هل يمكن للصدمة أن تعزز من التغيير الاجتماعي؟

معالجة الصدمات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في ستينات القرن التاسع عشر، أشار فريدريك دوغلاس، المناصر الأميركي لإلغاء الرق، إلى أن الأشخاص الذين استثمروا في التغيير الاجتماعي يسعون لإزالة التناقض بين “ما يجب أن يكون” و “ما هو كائن”. يبدو هذا التناقض موجوداً في كل مكان في يومنا هذا بينما يعاني دعاة التغيير الاجتماعي لمعالجة الأزمات المتعددة والمتداخلة. فالمشاكل مثل التمييز العرقي المنهجي، والتغير المناخي، والتهجير القسري لملايين الأشخاص، ووباء عالمي مدمر، وغيرها من المشاكل الاجتماعية الأخرى واسعة الانتشار تسلط الضوء على كم نحن بعيدون عن الوصول إلى “ما يجب أن تكون عليه الأمور”. وكل مشكلة من هذه المشاكل تتطلب اهتماماً عاجلاً ومستداماً.

في الوقت نفسه، توجد مشكلة أخرى تحد وتقلل من هذا الاهتمام المستدام لهذه الأزمات المعقدة: وهي الصدمة. بتنا نعلم أن الصدمة أو الضيق الناتج عن التعرض لضغط نفسي أو جسدي مزمن أو شديد، هو تجربة إنسانية شائعة قادرة على الانتشار بين مختلف المجتمعات وفي مختلف الأزمنة. وتظهر الأبحاث أنه إذا لم يتم فعل شيء حيال الأمر للحد من تاثير التجارب الحياتية الصادمة، قد يمرّر الأفراد المتأثرون بتحديات الوقت الحاضر صدماتهم للجيل القادم. هذا النوع من النقل، المعروف باسم “الصدمة المتناقلة بين الأجيال”، ليس بجديد على التجربة البشرية، لكن البحث حوله لم يبدأ جدياً حتى ستينيات القرن العشرين. حالياً، تعرّفه جمعية علم النفس الأميركية بأنه “ظاهرة تُظهر خلالها سلالة شخص معين اختبر حدثاً مرعباً مشاعر متنوعة وردود فعل سلوكية تجاه الأحداث المشابهة لتلك التي تعرض لها الشخص نفسه”. يمكن أن تستمر الصمة المتناقلة بين الأجيال لمدة طويلة حتى بعد تلاشي ذكرى الحدث الصادم الأساسي.

لا تقتصر المفاهيم المرتبطة بالطريقة التي تؤثر بها مصادر وتجارب وآثار الصدمة على الأفراد، لكنها تسلط بعض الضوء أيضاً على المشكلة. فالصدمة الجمعية على سبيل المثال، هي تجربة صادمة مشتركة يمكن أن تؤثر سلباً على مجتمعات بأكملها. أحد الأمثلة على ذلك هو “الإحباط والارتباك وفقدان الاتصال” الذي أصاب الناجين من كارثة بوفالو كريك عام 1972. يمكن أن تشير الصدمة أيضاً إلى المعاناة الجماعية المُسببة من قبل هذا النوع من معدلات الوفيات المرتفعة والإغلاقات الاقتصادية والاجتماعية مثل التي شاهدناها خلال جائحة كوفيد-19. بينما يقوم الباحثون وغيرهم بالتفرقة بين مصطلحات مثل الصدمة الجماعية والتاريخية والثقافية ومتعددة الأجيال والمتناقلة عبر الأجيال والصدمة الخاصة بجيل دون غيره على أساس السياق، فإن كلاً منها يعبر عن ظاهرة الصدمة الموروثة أو المشتركة.

وكما ناقشت مقالات سابقة في هذه السلسلة، فإن صناع التغيير – أي هؤلاء الذين ينخرطون بشكل فعّال في بناء مجتمع صحي ومُنصف – لا يقومون فقط بمواجهة ومعالجة الصدمات في المجتمعات التي يخدمونها، بل يختبرون أيضاً وبدرجة شائعة للغاية بعض الأذى النفسي والصدمات الشخصية نتيجة لعملهم. كما أن هناك أدلة متزايدة على أن هذه التجارب تعيق قدرتهم على رعاية التغيير الاجتماعي والمؤسسي، وأن دعم الرفاه الشخصي يكمن في معالجة التحديات الاجتماعية بفعالية. وحتى ندرك بشكل أفضل تأثير الصدمة على الأفراد والمؤسسات والمجتمع، فإن أولئك الذين يعملون من أجل التغيير الاجتماعي ستكون قدرتهم محدودة على دعم كرامة الإنسان ورفاهه وقدرته على الصمود. بالطبع يجب علينا أن نفهم الصدمات بشكل أفضل، وأن نناقشها وندمج الوعي حولها ضمن ثقافة التغيير الاجتماعي، إذا كنا نرغب في المعالجة الفعالة لمشاكل التي تكون فيها الصدمات عامةً والصدمات المتناقلة بين الأجيال خاصةً عاملاً مهماً.

مع وضع هذا في الاعتبار، بدأ مؤخراً مركز التفكير الذي أطلقه مشروع الرفاه (The Wellbeing Project) وجامعة جورج تاون برنامجاً بحثياً لفهم العلاقة بين العمل الداخلي (بما في ذلك البحث الذاتي والتفكير والرعاية الذاتية)، والتغيير الخارجي (العمل الذي يقوم به الأفراد لإحداث التغيير في العالم)، والصدمات المتناقلة بين الأجيال. يقوم البرنامج باستكشاف الصدمات المتناقلة بين الأجيال مع فكرة أن فهم تأثير هذه الصدمات قد يساعد على تحسين رفاه الأفراد الذين يعملون من أجل التغيير الاجتماعي والمجتمعات التي يعملون معها، بالإضافة إلى زيادة تأثير عملهم هذا. وأظهرت نتائج مسح ميداني أولي وتقارير بحثية أجريت عام 2020 مجالاً متنوعاً من وجهات النظر حول الصدمات المتناقلة بين الأجيال من خلال القصص البشرية ومجموعة من المقاربات الانضباطية المعتمدة على الأبحاث. وإليكم نظرةً حول ما توصّلنا إليه حتى الآن.

تحديد التحدي

وُثّقت الصدمات المتناقلة بين الأجيال للمرة الأولى في الدراسات التي تناولت الهولوكوست التي أجريت في ستينات وسبعينات القرن العشرين. يتحرى مقال كتبته هيلين إيبستين بعنوان “أبناء المحرقة” (Children of the Holocaust) كيف أثّرت تجارب وجراح الناجين من الهولوكوست على حيوات الأجيال التالية. ومع مرور الوقت، توسع المجال لدراسة الصدمات المتناقلة بين الأجيال نتيجة للحرب والإبادات الجماعية وتجارب اللجوء والتفاوتات في نظم الرعاية الصحية والفصل العنصري في جنوب إفريقيا ونظام الطبقات في الهند والعبودية الأميركية وموروثاتها والفقر والقمع والعنف ضد شعوب السكان الأصليين. كانت هذه الظواهر وما شابهها مصدر صدمة كبرى أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر على أجيال متعددة. ومع ذلك، فإن الصدمة المتناقلة بين الأجيال لا تنتج بالضرورة عن كارثة اجتماعية واسعة النطاق. يمكن أن تنتج أيضاً عن صدمة لم يتم حلها والتي تحملتها الأمهات، أو من صدمة عانى منها الآباء والأجداد والأحفاد الآخرون، الذين يمكنهم عن قصد أو عن غير قصد، نقلها من خلال المشاعر والذكريات وحتى اللغة.

لا يقتصر تحديد المشكلة على تحديد حالات العنف التاريخية أو المستمرة التي تسبب هذا النوع من الصدمات؛ بل يتعلق الأمر أيضاً باستخدام الأسئلة والأساليب والأدوات الخاصة بالمجالات والتخصصات المختلفة، بالإضافة إلى القصص البشرية، لدراسة الضرر الحاصل على أرض الواقع وعلاجه في نهاية المطاف. هناك مجموعة من الحالات الموثقة التي تتضمن علم التخلق، أو دراسة تتناول التغيرات الوراثية في وظيفة الجينات التي ليست جزءاً من الشفرة الجينية، والتي تُظهر أن الضغوطات والصدمات يمكن أن تغير التعبير الجيني، وبالتالي تنتقل بين الأجيال. إن الصدمة التاريخية، مثل الصدمة الناتجة عن التهجير القسري وتدمير مجتمعات الأميركيين الأصليين، لها آثار ضارة على الأبعاد الفيزيولوجية والنفسية والاجتماعية لحيوات أجيال متعددة تالية. وبالإضافة إلى البيولوجيا، يشكل هذا التحدي المعقد أيضاً مشكلة نفسية واقتصادية وتعليمية. ونظراً للعلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي، والصحة العقلية، والديمقراطية، فإن انتشار الصدمة يعد أيضاً من اهتمامات قطاعات التكنولوجيا وعلم الأخلاقيات.

نحن جميعاً نفهم موقعنا من العالم انطلاقاً من السرديّات التاريخية والثقافية. وإن الروايات التي يقولها الناس لأنفسهم ومفاهيمهم لذواتهم، إذا ما احتوت على صدمات نفسية، يمكن أن تكون غير قادرة على التكيف ويمكن أن تصبح آليات تسبب صدمات تاريخية. تعتبر الفنون ورواية القصص من الأدوات الضرورية لصياغة سرديّات أكثر سلامةً، ولبناء أخرى تكرّم الماضي ولكنها تتيح الشفاء في الحاضر والمستقبل. مستقبلاً، يجب على الباحثين والممارسين استخدام مجموعة واسعة من المناهج متعددة التخصصات التي تتلقى المعلومات من منظور عالمي شامل لعدة قطاعات في سبيل استكشاف هذا الموضوع وتوثيقه.

الصدمات المتناقلة بين الأجيال كفرصة للتدرب على التغيير الاجتماعي

خلال العام الماضي، حصلنا على خمس رؤى أولية حول العلاقة بين الصدمة المتناقلة بين الأجيال وقطاع التغيير الاجتماعي. نأمل أن تقدم هذه الأفكار لقادة التغيير الاجتماعي الحاليين تأطيراً مبتكراً للتفكير، بالإضافة إلى دعم بحثنا المستقبلي.

1. البحث عن جذور الصدمات والعوامل المساعدة. يمكن أن يساعد التعرف على الصدمات المتناقلة بين الأجيال في تسليط الضوء على جذور المشاكل التي يعمل على حلها قطاع التغيير الاجتماعي وتحديدها بدقة.

خذ في عين الاعتبار التكاليف الباهظة للفقر في الولايات المتحدة. يتضمن الوصول إلى جذور المشكلة الاعتراف بأن المشكلة لا تتعلق فقط بإخفاقات وأوجه قصور فردية. تتطلب معالجة الفقر أن نطرح أسئلة حول العوامل المنهجية الأساسية، مثل العنصرية الهيكلية، التي تزيد من إفقار آليات التمييز العرقي والتفاوتات في الخدمات الصحية المبنية على الفروق العرقية. كما أنها تثير تساؤلات حول التوزيع غير المتكافئ للسلطة والثروة، مما يؤثر على الوكالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بما في ذلك الحراكية في أي من هذه المجالات.

يخلق الفقر أيضاً تحديات كبيرة للصحة العقلية للأشخاص، ليس فقط بسبب نقص الوصول إلى الموارد الحيوية، ولكن أيضاً بسبب الضغط المزمن الناتج عن العيش في ظل الفقر والذي يمكن أن يؤدي إلى ضمور في قشرة الجبهة الأمامية، وهي منطقة من الدماغ مسؤولة عن التفكير المنطقي والتحكم وإطلاق الأحكام وصناعة القرار. وبعبارة أخرى، يمكن أن تصبح الصدمة التي يسببها الفقر نفسه عاملاً مساعداً يزيد من صعوبة الخروج من دائرة الفقر.

من خلال النظر في الأسباب الجذرية والظروف المعقدة، يمكن لصانعي التغيير الاجتماعي تعميق فهمهم للتحديات التي يرغبون في حلها، وبالتالي تشكيل تدخلات مستقبلية أكثر فعالية.

2. دعم صانعي التغيير والمجتمعات التي يخدمونها. يمكن أن تساعد معالجة الصدمات المتناقلة بين الأجيال على دعم صانعي التغيير الذين عانوا أنفسهم من الصدمات المتناقلة بين الأجيال، بما في ذلك أولئك الذين اختاروا العمل في التغيير الاجتماعي لمعالجة مصدر صدماتهم بشكل أو بآخر.

خلال حركة رودس يجب أن تسقط (Rhodes Must Fall) في جامعة كيب تاون (UCT) على سبيل المثال، طالب الناشطون من الطلاب بإزالة تمثال للإمبريالية سيسيل رودس، التي نفذت سياسات مكنت من إضفاء الطابع المؤسسي على الفصل العنصري وتعزيزه. وعلى الرغم من أن العديد من الطلاب قد ولدوا بعد انتهاء الفصل العنصري رسمياً، إلا أن إرث الفصل العنصري والصدمات الاستعمارية ظل قائماً. في عام 2016، ابتكر الطلاب ذا فول (The Fall)، وهي مسرحية حول حركتين تابعتين لجامعة UCT: حركة رودس يجب أن تسقط وحركة الرسوم يجب أن تسقط (Fees Must Fall). وجد هؤلاء الفنانون النشطاء في كتابة المسرحية ومشاركة تجاربهم عبرها نوعاً من العلاج والشفاء، لأنفسهم ولجمهورهم على حد سواء.

هذا النوع من العمليات التي تربط العمل الداخلي لمواجهة الصدمات المتناقلة بين الأجيال مع التغيير الاجتماعي الذي يركز على آثارها، هي طريقة فعالة لتعزيز رفاه صانعي التغيير وتوسيع نطاق التغيير الاجتماعي في الوقت نفسه.

3. التعرف على الصدمات في عالم متشابك بدأنا بالملاحظة أن هناك العديد من الحدود الواهية بين المشاكل الاجتماعية التي نواجهها في يومنا الحالي والصدمات الجمعية التي تتسبب في مفاقمة هذه المشاكل. وفي بعض الحالات، تتدرج أسس الصدمات عبر مجالات الحياة والمجتمع التي تبدو غير ذات صلة.

على سبيل المثال، تعود جذور أسباب الازدحامات الطرقية والاختناقات المرورية في أتلانتا بولاية جورجيا إلى تصميم الطرق في الولاية الذي كان يراعي الفصل العنصري مع إعطاء الأولوية لأحياء البيض. كما أن التصميم الطرقي هذا يعكس معارضة التوسع في الوصول إلى وسائل النقل العام من المناطق ذات الغالبية من أصحاب البشرة البيضاء. وبشكل عام، فإن الآليات الرأسمالية التي تؤدي إلى زيادة الحراك الاقتصادي لبعض المجموعات السكانية (مثل المتعلمين أو مجموعات الشركات) لها آثار سلبية على الصحة الشخصية والأسر ومستقبل أطفال العائلات ذات الدخل المنخفض.

بالنسبة لقادة التغيير الاجتماعي، ففهم القضايا في ترابطها يساعد في كشف السمات المميزة للمشكلات الاجتماعية التي يعملون عليها ويوسّع أنواع الموارد الممكنة التي يمكن لها أن تعالج هذه المشاكل. إن تشابك العالم يحتّم علينا استخدام العديد من الأنظمة ووجهات النظر البشرية بالتوافق مع بعضها البعض.

4. تفعيل التعافي من الصدمات. يشرح خبير الصدمات بيسيل فان دير كولك في كتابه “ذا بودي كيبس ذا سكور” (The Body Keeps the Score) أن الصدمات تقلل فعالية الأشخاص وتقلل قدرتهم على التأقلم مع المواقف المفعمة بالعواطف، ما يؤثر على صحة ورفاه الجسد والدماغ والعقل. مع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن بعض العوامل مثل الدعم الاجتماعي يمكن أن تخفف تأثير الصدمات على الأفراد، حتى أولئك الذين اختبروا نفس الأحداث أو الظروف. وبينما تمتلك الصدمات قدرة خبيثة على أن تصبح حلقة مفرغة، فإن السعي إلى الفعالية والكرامة والرفاه يمكن أن يخلق تأثيراً معاكساً – حلقة مفرغة من التعافي.

تقدم لنا قصة ديزموند ميد، رئيس تحالف استعادة الحقوق في فلوريدا، مثالاً على هذا الأمر على مستوى الأفراد. لقد دفعه التصويت لأول مرة في عام 2020 وحفزه أكثر من أي وقت مضى لمواصلة استعادة حق الملايين من الأشخاص الآخرين في الانتخاب. والفعالية التي شعر بها عند ممارسة حقه الانتخابي ساعدته على إعادة الشعور بحسه بالكرامة – وهي القيمة المتأصلة لديه كونه مشاركاً في العملية الديمقراطية. كما أنها ساعدت في رفاهه النفسي، لا سيما عندما أخذ في الاعتبار التحديات التي واجهته في حياته أو واجهها أسلافه من الأميركيين أصحاب البشرة السمراء المحرومين عبر التاريخ من حقوقهم.

