يعيش أكثر من مليار إنسان في مناطق ريفية منعزلة في البلدان المنخفضة الدخل. ويعد توفر الطرق والمواصلات لهم شرطاً أساسياً لتحسين النتائج الصحية والتعليمية والاقتصادية.
في قرية ريفية صغيرة في زامبيا، تحصل روث على دخلها عن طريق جمع الخضروات الطازجة من حدائق المجتمع المحلي وإيصالها إلى السوق. تعد عملية العناية بالخضروات وإيصالها سيراً على الأقدام عملية غير مجدية وتستغرق وقتاً طويلاً، ولكن يمكن لروث التنقل على 5 كيلومترات من الطرق الترابية التي تربط الحدائق والسوق على نحو أسرع بمساعدة الدراجة، ما يزيد من أرباحها ومدخراتها.
وقصة روث ليست غريبة عندما تعلم أن 70% من سكان المناطق الريفية في إفريقيا يفتقرون إلى طرق صالحة لجميع الأحوال الجوية وخدمات نقل موثوقة وميسورة الكلفة. ويعتمد غالبيتهم على المشي للوصول إلى مقاصدهم. وعلى الصعيد العالمي، يعيش مليار شخص في مناطق ريفية معزولة بسبب بعد المسافة ووعورة التضاريس ونقص وسائل النقل. وتحد هذه العزلة من القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والغذاء الكافي والفرص الاقتصادية بدرجة كبيرة. يؤثر هذا النقص في وصول سكان المناطق الريفية إلى الخدمات بدرجة كبيرة في الفتيات والنساء اللائي يعشن الفقر، ما يؤدي إلى تخلف خدمات التعليم والرعاية الصحية وفرص توفير الدخل المقدمة لهن.
وتقدم رويس مثالاً على تلك النسوة، وهي تعمل متطوعة في مجال الرعاية الصحية المجتمعية في زامبيا وترعى المرضى البالغين والأطفال في قريتها والمناطق المحيطة بها. تقول رويس: "أصبحت متطوعة في مجال الرعاية الصحية لأنني شغوفة بمساعدة الناس".
وكان التطبيق العملي لشغفها شاقاً عندما بدأت رحلتها. كانت رويس تبدأ يومها بالاستيقاظ قبل الفجر لإنهاء أعمالها المنزلية، ثم تمشي لمسافة 10 كيلومترات أو أكثر للوصول إلى المرضى. لذلك لم تستطع زيارة أكثر من 4 مرضى في اليوم. وعندما بدأت باستخدام الدراجة، تضاعف عدد المرضى أكثر من 4 مرات فوصل إلى 18 مريضاً في اليوم. فعندما يعيش 50% إلى 60% من الناس في البلدان الفقيرة على بعد أكثر من 8 كيلومترات من مرافق الرعاية الصحية دون وسائل النقل، يفهم المرء التأثير الذي يحدثه حل بسيط نسبياً مثل الدراجة على ربط الناس بالخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية.
كما يؤثر بعد المسافة على توفير التعليم للفتيات. ولنأخذ إثيل، وهي طالبة تعيش في ريف زامبيا وتبلغ من العمر 15 عاماً. وكانت تضطر إلى الذهاب إلى المدرسة سيراً على الأقدام، حالها كحال ملايين الفتيات في إفريقيا. كانت تقضي أكثر من ساعتين كل يوم في رحلة الذهاب إلى المدرسة عبر التضاريس الجبلية، ومثلها في رحلة الإياب. وكانت تصل متعبة ومنهكة، فتراجعت درجاتها ونسبة حضورها. بعد حصولها على دراجة، انخفضت مدة رحلتها 45 دقيقة في كل اتجاه، وبذلك استطاعت تخصيص المزيد من الوقت والطاقة لدراساتها. حتى إنها تنقل زملاءها معها إلى المدرسة. وتُعد الدراجات عائد استثمار لا بأس به في حال أخذنا في الحسبان 32.6 مليون فتاة في سن التعليم الابتدائي والإعدادي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى خارج المدرسة. ويرتفع هذا الرقم إلى 52 مليوناً عند أخذ الفتيات في سن المدرسة الثانوية في الحسبان، بالإضافة إلى ملايين أخرى معرضة لخطر الخروج من المدرسة على إثر جائحة كوفيد-19. عندما تفتقر العائلات إلى الدخل لتوفير الغذاء والنقل والرسوم المدرسية والزي المدرسي والضروريات مثل منتجات العناية الصحية للنساء، تكون الفتيات أول من يترك المدرسة.
