مبادرات الأثر الجماعي: كيف ننسق بينها؟

مبادرات الأثر الجماعي
www.unsplash.com/NeONBRAND
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كان شمال ولاية كنتاكي مَعقِلاً لمبادرات الأثر الجمعي قبل أن يعرف اسم “الأثر الجمعي” بوقت طويل، إذ عالجت حكومة المنطقة والقادة المدنيون القضايا الاجتماعية الشائكة على مدى عقود عن طريق الشراكات لاستحداث رؤية عن مستقبل المنطقة وتنفيذ خطط لتحقيق هذه الرؤية. يقول نائب رئيس إحدى هذه المبادرات: “كنا نعمل على تحقيق الأثر الجمعي لكننا لم نكن نطلق عليه هذه التسمية”.

من جهة أخرى: عندما نتطرَّق إلى مبادرات التعليم في شمال ولاية كنتاكي، نجدها مثالاً حياً للمثل القائِل “ما زاد عن حدّه انقلب إلى ضدّه”، إذ أُنشِئت مبادرات لتعزيز التعاون بين المعلِّمين، وبين المعلِّمين والشركات، وبين المعلِّمين والشركات والحكومة والمؤسسات المدنية. كما ساعد عدد لا يحصى من المؤسسات الأخرى في دعم التعليم وتمثل جزء من مهامها في مساعدة الأطفال والأُسر. وتذكر مديرة قسم الأثر المجتمعي على التعليم في مؤسسة يونايتد واي أوف غريتر سينسيناتي (United Way of Greater Cincinnati)، باتريشيا نيغلكرك: “ستسمع في تلك الاجتماعات الكثير من الأفكار العظيمة، لكنك لن تجد من منسّقاً ولا خطة لتنفيذها.”

ومع ازدهار مبادرات الأثر الجمعي في جميع أنحاء البلاد، كان شمال ولاية كنتاكي بمثابة دراسة حالة في التعامل مع معضلة يمكن أن تنتج عن هذا الازدهار؛ عند وجود عدّة مبادرات لديها مهام وأعضاء وجماهير متداخلة، كيف يمكنك تقليل المنافسة وزيادة الأثر؟

حالياً تعمل مبادرات التعليم في شمال ولاية كنتاكي بالتنسيق فيما بينها عن طريق مؤسسة مرجعية تهدف إلى تحسين جميع أشكال دعم الشباب، منذ الولادة وحتى دخول الحياة المهنية، ولتحقيق هذا الهدف واجه القادة المحليون عدة قضايا: من هي المجموعة المؤهّلة لتقديم الدعم المرجعي من بين المجموعات الحالية؟ كيف يُموّل صندوق دعم المؤسسة المرجعية؟ ماذا ستفعل المبادرات عندما تتداخل مجالات عملها؟ هل ستستدعي الحاجة إلى انسحاب أي مبادرة حالية؟ استغرق العثور على إجابات هذه الأسئلة مدة عامَين، وتطلّب تحليلاً وتفاوضاً مكثفَين بالإضافة إلى بعض المناقشات الصريحة والمزعجة حسبما أشار إليه القادة في منطقة شمال ولاية كنتاكي.

اقرأ أيضاً: ماذا نقصد بالأثر الجماعي عالي الجودة؟

الدافع لتنسيق مبادرات الأثر الجمعي

ولّد الفائض هذه المعضلة، إذ أُطلِقت عدة شراكات ومبادرات لتحسين الخدمات التعليمية في شمال ولاية كنتاكي، وهي المنطقة الواقعة بين المقاطعتَين الرابعة والتاسعة على الحدود الجنوبية لولاية أوهايو، في التسعينيات وأوائل القرن 21، فسعى مجلس الشركاء في التعليم ( Council of Partners in Education) إلى تحسين التعاون بين مؤسسات التعليم للمرحلة الثانوية وما بعدها، وعمل تحالف شمال ولاية كنتاكي التعليمي التابع لغرفة التجارة على تعزيز التعاون بين المدارس والشركات. وكان لدى مؤسسة فيجن 2015 (Vision 2015)، التي عزّزت التعاون بين القطّاعات لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، فريق لتطبيق خطط التعليم، كما شارك بعض الأشخاص في كل هذه المساعي والتقى بعضهم بعضاً في جميع الاجتماعات. تذكر المدرِّسة بولي لاسك بيج: “يمكنك حضور 3 اجتماعات في الأسبوع، وستستمع إلى التقرير نفسه 3 مرات”.

