دراسة الحالة هي سيناريو مفصَّل مستوحى من أرض الواقع (مشكلة أو فرصة أو غيرهما) يوفر سياقاً كافياً يتيح للقارئ تقمُّص دور بطل السيناريو من أجل تحليل الحالة وتقديم التوصيات اللازمة. وقد خصصت كلية سليمان العليان للأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت مركزاً خاصاً لهذا الموضوع لما له من أهمية وتأثير بالغ في فهم مكونات نجاح الشركات. التقت ستانفورد للابتكار الاجتماعي عميد كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال بالجامعة الأميركية في بيروت، يوسف صيداني ومديرة "ذا كايس هاب" (The Case Hub) التابع للكلية، رندى سلمون لتسليط الضوء على أبرز ما يقدمه المركز لقطاع الأعمال وللطلاب. وفيما يلي نص المقابلة:
1. ما هو دور "ذا كايس هاب" (The Case Hub) في سد الفجوة بين الدراسات الأكاديمية والممارسات العملية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
صيداني: دراسات الحالة هي جزء لا يتجزأ من تجربة التعلم التي يخوضها طلاب إدارة الأعمال لأنها تسد الفجوة بين النظرية والتطبيق. وقد أنشأنا "ذا كايس هاب" في كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال (OSB) ليكون مصدراً ريادياً لدراسة الحالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي حين يعتمد عدد كبير من الجامعات الغربية نظام التدريس القائم على دراسة الحالة وكتابتها، لا تزال المؤسسات التعليمية في منطقتنا متخلفة عن الركب فيما يخص تبني هذا النهج. ويؤدي تعزيز التدريس القائم على دراسة الحالة في مجال الأعمال إلى تحسين تجربة التعلم التي يخوضها الطلاب ومساعدتهم على معالجة مشكلات عملية وثيقة الصلة بالواقع.
2. ما هي المبادرات التي طرحتموها لتشجيع المختصين والأكاديميين في مجال الأعمال على استخدام موارد مركز دراسات الحالة؟
سلمون: يقود "ذا كايس هاب" مبادرات عديدة لها دور كبير في كتابة دراسات حالة مجال الأعمال ذات الجودة العالية ونشرها. وتنظّم كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال بالجامعة الأميركية في بيروت مؤتمر دراسات الحالة السنوي الذي يضم نخبة من المعلمين والمهنيين الممارسين ومؤلفي دراسات الحالة ومصممي المناهج التعليمية ومهنيي الشركات في دول المنطقة وخارجها. يوفر المؤتمر فرصاً ثمينة جداً للتعارف والتطوير المهني فضلاً عن جلسات مُعمَّقة لتطوير دراسات الحالة. وفي عام 2024، ضم المؤتمر نحو 100 مشارك من 47 مؤسسة في 15 دولة. ومن المقرر عقد النسخة الثالثة من المؤتمر في الفترة من 20 إلى 21 فبراير/شباط 2025 في فرع الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) بمدينة بافوس القبرصية. وثمة فعالية أخرى وهي المسابقة السنوية لكتابة دراسات الحالة التي تهدف إلى التعرُّف إلى أفضل دراسات الحالة عن منطقتنا. بالإضافة إلى ذلك، نستضيف ورش عمل ودورات تعليمية لكتابة دراسات الحالة وهي مصممة لدعم أعضاء هيئة التدريس والطلاب في صقل مهاراتهم في كتابة دراسات الحالة وتدريسها. تغطي هذه الجلسات كل ما يتعلق بنهج دراسة الحالة، بدءاً من كتابة دراسات الحالة الفعالة وصولاً إلى التدريس باستخدام دراسات الحالة وتطوير المناهج الدراسية.
3. ما الذي يميز مجموعة دراسات الحالة لديكم؟
سلمون: تحمل مجموعة دراسات الحالة لدينا علامة تجارية مشتركة مع مؤسسة آيفي ببليشينغ (Ivey Publishing) التي تقدّم إصداراتها باللغتين العربية والإنجليزية، ويسهم فيها عدد من الأكاديميين من كليتنا ومن جامعات في دول أخرى. يؤدي تنوع المساهمين في دراسات الحالة التي نقدمها إلى إثرائها، ما يضمن قدرتها على تمثيل طيف واسع من وجهات النظر وبيئات العمل في المنطقة. ومن خلال الجمع بين خبرتنا الإقليمية والانتشار العالمي لمؤسسة آيفي، أنشأنا مجموعة تلبي أعلى المعايير الأكاديمية مع إتاحة دراسات الحالة هذه للجمهور على المستويين الإقليمي والدولي. تتيح لنا الطبيعة الثنائية اللغة لمجموعة دراسات الحالة بإزالة الحواجز اللغوية، ما يجعل هذه الموارد التعليمية في متناول المعلمين والطلاب بمختلف دول العالم العربي، ويتفق هذا النهج مع رسالتنا المتمثلة في إحداث تغيير شامل بأساليب تعليم إدارة الأعمال في المنطقة. وقد شهدنا ترجمة بعض دراسات الحالة التي أعددناها إلى اللغة الصينية المبسطة، ما أدى إلى توسيع نطاق تأثيرنا عالمياً.
أثبتت دراسات الحالة التي نقدمها فعاليتها العالية في القاعات الدراسية، إذ توفر للطلاب سيناريوهات عملية وواقعية تثري تجاربهم التعليمية. وفيما يخص تطلعاتنا المستقبلية، فإن هدفنا هو توسيع مجموعتنا على مدى الأعوام الخمسة المقبلة لتغطية مجموعة أوسع من الموضوعات والقطاعات والمناطق الجغرافية. وسيساعد هذا التوسع على تعزيز مكانتنا بصفتنا مصدراً ريادياً لدراسات الحالة الأكاديمية الرصينة ذات الصلة العميقة بالمنطقة.
4. كيف يدعم "ذا كايس هاب" تطوير دراسات الحالة التي تعالج التحديات الفريدة بقطاع الأعمال ونشرها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
صيداني: لطالما سمعت من زملائي الذين يدرِّسون المقررات التعليمية بمجال الأعمال أننا نعتمد غالباً على دراسات حالة لا تعكس واقع أعمالنا وشركاتنا. ومن المؤكد أن التعرف إلى دراسات الحالة المرتبطة بواقع الأعمال الغربية مفيدٌ، إلا أن حصر تعليم إدارة الأعمال في هذه السياقات يجعل أسلوبنا التعليمي عاجزاً عن تطوير المهارات المناسبة للطلاب من أجل التصدي للمشكلات المرتبطة بظروفنا الواقعية؛ ففي حين أن بعض القضايا الإدارية ذات طابع عام، فإن العديد من القضايا الأخرى ليس كذلك.
5. ما هي المعايير التي تستخدمونها لاختيار دراسات الحالة المؤهلة للمشاركة في المسابقة السنوية لكتابة دراسات الحالة، وكيف تضمنون تنوعها وملاءمتها للواقع العام في المنطقة؟
سلمون: نحن نضمن جودة دراسات الحالة وصلتها بواقع المنطقة من خلال إجراء عملية مراجعة الأقران الدقيقة لدراسات الحالة المقدَّمة كلها، سواء في مسابقتنا أو مؤتمرنا أو مجموعتنا. تهدف المسابقة على وجه التحديد إلى خلق التنوع في مجموعة دراسات الحالة المتاحة من خلال تقدير دراسات الحالة التي تتناول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي تسلط الضوء على الأبطال المهمّشين. ونختار دراسات الحالة الفائزة بناءً على عدة معايير، منها مدى ملاءمتها لمناهج تعليم إدارة الأعمال ودرجة الابتكار في الموضوع وانسيابيته وتنوع وجهات النظر فيه. نقدّر أيضاً دراسات الحالة التي تثبت جدواها التعليمية في القاعات الدراسية.
6. كيف تتعاونون مع كليات إدارة الأعمال والمؤسسات الأخرى؟
سلمون: العمل التعاوني هو جوهر رسالة "ذا كايس هاب"، ونحرص على التعاون بفعالية مع كليات إدارة الأعمال والمؤسسات الأخرى لتعزيز نهج دراسة الحالة وتطوير أساليب تعليم إدارة الأعمال في المنطقة؛ فنحن الشريك الاستراتيجي في المنطقة لجمعية أبحاث الحالة في أميركا الشمالية (NACRA)، ويدعم كلٌّ منا رسالة المؤسسة الأخرى وأنشطتها. مجموعة دراسات الحالة التي نقدمها تحمل علامة تجارية مشتركة بيننا وبين مؤسسة آيفي ببليشينغ، ما يضمن استيفاءها أعلى المعايير الأكاديمية ويسهم في توسيع نطاق انتشارنا في العالم. ونعمل من كثب مع الجمعيات وكليات إدارة الأعمال ومراكز دراسات الحالة في مختلف دول المنطقة، وندعم تطوير أعضاء هيئات التدريس من خلال ورش العمل والمؤتمرات وجلسات التدريب. تسهم هذه الأعمال التعاونية في تعزيز منظومة قوية من المعلمين الذين لا يدخرون وسعاً لتطوير منهج دراسة الحالة وأساليب تعليم إدارة الأعمال.
7. كيف يستفيد "ذا كايس هاب" من التكنولوجيا لتحسين الوصول إلى دراسات الحالة ونشرها؟
سلمون: نروّج لمجموعة دراسات الحالة على صفحتنا بمنصة لينكد إن وعلى موقعنا الإلكتروني وعبر مختلف قنوات التواصل التابعة لنا، كما توفر مؤسسة آيفي ببليشينغ دراسات الحالة التي نقدمها في مكتبتها الإلكترونية وتنشرها في المنصات الرئيسية الأخرى المهتمة بدراسات الحالة، مثل هارفارد بزنس ببليشينغ (HBP).
8. ما هي أشكال الدعم والموارد التي تقدمونها لأعضاء هيئة التدريس والطلاب المهتمين بكتابة دراسات الحالة؟
صيداني: ندرك أهمية توفير خطط الحوافز المناسبة لتطوير كتابة دراسات الحالة، وقد أرسينا ممارسات تهدف إلى رفع مستوى خبرة أعضاء هيئة التدريس بالكلية في كتابة دراسات الحالة. على سبيل المثال، تعاونا مع كلية هارفارد للأعمال من خلال برنامجها، غلوكول (Glocoll)، الذي يهتم بالتعلم الذي يركز على المشاركين، ومع مؤسسة آيفي ببليشينغ (جامعة ويسترن في كندا) من خلال مجموعتها الكبيرة من دراسات الحالة. وبذلك نتعلم من رواد تدريس دراسات الحالة وكتابتها العالميين ونثري مخزون المعارف المتاحة على المستوى العالمي.
بالإضافة إلى ذلك، ندرك أن تدريس دراسات الحالة وكتابتها هي مؤشرات واضحة على فعالية التدريس، نحكم جزئياً على الابتكار في التدريس بكليتنا من خلال قدرة أعضاء هيئة التدريس على استخدام نهج دراسات الحالة في تدريسها أو الإسهام في كتابتها، ونوفّر لهم الموارد اللازمة للنجاح في هذا المجال باستمرار.
9. ما هي الموضوعات أو المحاور الرئيسية التي ستسلطون الضوء عليها في النسخة الثالثة من مؤتمر دراسة الحالة السنوي بالكلية (2025)، وكيف تعكس الاتجاهات والتحديات الحالية في عالم الأعمال؟
سلمون: تتناول دراسات الحالة وأفكار دراسات الحالة المقدمة مختلف التخصصات التي تهتم بها كليات إدارة الأعمال أو التعليم الإداري، وسنركز في الجلسات وورش العمل التطويرية على العديد من الموضوعات الرئيسية التي تعكس الاتجاهات الحالية في تعليم الأعمال، مثل التحول الرقمي ودمج التكنولوجيا في التعليم والدور المتنامي للذكاء الاصطناعي. سيسلط المؤتمر الضوء على كيفية استخدام دراسات الحالة بفعالية في الدورات التدريبية عبر الإنترنت، وعلى عملية تحويل الأبحاث الأكاديمية إلى دراسات حالة قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وكذلك على قيمة دراسات الحالة خارج القاعات الدراسية بكليات إدارة الأعمال، وغيرها من الموضوعات.
10. كيف ترون تطور "ذا كايس هاب" في الأعوام الخمسة المقبلة من حيث عروضه وتأثيره؟
صيداني: أتصور أن "ذا كايس هاب" سيصبح المصدر الريادي لدراسات الحالة الخاصة بمجال الأعمال باللغتين العربية والإنجليزية في المنطقة، وأرى أننا نقدم دراسات حالة فعالة عن عالم الأعمال، مصحوبة بملاحظات المحاضرات المرتبطة بها، لمجموعة واسعة من الطلاب تشمل الطلاب الجامعيين وطلاب الدراسات العليا والمسؤولين التنفيذيين. ونطمح إلى الإسهام في تطوير تدريس دراسات الحالة وكتابتها في العديد من الجامعات بالمنطقة، وليس في كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال فقط. ونرى أن هذا مهم لرفع جودة التعليم بمجال الأعمال في مختلف دول المنطقة.