وعلى الرغم من هذه التحديات والحاجة الماسة إلى الحلول، تتجاهل حلول التنمية العالمية قضية النقل في المناطق الريفية. ولا تعطي الحكومات والممولون الأولوية للاستثمار في تحسين وصول سكان المناطق الريفية إلى الخدمات بسبب نقص البيانات اللازمة لتوضيح المشكلة وكذلك بسبب منافسة مشاريع التنمية الأخرى وتفضيل الاستثمارات في المناطق الحضرية. ثمة فجوة في تمويل البنية التحتية في إفريقيا وحدها تقدر بـ 100 مليار دولار، ويعتمد تمويل المشاريع على درجة تأثيرها في زيادة فرص التجارة القارية والتحيز الحضري.
لكن ثمة حلول واعدة وقابلة للتوسع لتحسين وصول سكان المناطق الريفية إلى الخدمات أفضل من توفير الدراجات فحسب. وثمة مؤسسات عدة وحركة متنامية لمعالجة عقبات وصول سكان المناطق الريفية إلى الخدمات التي يواجهها مليار إنسان يعيشون في مناطق ريفية منعزلة في البلدان المنخفضة الدخل التي تفتقر إلى الطرق والمواصلات.
الحلول القابلة للتطبيق على نطاق واسع
الاستثمارات المباشرة في البنية التحتية القابلة للتوسع
على الصعيد العالمي، تُعزل آلاف المجتمعات عن الأسواق والمراكز الصحية والمدارس عندما يرتفع منسوب المياه في الأنهار إلى مستويات لا يمكن عبورها. وتصبح هذه المجتمعات معزولة عن الخدمات، ونتيجة لذلك تعاني انخفاض الفرص الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية.
لذلك تعد جسور المشاة مشروع بنية تحتية تدخلياً قابلاً للتوسع ومجدياً من حيث التكلفة لربط المجتمعات بالخدمات. تقوم مؤسسة بريدجيز تو بروسبيريتي "بي تو بي" Bridges to Prosperity (B2P))، غير الربحية التي يعمل فيها اثنان من مؤلفي هذه المقالة بتنفيذ جسور المشاة في المجتمعات الريفية النائية لخدمة حركة مرور المشاة والدراجات والدراجات النارية والحيوانات باستخدام تصميمات الجسور الموحدة المعايير وكابلات معاد تدويرها ومواد محلية المنشأ. إذ أنشأت مؤسسة بي تو بي ودعّمت أكثر من 450 جسراً في 21 دولة تخدم أكثر من 1.5 مليون شخص. وأثبتت المؤسسة على مدى السنوات القليلة الماضية القدرة على توسيع نطاق البنية التحتية للجسور من خلال شراكة تمتد لعدة أعوام مع حكومة رواندا بقيمة 26 مليون دولار لتوفير الخدمة إلى أكثر من 600,000 شخص في جميع أنحاء البلاد. كما امتد نجاح توسيع البنية التحتية لجسور المشاة إلى ما وراء الحدود الرواندية. إذ كان إنشاء ما يقرب من 10,000 جسر وصيانتها نتيجة عن شراكة امتدت لستة عقود بين حكومة نيبال والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (Swiss Agency for Development and Cooperation) ومؤسسة هيلفيتاس (Helvetas)، التي شغل فيها أحد مؤلفي هذه المقالة منصب الرئيس التنفيذي في الولايات المتحدة).