تنافست المبادرات على الموارد وجذب اهتمام الجمهور ذاته، وعلى الرغم من أنها عملت معاً بدرجات متفاوتة فلم تكن لديها استراتيجية جامعة، وكانت الجهود المبذولة لتحقيق التعاون معقّدة بسبب إحدى المشكلات التي نراها عادة في الضواحي والمناطق الريفية؛ وجود العشرات من السلطات القضائية المسؤولة عن منطقة كبيرة.

تذكر لسك بيج الإحباط الذي عبّر عنه قادة مؤسسة فيجن 2015: “يوجد العديد من المبادرات، ولذلك نرى ازدواجية في الجهود بشكل كبير، ويقول مجتمع الأعمال إن “العديد من الناس يرجعون إلينا لطرح عدد كبير جداً من الأسئلة”، لذلك طرحت فيجن 2015 الفكرة: “كيف ستكون الأمور إذا أعدنا التنسيق فيما بيننا؟”

استغرق العثور على الإجابة عامين من الأبحاث والمناقشات، ووجدت عدة مؤسسات نفسها مؤهلة لقيادة الهيكلية الجديدة، وعملت المؤسسات المحايدة على تنسيق هذه العمليات.

تداخلت عمليتان نوعاً ما، ففي عام 2008، أطلقت مؤسسة فيجن 2015 سلسلة من المناقَشات مع أصحاب المصلحة في مجال التعليم حول تنسيق جهودهم بإشراف مؤسسة واحدة، ولم تضمر مؤسسة فيجن 2015 أي رغبة في أن تكون هي المؤسسة المشرفة، إذ لا يقتصر جدول أعمالها على المجال التعليمي فقط. ثم في عام 2009، وقعت مؤسسة يونايتد واي أوف غريتر سينسيناتي (المسؤولة عن شمال ولاية كنتاكي) مع مؤسستنا الوطنية غير الربحية، لإقامة منتدى الاستثمار الشبابي لتيسير تنفيذ خطة إعداد الشباب للعمل بسن 21 (Ready by 21)؛ وهي مجموعة من استراتيجيات الأثر الجمعي لمساعدة المجتمعات على “تهيئة الشباب للجامعة والعمل والحياة”: وذلك عن طريق تعزيز الشراكات ووضع أهداف مشتركة وقياس التقدّم.

تقول نائبة رئيس قسم التواصل والمبادرات الاستراتيجية في مؤسسة فيجن 2015، كارا ويليامز، إن أحد مفاتيح النجاح هو “اختيار الأشخاص المناسبين الذين يمكنهم اتخاذ القرارات بالنيابة عن مؤسساتهم، ووجود القادة المتحمِّسين الذين أدركوا الفوضى والألم الناتجين عن العمل غير المتناسق، وأنه يمكنهم إنجاز المزيد بالعمل التعاوني، أكثر مما كانوا ينجزونه بالعمل الإفرادي”.

الأخذ والعطاء

برز مجلس الشركاء في التعليم مرشحاً لدور المؤسسة المرجعية نظراً لعلاقاته الوطيدة بالدوائر التعليمية وقادة التعليم، وأُعد ليصبح “المؤسسة الجامعة لتنسيق المبادرات التعليمية” في المنطقة، ثم غير اسمه ليصبح المجلس التعليمي لشمال ولاية كنتاكي “إن كيه واي إي سي” (Northern Kentucky Education Council – NKYEC).

لكن على الرغم من ترحيب الجميع بإطلاق مؤسسة فيجن 2015 لمشروع التنسيق فشكوكهم بشأن احتمال تدخُّل المجلس في المناطق التي تخضع لمراقبة الجهات الأخرى خففت حماسهم للتنسيق، تقول لَسك بيج التي أصبحت المديرة التنفيذية للمجلس حينها: “كنا نتعامل مع عدّة مؤسسات، وبطبيعة الحال كان لدى بعض القادة طابع تنافسي، لكننا استثمرنا جهود الجميع في التغيير المجتمعي، إذ لم يرغب بعضهم في التخلي عمّا يفعله”.

