مواجهة الفقر من خلال سياسات اجتماعية فعّالة

مشكلة الفقر
shutterstock.com/Pixsooz
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يتطلب النظر في مشكلة الفقر داخل المجتمعات عدم البحث عن حل خارج إطارها أو بعيد عنها. من هنا تبرز أهمية التركيز على الفقراء أنفسهم لمساعدتهم على المشاركة في صنع السياسات والبرامج التي تعمل على توسيع نطاق الحماية الاجتماعية وضمان توزيع أكثر إنصافاً للثروة والدخل.

أهمية التركيز على البناء الاجتماعي

يتولد الفقر من عدة عوامل مثل ضعف مستوى التعليم وعدم الاستقرار السياسي، وانخفاض الدخل، وضعف الخدمات التي تقدمها المؤسسات الحكومية والاجتماعية للفئات الفقيرة والمهمشة، فضلاً عن جائحة كوفيد-19 التي فاقمت مشكلة الفقر، إذ رجحت الإسكوا أن تتسبب الجائحة في دخول نحو 8.3 ملايين نسمة من سكان المنطقة العربية تحت خط الفقر، ما يرفع عدد الفقراء في المنطقة إلى 101.4 مليون نسمة جراء فقدان مزيد من فرص العمل وتقليص الدخل.

وتوجد العديد من التجارب والحلول التي تتبعها الدول والحكومات لمكافحة الفقر، لكن بحسب دراسة بعنوان: “دور السياسات المالية والاجتماعية في مكافحة الفقر في البلدان العربية”، لا بد من امتلاك رؤية استراتيجية تركّز على البناء الاجتماعي ورسم السياسات المالية القادرة على ضبط الإنفاق واستهلاك الموارد، بما يخدم الصالح العام ويضمن التوزيع العادل للثروة بين مختلف أفراد المجتمع في إطار من التكافل الاجتماعي.

الحماية الاجتماعية عنصر أساسي للتغيير

بات الاقتصاد العالمي أكثر تعقيداً، وعمّقت العولمة الفوارق في معظم المجتمعات، ما زاد معه ضرورة اعتماد سياسات اجتماعية أكثر شمولية وعدالة ومحفزة للنمو، لا سيما في البلدان النامية التي تعيش أزمات متداخلة تثقل كاهل الدولة والمواطنين، فاستمدت سياسات الحماية الاجتماعية أهميتها من تزايد الفئات المستضعفة والمهشمة داخل المجتمعات، لكن التحدي يكمُن في تحقيق التوازن بين هذه السياسات، وعمليات الإصلاح الاقتصادي التي تقوم بها الحكومات.

تمنح الحماية الاجتماعية فرص حياة عادلة للجميع، سواء كانت قائمة على الاشتراكات مثل الضمان الاجتماعي، أو تقديم المساعدات والتحويلات المالية للفئات الاجتماعية غير القادرة على العمل، أو تلك التي تعتمد على تقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل التعليم والسكن والنقل بتكلفة معقولة والرعاية الصحية الشاملة المجانية وذات الجودة العالية.

وفي السنوات الماضية، زادت استثمارات بعض الدول في برامج الحماية الاجتماعية التي تساعد الفقراء على مواجهة الأزمات وتعزز صحة الأطفال وتعليمهم، وتدعم الشباب من خلال تطوير مهاراتهم وزيادة فرص العمل لهم. وأثبتت شبكات الأمان الاجتماعي أو التحويلات النقدية المشروطة، وهي المنح النقدية التي تقدمها الحكومة للأسر الفقيرة مقابل إلحاق أطفالها بالمدارس أو الانتظام في إجراء الفحوص الطبية، قدرتها على الاستثمار في رأس المال البشري، وأن تكون مصدر دخل للفقراء يحسِن مستوى معيشتهم، إذ يوجد أكثر من 1.9 مليار شخص في نحو 130 بلداً منخفض ومتوسط الدخل يستفيدون من برامج شبكات الأمان الاجتماعي.