نعلم أن هذه الحلول ذات تأثير كبير. إذ توصل باحثو طرف ثالث إلى أن المجتمعات التي حصلت على جسور مشاة في نيكاراغوا شهدت زيادة بنسبة 36% في دخل سوق العمل، وزيادة بنسبة 75% في أرباح المزارع، وزيادة بنسبة 59% في دخول النساء إلى سوق العمل. يستخدم أكثر من مليوني شخص جسور المشاة كل يوم في نيبال، ما يرفع نسبة حضور الطلاب في المدارس بنسبة 16% وسطياً، ويرفع عدد المرضى الذين يلتمسون العلاج في المرافق الصحية بنسبة 26% وسطياً. كما وجد الباحثون أن جسور المشاة تمثل نوعاً من التأمين الذاتي، إذ تنفذ الأسر استثمارات أكثر إنتاجية مثل شراء المستلزمات الزراعية، لثقتها بقدرتها على الوصول إلى أسواق جديدة لبيع منتجاتها. كما لوحظ التأثير الإيجابي على دخل سوق العمل في رواندا، حيث كشفت دراسة عن زيادة بنسبة 25% في دخل سوق العمل.
في جانب آخر، أدى الافتقار إلى الطرق الصالحة لجميع الأحوال الجوية إلى الحد من فرص الكسب للمزارعين والتجار في المناطق الريفية في بوركينا فاسو. تعاونت مؤسسة هيلفيتاس مع المجتمعات المحلية في أربع مناطق لإنشاء طرق وإعادة تأهيلها تربط 68 قرية بطول 436 كيلومتراً. ويُظهر تقييم تأثير الطرق الجديدة ازدهار الأسواق المحلية، حيث أبلغ 83% من البائعين عن زيادة في الإيرادات. كما جلبت البنية التحتية الجديدة فوائد بيئية. حيث ساعدت الحواجز الحجرية المرتفعة في تصميم الطرق على تحسين إدارة المياه والتخفيف من آثار الفيضانات والتعرية، ما يعني تعزيز قدرة المجتمعات على الصمود ودعم الأنشطة الزراعية الجديدة.
بيئة عمل لحشد جهود المجتمعات
توضح قصص روث ورويس وإثيل في مقدمة هذه المقالة كيف يزيد بعد المسافات من العقبات التي تواجهها الأسر الفقيرة في العديد من البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطته للوصول إلى الخدمات التي يحتاجون إليها للنمو في المناطق الريفية. تساعد مؤسسة ورلد بايسيكل ريليف "دبليو بي آر" World Bicycle Relief (WBR))، وهي مؤسسة اجتماعية غير ربحية (حيث يعمل المؤلفان الآخران لهذه المقالة) على حل هذه المشكلة من خلال توزيع الدراجات للناس الذين حالهم كحال تلك النساء الثلاث. ولأن راكبي الدراجات يواجهون عقبات كبيرة في الحصول على قطع الغيار وخدمات الدراجات، تدعم مؤسسة دبليو بي آر بيئة عمل مستدامة للمجتمعات تشمل الوصول إلى شبكات بيع قطع غيار الدراجات وخدمات الإصلاح في كل من المناطق الريفية والحضرية، ما يضمن قدرة الناس على صيانة دراجاتهم لسنوات عديدة. ثمة مقابر للدراجات في جميع أنحاء إفريقيا حيث لا يستطيع الناس إصلاح دراجاتهم أو الحصول على قطع غيار. وتعالج مؤسسة دبليو بي آر هذه المشكلة عبر بيئة عمل متكاملة.
في السنوات الـ 18 الماضية، وزعت دبليو بي آر أكثر من 712,000 دراجة في 21 دولة في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. يقود نموذج "حشد جهود المجتمعات" الخاص بها الاستخدام المستدام للدراجات من خلال برامج يقودها المجتمع مصممة على نحو مشترك في مجالات الصحة والتعليم وسبل العيش والحفاظ على الطبيعة من خلال شراكات مع المؤسسات غير الحكومية والحكومات المحلية والوطنية والقطاع الخاص. تتضمن هذه البرامج المحلية التي يقودها المجتمع توفير مرافق التجميع والتوزيع، والوصول إلى سلسلة توريد قطع الغيار، وفنيي الصيانة المحليين المدربين، والوصول إلى متاجر البيع بالتجزئة للمؤسسات الاجتماعية الهادفة للربح. تستفيد المناطق الريفية المستهدفة من الآتي: 1) توفير دراجات عالية الجودة "مناسبة للغرض منها" مصممة على نحو خاص لظروف التنقل القاسية (دراجات بوفالو)، 2) البرامج المناسبة محلياً، و3) التدريب الفني الذي توفره مؤسسة دبليو بي آر وشركاؤها. صُممت الدراجات لتكون من الأصول الإنتاجية الطويلة الأجل للأسر، ولتكون منخفضة الكلفة. أظهرت البيانات بعد عام واحد من امتلاك الدراجات في مجتمع واحد في زامبيا الآتي:
- انخفض متوسط الوقت الذي يقضيه الطلاب في الذهاب إلى المدرسة بنسبة 35%، من 111 دقيقة إلى 73 دقيقة.
- تحسن الشعور بالأمان لدى الطلاب: في البداية، أفاد 43% فقط من الأطفال بأنهم يشعرون بالأمان عند الذهاب إلى المدرسة في الصباح. وبعد مرور عام، أفاد 92% من الأطفال الذين شملهم الاستقصاء أنهم يشعرون بالأمان.
- انخفض متوسط عدد الأيام التي أُبلغ فيها عن تأخر الأطفال عن المدرسة إلى 2.3 يوم في الشهر، أي بنحو 50%.
- أفاد 95% من المشاركين في الاستقصاء أن دراجة بوفالو هي وسيلة النقل الأساسية التي يستخدمونها للذهاب إلى مرافق الرعاية الصحية.
- انخفض متوسط الوقت اللازم للوصول إلى مرفق صحي إلى ساعة واحدة، أي بنسبة 45%.
وفي الوقت نفسه، أفاد 60% من النساء و45% من الرجال في زيمبابوي أن الدراجات قد حسنت دخل أسرهم. إذ ارتفع الدخل الشهري للفرد بنسبة 55% من 16 دولاراً أميركياً وسطياً في عام 2021 قبل اقتناء الدراجات، إلى 24.90 دولاراً أميركياً وسطياً.
يؤكد عمل مؤسسة كامفيد (CAMFED)، وهي مؤسسة غير ربحية تركز على تحسين توفير التعليم للفتيات، بيانات شريكتها مؤسسة دبليو بي آر. إذ تقول المديرة الوطنية لمؤسسة كامفيد في ملاوي سوزان سيليكا: "نهجنا في مواجهة استبعاد الفتيات من التعليم والفرص متعدد الأبعاد، ويتعامل مع الحواجز المالية والنفسية الاجتماعية والهيكلية. والدراجات جزء من هذا النهج. تساعد الدراجات الطلاب على التنقل في الرحلات الطويلة والمحفوفة بالمخاطر بسرعة وأمان أكبر، ما يساعدهم على التركيز في الفصل ويوفر وقتاً ثميناً للدراسة؛ كما تشكل عامل دعم رئيسي لخريجينا الذين يتطوعون للعمل مرشدي طلبة، ويستخدمونها في التواصل مع الفتيات الضعيفات في المدرسة، وكذلك لمتابعة الطلاب الذين أُبعدوا عن المدرسة، والتحدث إلى العائلات والسلطات المحلية لدعم عودتهم إلى المدرسة".
بالإضافة إلى ذلك، تظهر بيانات مؤسسة دبليو بي آر أنه عندما استخدم العاملون في الرعاية الصحية المجتمعية الدراجات:
- تضاعف عدد الزيارات للمرضى أربع مرات في تسع مقاطعات في زامبيا.
- شهدت كينيا زيادة بنسبة 88% في فحص المرضى، وزيادة بنسبة 50% لإحالات المرضى لفحص السل في العيادات المحلية، وانخفضت حالات ترك العمل بين العاملين في الرعاية الصحية.
- تضاعف عدد المرضى الذين يمكنهم زيارتهم في ملاوي، ما أدى إلى انخفاض بنسبة 90% في عدم امتثال المريض للعلاج الطويل الأمد.
كما أفادت مؤسسة ترانسيد (Transaid)، وهي مؤسسة غير ربحية تعمل مع العاملين في مجال الصحة المجتمعية وهي شريكة لمؤسسة دبليو بي آر، أن الإسعاف باستخدام الدراجات أسهم في خفض معدل وفيات حالات الملاريا الحادة بنسبة 87%، إذ تلقى أكثر من 6,600 مريض العلاج في زامبيا.
تمثل هذه البيانات مجرد البداية للجهود اللازمة لمواصلة تقييم تأثير الاستثمارات المباشرة، كما تعطي أملاً كبيراً بإنهاء استبعاد المناطق الريفية.
تعميم تطبيقات البيانات المكانية والخرائط
في حال كنت تستخدم أي نوع من تطبيقات الملاحة على هاتفك، فستدرك أهمية الخرائط الرقمية الدقيقة والحديثة. تعد البيانات المكانية الموثوقة عنصراً حاسماً في تنمية وصول سكان المناطق الريفية إلى الخدمات، وعلى الرغم من القفزات الكبيرة في تكنولوجيا الخرائط وتغطية البيانات المكانية على مدى العقدين الماضيين، فقد أُهملت المناطق الريفية في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطته بدرجة كبيرة، على الرغم من أنها موطن لـ 80% من سكان العالم الذين يعيشون فقراً مدقعاً. وبخاصة بالنسبة إلى تحديد الطرق الأصغر من الطرق التي تربط أجزاء البلاد بعضها ببعض أو التي تربط أجزاء المدن؛ وفي حين أن تطبيق الخرائط المستخدم في المدن الرئيسية يمكن أن يقدم عادةً عدة مسارات متعددة الوسائط مع اتجاهات مفصلة بين نقطتين، فإن خرائط المسارات الريفية التي يستخدمها المشاة وراكبو الدراجات والدراجات النارية والمركبات الخفيفة غير مكتملة بدرجة جيدة في أحسن الأحوال، وغير موجودة في العديد من المناطق. تفتقر الحكومات عموماً إلى القدرة على تطوير مجموعة البيانات المهمة على نطاق واسع، ولم تجدها الأطراف التجارية مربحة أو مقنعة بدرجة كافية.
تعني فجوة البيانات هذه أن تحديد الاستثمار وتكلفته وتحديد أولوياته في البنية التحتية للنقل الريفي التي تربط السكان الأكثر ضعفاً في العالم بالوجهات الرئيسية في غاية الصعوبة، حيث تعتمد حلول التكنولوجيا الحالية بشكل كبير على بيانات مكانية دقيقة وكاملة. تعمل مؤسسة بريدجيز تو بروسبيريتي على معالجة هذه الفجوة من خلال التعاون مع شركاء التكنولوجيا مثل مركز إم سي جي إي (MCGE) وشركة أوتوديسك (Autodesk) وشركة ماب بوكس (Mapbox) ومعهد أبحاث إيرث لاب (Earth Lab) في جامعة كولورادو، لتطوير مجموعة من الأدوات تسمى فيكا ماب (Fika Map)، التي تستفيد من أساليب تعلم الآلة والبيانات المتاحة للجمهور التي أنشأتها أدوات مثل الأقمار الصناعية سينتينيل 2 (Sentinel-2) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية ومنصة أوبن ستريت ماب "أو إس إم" OpenStreetMap (OSM))، وهي منصة عالمية مجانية توفر خرائط رقمية في المناطق الريفية من خلال بيانات التعهيد الجماعي، لتحديد العقبات التي تحول دون الوصول إلى وسائل النقل في المناطق الريفية، وكذلك تقدير التكلفة والعائد الاجتماعي والاقتصادي على الاستثمار لتنفيذ بنية تحتية جديدة.