ولم يكن من الضروري أن يتخلوا عما يفعلونه، إذ فضَّل المجلس التنسيق مع المبادرات الحالية بدلاً من بدء مبادرات جديدة، وساعد المؤسسات الأخرى على التوفيق بين عملها وأولوياتها، وأنشأ المجلس 6 فرق عمل سهلت هذه المهمة إذ ركّز كل فريق على تحقيق هدف معين مثل “الاستعداد لدخول الجامعة ومجال العمل” و”تميز المعلِّم”. تتألف هذه الفرق من ممثلين من المؤسسات التي تنتمي إلى المجلس وتتيح للمؤسسات العمل بالتزامن معه والتأثير فيه، لأن الفرق تسهم في توجيه مهمات هذه المؤسسات وتنفيذها.

بعض المبادرات انتهت ولكن نتيجة عملها باقية، أدار أعضاء تحالف التعليم التابع لمبادرة غرفة التجارة فريق العمل المعني بمشاركة قطاع الأعمال التجارية والتعليم الخدمي، وأثار ذلك جدلاً حول التحالف أدى إلى فضّه وإلغاء فريق تنفيذ خطط التعليم في مؤسسة فيجن 2015، لأن المجلس وضع لوائح داخلية جديدة لتعزيز أهداف مؤسسة فيجن 2015 التعليمية. قالت ويليامز: “وجّهنا كل تلك الموارد الخاصة بفريق التعليم إلى المجلس”، وأدى دمج الأشخاص والموارد بين المؤسسات إلى تسهيل نجاح التنسيق بينها.

اقرأ أيضاً: مواءمة السياسات العامة لصالح مبادرات تحقيق الأثر الجماعي

كن طموحاً

وحتى عندما حسمت هذه العملية تلك المسائل استمرّت أعمال التجديد، إذ قاد أعضاء فريق إعداد الشباب للعمل بسن 21  الذي يعمل عن طريق مؤسسة ذا يونايتد واي (United Way)، دراسة لأهداف المنطقة بخصوص فئة الشباب والموارد المتاحة والخطوات التي يجب اتباعها لتحقيق هذه الأهداف. دفعت هذه الدراسة أصحاب المصلحة إلى توسيع رؤيتهم بطريقتين: التركيز على تحقيق نتائج محدَّدة للشباب، والتوسُّع إلى قطاعات أخرى غير القطاع التعليمي.

أحد المفاهيم الأساسية لفريق إعداد الشباب للعمل بسن 21 هو “المسار التعليمي المخصَّص” الذي ينصّ على ضرورة أن تضمن المجتمعات مجموعة كاملة من الدعم للأفراد منذ ولادتهم وحتى دخولهم المجال المهني في مجالات غير المجال الأكاديمي، مثل الخدمات الموجهة للأطفال الصغار والصحة والسلامة والعلاقات الاجتماعية ومهارات العمل. تقول لَسك بيج: “ساعد هذا المسار الناس على إدراك أنه يمكننا العمل على المسار الأكاديمي كما نشاء، ولكن لن ننجح حتى نوسِّع نطاق عملنا ونفكر في أشكال الدعم الشاملة التي تحتاج إليها عائلاتنا وشبابنا؛ لم نكن قد أدركنا ذلك بهذه الطريقة قط”.

يعني بناء مسار مخصَّص للدعم إقامة الشراكات بين المؤسسات التعليمية وغيرها من المؤسسات التي توفِّر كافة الخدمات من الأنشطة بعد الدوام المدرسي إلى التدريب المهني وتعزيز هذه الشراكات، ويدفعنا هذا إلى إعادة طرح السؤال الشامِل مرة أخرى: هل يمكن لمجموعة واحدة التنسيق مع أصحاب المصلحة هؤلاء؟ وحَّد المجلس الجهود المحلية في مجال التعليم، لكن مؤسسة يونايتد واي كانت الشريكة الرئيسية في فريق إعداد الشباب للعمل بسن 21 إذ أمّنت التمويل والمساعدة التقنية؛ إلا أن المجلس ومؤسسة يونايتد واي لم يعملا معاً إلا قليلاً، ولم يتطابق نطاقا خدماتهما الجغرافيان في شمال ولاية كنتاكي تماماً.

تذكر لَسك بيج قائلة: “دارت بعض المناقشات الصريحة في اجتماعاتنا الأولية” حول المؤسسة المؤهلة لقيادة العمل على النطاق الأوسع، وكانت مؤسسة يونايتد واي على قناعة دائمة بأن المجلس يرقى إلى مستوى المهمّة. لكن كان كل طرف يطالب بضمانات حول المسؤوليات والموارد، وقد جُمعت هذه الضمانات في مذكرة تفاهم عام 2010 بين مؤسسة يونايتد واي والمجلس التعليمي لشمال ولاية كنتاكي ومؤسسة فيجن 2015، واتفقوا على اعتماد الحيّز الجغرافي الذي حدده المجلس (6 مقاطعات و37 بلدية و18 منطقة تعليمية) لغرض توسيع العمل، وأن مؤسسة فيجن 2015 ستدفع أجور موظف بدوام جزئي ينفّذ العمل في المجلس.