بالتالي لم تعد الحماية الاجتماعية مجرد أداة تملكها البلدان مرتفعة الدخل، بل عنصراً أساسياً لتغيير حياة الفقراء لما لها من دور في تحقيق النمو الاقتصادي والتماسك الاجتماعي، ومواجهة الأزمات وتقليل الآثار الناتجة عنها. لكن هل تنجح سياسة الحماية الاجتماعية بالحفاظ على النمو الاقتصادي المستدام؟

ضعف أنظمة الحماية الاجتماعية

غالباً ما تعاني برامج الحماية الاجتماعية من نقص التمويل، ما يمنع وصول الموارد إلى الأسر الأكثر حرماناً، وقد تفتقر الحكومات إلى القدرة على جمع البيانات وإشراك المجتمعات لتحديد سبب ترك الأطفال خلف الركب، فنحو ثلاثة من كل أربعة أطفال، لا تشملهم الحماية الاجتماعية.

بحسب تقرير اليونسكو: “الحماية الاجتماعية في الدول العربية التي تمر بحالات النزاع والمتأثرة بالنزاعات” ما زالت أنظمة الحماية الاجتماعية تفتقر إلى استراتيجية طويلة الأجل متماسكة ومتكاملة، كما يقلل ضعف التنسيق بين المؤسسات الحكومية والجهات الفاعلة غير الحكومية من تأثير برامج الحماية الاجتماعية وكفاءتها.

هذا يؤكد أن الفقر نتاج السياسات والإجراءات التي تنفذها الحكومات، ولا يجب تحميل الفقراء مسؤولية فقرهم، فالضغط على مستويات الأجور بحجة دعم القطاع الخاص في توسيع استثماراته، وتطبيق سياسات ضريبية غير عادلة، يفاقم الهوة بين أفراد المجتمع.

كيف نطبِق سياسة حماية اجتماعية شاملة؟

ما يضمن القضاء على الفقر أو الحد منه، هو اعتماد سياسات حماية اجتماعية تشمل جميع الأفراد وتضمن عدم دخول المزيد منهم في دائرة العجز والعوز، ويمكن تحقيق ذلك من خلال الآتي:

  • يقوم المنظور الاجتماعي للفقر على مناقشة حدود استراتيجيات الحد من الفقر وفعاليتها، ودراسة تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية المحتملة على الفقراء والفئات المحرومة والضعيفة، لذا يساعد تحليل الفقر والأثر الاجتماعي (PSIA) على تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي للإصلاحات في مختلف الفئات الاجتماعية ومستويات الدخل.
  • يستتبع الفقر المزيد من الإقصاء الاجتماعي وضعف الوسائل والأدوات التي تساعد الفقراء على ممارسة حقوقهم، لذا يجب فتح الأفق أمام مشاركة الفقراء في صنع السياسات ولا يعني ذلك فقط الاعتراف بهم كمواطنين يتمتعون بالأهلية الكاملة، وإنما اعتبارهم عنصر فعّال قادر على المساهمة في تنمية المجتمع وتصميم سياسات أكثر فعالية ضد الفقر والاستبعاد الاجتماعي. ويمكن الاستفادة في هذا الإطار من تجربة بلجيكا حيث جعلت من الفقراء في فلاندرز (Flanders) معياراً يتم على أساسه تعزيز السياسات والمبادرات الحكومية، وتقييم العلاقات بين الحكومة والمواطنين.
  • من أجل مكافحة الفقر بفعالية، يتعين على صناع القرار في الدول مواكبة سياسات تقليص الفقر التي تدعم النمو الاقتصادي المستدام والتنمية المستدامة، ما يقتضي زيادة الموارد المالية المتاحة للإنفاق الاجتماعي.

إن الأمن الاجتماعي حق منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويتطلب توفير الحماية الاجتماعية الشاملة من أجل ضمان رفاهة الجميع، بما في ذلك الأشخاص الذين يعيشون في الفقر أو المعرضين لخطره، وبالتالي، فإن السياسة الاجتماعية لا بد أن تكون جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيات التنمية والحد من الفقر.