ومرة تلو الأخرى، تعلمنا أن إشراك أصحاب المصلحة الرئيسيين على مستوى البلد، وفعل ذلك بمرحلة مبكرة وبصورة متواترة، أمر بالغ الأهمية للتوافق مع المجتمعات المحلية وتصميم الحلول التي يمكن توسيع نطاقها بقدر من المسؤولية.

بالنظر إلى أن وزارات الصحة تنسق عمل الرعاية الصحية بصورة مكثفة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، فينبغي في المقام الأول أن تكون تلك الوزارات على قائمة المؤسسات التي يجب التعاون معها. ويمكن استكمال الجهود الإضافية أو ربما تكثيفها من أجل العثور على المبتكرين والمهندسين والقادة الاجتماعيين المحليين ودعمهم؛ والذين يمكنهم تقديم حلول تتناسب مع الاحتياجات المحلية.

عملت شركة «نيكسليف» (Nexleaf) مع وزارة الصحة في كينيا وموزمبيق لتطوير أجهزة المراقبة التي تتعقب درجة حرارة الثلاجات المستخدمة لتخزين اللقاحات، والتي يمكن أن تصبح غير مجدية ما لم يتم الاحتفاظ بها في درجة حرارة تتراوح من درجتين إلى ثمانية درجات بقياس سلسيوس. تواصلنا مع وزارة الصحة في كينيا لتقديم نموذج أولي تجريبي للجهاز وعملنا على تثبيته في عدد قليل من العيادات، وأخذنا الوقت الكافي للمراقبة والتعلم من كيفية تعامل العاملين في مجال الرعاية الصحية مع التكنولوجيا. لقد ساعدنا التعاون مع وزارة الصحة في مرحلة مبكرة والتعلم من العاملين في مجال الرعاية الصحية على تحسين تصميم الأجهزة وتحديث الميزات لمراعاة مشكلات الاتصال المحدود والسلامة. ثم جرى توزيع الجهاز المعاد تصميمه في مواقع تخزين اللقاحات في جميع أنحاء كينيا، وقد أدى ذلك إلى انخفاض ملموس في تعرض اللقاحات لمستويات حرارة تسبب بتلفها.

الاستعداد لتذبذبات مصدر الطاقة

بالنظر إلى أن العديد من المرافق الصحية في البلدان ذات الموارد المنخفضة تفتقر إلى إمكانية الوصول إلى شبكات الطاقة الثابتة والتي غالباً ما لا تستطيع الحصول على المحروقات للمولدات الاحتياطية، يجب أن تكون الأجهزة التي تهدف إلى إنقاذ الأرواح قادرة على استيعاب انقطاع التيار الكهربائي وتقلبات الجهد. وجدت دراسة أجريناها حول أداء الثلاجات في 27 عيادة صحية في موزمبيق أن انقطاع التيار الكهربائي تسبب في 16% من أعطال الأجهزة. تعدّ تلك المشكلة خطيرة، لأن الثلاجات قد استُخدمت لحفظ مجموعة متنوعة من اللقاحات، وجميعها حساسة لدرجات الحرارة. ومن الجدير بالذكر، إن أوجه القصور في مصادر الطاقة تعتبر خطيرة في العديد من السيناريوهات.

من أجل معالجة هذه المشكلة، خذ بالاعتبار إدخال تحسينات على تصميم التجهيزات، مثل البطاريات الاحتياطية المدمجة القابلة لإعادة الشحن، ودارات الطاقة الأكثر فاعلية. يمكن أن تطال الحلول أيضاً المرافق الصحية، التي تشمل توفير مصدر طاقة غير متقطع (UPS) الذي يسمح للجهاز بمواصلة العمل على طاقة البطارية عند فقدان المصدر الأساسي. تعتبر مثبتات الجهد الكهربائي، المنظمة لجهد الإمداد الوارد لحماية الأجهزة من الجهد المنخفض أو الزائد؛ خياراً آخر. على نطاق أوسع، يجب على العاملين في مجال الصحة العامة دراسة طرق الحصول على الطاقة في المناطق محدودة الموارد أو التي يصعب الوصول إليها. ويشمل ذلك خيارات مثل، شبكة طاقة شمسية مصغرة، والطاقة الشمسية خارج الشبكة، ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى. أو يمكنهم ببساطة تحسين وصول الناس إلى المحروقات لتشغيل المولدات. في تنزانيا على سبيل المثال، طلب أحد المسؤولين عن الصحة المحليين بأن يكون للمرافق الصحية أسطوانات إضافية من الغاز النفطي المسال من أجل تأمين طاقة احتياطية.

