بالنظر إلى واقع تغير المناخ العالمي اليوم، تظهر أهمية اعتمادنا على ممارسات أكثر استدامة، ويُعد المنزل المكان الأنسب للبدء بهذه الممارسات من أجل الحفاظ على البيئة.
يصبح المنزل مستداماً عندما يجري بناؤه أو تعديله بطريقة تحافظ على الموارد وتُحسِّن استخدام الطاقة والمياه على المدى الطويل، ما يسهم في خلق بيئة صحية لك ولأسرتك ولمجتمعك.
أهمية الاستدامة في المنزل
تبدو المنازل المستدامة أكثر أهمية من أي وقت مضى في ظل تحديات مثل نقص الموارد الطبيعية، والبيئات الحضرية السريعة النمو، والتوقعات بزيادة أعداد كبار السن. وبحسب مؤلف كتاب: "منازل المستقبل: تصاميم مبتكرة مستدامة" (Future Homes: Sustainable Innovative Designs)، آفي فريدمان، فإن الدافع إلى الاستدامة يجسد الطريقة التي يجب أن يستجيب بها المجتمع لهذه التحديات، والتفكير في العواقب المستقبلية للأفعال الحالية.
وبفضل التكنولوجيا والحلول المستدامة المتطورة باستمرار، يمكننا تقليل بصمتنا الكربونية بدءاً من مرحلة بناء المنزل؛ إذ يمكن أن يؤدي التحول إلى مواد مستدامة وصديقة للبيئة إلى تنقية الهواء الداخلي للمنزل. وبحسب وكالة حماية البيئة الأميركية، يعد الهواء الخارجي أقل تلوثاً بمرتين إلى خمس مرات من الهواء الداخلي، لأن مواد البناء والأثاث، مثل الدهانات ومنتجات التنظيف أو السجاد قد تضر بصحة الإنسان.
على الرغم من أن الممارسات المستدامة في المنزل تبدو مكلفة للكثيرين؛ فإن فوائدها تتفوق على عيوبها المحتملة، فالمنازل المستدامة تعد استثماراً طويل الأجل يتميز بتكاليف صيانة منخفضة، وزيادة كفاءة الطاقة، ورفع قيمة العقار، إذ تُظهر الدراسات أن المنازل ذات كفاءة طاقةٍ عالية تُباع بسعر أعلى مقارنةً بالمنازل التي تفتقر إلى حلول مستدامة، وذلك بسبب ازدياد الوعي البيئي لدى الأفراد وميلهم إلى شراء المنازل المبنية على أسس الاستدامة.
كما تزيد استدامة المنازل من ارتباط الأفراد بالطبيعة والبيئة المحيطة، وتعزز شعورهم بالرضا عن اختياراتهم لأنهم فعلوا ما بوسعهم للحد من استهلاك الطاقة والحفاظ على الموارد.
كيف تجعل منزلك صديقاً للبيئة؟
يوجد العديد من الممارسات البسيطة وغير المكلفة التي ستساعدك على تقليل تأثيرك على البيئة، إليك أبرزها:
1. زيادة الاعتماد على الضوء الطبيعي
تشير الدراسات، إلى أن ضوء الشمس يعزز مستويات هرمون السعادة، "السيروتونين" (Serotonin)، ولكن تتمثل فوائده الأخرى في تقليل استخدام الطاقة، فإذا كان منزلك لا يتدفق إليه الكثير من الضوء الطبيعي، يمكنك التفكير في اختيار الجدران والأرضيات والأسقف ذات الألوان الفاتحة للمساعدة على ارتداد الضوء في الغرفة والحفاظ على برودتها.
2. الاستثمار في المنتجات الصديقة للبيئة
عند البحث عن طرق لتبنّي أسلوب حياة أكثر استدامة، نجد أن كفاءة الطاقة هي مفتاح تقليل تأثيرنا على البيئة، وبالتالي يمكن الاستعاضة عن الأجهزة والمنتجات المنزلية بأخرى أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وأقل تكلفة. على سبيل المثال يمكن تغيير المصابيح التقليدية إلى المصابيح الموفرة للطاقة التي تستهلك قدراً أقل من الكهرباء لإنتاج القدر نفسه من الضوء.
ويتجه صنّاع الأجهزة اليوم نحو المنتجات الصديقة للبيئة استجابةً لطلب المستهلكين الذين باتوا أكثر حرصاً على التحقق من تصنيف طاقة المنتجات ومقارنة ذلك مع الشركات المصنِّعة الأخرى. في دراسة مشتركة بين ماكنزي ونيلسن آي كيو، بيّن 78% من المستهلكين الأميركيين أن أسلوب الحياة المستدام مهم بالنسبة لهم، وقال نحو 60% منهم إنهم سيدفعون أكثر مقابل منتج ذي تغليف مستدام.
3. اختيار منتجات قابلة لإعادة الاستخدام
تُنتِج أكواب القهوة والزجاجات البلاستيكية وغيرها من المنتجات التي تُستخدم مرة واحدة قدراً هائلاً من النفايات وتتطلب الكثير من الموارد لإنتاجها وتصنيعها وإعادة تدويرها، ويعد تغليف المنتجات مُسهماً رئيسياً في المخلفات البلاستيكية والتلوث الناتج عنها، فبحسب ناشونال جيوغرافيك، نحو 40% من إجمالي البلاستيك المُنتج عبارة عن عبوات.
لذا يمكنك استعمال إصداراتٍ قابلة لإعادة الاستخدام بدلاً من العناصر ذات الاستخدام الواحد، على سبيل المثال، استعمل المناديل القماشية بدلاً من الورقية، وتجنَّب المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، واستخدم أكياس تسوّق قابلة لإعادة الاستخدام، فمثل هذه المقايضات البسيطة ستساعد على قطع شوط طويل في تقليل بصمتنا البيئية.
4. اتباع نظام غذائي نباتي
توصلت دراسة حديثة منشورة في مجلة نيتشر فوود، إلى أن اللحوم تشكِّل ما يقرب من 60% من الغازات المسببة للاحتباس الحراري الناتجة عن إنتاج الغذاء، وبالتالي يساعد التخلي عن تناول اللحوم على تقليل البصمة الكربونية إلى حد كبير، فوفقاً لدراسة بعنوان: "الآثار المترتبة على السيناريوهات المستقبلية للنظام الغذائي في الولايات المتحدة على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري" (Implications of Future US Diet Scenarios on Greenhouse Gas Emissions)، يؤدي خفض تناول اللحوم بمقدار النصف والاستعاضة عنه بكميات مماثلة من الأطعمة النباتية إلى انخفاض في غازات الاحتباس الحراري بنسبة 35%. لذا ابدأ بالتخلي عن اللحوم من ليلة إلى ليلتين في الأسبوع، أو قلل حصتك منها عند تناولها، ويمكنك متابعة الحسابات الموثوقة على مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على أفكار لوجبات نباتية جديدة.
5. الحد من نفايات الطعام
ما يزال يعيش واحد من كل تسعة أشخاص تحت وطأة الجوع، في الوقت الذي يُهدر ويفقد فيه 1.3 مليار طن من الغذاء سنوياً، ليصبح هدر الطعام أحد أبرز تحديات التنمية المستدامة، إذ ينتج عن تحلل فضلات الطعام انبعاث غاز الميثان الذي يفوق ضرره ثاني أوكسيد الكربون بـ 80 مرة، ولك أن تتخيل حجم الضرر إذا علمت أن رأس الخس الواحد الذي تُلقي به في مكبِّ النفايات يحتاج إلى 25 عاماً حتى يتحلل.
لذا تحقق من محتويات الثلاجة والمخزن قبل التسوق، وأعدَّ قائمة بالمنتجات التي تحتاج إليها والتزم بها، وحاول شراء الأطعمة في الموسم الخاص بها كي لا تفسد بسرعة، ويمكنك أيضاً الاستفادة من بقايا الطعام في أشياء أخرى، على سبيل المثال، يمكنك استخدام قشور الحمضيات في صنع المنظفات المنزلية.
6. ترشيد استهلاك المياه
تشكِّل ندرة المياه عائقاً أمام تنمية المجتمعات وتقدمها، فنحو 50 مليون شخص في المنطقة العربية لا يمكنهم الوصول إلى مياه الشرب الأساسية، فيما يعيش 390 مليون شخص في المنطقة في بلدان تعاني ندرة المياه.
ويمكن المساعدة على حل هذه المشكلة من خلال إجراء بعض الممارسات المستدامة في المنزل، مثل التحقق بانتظام من مصارف المياه وإصلاح أي عطل في أسرع وقت ممكن، وتركيب رؤوس دش منخفضة التدفق، ومراحيض ذات تدفق مزدوج، وتقليل وقت الاستحمام. وفقاً لوكالة حماية البيئة الأميركية، يمكن توفير 170 مليار غالون من الماء سنوياً إذا قلل كل شخص في الولايات المتحدة وقت الاستحمام مدة دقيقة واحدة.
مع زيادة وعينا بالمشاكل البيئية أدركنا أهمية الحاجة إلى تغيير سلوكياتنا، وبمثل هذه الممارسات المستدامة البسيطة في المنزل يمكننا الحفاظ على الموارد الطبيعية المتاحة، وجعل العالم مكاناً أفضل للأجيال المقبلة.