وهكذا توسّع مجال عمل المجلس، وأصبحت النتائج المرجوّة لا تقتصر على التحصيل الأكاديمي بل تشمل رفاهية الشباب إجمالاً أيضاً، وتدعو إلى تأمين الدعم لهم منذ الولادة وحتى الدخول في الحياة المهنية كأن تدعم الخدمات المقدمة للأطفال في مراحل الطفولة الأولى مثلاً وتدعم تنمية اليافعين الأكبر لإدخالهم في القوى العاملة، كما تفرض لوائحها الداخلية عدداً متساوياً من المقاعد في مجلس إدارتها لقادة مجالات التعليم والأعمال والمجتمع (مثل مقدِّمي الخدمات غير الربحية).

نتائج مبادرات الأثر الجماعي

يتوخى قادة مبادرات المجلس التعليمي لشمال ولاية كنتاكي الحذر حالياً في رسم الروابط بين استراتيجيات الأثر الجمعي والنتائج على المستوى السكاني، ومع ذلك تقول لَسك بيج: “بدأنا نلحظ بعض التغيير” وفقاً لبعض الدلائل، مثل مستويات القدرة على القراءة ومعدلات التخرج ومقاييس الاستعداد الجامعي والمهني، والمثال الأوضح بينها هو التغييرات على أرض الواقع في الخدمات وأشكال الدعم التي يتلقاها الشباب، ويرجع الفضل الكبير  في ذلك إلى الجهد الكبير الذي تبذله فرق العمل.

  • أطلقت المجموعات المعنية بالتعليم والأعمال مبادرات لتهيئة عدد أكبر من طلّاب المرحلة الثانوية للحياة الجامعية والمهنية، مثل زيادة المسجّلين في دورات الرصيد المزدوج الجامعية التي يلتحق بها طلاب المدرسة للحصول على رصيد أكاديمي من المدرسة والجامعة، وتحديد موارد التهيئة الوظيفية المحلية وتدريب المعلّمين على إدراج تنمية المهارات الضرورية للقرن الحادي والعشرين في فصولهم الدراسية.
  • أجرى أكثر من 80 مدرسة إصداراً محسناً من استفتاء “غالوب” للطلاب الذي يقيس الأمل والمشاركة والرفاهية، ثم تجمع المدارس نتائج الاستفتاء مع بيانات حول الدرجات والحضور وتستخدم النتائج لتوجيه الطلاب إلى خدمات الدعم المدرسي (مثل دورات المهارات الحياتية)، وزيادة فرص ما بعد المدرسة (مثل برامج تنمية المهارات القيادية).
  • أطلق المجلس ومؤسسة يونايتد واي وشراكة سترايف بارتنرشب (Strive Partnership) حملة لمحو الأمية مع أكثر من 70 شريكاً.

عالجت عملية إعادة التنسيق المشكلة التي عقد القادة العزم على معالجتها، فقد انتقلت منطقة شمال ولاية كنتاكي من الافتقار إلى المنسِّق أو الخطة ومبادرات الأثر الجمعي المنفصلة إلى نظام على درجة عالية من التنسيق.

يرى قادة هذه المبادرات أنهم مستعدّون لتحقيق تغييرات لم يكن بإمكانهم تخيلها من قبل. مثلاً، يعمل المجلس التعليمي لشمال ولاية كنتاكي مع منتدى الاستثمار الشبابي وشركة برمجيات التحليلات المحوسبة وخدماتها، إس أيه إس (SAS)، لتجربة نظام تحليلي يربط المبادرات بالأثر المحقق. إذ يجمع النظام البيانات من مصادر متعددة ويعرضها ويبيّن تأثير تخصيص الموارد والدعم المجتمعي في النتائج التي تعود على الأطفال والشباب. تقول لَسك بيج: “سنتمكّن للمرة الأولى من رؤية الأثر الذي نحققه وإجراء التعديلات بناءً عليه، وسنعرف حقاً ما إذا كنا نخلق أثراً حقيقياً”.

اقرأ أيضاً: تحقيق الأثر الجماعي لمجموعة الشباب الواعدين

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.