تقديم تصاميم مفتوحة المصدر أو موحدة

جرى تصميم معظم التجهيزات اللازمة لإنقاذ الأرواح في البلدان الأكثر تقدماً، والتي من المرجح أن تتضمن ملحقات متينة من الأجزاء قابلة للاستهلاك وقطع الغيار الاحتياطية، مثل الفلاتر وأدوات قسطرة الأنف ولوازم أخرى مستخدمة في تشغيل أجهزة التنفس الاصطناعي على سبيل المثال. لكن العديد من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل تفتقر منذ سنوات إلى الوصول لسلاسل توريد متماسكة يمكنها توفير مثل تلك الأجزاء، والتي من دونها تصبح التجهيزات عديمة الفائدة. وتزداد المشكلة تعقيداً بسبب فشل الشركات المصنعة على اختلافها في توحيد تصميم الأجزاء القابلة للاستهلاك أو القطع البديلة.

إن توحيد التصميم، أو تضمين خاصية المرونة على التصاميم بناء على سلاسل التوريد المحلية، يسمح لأصحاب المصلحة المحليين بتزويد التجهيزات واستخدامها بصورة أكثر فاعلية. تولى أحد المختبرات، وهو «مختبر جيت بروبالشن لابوراتوري» (Jet Propulsion Laboratory)، هذا النهج من خلال تصميم نموذج أولي تجريبي لجهاز التنفس الصناعي.

في حال كان الاتفاق على تصاميم موحدة يبدو حلاً بعيد المنال، فإن الخيار الآخر هو استعارة مفهوم «مفتوح المصدر» من عالم البرمجيات وتطبيقه على التصاميم. هذا من شأنه، على أقل تقدير، أن يمنح المؤسسات والأفراد الذين لديهم موارد كافية القدرة على تصنيع قطع غيار عملية بمفردهم. على سبيل المثال، استخدم مهندسون إيطاليون طابعات ثلاثية الأبعاد لتصنيع صمامات للاستعمال مرة واحدة غرضها الحفاظ على عمل أجهزة التنفس.

لا يقتصر الاهتمام على التصميم فحسب، بل يجب أن يطال أيضاً البيانات التي قد تنتجها الأجهزة حول عملها، من السجلات البسيطة حول تقلبات الطاقة إلى رسائل الخطأ والإشعارات. بالنظر إلى معدل التغير التكنولوجي، يجب تنظيم البيانات بالاستعانة بمصدر مفتوح، بحيث يجعلها مفيدة لمجموعة متنوعة من الأجهزة والبرامج الأخرى. تستخدم الخدمات الشعبية المقدمة من فيسبوك وتويتر وإيرتايل هذا المفهوم، الذي يسمى واجهة برمجة التطبيقات (API)، لغاية جعل البيانات التي يحصلون عليها مفيدة لتطبيقات أخرى غير خاصة بهم. استخدم فريقنا واجهة برمجة تطبيقات مفتوحة المصدر لتنظيم البيانات من الثلاجات المستعملة في حفظ اللقاحات والموجودة في مواقع مختلفة والتي صنعها بائعون متعددون. ثم جمعناها في لوحة متابعة، المسماة بأداة الصيانة والتخطيط الذكية (IMPT)، والتي يمكن لمسؤولي الصحة استخدامها لمراقبة الأجهزة.

تقييم مدى توفر السلع الأخرى الضرورية للجهاز

تعتبر أجهزة التنفس الاصطناعي من التجهيزات الأساسية التي تسهم في إنقاذ حياة المصابين بفيروس كورونا، بالإضافة إلى أهميتها بالنسبة إلى الاحتياجات الطبية العاجلة الأخرى، مثل الجراحة وعلاج أمراض الرئة، إلا أن أجهزة التنفس الاصطناعي لا تعمل بمفردها. فتلك الأجهزة بحاجة إلى الأكسجين، الذي يعاني من نقص في الإمداد ويصعب توزيعه إلى حيث الحاجة إليه. نظراً لإنتاج المزيد من أجهزة التنفس وشحنها حول العالم، يحتاج أصحاب المصلحة في مجال الصحة العامة أيضاً إلى تقييم سلاسل توريد الأكسجين. في هذه الحالة وغيرها من الحالات على الأغلب، هناك أكثر من طريقة للحصول على جميع المقومات الضرورية للجهاز. فإذا كان الوصول إلى الأكسجين في الأسطوانات محدوداً على سبيل المثال، يمكن للمستشفيات استخدام مُكثفات الأكسجين، وما يميزها هو أنها اقتصادية أكثر وغزيرة الإنتاج ومتنوعة عندما يتعلق الأمر بتوفير الرعاية الصحية. من ناحية أخرى، تحتاج مكثفات الأكسجين أيضاً إلى الطاقة والصيانة الدورية. لكل قطعة من المعدات إيجابيات وعيوب في الوقت ذاته، وعند توزيعها على المنشآت، لا ينبغي أن نفترض أن هناك حلاً شاملاً لجميع الاحتياجات الصحية.

إضافة ميزات ذكية إلى الأجهزة مثل تلقي التنبيهات وتحليل الأعطال

بالنسبة إلى البلدان والمناطق التي لديها شبكات اتصالات يمكن الاعتماد عليها، ينبغي على أصحاب المصلحة في مجال الصحة العامة النظر في الأجهزة المزودة ببطاقات تعريف والقادرة على جمع البيانات والإشارات للمساعدة. لقد عمل فريقنا مع مسؤولي الصحة على مدى السنوات الثمانية الماضية من أجل إضافة مثل هذه المستشعرات إلى الثلاجات التي يجري تخزين اللقاحات فيها. تكتشف المستشعرات متى تكون درجات الحرارة تسبب تلف اللقاحات ثم ترسل تنبيهاً عبر الرسائل القصيرة إلى العاملين في مجال الرعاية الصحية، الذين يتخذون إجراءات لمنع حدوث ذلك، من إغلاق باب الثلاجة الذي تُرك مفتوحاً عن طريق الخطأ إلى نقل اللقاحات من الثلاجة التي حدث فيها عطل دائم. من خلال هذه التدابير، يمكن للعاملين في مجال الرعاية الصحية الشعور بالثقة من أن اللقاحات التي يقدمونها آمنة.

من جهة أخرى، تعدّ ميزة تلقي التنبيهات ليست كافية بمفردها، إذ يحتاج العاملون في مجال الرعاية الصحية إلى أن يكونوا قادرين على فهم الخطأ الذي حدث للجهاز حتى يتمكنوا من تطوير عملية الصيانة. يمكن للمصنعين أن يكونوا جزءاً من الحل من خلال برمجة الأجهزة، بحيث تكون قادرة على إخراج بيانات عن حالتها. قد تتضمن تلك المعلومات حالة التشغيل أو الإيقاف، وتوفر الطاقة، وأكواد الخطأ، ومقاييس الأداء، ومعلومات أساسية تماماً حول ما إذا كان الجهاز يعمل أساساً. مع إتاحة مثل تلك البيانات، يمكن لمستخدمي الجهاز طلب المساعدة المناسبة، ويمكن للمكلفين بالصيانة تنظيم عملهم للاستجابة بكفاءة للمشكلات المختلفة والمصنفة على أفضل وجه.  

في تقييم أجري بالتعاون مع وزارة الصحة في موزمبيق، علمت شركة «نيكسليف» أن الأخصائيين التقنيين الذين لديهم إمكانية الوصول إلى البيانات التحليلية للأعطال يمكنهم تقييم الثلاجة عن بُعد والتحدث إلى العاملين في مجال الرعاية الصحية لمساعدتهم عبر الهاتف لإجراء عمليات صيانة بسيطة، مثل تعديل درجة الحرارة. أدى ذلك إلى توفير ملحوظ في الوقت والمال بالنسبة إلى التقنيين الذين كانوا سيتكبدون عناء السفر إلى مرافق صحية بعيدة. أدى تحليل الأعطال عن بُعد في موزمبيق إلى جني مكاسب كبيرة من ناحية تجنب حدوث المشكلات، فبين أغسطس/آب 2014 ومايو/أيار 2015، انخفض عدد مرات وصول الثلاجات إلى مستويات خطرة من الدفء بنسبة 78%، وتم تقليص مشكلات البرودة الشديدة بنسبة 60%.

تدريب مختصي الرعاية الصحية

تتطلب إدارة أجهزة التنفس تدريباً متخصصاً، بما في ذلك وضع الأنابيب. لكن عدداً قليلاً من العاملين في مجال الرعاية الصحية يعلمون كيفية القيام بالإجراءات اللازمة بالنظر إلى ارتفاع الطلب عليها استجابة لجائحة فيروس كورونا. يجب أن يكون هناك تركيز أكبر على التدريب الشامل لتحقيق الحد الأقصى لاستخدام الموارد المتاحة. ويمكن أن يشمل التدريب عدم الإبقاء على أي من التجهيزات الموجودة أو المصممة حديثاً في وضع الخمول. عندما لاحظت شركة «نيكسليف» عدم قدرة العاملين في مجال الرعاية الصحية على الاستفادة من تقنية مراقبة درجة الحرارة عن بُعد، عمل الفريق على التحقق من الأسباب وعلمت أنهم يخافون من التكنولوجيا، على الرغم من برنامج التدريب الأولي. استجابة لذلك، قدمنا المزيد من التدريب العملي، مما أدى إلى رفع مستوى الاستخدام.

التخطيط قبل شحن معدات الرعاية الصحية

مع استمرار تكشّف هذه الجائحة، فإن خطر إنتاج الأجهزة وتوزيعها والتي ينتهي بها المطاف في مكبات المعدات المتزايدة عدداً أمر حقيقي للغاية. لكن من خلال طرح بعض الأسئلة مقدماً، يمكن الخروج بأفضل الخطط لتوزيع المعدات الطبية التي تأتي بالنتائج المثلى. وقبل شحنها، تأكد من أنها ستعمل جيداً لدى الجهات التي تهدف إلى مساعدتها.

اقرأ أيضاً: مصاعب تنفيذ حلول الذكاء الاصطناعي مع فيروس كورونا

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي