كيف يمكن الاستفادة من نهضة التصميم في العمل الخيري؟

نهج التصميم
https://www.shutterstock.com/Aniwhite
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يُشكل إطلاق مؤسسة “أوتوديسك” (Autodesk) الجديدة لحظة تحفيزية للقطاع الاجتماعي.

ففي أثناء السنوات السبع التي توليتُ فيها إدارة المؤسسة غير الربحية “بابليك أركيتيكتشر” (Public Architecture) في مقاطعة سان فرانسيسكو، لطالما زرتُ مكاتب المؤسسات في مختلف أنحاء البلاد – بعضها كان مؤسسات متواضعة إلا أنها مصممة بشكل جميل للغاية. وفي كل منها، كنت أروّج للتصميم بشغف باعتباره وسيلة فريدة وغير مُستغَلّة على نطاق واسع للتأثير في مجموعة واسعة من التحديات الاجتماعية، بما فيها التعليم والصحة والتغير المناخي والنمو الحضري.

في معظم الحالات، كان قادة المؤسسات يتجاهلون التصميم باعتباره أمراً جانبياً – وغير ضروري حتى – بالنسبة لمجالات اهتماماتهم. فالتصميم ببساطة لم يتناسب مع أولوياتهم في تقديم المنح أو مع نظريات التغيير التي روجوا لها، ومن المفارقة هنا أنهم استثمروا في تصميم مكاتبهم بشكل جميل.

نهج التصميم المرتكز على العنصر البشري

ومع ذلك، في السنوات الأخيرة بدأت الموازين تتغير، ويرجع معظم الفضل في ذلك إلى نهج التصميم المرتكز على العنصر البشري الذي تمارسه وتتبناه شركة “آيديو” (IDEO) – لا سيما فرعها غير الربحي، مؤسسة آيديو دوت أورغ IDEO.org، التي تم إطلاقها في عام 2011. ابتكر الكيانان (آيديو وآيديو دوت أورغ) لغة واضحة وخالية من التعبيرات الاصطلاحية لوصف التصميم؛ و”تساعد هذه العملية الأشخاص على الاستماع إلى حاجات المستخدمين والمجتمعات، وإنشاء نُهج مبتكرة لتلبية هذه الحاجات، وتقديم الحلول الفعالة في السياقات الثقافية والاقتصادية المحددة”.

قام الكيانان أيضاً بتشغيل غير المصممين كسفراء وإلهامهم وتمكينهم، ويشهد ذلك حوالي 50,000 عضو تقريباً في شبكة “آتش دي سي كونيكت” (HCD Connect) التابعة لمؤسسة “آيديو” (IDEO.org). ومن الأمثلة على ذلك حالة مايكل مانيس، نائب رئيس قسم الصحافة والابتكار الإعلامي في “مؤسسة نايت” (Knight Foundation). ففي الشهر الماضي، قاد مانيس “الحلقة الدراسية السنوية للتعلم الإعلامي” التي تنظمها مؤسسة نايت، وتحدّث عن الركائز الثلاث للتصميم المرتكز على العنصر البشري، قائلاً: “يبدأ الأمر بعلم الأنثروبولوجيا لفهم كيف يعيش الناس حياتهم، ثم التعاطف معهم، أي التعرف على حقيقة الآخرين، من أجل اكتساب الأفكار، ثم تكرار العملية – مع التفكير العقلاني في القول بأن هذا الحل يعمل، وهذا لا يعمل”.

إن الكلمات البسيطة مثل التعاطف والاستماع والتكرار هي السمات المميزة للتصميم المرتكز على العنصر البشري، وتتناسب مع المسؤولين التنفيذين للمؤسسات وقادة التصميم على حد سواء، ما يوفر أرضية عمل مشتركة طال انتظارها. ومع وجود مؤمنين بالفكرة مثل مانيس ومساهمات المؤثرين الآخرين، أصبح التصميم موضوعاً نقاشياً ملحّاً في مختلف أنحاء القطاعين الخيري والاجتماعي. حتى في السنوات الأربع التي انقضت منذ أن تركتُ مؤسسة “بابليك أركيتيكتشر” للجلوس على الجانب الآخر من الطاولة، كنت آملُ وأثقُ في أنه لم يعد يتعين على قادة المؤسسات غير الربحية شرح القيمة الأساسية للتصميم في اجتماعات التطوير الخاصة بهم كما كان الأمر في السابق، بل إنهم أصبحوا يحظون بالتقدير أكثر لأنهم يدركون هذه القيمة.

التحفيز على التغيير

إذاً، ما الذي حفّز التغيير غير قيادة شركة آيديو؟ يمكن القول إن الاجتماع السنوي لمبادرة كلينتون العالمية (Clinton Global Initiative) أو (CGI)، والذي أقيم في عام 2012، تحت عنوان “التصميم من أجل التأثير“، كان نقطة تحول في هذا المجال. فقد قامت مبادرة CGI، مع المشورة التي قدمتها آيديو، بعرض التصميم بذكاء مستخدمة ثلاث طرق مترابطة.

ركزت الطريقة الأولى على “التصميم من أجل الأفراد”، عبر عرض الأجهزة الصحية المنقذة لحياة الأشخاص مثل مفصل الركبة الاصطناعي منخفض التكلفة والأدوات البدنية التي تقدمها شركة “دي – ريف” D-Rev لتحسين سبل العيش، ومضخات الري “موني ميكر” (MoneyMaker) من شركة “كيك ستارت” العالمية (KickStart International) للمزارعين أصحاب الأراضي الصغيرة في جميع أنحاء إفريقيا. وركزت الطريقة الثانية على “تصميم بيئاتنا”، والذي ظهر ببراعة في مشروع مستشفى بوتارو (Butaro Hospital) الأول من نوعه في ريف رواندا، والذي أنشأته مؤسسة “بارتنرز إن هيلث” (Partners in Health) بالشراكة مع شركة الهندسة المعمارية غير الربحية “ماس ديزاين غروب” (MASS Design Group). أما المجال الثالث فقد ركز على “تصميم أنظمتنا”، حيث تم التطرق إلى تصميم أو إعادة تصميم الخدمات والأنظمة التي نعتمد عليها لتقديم المساعدة، سواء كانت هذه الخدمة توفر المياه النظيفة أو الأدوية إلى المحطة الأخيرة من سلسلة التوريد.

يمثل الإعلان عن إطلاق مؤسسة أوتوديسك الجديدة، والتي لعبتُ فيها دوراً قيادياً، لحظة تحفيزية أخرى للتصميم والعمل الخيري. فالمؤسسة تعتبر نفسها أول مؤسسة مخصصة “للتصميم من أجل التأثير”، انطلاقاً من الاعتقاد بأن الجميع يستحق تصميماً جيداً. وإن مثل هذا الالتزام من جانب شركة أوتوديسك إنك. يمثل توسعاً كبيراً في الفرص والدعم، لا سيما في مجال يتسم بالمنافسة الكبيرة على التمويل.

تصوغ أوتوديسك مصطلح “تصميم التأثير”، بناءً على المصطلحات المعتمدة على نطاق واسع للتصميم المرتكز على العنصر البشري، وتصميم المصالح العامة، وتصميم التأثير الاجتماعي. وتتوافق مهمة المؤسسة بشكل مباشر مع الأعمال الأساسية للشركة التي تحمل الاسم نفسه في وضع البرامج لمساعدة الأشخاص على تخيل عالم أفضل وتصميمه وإنشائه. فقبل إطلاق المؤسسة، قدمت الشركة التزاماً لمبادرة CGI لعامي 2013-2014 بمنح مبلغ 7.5 مليون دولار على شكل تبرعات برمجية للقطاع الاجتماعي خلال السنة الأولى للبرنامج.

من المؤكد أن التصميم والعمل الخيري قد شكلا العديد من الشراكات بطرق مهمة ودائمة على مدار القرن الماضي، قبل استثمار أوتوديسك بوقت طويل. ففي مطلع القرن الماضي، أسهمت ثروة أندرو كارنيغي في تصميم وبناء أكثر من 2500 مكتبة عامة حول العالم. وأيضاً عندما تم إنشاء المؤسسة الوطنية للفنون (National Endowment for the Arts) أو (NEA) في عام 1964، اشتملت أيضاً على قسم مخصص للتصميم، والذي ما يزال عنصراً أساسياً مزدهراً في المؤسسة حتى يومنا هذا. وإلى جانب الجهود الخيرية الفردية مثل مساهمات كارنيغي والتمويل العام من مؤسسة NEA، فإن المؤسسات الخاصة وحتى الشركات قد انخرطت منذ فترة طويلة في التصميم.

نهج التصميم عنصر حاسم

مع ذلك، فإن ما نراه في مؤسسة أوتوديسك هو خطوة تالية حاسمة للاعتراف بالتصميم كعنصر حاسم وأداة لا مثيل لها من بين مجموعة من أعمال التغيير الاجتماعي. ومثلما منحت شركة آيديو القطاع لغة اصطلاحية مُعتمَدة للتصميم، فإن مؤسسة أوتوديسك مُتهيئة لضخّ الدعم المالي الذي يحتاج إليه القطاع بشدة. وهناك أربعة متلقين للمنح التجريبية – وهم شركة دي – ريف وشركة كيك ستارت العالمية وشركة ماس ديزاين غروب واستوديو التخطيط الريفي في جامعة أوبرن (Auburn University’s Rural Studio)، وكلها مذكورة على موقع المؤسسة على الويب – ومن المرجح أن يشمل المستفيدون المستقبليون المؤسسات غير الربحية القائمة على التصميم، وممارسي التصميم الفرديين، والبرامج الجامعية، وأن يتم اختيار المشاريع مع الالتزام بقياس التأثير.

كما تشترك المؤسسة مع شركة أوتوديسك لتزويد متلقي المنح بالتقنيات المتطورة، كما تخطط المؤسسة للمساهمة في مجتمع حيوي وشبكة عالمية من الشركاء، الذين يعملون بجدّ بالفعل.

منذ وقت طويل وأنا أتعامل مع هذا العمل على أنه يحتاج إلى شراكات هادفة – ما بين قادة الشركات المتعاطفين وقادة المؤسسات الخاصة والعملاء أصحاب الرؤى والمصممين أصحاب العزيمة والكثيرون غيرهم – لتحقيق الإمكانات القصوى لعملية التصميم. نأمل أن نشهد طفرة في التصميم من أجل عالم أفضل بالاستفادة من دعمهم الجماعي، فذات يوم لن تكون المشاريع المؤثرة مثل مستشفى بوتارو المذهل في رواندا استثناءً، بل ستصبح القاعدة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.