الجانب "المتاح للجمهور" من البيانات هو الأهم. من خلال إنشاء فيكا ماب استناداً إلى مجموعات البيانات القليلة المجانية والمتاحة عالمياً ودمج المخزون المتزايد لبيانات التدريب من مؤسسة بي تو بي وشركائها في التنمية الريفية (بمن فيهم المستخدمون النهائيون وأعضاء المجتمع)، يمكن لمؤسسة بي تو بي وشركائها إنشاء رؤى وحلول محتملة لربط المناطق الريفية ومشاركتها مع أصحاب المصالح على جميع المستويات، دون أي كلفة إضافية. باختصار، البيانات المفتوحة تولد بيانات مفتوحة أخرى.
بيانات جغرافية مفتوحة المصدر لتخطيط النقل المحلي على نطاق واسع
يخفق قطاع التنمية العالمي والحكومات المنخفضة الدخل والمتوسطته غالباً في التقييم الكامل لتوفير وسائل النقل المحلية عند تصميم البرامج الريفية. تقوم مؤسسة دبليو بي آر بتجربة نظام معلومات جغرافية تشاركي "بي جي آي إس" (PGIS) في كينيا وملاوي وزامبيا يستخدم مدخلات المجتمع وملاحظاته للإبلاغ عن خطط النقل والبنية التحتية المحلية مع تقليل الآثار البيئية والاجتماعية. ويشمل الجانب "التشاركي" في نظام بي جي آي إس أنشطة مثل رسم الخرائط المحلية، وإجراء المقابلات أو إجراء استقصاء للسكان المحليين لفهم طرق النقل والوقت اللازم للتنقل عليها، والمسير الميداني لجمع المعلومات المحلية والمكانية. ويمكن استخدام هذه المعلومات إلى جانب صور الأقمار الصناعية ومصادر البيانات المفتوحة لتوفير رؤية أشمل للجغرافيا المحلية التي بدورها تساعد في تخطيط التنمية. كما تستخدم المؤسسات في المناطق الريفية نظام المعلومات الجغرافية بي جي آي إس لتخطيط مسارات المشي وركوب الدراجات، وإدارة سلامة الطرق، وتطوير البنية التحتية الريفية مثل الجسور، وتقييم السياسات لقدرتها على تحسين ربط المناطق الريفية بالخدمات الأساسية.
من خلال الاستفادة من هذه المعرفة المجتمعية الجماعية، تكتسب مؤسسة دبليو بي آر رؤى أعمق حول خيارات النقل المتاحة وكيف يمكن للمجتمعات الريفية استخدام الدراجات للتنقل لمسافات أبعد، وبدرجة أمان أكبر، وعلى نحو أكثر تكراراً إلى الأماكن الضرورية. يتدرب أعضاء المجتمع المحلي على جمع البيانات المكانية والمشاركة بنشاط في رسم خرائط مجتمعاتهم باستخدام الهواتف المحمولة التي تدعم نظام تحديد المواقع العالمي (GPS). وبمجرد أن يجمع أفراد المجتمع البيانات المكانية ويتأكدون منها، يمكن بعد ذلك عرضها على الخريطة واستخدامها لتصميم برامج التطوير التي من شأنها تحسين الوصول إلى الخدمات والفرص المهمة.
يتعلم أعضاء المجتمع المهتمون مهارات جديدة من خلال هذه المبادرة ويسهمون في تحسين الخرائط في المناطق الريفية التي يصعب الوصول إليها في كثير من الأحيان. الجمع بين توثيق معرفة المجتمع المحلي (مثل رسم الخرائط، والاستقصاءات، وما إلى ذلك)، واستخدام أدوات جمع البيانات المكانية (مثل الهواتف المحمولة والبرامج) يُنشئ منصة رقمية هي في الأساس مجموعة أدوات مفتوحة المصدر، التي يمكن تخصيصها من قبل مستخدمين آخرين لتقييم النقل واحتياجات التخطيط. ويمكن استخدام قاعدة البيانات الجغرافية الناتجة عن نظام بي جي آي إس لتخطيط النقل المحلي، كما يمكن مشاركتها على نطاق واسع من خلال التكامل مع منصة أوبن ستريت ماب.
