ندرة المياه في الشرق الأوسط: الأزمة التي تتطلب الابتكار والتعاون

4 دقيقة
أزمة ندرة المياه
shutterstock.com/Piyaset
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تمثل أزمة ندرة المياه هاجساً دائماً في منطقة الشرق الأوسط، وتشكل تهديداً خطيراً لاستقرار المنطقة وتنميتها. يمر الشرق الأوسط في منعطف خطير بسبب النمو السكاني وتغير المناخ وقلة مصادر المياه التقليدية. يتطرق فادي غيث في هذه المقالة إلى التحديات التي يفرضها نقص المياه، ويتناول أحدث الإحصائيات التي تؤكد خطورتها، ويبحث في ضرورة الحلول المبتكرة والتعاون الإقليمي لتأمين مستقبل مائي مستدام.

وضع ندرة المياه الراهن في الشرق الأوسط

تعد منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق التي تعاني ندرة المياه على مستوى العالم، إذ تواجه خللاً حاداً في التوازن بين العرض والطلب على المياه. تفيد تقارير اليونيسيف بأن 17 دولة تواجه أشد حالات الإجهاد المائي على مستوى العالم، تقع 11 دولة منها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تتفاقم أزمة ندرة المياه بسبب النمو السكاني الذي ينمو على نحو أسرع من تطوير البنية التحتية للمياه واستراتيجيات إدارتها. ووفقاً لدراسة أجراها البنك الدولي، يمكن أن يؤدي التأثير الاقتصادي لندرة المياه الناجمة عن المناخ في المنطقة إلى خسائر تعادل 14% من إجمالي الناتج المحلي على مدى العقود الثلاثة المقبلة. ويزيد التغير المناخي من تفاقم الأزمة، إذ يؤدي إلى أنماط هطل أمطار غير منتظمة، وارتفاع في درجات الحرارة، وفترات جفاف طويلة. تشير توقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى اتجاه مقلق نحو ارتفاع درجات الحرارة وجفاف أكبر في الشرق الأوسط، ما يؤدي إلى تفاقم الضغط على موارد المياه المجهدة أساساً. ومن المتوقع أن يواجه نحو 20% من الدول ندرة مياه دائمة بحلول عام 2040، وسيقع التأثير الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

التحديات التي تفاقم أزمة ندرة المياه

النمو السكاني: تشهد منطقة الشرق الأوسط نمواً سكانياً سريعاً، ما يفرض ضغوطاً هائلة على الموارد المائية المحدودة. وفقاً لليونيسف، من المتوقع أن يرتفع عدد سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما فيها الدول العربية وإيران، من 484 مليوناً في عام 2018 إلى 581 مليوناً بحلول عام 2030، و724 مليوناً بحلول عام 2050. ومع تسارع التوسع الحضري وازدياد الهجرة إلى المدن، يرتفع الطلب على المياه للأغراض المنزلية والصناعية والزراعية، ما يؤدي إلى تفاقم أزمة الندرة القائمة.

ضعف الكفاءة في إدارة المياه: يسهم عدم الكفاءة في إدارة المياه في حصول هدر كبير، ويتمثل في البنية التحتية القديمة، ونقص الصيانة اللازمة، وانتشار المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه. تشير اليونيسف إلى أنه على الرغم من أن المنطقة تضم 6% فقط من سكان العالم، لا يتجاوز نصيبها من المياه العذبة المتجددة في العالم 2%، ويُهدر جزء كبير منها بسبب التسرب في الأنابيب وطرق الري التي تفتقر إلى الكفاءة.

التعقيدات السياسية والاقتصادية: قد تصبح موارد المياه العابرة للحدود التي تتقاسمها بلدان متعددة مصدراً للتوترات السياسية، ما يزيد صعوبة العمل الجماعي والتعاون الإقليمي.

الحلول والتكنولوجيا المبتكرة

تكنولوجيا تحلية المياه: برزت تحلية المياه بوصفها نقطة تحول في سعي المنطقة للحصول على المياه العذبة. تفيد تقارير اليونيسف بأن دول الخليج العربي تسهم بنسبة 60% من جهود تحلية المياه في العالم، وتولد نحو 40% من إجمالي المياه المحلاة عالمياً عبر أكثر من 400 محطة تحلية إقليمية. ومن المتوقع في عام 2030 أن تتضاعف القدرة على تحلية المياه في دول الخليج مدفوعة بمبادرات القطاع العام لتعزيز المرونة وتنويع الاقتصادات. رفعت التطورات الحديثة، وبخاصة في تكنولوجيا التناضح العكسي، كفاءة تحلية المياه في استخدام الطاقة وجعلتها أجدى اقتصادياً. تندرج أنواع مختلفة من أنظمة تحلية المياه تحت مظلة مصادر الطاقة المتجددة، وتعتبر تحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية الحل الأكثر تأثيراً وفعالية لدولة الإمارات العربية المتحدة. تتمتع تحلية المياه بالطاقة الشمسية بإمكانات كبيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة بسبب وفرة أشعة الشمس يومياً. تلتزم كلية الهندسة والعلوم الفيزيائية بجامعة هيريوت وات في دبي بإجراء الأبحاث والعثور على حلول خضراء لتحلية المياه. أحد الحلول المبتكرة هو دمج نظام الطاقة الكهروضوئية الحرارية المركزة (CPV/T) مع التناضح العكسي الهجين ومحطات تحلية المياه المتعددة التأثير. حيث يمكن توفير الطاقة الكهربائية لمحطة التناضح العكسي لتحلية مياه البحر في حين تُوجه الطاقة الحرارية المتولدة من دمج نظام الطاقة الكهروضوئية الحرارية المركزة إلى محطة التقطير المتعددة التأثير لتحلية مياه البحر وتحويلها إلى مياه عذبة.

أنظمة إدارة المياه الذكية: يمثل تنفيذ أنظمة إدارة المياه الذكية خطوة حاسمة في تحسين استخدام المياه. تستفيد هذه الأنظمة من تحليلات البيانات وتقنيات الاستشعار لرصد توزيع المياه والتحكم بها، وتقليل الهدر وتحسين الكفاءة العامة. حقق الشرق الأوسط تقدماً ملحوظاً في مجال معالجة المياه ومياه الصرف الصحي، إذ اعتمدت المنطقة تكنولوجيا متقدمة لتنقية مياه الصرف الصحي وإعادة تدويرها لتخفيف الضغط على موارد المياه العذبة تأكيداً لأهمية الاستدامة البيئية والحفاظ على المياه.

إصلاح السياسات: لا يقتصر التعامل مع ندرة المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على الإرادة السياسية فحسب، فهو يتطلب تغيير المواقف والتطلعات داخل الهيئات الحكومية والمجتمعات المحلية أيضاً. ويجب أن تشمل التغييرات المؤسسية مبادرات التوعية، وعمليات صناعة قرار شفافة، وتثقيف المواطنين. يسهم فهم وجهات نظر المواطنين في تطوير أنظمة رسوم استخدام المياه بطريقة منصفة، ويمكن أن تساعد المعلومات المتعلقة بحوافز توفير المياه على تحسين أداء المرافق. كما يساعد تعزيز قدرات القادة المحليين على مواجهة تحديات توزيع المياه.

التعاون الإقليمي

التعاون العابر للحدود: لا تقتصر أزمة ندرة المياه على الحدود الوطنية، وذلك يستلزم التعاون الإقليمي. تؤدي عدة منظمات مثل المجلس العربي للمياه ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) أدواراً محورية في تسهيل الحوار والتعاون بين دول الشرق الأوسط. والجهود التعاونية ضرورية لإدارة أحواض المياه المشتركة وتعزيز نقل التكنولوجيا وتبادل الممارسات المثلى.

تبادل المعرفة: من الضروري إنشاء منصات لتبادل المعرفة والخبرات لتعزيز الابتكار. يمكن أن تشكل البلدان التي تتميز بممارسات ناجحة في إدارة المياه مثالاً يحتذى به وتقدم الأفكار حول السياسات والتكنولوجيا الفعالة، ويمكن لورش العمل الإقليمية والمؤتمرات والمبادرات البحثية المشتركة أن تسهل تبادل الخبرات.

وفي الختام، تتطلب أزمة ندرة المياه في الشرق الأوسط أقصى درجات الاهتمام والعمل التعاوني. يستطيع الشرق الأوسط التغلب على التحديات التي تفرضها ندرة المياه من خلال تبنّي التكنولوجيا المتطورة وتنفيذ السياسات الفعّالة وتعزيز التعاون. إن الطريق إلى مستقبل مائي مستدام يتطلب التزاماً جماعياً بالابتكار والكفاءة وتحمل المسؤولية المشترك. حان وقت العمل من أجل بيئة المنطقة واقتصادها ورفاهة شعوبها.