أحد الأمثلة الأخرى هي ممارسة السرد القصصي العلاجي التي تدعى العلاج بالشهادة، والتي ساعدت الناجين من الحرب والعنف السياسي واللاجئين السياسيين على الشفاء من الصدمة عبر مشاركة قصصهم الشخصية بطريقة توثّق وتحفظ شهاداتهم بدقة.

إن مبادرات التغيير الاجتماعي أيضاً بكافة أنواعها تدمج إجراءات للتعافي من الصدمات. فعلى سبيل المثال، تضمنت مبادرات العدالة الإصلاحية، مثل لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا وعملية السلام في كولومبيا، تدابير لإصلاح الضرر وإعادة التأهيل، بهدف منح الأشخاص الذين كانوا مضطهدين سابقاً صوتاً ووكالة رعاية. كما أكدت كل من حركة الحقوق المدنية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وحركة حياة السود مهمة الحالية، منذ نشأتهما في الولايات المتحدة على كرامة الجميع، وطالبتا بحضور سياسي واقتصادي واجتماعي فاعل لأولئك الذين كانوا مستَبعَدين ومعرضين للاضطهاد.

توضح هذه الأمثلة كيف يمكن لقادة التغيير الاجتماعي تطوير مبادراتهم الشخصية والحركات التي يديرونها بطرق تستخدم الوكالة والرفاه كأساليب لمعالجة دوائر الصدمة.

5. قيمة الوقت والصلة مع الذات والعالم عندما أكد زعيم الحقوق المدنية الأميركي القس الدكتور مارتن لوثر كينغ جونيور على المبدأ القائل “تأخير العدالة لفترة طويلة هو رفض للعدالة”، أدرك دور الوقت في تحقيق العدالة. وبطريقة مماثلة، فإن الشفاء الذي يتأخر لفترة طويلة لا يتم رفضه فحسب، بل قد يؤدي أيضاً إلى تفاقم المشكلات. كلما مرّ الأشخاص بظروف صادمة أو استمرت معهم صدمات سابقة (قد تعود لمرحلة الطفولة) لفترة أطول، إلا وتضاعفت الصدمة وزادت قدرتها على إرهاقهم، إلى درجة أنها قد تصيب أشخاصاً آخرين كانوا ليظلوا مقاومين لها لولا استمرارها لوقت طويل أو تصيب من لديهم صدمات مختلفة جذرياً.

وصف الباحث سوراج يندجي الصدمات التي تعرض لها هو أو الأجيال الأخرى من طبقة الداليت (أو المنبوذين) من النظام الطبقي. بالإضافة إلى الظروف المشتركة مثل الحرية الحركية المتناقصة والفقر والاضطهاد والمحو الثقافي، يلاحظ ينجدي كيف يمكن للصدمات أن تحد من أحلام وتطلعات أعضاء المجتمع الآخرين. ما يجعل الوقت عاملاً أساسياً عندما يتعلق الأمر بالشفاء. ومثلما يمكن للصدمات التي لم يتم علاجها أن تتخلل عبر الأجيال بمرور الوقت، فإن معالجة الصدمات تتطلب اهتماماً ودعماً مستدامين.

إن الاتصال – بين الجسد والعقل، أو بين إنسان آخر، أو بين جيل والذي يليه، أو بين ذواتنا الداخلية والبيئة الخارجية – هو عامل مميز آخر للشفاء. كما أن الإدراك الداخلي (الوعي بما يحدث في الجسم)، والعلاج الجسدي (تأريض الجسم من خلال الحركة)، والعلاقات والشعور بالانتماء كلها تسهل الشفاء من خلال إعادة إنشاء الروابط الأساسية للبشر.

يقترح توماس هابل، الكاتب ومؤسس أكاديمية العلوم الداخلية، أن أحد أهم الاتصالات لشفاء الصدمات الجماعية والمتناقلة بين الأجيال هو الاتصال بين العلوم والروحانيات، والتي يقول أنها تجمع بين “الحلزون المزدوج للحكمة القديمة والفهم المعاصر”. ينعم البشر بالرفاه عندما نمتلك الفاعلية والكرامة والصحة، وعندما نكون متصلين بذواتنا وبالآخرين وبالعالم من حولنا بطرق مستدامة ومقبلة على الحياة. إن الصدمة هي الانفصال عن هذه الأشياء. لذلك يحتاج هؤلاء العاملون في التغيير الاجتماعي إلى تعريف أوجه الاتصال والانفصال في المشاكل التي يهتمون بها. كما أنهم يحتاجون إلى الدعم عندما يعانون من الانفصال في حيواتهم الشخصية.

دعوة للتحرك

يحتاج القطاع الاجتماعي إلى اتخاذ بعض الخطوات لمعالجة الصدمة المتناقلة بين الأجيال، وتحقيق الرفاه الداخلي للأفراد والمجتمعات. أولاً، يجب علينا التعرف على الصدمات المتناقلة بين الأجيال على أنها تحدي واسع الانتشار في سبيل تحقيق الرفاه على نطاق واسع – نطاق يتطلب الاهتمام المستمر والشفاء بأشكال مختلفة للتكيف مع التجارب البشرية المختلفة. ثانياً، يجب علينا الدعوة للاستكشاف النشط والتحري الفعال للصدمات المتناقلة بين الأجيال ضمن قطاع التغيير الاجتماعي – في سبيل أن تصبح محط التركيز الأساسي، يجب بالطبع أن يتم دمجها ضمن توجه العمل العام. ثالثاً، يجب أن نعمق الأبحاث والدراسات العلمية حول الصدمات المتناقلة بين الأجيال باستخدام نهج متعدد التخصصات يتم إثراؤه من قبل مجال واسع بالقصص والتجارب البشرية المتنوعة. وأخيراً، يجب علينا تطوير طرق وممارسات للشفاء والتي تجمع بين العمل الداخلي والخارجي، وتربط بين الكرامة والوكالة والرفاه مع مجالات التغيير الاجتماعي.

على مدار العام المقبل، سيستمر مشروع الرفاه وجامعة جورج تاون – بالتعاون مع لجنة عالمية متعددة التخصصات من الخبراء والأصوات المنتسبة – في استكشاف آثار الصدمات المتناقلة بين الأجيال على الأفراد والمجتمعات والقطاع الاجتماعي، مع وضع المبادئ التالية في الاعتبار:

  1. البحث عن جذور هذه المشاكل، وعدم الاكتفاء بدراسة الأعراض؛ حيث يمكن في كثير من الأحيان تقسيم حالات الصدمة المتناقلة بين الأجيال إلى العديد من العوامل المترابطة.
  2. جميع عدة وجهات النظر وربطها مع بعضها البعض بطرائق جديدة. يتضمن ذلك استخدام العديد من الضوابط، وتفحص العديد من قطاعات الحياة البشرية، والاستماع إلى العديد من القصص البشرية لفهم كيف تبدأ الصدمة المتناقلة بين الأجيال وكيف تتكشف.
  3. إنشاء مجموعة من الأساليب للشفاء، بما في ذلك استخدام أشكال متنوعة من العلاجات أو ممارسات الرفاه، واستخدام الفنون ورواية القصص، وسد الفجوات الثقافية، والدعوة والمناصرة، والبحث العلمي، وسن السياسات، وتغيير القوانين.
  4. الانخراط والمساهمة في عمل مختلف القطاعات، بما في ذلك التغيير الاجتماعي والسياسة والتعليم.

في مقابلة أجريت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، قال الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أن البلاد ستبقى عاجزة عن تحقيق التغيير الذي ينشده الأميركيون إذا عالجنا الأعراض فقط وتجاهلنا الأسباب الكامنة وراء المشاكل الاجتماعية. كما وصف كيف أن وفاة عدد كبير جداً من الأميركيين أصحاب البشرة السمراء “جزء لا يتجزأ من إرث من التمييز وإرث جيم كرو والفصل العنصري”، وأن الطريقة الوحيدة لمعالجة الفوارق في نظام العدالة الجنائية هي النظر إلى الاقتصاد، والسكن، والعوامل الأخرى المترابطة التي تعيق التقدم. وقال أيضاً: “إن الأمر الجيد هو أننا يمكننا جميعاً أخذ المسؤولية على عاتقنا للتغيير”. تنطبق هذه الرؤى الثاقبة أيضاً على قادة التغيير الاجتماعي الذين يعالجون الصدمات المتناقلة بين الأجيال ومشاكل الرفاه.

يمكننا البدء في معالجة التجارب الصادمة التي تغلغلت في المجتمعات من خلال تحديد الأسباب الجذرية، ودعم شفاء صانعي التغيير، وفهم المشاكل والنتائج المترابطة. حيث يعني وجود هذه العقبات في كل مكان أن فرصة التغيير موجودة في كل مكان أيضاً.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.