تتعثّر مساعي الدول لتحقيق التنمية المستدامة أمام العديد من العقبات، ولعل أهمها عدم التوازن بين عدد السكان والموارد الاقتصادية، إذ تقف مشكلة الزيادة السكانية في مصر حجر عثرة أمام نجاح خططها للحد من الفقر والبطالة والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.
وتتصدر مصر دول المنطقة العربية من حيث عدد السكان، وتحتل المرتبة الثالثة إفريقياً والرابع عشرة عالمياً، فمع بداية أكتوبر/تشرين الأول عام 2022 ارتفع عدد سكان البلاد إلى 104 ملايين نسمة، وذلك حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وشهدت مصر نمواً سكانياً تضاعف ثلاث مرات منذ عام 1897، ومع ارتفاع معدلات الإنجاب الحالية البالغة 3.4 لكل سيدة؛ من المرجح وصول عدد السكان إلى 192 مليون نسمة بحلول عام 2052، فيما قدرت شعبة السكان بالأمم المتحدة ارتفاع عدد سكان مصر إلى 151 مليون نسمة بحلول عام 2050.
أسباب الزيادة السكانية في مصر
يبدأ حل مشكلة النمو السكاني من فهم أسبابها ومحاولة علاجها لتجنب آثارها السلبية على تنمية المجتمع، وتتجلى أبرز هذه الأسباب في:
- ارتفاع عدد المواليد: بلغ معدل الإنجاب في مصر 9 طفل لكل سيدة في عام 2020، وفي حال ثبات هذا الرقم؛ من المرجح ارتفاع عدد السكان إلى 124 مليون نسمة بحلول عام 2032. وفي الفترة من عام 2015 إلى عام 2020 وصل عدد المواليد إلى 12.9 مليون مولود، وهي زيادة كبيرة تعادل عدد المواليد لكل من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا والنرويج وفنلندا والسويد مجتمعة خلال الفترة نفسها، إذ بلغ عدد سكان هذه الدول في عام 2020 نحو 261 مليون نسمة، ما يتطلب العمل على برامج توعية للتحكم بصورة أكبر في معدل الإنجاب.
- التوزيع غير المتكافئ لعدد السكان: ترتبط مشكلة الزيادة السكانية في مصر بالتوزيع غير المتكافئ للسكان، إذ ترتفع الكثافة السكانية في منطقتي الدلتا والوادي مقارنةً بمدن الصعيد وسيناء، التي تضعف فيها الخدمات الحكومية والقطاعات الصناعية الرئيسية المتوفرة لدى سكان مدن كبرى مثل القاهرة والجيزة والإسكندرية. لذا أوصت دراسة أجراها معهد التخطيط القومي بوضع سياسة عمرانية تعيد توزيع السكان بما يحقق التوظيف الأمثل للموارد المتاحة ورفع الكفاءة الوظيفية للتجمعات العمرانية.
- الموروثات الاجتماعية: تعززت في المجتمع المصري، وخاصة في الأرياف، عادات وتقاليد تؤيد الزواج المبكر، وعدم استخدام وسائل تنظيم الأسرة، وتفضيل إنجاب الذكور، والإنجاب مباشرةً بعد الزواج، فضلاً عن ربط ثقافة الإنجاب بالعزوة والسند، إذ أكدت دراسة الموروثات الاجتماعية وأثرها على مشكلة الزيادة السكانية المتسارعة في مصر، أن الاعتقاد بضرورة إنجاب الذكور للحفاظ على استمرار تداول اسم العائلة، وربط الإنجاب بالمكانة الاجتماعية للمرأة، تعد عوامل مهمة في زيادة النمو السكاني، وقدمت دراسة أخرى بعنوان: تصور مقترح لتنمية الوعي السكاني للطالبات الجامعيات المقبلات على الزواج، رؤية لتنفيذ برنامج تنموي من أجل زيادة وعي الطالبات الجامعيات المقبلات على الزواج بالآثار الاجتماعية والصحية والاقتصادية الناتجة عن عدم تنظيم النسل.
انعكاسات الزيادة السكانية في مصر
يعد ارتفاع معدل الاستهلاك لدى الأفراد مقابل تراجع مستويات الدخل أحد الانعكاسات المباشرة للزيادة السكانية في مصر، مؤدياً إلى زيادة النفقات الحكومية على الخدمات الأساسية، كالصحة والإسكان والتعليم والنقل والحماية الاجتماعية على حساب مخصصات الإنفاق على المشروعات التنموية.
كما ينجم عن النمو الديموغرافي السريع زيادة الزحف العمراني على الأراضي الزراعية، وتراجع حصة الفرد من الموارد الطبيعية، فمع استمرار ارتفاع معدل الزيادة السكانية، سيصل عدد سكان مصر إلى نحو 200 مليون نسمة، ما قد يتسبب في انخفاض حصة الفرد من المياه إلى أقل من 300 متر مكعب سنوياً حسب بعض التحليلات.
ولا يقتصر تأثير النمو السكاني على هذه الجوانب الاقتصادية، بل يرتبط بمشكلات بيئية تتعلق بالضوضاء والازدحام والتلوث وما يصحبها من تبعات صحية واجتماعية.
خطوات للحد من الزيادة السكانية في مصر
تسعى مصر إلى خفض معدلات الزيادة السكانية بما يتناسب مع الإمكانيات الاقتصادية للارتقاء بالمستوى المعيشي للأفراد، وأطلقت عدة سياسات سكانية خلال الخمسين عاماً الماضية، كان أولها عام 1973 وتضمنت برامج متنوعة بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني ثم إنشاء المجلس القومي للسكان عام 1985 تبعها إطلاق السياسة السكانية الوطنية الثالثة عام 1986، واستمرت هذه السياسات في التوسع، حتى إطلاق الاستراتيجية القومية للسكان (2015-2030)، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014، بهدف تحسين جودة الحياة من خلال خفض معدلات الزيادة السكانية وإعادة توزيع السكان وتقليل التباينات في المؤشرات التنموية بين المناطق الجغرافية، وركزت الاستراتيجية على خمسة محاور:
- تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية.
- الخدمات الصحية للشباب والنشء.
- التوعية بالقضية السكانية.
- تمكين المرأة.
- تفعيل نظام المتابعة والتقييم.
واستهدفت الاستراتيجية خفض معدلات الإنجاب من 3.5 طفل إلى 2.4 طفل بحلول عام 2030 عبر رفع نسب السيدات اللائي يستخدمن وسائل تنظيم الأسرة من 59% إلى 72%، إذ يمثل تحسين خدمات تنظيم الأسرة بداية لحل مشكلة الزيادة السكانية في مصر، ويعود بفوائد اقتصادية جيدة، فبحسب المركز المصري للدراسات الاقتصادية، كل جنيه تنفقه الدولة على تنظيم الأسرة يوفر لها 151.7 جنيه، ويساعد في الحد من الفقر، فالأسر محدودة الدخل تنظر إلى كثرة الإنجاب على أنه نوع من الحماية الاجتماعية عند المرض أو التقدم في السن.
وعلى الرغم من شمول هذه الاستراتيجية واستهدافها للقضايا المختلفة المتعلقة بالسكان والتنمية؛ إلا أن خطتها التنفيذية لم تستفد كثيراً من الهيكل السكاني الشاب، إذ بلغت نسبة الشباب من الفئة العمرية 18 – 29 عاماً 21% من إجمالي السكان لعام 2022، إلى جانب الاستراتيجية القومية، نُظمت العديد من المبادرات للحد من النمو السكاني، منها مشروع 2 كفاية الذي أطلقته وزارة التضامن الاجتماعي في مايو/أيار عام 2018، ويستهدف نحو مليون سيدة في عشر محافظات الأكثر فقراً والأعلى في معدلات الخصوبة وهي الجيزة والفيوم والبحيرة، والمنيا وسوهاج وبني سويف وقنا، وأسيوط وأسوان والأقصر، ويُنفذ المشروع بالتعاون مع 108 جمعيات أهلية في 2257 قرية ونجع بالمحافظات المستهدفة، وبلغ إجمالي السيدات اللاتي تلقين خدمات الصحة الإنجابية 15 ألف سيدة خلال النصف الأول من عام 2022.
وللحد من الزيادة السكانية وضعت مصر شروطاً للحصول على الدعم منها الاكتفاء بطفلين فقط، وهي خطوة مماثلة لما توفره بعض الدول من مكافآت مالية وخدمات مستمرة للأسر التي تقلل الإنجاب، ولعل الصين من أوائل الدول التي طبقت سياسة الطفل الواحد عام 1979 وساهمت في خفض معدلات الزيادة السكانية لتصل إلى 29% خلال الفترة من 1980 إلى 2000.
ويمكن أن تكون هذه الخطوات ذات فاعلية أكبر في حل مشكلة الزيادة السكانية في مصر إذا حققت التكامل بين تعزيز الصناعة وتطوير القطاع الزراعي ورفع درجة الوعي المجتمعي والارتقاء بمؤشرات التنمية البشرية من صحة وبيئة وتعليم، وتفعيل الشراكة بين القطاع العام والخاص والأهلي.