تساعد أدوات البيانات المفتوحة المصدر الأخرى مثل رورال أكسيس إنديكس توول (Rural Access Index Tool) على تحديد وقياس وصول سكان المناطق الريفية إلى الخدمات في جميع أنحاء العالم للمساعدة في مراقبة التقدم وتتبعه على الصعيد العالمي. وتقيس على وجه التحديد "إمكانية وصول الأشخاص إلى وسائل النقل في المناطق الريفية حيث يعيش غالبية الفقراء". وطُوّرت هذه الأداة عبر الشراكة مع مؤسسة ريسيرتش فور كوميونيتي أكسيس بارتنرشيب Research for Community Access Partnership (ReCAP)) ومؤسسة تي آر إل (TRL) وشركة أفازيا (Azavea)، وهي دليل على صحة المبدأ الذي يقدر درجة وصول سكان المناطق الريفية إلى الخدمات استناداً إلى ثلاث مجموعات بيانات مفتوحة. كما يمكن أن تزوّد هذه الأداة المهمة صانعي السياسات بتقدير للأعداد الدقيقة للأشخاص (على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي) الذين يعيشون على بعد أكثر من كيلومترين من أقرب طريق صالح لجميع الأحوال الجوية (أحد مؤشرات أهداف التنمية المستدامة). كما يمكن أن تساعد المخططين في تحديد مجالات التنمية الريفية المرتبطة بخطط التنمية الزراعية وخطط التنمية الإقليمية وتحديد أولوياتها في أي بلد.
بناء حركة لدعم وصول سكان المناطق الريفية إلى الخدمات
بالنظر إلى الحلول المُختبرة والتطور المبكر الواعد لأدوات جديدة وجهود جمع البيانات لتتبع التقدم والتأثير، فقد حان الوقت لتكوين قوة جماعية أكبر لدعم قضية وصول سكان المناطق الريفية إلى الخدمات بين صانعي السياسات والممولين. تم تحديد التدخلات اللازمة للتنقل في المناطق الريفية والبنية التحتية للمواصلات بوضوح وثبت أنها تحدث تأثيراً على نطاق واسع. ومع ذلك، لا يمكن للمؤسسات الفردية التي تعمل على نحو منعزل إحداث التغيير الشامل اللازم لتلبية احتياجات مليار شخص ما يزالون يفتقرون إلى الوصول إلى التعليم وخدمات الرعاية الصحية والأسواق والوظائف.
بدأت حركة لإنهاء العزلة الريفية تؤكد التعاون العالمي وتعزز مواطن القوة لمجموعة متنوعة من مؤيدي وصول سكان المناطق الريفية إلى الخدمات. إذ تأسس ائتلافين مؤخراً، الأول جهد مشترك بين مؤسستي بي تو بي وهيلفيتاس والثاني تحالف شبكة إفريقيا للمشي وركوب الدراجات (ANWAC)، ويسعى كلاهما إلى تسليط الضوء على إهمال موضوع إقصاء المناطق الريفية في جميع أنحاء العالم. ويجمع هذان التحالفان قادة حكوميين ملتزمين وصانعي سياسات وممولين ومؤسسات غير حكومية وأعضاء مجتمعات. أثبت إطار عمل تحالف روت (ROUTE) قوة التحالفات من خلال الإطلاق الأخير للتعاون بين مؤسسة بريدجيز تو بروسبيريتي ومؤسسة هيلفيتاس وحكومة إثيوبيا لتوفير النقل الآمن لأكثر من مليون إثيوبي.
ستساعد زيادة الاستثمار في هذه الشبكات التحويلية والبيانات المفتوحة العالية الجودة على توجيه الموارد التي تشتد الحاجة إليها في قطاع تأمين وصول سكان الريف إلى الخدمات وزيادة الوعي بمبدأ هدف التنمية المستدامة الأساسي المتمثل في عدم ترك أي شخص دون خدمات. وفي الختام، سيساعد الدمج الكامل لقضية وصول سكان الريف إلى الخدمات في سياسات والتزامات التنمية الوطنية في قطاعات المناخ والصحة والاقتصاد والتعليم على تسريع التقدم نحو إنهاء العزلة التي تغذي الفقر وعلى تأمين النقل المستدام للجميع.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.