تمويل المدارس وفق نموذج الدفع مقابل النجاح

الدفع مقابل النجاح
shutterstock.com/N ON NE ON
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يقول مؤيدو المدارس المستقلة في أميركا إن نموذجهم يعزز الابتكار في القاعة الدراسية، في حين يخشى النقاد من أن تطغى مصالح المستثمرين على مصالح الطلاب؛ يمكن جَسر هذا الشرخ بواسطة التمويل وفق نموذج “الدفع مقابل النجاح”.

تتمثل الشكوى المتكررة بشأن المدارس المستقلة الأميركية في أنها تعمل بدافع تخفيض التكاليف؛ فالدوائر التعليمية وحكومات الولايات تحدد دخل المدرسة بناءً على عدد الطلاب الذين تخدمهم، وتجني المدرسة أرباحها من الفرق بين إجمالي مبلغ التمويل الذي تحصل عليه والتكلفة الكلية لخدمة الطلاب، أي أن انخفاض التكاليف يزيد الأرباح ولكنه يقوض قيمة التعلم في نفس الوقت.

ماذا لو لم يكن التمويل مرتبطاً بعدد الطلاب الذين تخدمهم المدرسة بل بنتائج التعليم الإيجابية التي يحققونها؟

من الممكن اعتبار نموذج التمويل القائم على الدفع مقابل النجاح أساساً لهذا التغيير، إذا حقق البرنامج الأهداف المحددة تحصل المنشأة التي تقدم الخدمة على أجرها الذي يكون غالباً أعلى من الأجر في العقود القائمة على دفع الرسوم مقابل الخدمة؛ وإذا لم تحقق الخدمة الهدف المحدد لها فلن تكون المؤسسة الممولة ملزمة بدفع التكاليف.

يتم تنفيذ مشاريع قائمة على نموذج الدفع مقابل النجاح في البلاد بالفعل؛ خذ مثلاً برنامجاً للتعليم في مرحلة رياض الأطفال بمدينة شيكاغو أعلن نتائجه المرحلية في العام الماضي التي توضح أن المشروع حقق أهدافه الأولية فكان لزاماً على المستثمرين تقديم أول دفعة تمويل مقابل النجاح، في حين لم يتمكن أحد البرامج التي تهدف إلى الحد من معدلات العودة للجريمة في مدينة نيويورك من تحقيق أثر قابل للقياس، ولذا لم تكن المؤسسة الممولة ملزمة بدفع تكاليفه. أدى نموذج الدفع مقابل النجاح عمله في كلا المشروعين كما يجب.

سيؤدي تمويل المدارس بالاعتماد على هذا النموذج إلى سدّ شرخ كبير في النقاش الوطني الدائر حول مستقبل التعليم، إذ يشير مؤيدو الخيارات البديلة للمدارس إلى أن أداء الطلاب لا يبدي تحسناً على الرغم من زيادة معدلات الإنفاق على الطالب الواحد، بينما يخشى المعارضون من أن يؤدي الدعم العام لها إلى ملء جيوب المستثمرين على حساب جودة تعلّم الطلاب.

سيشجع نموذج الدفع مقابل النجاح المدارس على تجربة أساليب جديدة ويضمن في نفس الوقت ألا يحصل المستثمرون على المال إلا إذا نجح الطلاب.

اختيار النتائج القابلة للتحقيق والقياس

من أجل ضمان أن تجني المدارس إيرادات كافية للاستمرار بتمويل عملياتها، سيكون من الضروري أن يدمج نموذج الدفع مقابل النجاح النتائج القابلة للتحقيق على المديين المنظور والبعيد معاً؛ ففي حين يساعد المال الذي يُدفع مقابل النتائج القصيرة الأمد في استمرار عمل المدرسة، سيكون الأمل بالحصول على التمويل مقابل النتائج البعيدة الأمد دافعاً للابتكار في المدارس. يمكن أن تشمل هذه النتائج ما يلي:

  1. تحصيل الطلاب درجات أفضل في الاختبارات. يمكن أن تحصل المدارس على التمويل مقابل النجاح بناءً على عدد الطلاب الذين يحرزون تقدماً في درجات الاختبارات الموحدة عاماً تلو الآخر، أو بناءً على عدد الطلاب الذين يتخرجون في المدرسة.
  2. التسجيل في برامج التعليم لما بعد المرحلة الثانوية. يمكن أن يرتبط التمويل مقابل النجاح بتسجيل الطلاب في الجامعات والمدارس المهنية، ويمكن تقديم دفعات إضافية مقابل إكمال برنامج الدراسة لما بعد المرحلة الثانوية من أجل تشجيع المدارس على ضمان أن يتم قبول طلابها في الكليات والمعاهد وإعدادهم للنجاح فيها.
  3. إضافة “عوامل مضاعفة الاستثمار” من أجل خدمة الطلاب المعرضين للخطرتتمثل إحدى مخاطر نموذج الدفع مقابل النتائج في تشجيع المدارس على خدمة الطلاب الذين يحققون النجاح بالفعل، ولكن إضافة عوامل مضاعفة الاستثمار، المتمثلة في زيادة الإيرادات مقابل خدمة فئات مستهدفة، إلى نموذج التمويل مقابل النجاح سيشجع المدارس على خدمة الطلاب المعرضين للخطورة. مثلاً، قد يكون التمويل الذي تحصل عليه المدرسة لخدمة طالب مؤهل للحصول على وجبة غداء مجانية أو بسعر مخفض أكبر بثلاثة أو أربعة أضعاف من التمويل الذي تحصل عليه لخدمة طالب من عائلة ذات دخل مرتفع، سيؤدي ذلك إلى تحفيز المدارس لتخدم مجموعة متنوعة من الطلاب تشمل طلاباً من ذوي الخطورة المتدنية إذ يضمن نجاحهم حصول المدرسة على الحد الأدنى من الأرباح، وطلاباً من ذوي الخطورة العالية إذ يسهمون في زيادة أرباح المدرسة إذا تابعوا تعليمهم؛ وبالتالي سيساعد تبني هذا النهج على التصدي للتمييز المتزايد في المدارس وعكس تأثيره.
  4. توجيه التمويل على مستوى الولايات والمستوى الوطني. ثمة طريقة أخرى لمعالجة مسألة العدالة تتمثل في أن تخصص الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات ميزانيات للتعليم؛ يعمل النموذج السائد حالياً على تمويل نصف المدارس تقريباً محلياً من إيرادات الضرائب على ممتلكات أهالي المنطقة، ولذا نرى أن مدارس المناطق الثرية تحصل على تمويل أكبر، ولكن يمكن للوكالات الحكومية والفيدرالية تصحيح هذا النظام عن طريق تمويل مناطق معينة وفق نموذج الدفع مقابل النجاح.

ما إن يتم تحديد النتائج المرجوة تتحمل المدارس والأنظمة المشارِكة مسؤولية تحديد أفضل الطرق لتحقيقها، وبدلاً من التركيز أولاً على إدارة التكاليف ستهتم بالاستثمار في رفع سوية مدرّسيها أو بتسخير الموارد لمنح أولياء الأمور دوراً أكبر في تعلّم الطلاب.

التعديل بطرق إبداعية

على الرغم من أن تبني نموذج الدفع مقابل النجاح يؤدي إلى إنشاء نظام تعليم فعال بدرجة أكبر، فالعمل على تنفيذه شاقّ؛ إذ يتعين على المسؤولين الحكوميين جمع أصحاب المصالح من أجل تحديد النتائج المرجوة والاتفاق على أدوات التقييم وتنظيم خطط الدفع، وستتمثل النتيجة في إنشاء نظام يحفّز اتباع الأساليب الإبداعية في تعليم الطلاب، وهو ما لا يمكن للاختبارات الموحدة تحقيقه بمفردها. عن طريق تعديل السياسات بدلاً من وضع سياسات جديدة بالكامل سيتمكن المسؤولون من التغلب على كثير من عقبات التنفيذ، مثل:

  1. صعوبة تتبع النتائج مع مرور الوقتستكون متابعة الطلاب مع مرور الوقت في غاية الصعوبة، بالإضافة إلى متابعتهم في الولايات الأخرى، كما أن عملية جمع البيانات وإعداد تقاريرها فيما يتعدى نطاق صلاحيات المدرسة تثير التساؤلات حول خصوصية الطلاب. في سلسلة مقابلات شخصية أجريتها مع خبراء في نموذج الدفع مقابل النجاح، كان التحدي الذي ذكره أكثرهم متمثلاً في جمع البيانات وتنظيمها في عدة وكالات مختلفة، إذ ناقش المهنيون الصعوبات التي تواجههم في تنظيم اتفاقيات مشاركة البيانات ومطابقة طرق تسجيل البيانات وتخزينها وبناء قدرات خبراء التحليل الحكوميين كي يتمكنوا من تنظيم البيانات وتحليلها.

ولعل مؤسَسة المناصَرة اللاربحية داتا كواليتي كامبين (Data Quality Campaign) قد توصلت إلى حل لهذه التحديات، ففي عام 2015 حددت ما سمته “العناصر العشرة الأساسية في أنظمة البيانات الطولية على مستوى الولاية” (10 Essential Elements of Statewide Longitudinal Data Systems)، وتمثل العنصر الأول في “معرّف الطالب الفريد” (unique student identifier) الذي يلازمه طوال فترة تعليمه ويربط بين الأنشطة التي يقوم بها ومستويات أدائه مع مرور الوقت. تم إدخال العناصر العشرة كافة في القانون الفيدرالي الأميركي لخلق فرص التميز في التكنولوجيا والتعليم والعلوم المعروف باسم (America COMPETES Act) لعام 2007 الذي وثّق 12 “عنصراً مطلوباً في نظام بيانات التعليم في مرحلة رياض الأطفال وحتى ما بعد المرحلة الثانوية (P-16) على مستوى الولاية”. أدخلت غالبية الولايات الأميركية هذه العناصر في أنظمة إعداد تقارير البيانات التي تستخدمها، ولكن ما زال من الصعب تحديد مدى قدرة هذه الأنظمة على تتبع التقدم الذي يحرزه الطلاب في ولايات أخرى.

  1. سوف تزداد التكاليف الإداريةسيؤدي تحميل المدارس مسؤولية تتبع التقدم الذي يحرزه الطلاب بعد التخرج إلى تخفيض التكاليف الإدارية العامة، ولكنه يزيد المخاوف المتعلقة بالخصوصية. ما هي البيانات التي يُسمح للمسؤولين في المدارس جمعها؟ وما الذي يسمح لهم فعله بهذه المعلومات وكيف سيحمونها؟ بينما إن كانت الهيئات العامة هي المسؤولة عن متابعة الطلاب فستتحمل بنفسها تكاليف جمع البيانات وتخزينها وحمايتها، واتخاذ هذه الخطوة يستدعي أن يكون مسؤولو هذه الهيئات قادرين على تسويغ زيادة النفقات مع الإبقاء على الوضع الراهن.

بيّن بحث موسّع أن الأفراد الذين ينهون دراسة المرحلة الثانوية تقل احتمالات اعتمادهم على الموارد العامة وتزداد معدلات إنتاجيتهم الاقتصادية. صحيح أن انتشار استخدام نموذج الدفع مقابل النجاح على نطاق واسع سيؤدي إلى زيادة التكاليف الإدارية بدرجة كبيرة، لكن انخفاض التكاليف الاجتماعية الناجم عنه سيشكل تعويضاً مجزياً.

  1. يجب أن تأخذ تحليلات الميزانية في حسبانها اختلاف الآثار بين الهيئات الحكومية. تواجه نماذج الدفع مقابل النجاح تحدياً آخر يتمثل في اختلاف الآثار المترتبة على ميزانيات الهيئات الحكومية المختلفة، فعلى المستوى الفيدرالي مثلاً، قد تولّد الإنتاجية الأعلى إيرادات ضريبية أكبر ونفقات أقل على برامج مثل برنامج المساعدة الطبية الأميركي (مديكيد)، وفي حين يتراكم صافي الفوائد على المستوى الفيدرالي يتراكم صافي التكاليف على مستوى حكومات الولايات بسبب عجز الزيادة في الإيرادات الضريبية عن تعويض الزيادة في نفقات التعليم للمرحلتين الإعدادية والثانوية.

هذه هي مشكلة “الجيوب غير المناسبة”؛ أي أن تتحمّل إحدى الهيئات الحكومية (أو أحد مستويات الحكومة) تكاليف إجراء تدخلي ما بينما تجني وكالة أخرى أرباحه، أو أن تتولّد التكاليف اليوم بينما يستغرق تحقيق الأرباح أعواماً طويلة، ويمكن للتمويل التدريجي وفق نموذج الدفع مقابل النجاح معالجة المشكلة الأخيرة، ولكنه غير قادر على حلّ الأولى. وفي نفس الوقت، يمكن عن طريق إبراز مشكلة تحديد طريقة قياس أثر البرنامج وتوضيحها إجبار المسؤولين العامين على الإقرار بأن الاكتفاء في تقييم الإنفاق العام بحساب المدخلات والمخرجات في نظام التعليم المحدد بدقة شديدة والقائم على خطة صارمة جداً سيمنعهم من احتساب الآثار الاقتصادية الأشمل التي توقعها البرامج العامة على المجتمع.

فالمشكلة إذاً ليست متعلقة بطريقة تخفيض تكاليف برنامج معين (مثل التكاليف الإدارية المرتفعة لعمليات متابعة الطلاب) قدر تعلقها بطريقة احتساب الآثار الاجتماعية للإنفاق الحكومي بصورة شاملة أكثر.

  1. تحتاج المدارس إلى رأسمال إنشائيكيف يمكن للمدارس التي تلتزم نموذج الدفع مقابل النجاح تأمين التمويل الأولي؟ يمكن أن تتمثل إحدى الطرق في منح الحكومة “رأسمال إنشائي” متمثل في قروض منخفضة الفائدة، وتقدم الحكومة الفيدرالية بالفعل منحاً مالية لمشاريع قائمة على نموذج الدفع مقابل النجاح من خلال المخصصات التي توفرها القوانين مثل “قانون كل طالب ينجح” (Every Student Succeeds Act) لعام 2007 والبرامج مثل صندوق الابتكار الاجتماعي (Social Innovation Fund)، كما يزداد عدد الولايات التي تعمل على إجراء تجارب على المشاريع القائمة على نموذج الدفع مقابل النجاح، وربما كانت إتاحة القروض للمدارس هي الخطوة التالية المنطقية.

يجب تنفيذ البرامج التجريبية الآن وتوسيعها فيما بعد

ستكون الدعوة إلى إجراء تغيير فوري على مستوى النظام بأكمله عديمة الجدوى نظراً لانقسام الآراء المتعلقة بالتمويل العام للتعليم، ولكن التوصل إلى اتفاق مع بعض المدارس التي يمكنها تجربة النموذج سيشكل نقطة انطلاق، وإذا كانت النتائج الأولية مبشرة فيمكن توسيع النموذج بمساعدة نسبة صغيرة من التمويل الفيدرالي والحكومي، ويمكن تعديل مستويات التمويل المستقبلية بناءً على النتائج. سيثبت هذا النهج التدريجي جدواه للمشككين ويتيح للمسؤولين إجراء تصحيحات على النموذج عند ظهور التحديات غير المتوقعة.

على أي حال، ستكون التجارب الجادة على نموذج التمويل بناءً على الدفع مقابل النجاح وسيلة لإنهاء تبادل الاتهامات بالفشل في الحوار الوطني الدائر حول تمويل المدارس وتأسيس بيئة ملائمة للتنافس على تحقيق النتائج التعليمية التي من المفترض أن تسعى جميع النُهج المتبعة في التعليم لتحقيقها.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً