تبرز مسّرعات الأعمال كتوجه أساسي في القطاع الربحي، إذ تُعد محركاً لتطوير أفكار روّاد الأعمال وتمويلها، وتساعدهم في الاستفادة من بيئة عمل محفزّة على التعاون واستقطاب المواهب، وتوفر لهم أيضاً فرص التعلم من الخبراء والمستثمرين، وكثيرة هي الشركات العالمية الناجحة التي اعتمدت في بداياتها على محرّكات التطوير هذه ومنها، أوبر (Uber) وإير بي إن بي (Airbnb).
وجذبت فكرة المسرعات القطاع العام أيضاً، وتوصل تقرير مختبر آر إس أيه (RSA Lab) بعنوان: تحرك سريعاً وأصلح الأمور (Move Fast and Fix Things) إلى وجود ما يزيد عن 75 مسرّعة أعمال في القطاع العام على مستوى العالم، مثل فنلندا، وكندا، والبيرو، وكينيا، فيما تعد مسرّعات دبي المستقبل من أهم المختبرات التسريع التي تربط بين روّاد الأعمال والشركات الناشئة ومؤسسات القطاع العام، وتوفر قاعدة مشتركة للعمل على حلول مبتكرة للتحديات الاجتماعية والبيئية المحلية والعالمية.
وعلى الرغم من انتشار ظاهرة مسرّعات الأعمال في القطاع الربحي، إلا أن منظومة العمل الخيري في المنطقة العربية تبقى متأخرة عن احتضان وتسريع الحلول القائمة على التكنولوجيا للمشاكل والتحديات، ولا يزال هناك فرصة لتوظيف التطور الرقمي في تعزيز الثقة بين المتبرع والمستفيد؛ التي تعد أساس تطوّر المؤسسات غير الربحية وقدرتها على تحقيق الأثر المستدام.
تبحث المؤسسات غير الربحية عن الفائدة في التوسع، لكن من السهل أن يدفعها تركيزها على الأنشطة اليومية إلى إغفال مهمتها الأساسية ورؤيتها الأكبر، وبالتالي يمكن لمسرّعات الأعمال غير الربحية أن تساعد هذه المؤسسات في التركيز على أهداف محددة، وتتشابه المسرّعات مع حاضنات الأعمال لكنها تركز على تنمية المؤسسات الراسخة بدلاً من إطلاق مؤسسات جديدة، وتكون مخصصة للمؤسسات غير الربحية المهتمة بتوسيع نطاق قدراتها، وزيادة استدامتها، واختبار فكرة برنامج جديدة، وإعادة فحص برامج طويلة الأمد، كما توفر هذه المسرّعات الوقت والخبرة والمساحة اللازمة للتفكير والتغيير والعمل.
للتعرف على طبيعة مسرّعات الأعمال الخيرية ودورها في دعم المؤسسات غير الربحية وتطوير برامجها، نستعرض الخدمات التي تقدمها المسرعات الإنسانية في الإمارات، ومسرعة سراج في السعودية.
المسرعات الإنسانية
تدفع التحديات الإنسانية المتعددة إلى التفكير بطرق جديدة لتسريع منظومة العطاء، لذا انطلقت المسرّعات الإنسانية في يونيو/حزيران عام 2017، ضمن مبادرة مشتركة بين مؤسستي مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية ومسرّعات دبي المستقبل، بهدف رفع الكفاءة المالية للمؤسسات التنموية والإنسانية، والجمع بين أفضل العقول لمواجهة أهم التحديات الإنسانية وتحقيق قفزات نوعية في العمل الإنساني عبر حلول الذكاء الاصطناعي، إضافةً إلى اختصار الوقت ومضاعفة العطاء والإنجازات الخيرية باستخدام أفكار جديدة.
ويتمحور عمل المسرّعات الإنسانية حول توفير الحلول لأربعة تحديات رئيسية تواجهها المنطقة، وهي:
- تعليم الأطفال اللاجئين: من بين 20.7 مليون لاجئ تُعنى بهم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، هناك 7.9 مليون لاجئ في سن الدراسة، لكن حصولهم على التعليم محدود، إذ لا يتمكن نحو نصفهم من ارتياد المدارس، وعلى مستوى التعليم الابتدائي، وصل المعدل الإجمالي لالتحاق الأطفال اللاجئين بالمدارس خلال عام بدايةً من مارس/آذار 2019 إلى 68%.
وعليه، تسعى المسرّعات الإنسانية إلى تطوير آليات جديدة بهدف إتاحة التعليم الإلكتروني للأطفال اللاجئين وتسهيل أدواته، وذلك من خلال توفير منصات إلكترونية مبتكرة تعتمد نظم تعليمية محفّزة تساعدهم في متابعة تحصيلهم العلمي، أو ربطه بالنظم السائدة في الأماكن المتواجدين فيها، إذ يفتقر هؤلاء الأطفال إلى إمكانية الحصول على تعليم نظامي بسبب عدم توفر مدارس لاستيعابهم، ونقص الأدوات التعليمية والكادر التعليمي؛ ما يؤدي إلى صعوبة دمجهم في الأنظمة التعليمية المعتمدة في دول اللجوء، أو تقديم مناهج دراسية بديلة أو معترف بها ليتابع الأطفال اللاجئين دراستهم، وتقف هذه المعوقات حجر عثرة أمام بناء أجيال المستقبل في حال تركها دون حلول سريعة وجذرية.
- تمكين اللاجئين في سوق العمل: تعمل المسرّعات الإنسانية على تحسين الواقع المعيشي للاجئين عن طريق تطوير فكرة سوق عمل إلكتروني لهم حول العالم، وهو عبارة عن منصة لتوظيف مهاراتهم وطاقاتهم في خلق فرص اقتصادية حقيقية، ومصدر دخل يؤمن لهم حياة ومستقبل عيش كريم، إذ تشير بيانات مفوضية اللاجئين إلى أن تسع من أصل كل عشر أسر سورية لاجئة في لبنان تعيش حالياً في فقر مدقع، وزادت جائحة كوفيد-19 من معدلات فقر اللاجئين السوريين والمجتمعات المُضيفة لهم.
- إيجاد حلول تكنولوجية مبتكرة لتنقية المياه في الدول الفقيرة: تبحث المسرّعات الإنسانية عن تكنولوجيات ذات تكلفة مناسبة لتنقية المياه بكفاءة وسرعة وكميات كبيرة وإتاحتها للمجتمعات الأكثر تضرراً، إذ تؤثر ندرة المياه على ما يزيد عن 40% من سكان العالم، وتُسبب مشاكل صحية للأطفال يمكن أن تودي بحياتهم، إذ يموت 297 ألف طفل دون سن الخامسة سنوياً بسبب الإسهال المرتبط بسوء الصرف الصحي وعدم كفاية المياه.
وتأتي جهود المسرّعات الإنسانية استكمالاً لدور مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية في حل أزمة المياه في المجتمعات المهمشة، ونجحت من خلال مؤسسة سقيا الإمارات التابعة لها في تنفيذ 38 مشروعاً مائياً جديداً بخمس دول خلال عام 2020، استفاد منها نحو 182 ألف شخص.
- مضاعفة المحتوى الرقمي العربي: في ظل ضعف المحتوى العربي على شبكة الإنترنت، فقد توصلت دراسة حديثة أجرتها شركة دبليو 3 تكس (W3Techs) للدراسات المسحية، إلى أن اللغة العربية شكلت أقل من 1% من لغة المواقع التي شملتها الدراسة، لذلك تسعى المسرّعات الإنسانية لتطوير المحتوى الرقمي المقروء باللغة العربية وتوسيع نطاق نشره، وابتكار حلول إلكترونية لرفع مستوى جودته.
وتواجه المسرّعات الإنسانية هذه التحديات من خلال خلق بيئة حيوية ومتكاملة تساعد المؤسسات الإنسانية في استكشاف فرص ومجالات جديدة لتقديم الحلول المبتكرة، واستخدام الأدوات التكنولوجية القادرة على تغيير العالم، وفتح المجال أمام المشاركين لعقد شراكات فعّالة من أجل تمويل المشاريع التجريبية وتنفيذها بعد انتهاء فترة البرنامج.
مسرّعة الأعمال للمؤسسات غير الربحية، سراج
تولي السعودية اهتماماً خاصاً بمنظومة العمل الخيري، وتعمل على توفير البيئة المناسبة لتعظيم أثرها في المجتمع، وتربط استراتيجيتها المستقبلية بتنمية القطاع غير الربحي وتعزيز دوره في دعم المواطن السعودي والفئات المهمشة، ونظراً لأن المسرّعات تساعد في تطوير عمل المؤسسات الخيرية، أطلقت الجمعية الخيرية لتطوير العمل التنموي تنامي مسرّعة الأعمال للمؤسسات غير الربحية سراج عام 2019؛ بهدف دعم الجمعيات الأهلية في مراحلها الأولى عبر تقديم نموذج تطوير استشاري يساعدها في تحديد توجهها الاستراتيجي للوصول إلى الأثر طويل المدى.
وتقدم مسرّعة سراج عدداً من الخدمات الاستشارية واللوجستية للمؤسسات حديثة التأسيس والجمعيات الناشئة، منها:
- التوجه الاستراتيجي: تساعد سراج المؤسسات والجمعيات في بناء خارطة الطريق التي ستعمل وفقها، وتحديد توجهها الرئيسي وأهدافها المحددة، إذ لا ينبغي للمؤسسات غير الربحية التي تفكر في كيفية تحديد أهداف قابلة للقياس فقط أن تكتفي بتحديد هدف طويل المدى، ولكن أيضاً يجب التفكير في الحجم الإجمالي للمشكلة التي تطمح لحلها من خلال وضع كِلا المقياسين في الاعتبار، وبالتالي يمكن لهذه المؤسسات إلهام فرقها لتوسيع نطاق الخدمة المباشرة ووضع الأساس لتغيير الأنظمة.
- الخطة التشغيلية: تعمل سراج على بناء الخطة التشغيلية للمؤسسات والجمعيات وربطها بالأهداف الإستراتيجية التي حددت من خلال توجهاتها.
- بناء الشراكات المجتمعية: تمد المسرّعة كل جمعية بالخطوات التي تساعدها في تحديد أصحاب المصلحة، وربط الأهداف الاستراتيجية بشركاء فعّالين، والاعتماد على الشركاء المناسبين في بناء خطة تسويق الأهداف.
وعلى الرغم من التحديات التي فرضتها جائحة كوفيد-19، تابعت سراج أعمالها عن بُعد عبر النظام التكنولوجي المتطور الذي أسسته جمعية تنامي، والذي أتاح للموظفين إنجاز مهامهم في يسر وسهولة، وتأتي إنجازات المسّرعة تماشياً مع رؤية المملكة 2030 الطموحة لدعم القطاع غير الربحي، إذ خرّجت على مدار عام 40 جمعية، وأعدّت لها دليلاً معرفياً تحت اسم خطة المائة يوم بالتعاون مع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، على سبيل المثال، عملت سراج على إنضاج فكرة مبتكرة لصالح جمعية اكتفاء لتمكين الأسر، من خلال ورش يناقش فيها الخبراء أفكاراً بنّاءة لتطوير المبادرات وجعلها أكثر جاذبية وقابلية للتنفيذ.
ختاماً، العطاء مَهمة لا تقبل الانتظار، وأمام التحديات المتجددة التي تواجه المجتمعات، يجب مسابقة الزمن وحشد الجهود والأدوات الممكنة لتسريع وتيرة عمل المؤسسات الخيرية بهدف بناء مجتمعات مستقرة يتمتع فيها الأفراد بأبسط حقوقهم بالعلم والعمل والحياة الكريمة.