3 حواجز شائعة تمنع المرأة من دخول سوق العمل في البلدان العربية وكيفية تجاوزها

6 دقيقة
عقبات المرأة في سوق العمل

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في خطاب له عام 2023 أن العالم على بعد 300 عام من تحقيق المساواة بين الجنسين، وهي نظرة تدعمها أدلة كثيرة تؤكد أن التقدم الذي أحرزته المرأة في العقد الماضي آخذ في التراجع تدريجياً. إن إلغاء المحكمة العليا الأميركية للحق الدستوري في الإجهاض عام 2022 من خلال إلغائها حكم القضية الشهيرة التي رفعتها جين رو ضد هنري ويد، والحظر الذي فرضته حركة طالبان مؤخراً على تعليم الفتيات في أفغانستان ما هما إلا مثالان مقلقان.

تشير الأستاذتان في جامعة هارفارد إيريكا تشينويث وزوي ماركس إلى هذا التوجه بأنه "انتقام السلطة الأبوية"، وهي سلسلة من الإجراءات القمعية التي تناهض حقوق المرأة الاقتصادية والسياسية والشخصية. نرى هذا التوجه في جميع أنحاء العالم، لكن آثاره واضحة بوجه خاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث تسود السلطة الأبوية في تفاصيل الحياة الأسرية وكذلك الحكومية على حد سواء، إذ تميل القيم والمعايير الثقافية والأطر القانونية وهياكل الحوكمة في هذه البيئات إلى إعطاء الأولوية لحقوق الرجال والمسنين وتفضيلاتهم وترسيخها.

تمتلك منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إحدى أدنى نسب القوى العاملة النسائية في العالم؛ إذ تقدّر الإحصائيات نسبة النساء المشاركات في الاقتصاد الرسمي بـ 18.4% مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 48%. وهذا انعكاس صارخ لبعض الممارسات الخاطئة التي تشمل العنف ضد المرأة وبعض التفسيرات المتشددة للنصوص الدينية التي تقيّد وصول المرأة إلى العمل والمشاركة السياسية. تتضافر هذه القوى في جميع أنحاء المنطقة لإقصاء غالبية النساء من سوق العمل، ما يجعلهن أكثر عرضة للفقر والحرمان.

ريادة الأعمال: حل غير مكتمل

يرى الكثيرون ريادة الأعمال حلاً لمشكلة الفقر ومحدودية وصول المرأة إلى الاقتصاد الرسمي. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي انتشار برامج ريادة الأعمال إلى إبعاد النساء عن الاقتصاد الرسمي دون قصد، ما يعرضهن للاستغلال والاعتماد على العقود القصيرة الأجل، ويعوق حصولهن على مزايا الضمان الاجتماعي الحيوية لهن ولأسرهن.

المشكلة الأخرى هي أن تصميم برامج ريادة الأعمال يكون غالباً للنساء اللاتي يتمتعن بمهارات محددة مثل الابتكار الرقمي أو مهارات الطهي أو الحرف اليدوية، واللاتي لديهن اهتمام بتطوير أعمالهن الخاصة، وهي ليست مناسبة دائماً للنساء ذوات القدرات والطموحات المختلفة. حدثتنا إحدى النساء اللاتي أجرينا معهن مقابلات حول العمل في لبنان قائلة: "تجري في قريتي دورات تدريبية للنساء على ريادة الأعمال كل شهرين، غالبية النساء مثيرات للإعجاب وقادرات على تأسيس أعمالهن الخاصة، لكنهن لا يرغبن جميعهن في أن يصبحن رائدات أعمال، وينبغي ألا يقودهن ذلك إلى أن يبقين دون وظائف لائقة".

لذا يتعين على القادة والمؤسسات الذين يتطلعون إلى دعم شمولية أكبر للقوى العاملة أن يتبعوا أسلوباً متعدد الأوجه محدد السياق يتجنب إلقاء عبء التغيير على النساء على نحوٍ فردي. "أشعر شخصياً بالتمكين الشديد، ولكنني لا أستطيع مواجهة التمييز اليومي والعنف في الشوارع والتحيزات في قرارات الترقية، لست أنا من عليها أن تتغير وتصبح أكثر تمكيناً، بل الحكومة ومديري في العمل"، هذا ما قالته امرأة عاملة من المغرب أجرينا معها مقابلة.

ولهذه الأسباب تبنى مشروع ساوي وقبله مشروع كيب (KIP) أسلوباً تشاركياً نسوياً يُشرك كلاً من الشركات والموظفين من مختلف القطاعات والدول. تتعاون مبادرتنا التي تشمل عدة بلدان مع الشركات لإصلاح سياسات التوظيف وممارساته لضمان تعزيز شمول المرأة، وهي مبادرة ممولة من مبادرة شراكة الشرق الأوسط (Middle East Partnership Initiative) التابعة لوزارة الخارجية الأميركية، التي تتخذ من الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة أوتاوا مقرين لها. يتضمن عملنا التعاون مع مؤسسات المجتمع الأهلي المحلية والجامعات والطلاب والباحثين والإحصائيين وقادة الأعمال والمتخصصين في الموارد البشرية لتحديد العوائق التي تحول دون شمول القوى العاملة وتحليل البيانات والمشاركة في تصميم الحلول. كما نساعد أصحاب العمل على تنفيذ سياسات جديدة وبناء القدرات اللازمة للمراقبة الطويلة الأجل.

تختلف التحديات على المستويين الوطني والمؤسسي اختلافاً كبيراً باختلاف الأسواق وتجارب النساء، لكننا وجدنا 3 أوجه تشابه لافتة للنظر وتحديات شائعة لإصلاح الثقافات التنظيمية التمييزية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتشمل هذه العوامل عدم كفاية البيانات؛ والافتقار إلى السياسات والبنية التحتية لدعم الشمول؛ وعدم وجود جدول أعمال مشترك بين الممولين والقادة والمؤسسات التي يمكنها إحداث التغيير وخاصة الجامعات. وقد أتاحت المعالجة المتزامنة لهذه التحديات لمؤسستنا وشركائنا زيادة مشاركة المرأة الاقتصادية بفعالية في سياقات اجتماعية وثقافية وجغرافية متنوعة.

معالجة النقص في البيانات

تعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نقصاً في البيانات عموماً، وتكاد تكون البيانات المتعلقة بتجارب عمل المرأة وسياسات الموارد البشرية وممارساتها المتعلقة بتوظيف المرأة واستبقائها وترقيتها غير موجودة في بعض البلدان والقطاعات. نتيجة لذلك، تجد الشركات صعوبة في تأسيس مساحات عمل أشمل. إن غياب المقارنات الإحصائية المفيدة بين القطاعات، وتهميش أصوات النساء وخبراتهن يشل عملية وضع الاستراتيجيات الفعالة ويزيد العوائق التي تحول دون شمول المرأة في القوى العاملة. من دون وجود مقياس معياري أو نقطة بداية واضحين، تواجه المؤسسات صعوبة في قياس تقدمها أو تنفيذ التغييرات الاستراتيجية.

تتمثل الخطوة الأولى لدعم الشمول في فهم جذور المشاكل التي تواجهها النساء والشركات والفروق الدقيقة بينها.  للحصول على أفكار متعمقة حول سياسات الشركات وتجارب النساء في العمل، جمعنا بيانات استقصائية من 3,310 شركات محلية وبيانات مقابلات مع أكثر من 980 امرأة  لوضع مؤشرين، وهما مؤشر المعرفة والشمول والمشاركة ومؤشر التجربة المباشرة.

كان الهدف من هذه المبادرة هو جمع المعلومات باعتبارها أساساً لرسم مسار التخلص من العوائق الهيكلية التي تحول دون شمول المرأة؛ إذ توفر المؤشرات أساساً يمكن أن تُبنى عليه حلول هادفة تعالج جذور المشكلة. من خلال بيانات الموارد البشرية المتعلقة بمتوسط عدد النساء الموظفات، والوظائف التي يشغلها النساء، وأنواع السياسات القائمة، وإذا ما كانت السياسات مطبقة فعلاً، يمكننا مساعدة إدارات الموارد البشرية على وضع مسارات مستندة إلى الأدلة ومصممة تصميماً خاصاً لتحسين سياساتها وممارساتها. كما تشمل نقاط بياناتنا أيضاً تصورات النساء حول الإجراءات الرسمية وغير الرسمية في عمليات التوظيف والاختيار، والحصول على الترقية والتدريب، والاستعداد للإبلاغ عن المضايقات في العمل. يستمر مشروع ساوي (SAWI) في جمع بيانات جديدة كل عامين لتوليد أفكار من مقارنة البيانات المتراكمة على المدى الطويل.

تنفيذ السياسات والبنية التحتية

صحيح أن البيانات ضرورية، لكن توافرها مجرد نقطة البداية. يتطلب تحقيق شمول القوى العاملة التفاني في إحداث تغيير حقيقي من خلال سنِّ سياسات وممارسات جديدة. يعرِّف مشروع ساوي الشمول بأنه المشاركة الكريمة للمرأة التي تشمل التمكين والأمان والمساواة في المعاملة في مكان العمل وأكثر من ذلك. ينصب تركيزنا في هذا الصدد على إجراء تعديلات حقيقية وملموسة على الموارد البشرية تتناسب مع التحديات والفرص الفريدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتحديداً من خلال المشاركة المباشرة والفعالة مع الشركات.

أحد الأمثلة على عملنا في هذا المجال هو برنامج الشهادة المصغرة للتوظيف والاستبقاء والترقية الذي يدرب قادة المؤسسات على الأدوات التي تدعم تطوير السياسات والثقافات المؤسسية الشاملة للجميع وتنفيذها. على سبيل المثال، تتعرض نساء كثيرات للإيذاء اللفظي أو الجسدي في أثناء محاولتهن الوصول إلى العمل. تقول امرأة عاملة من الأردن: "يعتقد الناس أنني لم أعد أعمل ممرضة لأنني تزوجت، ولكن الحقيقة هي أن الذهاب إلى المستشفى والعودة منه أمر خطر، هل عليّ أن أخاطر بحياتي للحصول على دخل؟". يساعد البرنامج الشركات على فهم هذه التحديات الخاصة وتبنّي سياسات عملية تدعم بيئة عمل خالية من المضايقات وتوفر مزايا رعاية الأطفال اليومية وتخلق فرص ترقية شفافة للنساء. توفر إحدى الشركات الكبيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للموظفين وسائل نقل مجانية من العمل وإليه، وهو أمر ذو أهمية كبيرة في مناطق النزاعات وعدم الاستقرار. كما عزز البرنامج شبكة عابرة للحدود تضم أكثر من 500 شركة مسؤولة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

يستخدم مشروع ساوي نموذج الشراكة، حيث يتعاون الشركاء في كل بلد مع الشركات المحلية لصياغة سياسات موارد بشرية قوية نظرياً وقابلة للتطبيق عملياً. وقد أسفرت هذه الشراكات حتى الآن عن 112 سياسة جرى تصميمها لتكون مرنة ومراعية للسياقات الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية والثقافية الخاصة بمختلف بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وقطاعاتها.

بالإضافة إلى ذلك، نتواصل باستمرار مع شركائنا في البلدان المختلفة عبر التشاور وإقامة ورش عمل وبرامج تدريبية بهدف التعاون مع الشركات المحلية لدمج السياسات والآليات الجديدة للمراقبة والتقييم بسلاسة في أنظمة الموارد البشرية القائمة. في عام 2023، دخل فريقنا في شراكة مع 80 مؤسسة لتنفيذ هذا العمل. هذه المبادرات التي جرى تصميمها على نحو مشترك لا تساعد الشركات على أن تصبح أكثر مهارة في تعزيز شمول المرأة في أماكن عملها فحسب، بل تجعل منظومة العمل الأوسع نطاقاً (التي تشمل واضعي السياسات وقادة القطاعات والجمهور) أكثر وعياً بالحاجة إلى التغيير والسبل الفعالة لتحقيقه.

توحيد الجامعات حول جدول أعمال مشترك

إن فريق مشروع ساوي متعدد التخصصات، ويشمل العديد من البلدان والقطاعات واللغات والأجيال. تعلمنا أن حل التحديات المجتمعية المعقدة يتطلب وجهات نظر وخبرات وموارد متنوعة. ومع ذلك، من المهم أن يعمل المعنيون جميعهم بأجندة مشتركة وأن يكون الأفراد والمؤسسات الذين يعملون في صلب هذا المسعى قادرين على التفكير والعمل بطريقة شاملة. في حالتنا، نتعامل مع تحدي شمول القوى العاملة النسائية بصفتنا باحثات مستندات بقوة إلى أسلوب تشاركي نسوي. وهذا يمكّننا من حشد جهود الباحثين والشركات والمؤسسات والمشرّعين لدعم حق المرأة في عمل كريم ومستدام، وضمان أن تكون حلولنا صحيحة أكاديمياً ومناسبة وفعالة اجتماعياً وعملياً، إذ يمكن للمؤسسات الأكاديمية أن تدفع عجلة التقدم الاجتماعي والاقتصادي من خلال تعزيز الابتكارات والعمل بصفتها مراكز للتغيير الإيجابي.

السبيل الوحيد للمضي قدماً هو تكاتف الجميع، ونعتزم مواصلة تعزيز الشراكات القائمة نحو استراتيجية طويلة الأجل لرصد التقدم المحرز والتكيف مع الأزمات وتحسين سياسات الشركات والحكومات وإضفاء الطابع المؤسسي عليها. وبذلك نأمل أن نكون قدوة للجامعات الأخرى في أجزاء أخرى من العالم لجمع البيانات الأساسية ودعم تنفيذ التغيير والتعاون مع الآخرين حول جدول أعمال مشترك لحماية الحقوق الاقتصادية والسياسية والشخصية للمرأة وتمكينها من النجاح. 

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي